- المشاركات
- 7,533
- الإقامة
- عرب فوركس
يقوم النظام الاقتصادي المعاصر الذي انطلق منذ عام 1945 على عدد من الدعائم والأسس، من أهمها التجارة الحرة، التي تعد واحدة من أهم أسس هذا النظام، وقد دعمت الولايات المتحدة الأمريكية حرية التجارة منذ بداية ظهورها، لأنها كانت ترى أن حرية التجارة داعمة للمعسكر الرأسمالي في موجهة المعسكر الشيوعي، وكذلك لضمان استمرار النظام الاقتصادي الذي أنشأته بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
وكانت الولايات المتحدة تعارض أي سياسات أخرى تتعارض مع حرية التجارة، لذلك أُصيبت جميع الأسواق المالية والاقتصادية بالدهشة عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية وإجراءات حمائية لصالح صناعتي الصلب والألمنيوم الأمريكيتين.
السياسات الحمائية، عبارة عن مجموعة من الإجراءات تقوم بها الحكومات من أجل ضمان استقرار واستمرار صناعتها المحلية، وتلجأ الحكومات إليها إذا كانت هذه الصناعات في مرحلة النشأة أو تواجه أخرى متقدمة ومستقرة، وللسياسات الحمائية أشكال متعددة منها ما قام به "ترامب" من فرض تعريفة جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، وبالتالي أصبح للصناعة المحلية ميزة سعرية نسبية في مواجهة الصلب والألمنيوم المستورد.
اتفاقية التجارة الحرة "جات" تتيح فرض هذه التعريفة الجمركية ولكن في حالة واحدة تسمى ظاهرة "الإغراق" وهي تعني بيع دولة لمنتج معين بسعر يقل عن سعر التكلفة من أجل السيطرة على النصيب الأكبر من السوق وإفلاس الصناعات المحلية، إلا أن هذا لم يحدث مع أمريكا، وبالتالي فقرار ترامب يتنافى مع اتفاقية التجارة الحرة.
كان المفكر الفرنسي فريدريك باستيا قد حذر منذ زمن بعيد من السياسات الحمائية وتأثيرها السلبي على السوق العالمي، حيث قال " إذا لم نسمح للسلع بعبور الحدود فستعبرها الجيوش"، أي أن بعض الدول قد تضطر لإعلان الحرب حتى تفتح الأسواق الاقتصادية المغلقة في وجهها.
منذ تولي الرئيس ترامب السلطة، قدمت الإدارة الأمريكية صورة "حمائية" أكبر وذلك عندما أعلنت انسحابها من اتفاقية التجارة عبر الأطلنطي، وطالبت بإعادة التفاوض حول اتفاقية التجارة في أمريكا الشمالية، إلا أن لم يتصور أحد أن يصل الأمور بأمريكا إلى هذا الحد، فأمريكا التي دعمت التجارة الحرة منذ بداية ظهورها ودافعت عنها كثيرًا، الآن تذرعت بالأمن القومي من أجل فرض إجراءات حمائية، بدعوى أنها إذا دخلت في صدام عسكري مع دولة تعتمد عليها في استيراد الصلب فإن ذلك سيمنح هذه الدولة سلاحًا في مواجهتها.
هذه الإجراءات الحمائية التي اتخذها ترامب سيكون الخاسر الأكبر فيها هو المستهلك الأمريكي، لأنه سيجد نفسه مضطرًا لشراء منتجات الصلب والألمنيوم بأسعار تفوق تلك التي كان يدفعها من قبل، الأمر الذي سيؤدي بالطبع إلى موجة تضخمية كبيرة، كما ستتأثر الصناعات المحلية بشكل سلبي، فمن المعروف أن المنافسة سواء المحلية أو العالمية هي الدافع الأول من أجل التطوير وتقديم أسعار تنافسية، والحد من المنافسة سيكون له تأثير قوي على تطور الصناعات.
والأكبر من ذلك، أن بقية دول العالم ستتجه إلى فرض إجراءات حمائية هي الأخرى، فإذا كانت الولايات المتحدة مؤسس الاقتصاد العالمي المعاصر والمدافع الأول عن التجارة الحرة قام بكسر قواعد النظام، فمن الطبيعي أن تفعل بقية الدول مثلما فعلت من أجل حماية اقتصادها.
حتى لو افترضنا أن الولايات المتحدة تمكنت من منع اشتعال حرب تجارة عالمية مع دول الاتحاد الأوروبي والصين، فلن تتمكن من منع هذه الدول من اتخاذ إجراءات حمائية انتقامية، وهذا ما صرحت به هذه الدول بالفعل فور إعلان "ترامب" فرض الرسوم الجمركية على الصلب.
وتتوقع صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن يتم فرض المزيد من القيود على الاستثمارات الصينية في قطاع التكنولوجيا بأمريكا، وهذا سيكون له نتائج سيئة للغاية للاقتصاد الأمريكي، حيث ستضطر شركات أمريكية كبيرة باستثمارات صينية إلى إغلاق أبوابها أو تقليص شركات صينية لحجم أعمالها.