الإدراك والتعلم :
-1-
مع ذلك يجب علينا عدم الخلط بين القدرة على التخزين في العقل وبين القدرة على التعلم , إن التعلم , ومعرفة ماهو متاح لتعمله ليس مجرد عملية تخزين معلومات ,
فلو كان الأمر كذلك فما الذي يمنعنا من معرفة كل شيء ؟ وإذا كنا نعرف كل شيء فما الذي يمنعنا من معرفة كل الإمكانيات والسمات والخصائص لكل شيء يظهر لنا في أي لحظة ؟ ما الذي يمنعنا من ذلك عندها ؟
هذه الأسئلة تتعلق بشكل جوهري بسبب وجوب فهمنا للمكونات العقلية كالذكريات والمميزات والمعتقدات والموجودة على شكل طاقة .
كل طاقة لديها القدرة على إظهار قوة تعبر بها عن شكلها , وهذا بالضبط ماتقوم به ذكرياتنا وميزاتنا ومعتقداتنا فهي تظهر قوة داخلية تؤثر بها على حواسنا لتعبر عن شكلها ومضمونها ,
وبإظهارها لهذه القوة التي تؤثر بها على حواسنا فإنها تؤثر أيضا بشكل عميق على المعلومات التي نتلقاها في أي لحظة , مما يجعل المعلومات الواردة من محيطنا والإحتمالات الكامنة داخل هذه المعلومات غير مرئية حرفيا .
ما أقوله هنا هو أنه في أية لحظة فإن محيطنا يولد كميات هائلة من المعلومات عن سماته وخصائصه وميزاته وبعض هذه المعلومات خارج النطاق المادي لحواسنا ,
وكمثال على ذلك , عيوننا لاتستطيع رؤية كل ألوان الطيف , وكذلك آذاننا لاتستطيع أن تسمع كل الترددات الصوتية في المحيط لذلك حتما هناك نطاق من المعلومات التي تتعدى قدرة حواسنا المادية (الفيزيولوجية) ,
ولكن ماذا عن بقية المعلومات التي يولدها المحيط ؟ فهل نحن نرى ونسمع ونتذوق ونشم ونشعر بكل السمات والعلامات والميزات التي نحس بها ؟؟ قطعا لا !!
فالطاقة التي بداخلنا سوف تحد بشكل قاطع وتحجب معرفتنا لكثير من هذه المعلومات , وذلك عن طريق التأثير على نفس آليات الاحساس التي تؤثر عليها العوامل الخارجية ,
الآن إذا توقفت للحظة وفكرت بالموضوع , بعض ما قلته يجب ان يكون بديهيا , وكمثال على ذلك ,
المحيط الخارجي قد يعبر لنا عن نفسه بأساليب عديدة ولكننا قد لانفهم هذه الأساليب, ببساطة لأننا لم نتعلم عنها بعد ,
من السهل توضيح ذلك , إرجع بذاكرتك إلى أول مرة نظرت فيها إلى مخطط السعر , ماذا رأيت ؟ما الذي تصورته بالضبط ؟ بدون رؤيتك له سابقا أنا واثق من أنك وكأي شخص آخر , ما رأيته هو مجموعة من الخطوط التي لامعنى لها ,
أما الآن فأنت كباقي المتداولين عندما تنظر إلى شارت السعر فأنت ترى صفات وسمات وخصائص الأنماط , هذه الأنماط التي تعبر عن السلوك الجماعي لجميع المتداولين الذين ساهموا في هذه الصفقات بالذات ,
في البداية كان المخطط البياني يمثل معلومات غير مميزة والمعلومات غير المميزة تخلق عادة نوع من الإرتباك , وهذا على الأغلب ماشعرت به عند أول مواجهة مع المخطط .
ومع ذلك فأنت تدريجيا تعلمت كيف تميز المعلومات , كالإتجاهات وخطوط الإتجاه , والإندماج والدعم والمقاومة والإرتدادات , وعلاقتها الهامة بأحجام التداول والفائدة المفتوحة وسلوك السعر , على سبيل المثال لا الحصر.
تعلمت أن هذه الإختلافات في سلوك الأسواق تمثل فرصة لتحقيق حاجة شخصيو ما , أو هدف أو رغبة .
كل إختلاف الآن صار له معنى ودرجة نسبية من الأهمية والدلالة الملازمة له ,
الآن أريد منك أن تستخدم مخيلتك وتصورك وتتخيل أني وضعت أمامك نفس مخطط السعر الذي رأيته لأول مرة , هل سيكون هناك فرق بين ما تراه الآن وبين مارأيته وقتها ؟؟
بالتأكيد , فبدل من مجموعة من الخطوط اللامميزة سترى كل ما تعلمته عن هذه الخطوط منذ ذلك الوقت وحتى الآن , بعبارة أخرى , سترى كل الفروق التي تعلمت تمييزها , كما سترى كل الفرص التي تمثلها هذه الفروق .
على الرغم من أن كل ماتراه عندما تنظر الى الشارت الآن كان موجودا سابقا وأيضا كان متاحا لك لتتلقاه , فما الإختلاف الذي حصل؟
إن هياكل الطاقة الموجودة داخلك الآن __ والتي هي المعرفة التي اكتسبتها __ تمارس قوة على عينيك لتجعلك تميز مختلف الفروق التي تعلمتها , وبما أن الطاقة لم تكن موجودة في أول مرة نظرت فيها إلى الرسم البياني ,
فإن كل الفرص التي تراها الآن كانت موجودة ولكن بنفس الوقت كانت غير مرئية لك ,
بالإضافة إلى ذلك إذا لم تتعلم أن تجعل كل حدث محتمل مبني على كل علاقة محتملة بين المتغيرات في المخطط البياني , فكل مالم تتعلمه بعد سيبقى غير مرئيا لك .
معظمنا ليس لديه فكرة عن حجم الفرص المخفية المحيطة بنا دائما والكامنة داخل المعلومات التي تأتينا .
في أغلب الأحيان نحن لانتعلم أبدا عن هذه الفرص , ونتيجة لذلك فإنها تبقى مخفية .
المشكلة حتما أنه مالم نكن في حالة جديدة وفريدة تماما , أو مالم نعمل إنطلاقا من موقف منفتح فعلا , فلن ندرك ونعرف شيء لم نتعلمه بعد ,
لنتعلم شيئا ما يجب أن نكون قادرين على تجربته بطريقة او بأخرى , وبالتالي نحن في حلقة مفرغة تمنعنا من التعلم .
(مايقوله الكاتب هنا أننا حتى نقتنع بجدوى علم ما ونتعلمه يجب أن نجربه أولا ولكن كيف نجربه إذا لم نتعلمه اساسا , أي أنه يدعو إلى أن يكون لدينا عقل منفتح لتعلم أشياء جديدة لم نجربها سابقا ثم تجربتها بعد تعلمها) .
يتبع ....