رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
ورغم ما قاله عن المعيار الذهبى فإنه يعتبره غير مثالى فاشل فى الفقرة التالية:
"وبالرغم من كل القیمة والفائدة الهائلتین اللتین یقدمهما المعیار الذهبي فإنه مع ذلك غیر مثاليّ، فهو یفشل عندما یجد شخصٌ ما نفسَه في موقفِ ضرورةٍ حیث یكون هو أو غیره في خطر شخصي كبیر في مثل تلك اللحظات، فسیجد أن المعیار لا یسمح أخلاق بالأفعال التي قد یشعر بأن علیه القیام بها إن القرارات الأخلاقیة هي توظیفٌ لمستوى وحدود الفرصة للسلوك المحترم اللائق التي یقدمها العالَم لشخصٍ ما،ولذلك فإن الأخلاق یمكن أن تكون رفاهیةً أحیانًا إن الرجل المتضور جوعًا وفي مسغبةٍ لن یمیل إلى مراعاة أحاسیس شخص أغنى؛ إنه یحتاج ببساطة لأكل ما یقدر على الحصول علیه، حتى لو كان علیه سرقته لا یمكن أن یُتوقَّع أخلاقيا من شخصٍ أن یمتنع عن الحاجات الأساسیة لبقائه حيا لكي یحترم معیارا أخلاقیا سیقتله للالتزام به هذا لا یعني أن الشخص الذي تصرف لحمایة حیاته الخاصة به في مواقف كهذه لم یقم بقرار غیر أخلاقي لأنه قد فعل رغم ذلك، فإن لا أخلاقیته في تلك اللحظة معذورة ومُقالة على نحو ممكن بسبب الضرورة التي وجد نفسه فیها، وخصوصًا لو اعتُبِر غیر ملومٍ في كونه في تلك الضرورة في المقام الأول ص145
فى الفقرة السابقة تحدث الرجل عن أن ضرورة الجوع تبيح السرقة وفى الفقرة التالية أباح للأب الذى لا يجد مالا لشراء الدواء لابنه أن يسرق الصيدلية ليعالج ولده وهو قوله:
تصور شخصًا مُعدَمًا فقيرا لا یملك ما یكفي لتزوید طفله السقیم بأدویة مهمة. عند إدراكه بأن الطفل في ألم رهیب لا یلین والذي سیصیر أسوأ إن لا یمكنه تدبر الأدویة الضروریة، فإنه یدخل صیدلیةً مع مسدس ویسرق من العاملین الأدویة التي یحتاجها ابنه ولا شيء أكثر بینما تشكل قراراته انتهاكًا للمعیار الذهبيّ، فسیجدها كثیرون على الأرجح معذورة لقد أدرك بعقلانیة الخطر الكبیر على طفله وكان غیر قادر ماليا على شراء الشيء الذي سیخففه، ولذا فقد اتخذ خطواتٍ لإنجاز ضرورته الأخلاقیة مع تقلیل الإضرار بالآخرین إلى أدنى حدٍّ وعلى نحو هام لأجل الأغراض الأخلاقیة، فهو لم یسمح لإغراء المكسب المحتمَل لخرقه الأخلاقي بأن یجعله خرقه یمتد على نحوٍ مواتٍ إلى ما هو أبعد مما حفَّزه في الأول، تحدیدً: تدبیر الأدویة الهامة الضروریة أما إن قاده اتخاذه لذلك القرار إلى الشعور فجأةً بأنه مخوَّل بسرقة أشیاء أخرى من الصیدلیة والتي لم تحفّز ضرورته واضطراره الأخلاقي، فإن تلك القرارات لن یكون لدیها أعذار مقبولة ساریة وستخضع للتطبیق العاديّ للمعیار الذهبيّ في مواقف كهذه، فإن القواعد الأخلاقیة المطلقة الخاصة بالأدیان لدیها مشاكل كبیرة في العثور على تطبیق معقول لأن قیمتین مهمتین قد صارتا في صدام مباشر أحدهما مع الأخرى هناك قیمة تقول بأن الأب ینبغي أن یوفر ما یحتاجه طفله ویحمیه، لكن هناك قیمة أخرى تأمر بعدم سرقة شخصٍ ما من الآخرین لأجل الأغراض العملیة، فإن الشخص في هذا الموقف سیقوم بعمل قراره بناءً على اختیار أقل الشرین، كما وُصِف في السیناریو الافتراضي، ویعمل التعاطف الاجتماعيّ عى تقلیل العواقب الأخلاقیة الخاصة بالخرق الذي حدث رغم ذلك ص146
الرجل هنا يتحدث عن حالات الاضطرار وأنها تبيح للناس ارتكاب بعض الذنوب للحفاظ على حياتهم أو حياة غيرهم دون أن يعاقبوا على على تلك الذنوب لأن الله يغفرها بدون طلب من مرتكبها والرجل لم يأت بشىء جديد فهذا أمر معروف فى الكثير من الأديان ففى الإسلام أبيح الكل من الحيوانات الميتة ومن الخنازير والدم التى هى محرمة ومن الآيات الخاصة بالاضطرار فى الأكل عند الجوع المهلك :
"إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم "
"فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"
"قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم"
وهذه حالة خاصة ولكن الله وضع حكم عام وهو أن الأخطاء غير المتعمدة بسبب الجهل او الاضطرار مغفورة فقال :
"وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما"
ومن ثم فكل الذنوب الاضطرارية وكل الذنوب التى ترتكب دون علم مغفورة دون أن يطلب من فاعلها الاستغفار
وحتى فى النصرانية ضرب يسوع مثلا على وجوب مخالفة الحكم بالعمل فى السبت لاحياء نفس فقال فى سفر لوقا:
" وَفِي السَّبْتِ الثَّانِي بَعْدَ الأَوَّلِ اجْتَازَ بَيْنَ الزُّرُوعِ. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَقْطِفُونَ السَّنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ وَهُمْ يَفْرُكُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ.
2 فَقَالَ لَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: «لِمَاذَا تَفْعَلُونَ مَا لاَ يَحِلُّ فِعْلُهُ فِي السُّبُوتِ؟»
3 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ وَلاَ هذَا الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ، حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ؟
4 كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ اللهِ وَأَخَذَ خُبْزَ التَّقْدِمَةِ وَأَكَلَ، وَأَعْطَى الَّذِينَ مَعَهُ أَيْضًا، الَّذِي لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ»
5 وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا».
6 وَفِي سَبْتٍ آخَرَ دَخَلَ الْمَجْمَعَ وَصَارَ يُعَلِّمُ. وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ الْيُمْنَى يَابِسَةٌ،
7 وَكَانَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ يُرَاقِبُونَهُ هَلْ يَشْفِي فِي السَّبْتِ، لِكَيْ يَجِدُوا عَلَيْهِ شِكَايَةً.
8 أَمَّا هُوَ فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَدُهُ يَابِسَةٌ: «قُمْ وَقِفْ فِي الْوَسْطِ». فَقَامَ وَوَقَفَ.
9 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَسْأَلُكُمْ شَيْئًا: هَلْ يَحِلُّ فِي السَّبْتِ فِعْلُ الْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ الشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاَكُهَا؟».
10 ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى جَمِيعِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَفَعَلَ هكَذَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى.
وفى سفر متى ورد التالى:
ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى مَجْمَعِهِمْ،
10 وَإِذَا إِنْسَانٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ، فَسَأَلُوهُ قَائِلِينَ: «هَلْ يَحِلُّ الإِبْرَاءُ فِي السُّبُوتِ؟» لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ.
11 فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هذَا فِي السَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟
12 فَالإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْخَرُوفِ! إِذًا يَحِلُّ فِعْلُ الْخَيْرِ فِي السُّبُوتِ!»
13 ثُمَّ قَالَ لِلإِنْسَانِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى."
قال كريستوفر:
"الأخلاق هي المفهوم الذي یقیس به الناسُ وجودَ العدلِ في التفاعلات الإنسانیة، وخصوصًا في المجموعات مثل المجتمعات لا یمكن أن یوجد عدلٌ بدون وجود أوزان لوضعها في موازینه، وإن الأحكام بالأخلاقیة أو اللاأخلاقیة هن یتوقفن على هؤلاء الأوزان فقط الأخلاق هي المفهوم الذي یستعمله المرءُ للحكم على مدى استحقاقیة قرارات شخص آخر للمدیح أو الإدانة فیما یتعلق به وبالأطراف ذوي الصلة بالموقف، وإن قیمها تتغیر بتغیر الأفراد وظروفهم والمجتمع إن الاعتقاد بالفكرة الخیالیة القائلة بأن القیم الأخلاقیة جامدة ولیست في الحقیقة أكثر القرارات خیریة أو دنسًا وشرا عمومًا فكرة مخادعة كاذبة بل ووحشیة حقا عندما یكون لها تأثير اقناع شخص ص147 ما بالتوقف عن الشفقة والرحمة لأنه یرفض أن یأخذ في اعتباره أي اعتبارات خاصة بالمواقف. الأخلاق تتحسن وتتدهور، وعندما تفعل هذا أو ذاك فإن هذا بسبب كون التعاطف والتقمص العاطفي العام لمجتمعٍ ما یتقلَّب على نحوٍ مماثل ص148
الخطأ أن القيم تتغیر بتغیر الأفراد وظروفهم والمجتمع والحق القيم لا تتغير على مر الزمان فهى واحدة فالمفروض أنها تنتقل من الآباء للذرية وتظل تنتقل بهذه الطريقة وتغيرها يناقض المعيار الذهبى والمساندات له فى حالات الاضطرار
لو تغيرت القيم فماذا تكون البشرية الملحدة قد فعلت إلا أنها ورثت الأديان الأخرى فى اختلافها ومن ثم عدنا لنقطة الصفر من جديد ومن ثم فالإلحاد وهو دين فعل ما فعلته الأديان عندما اختلفت وهو ما عابه الرجل من قبل على الأديان
قال كريستوفر:
إن قیمة محددة أخرى یتضمنها المعیار الذهبي والتي تستحق دراستها قبل تحویل الانتباه عن مصطلحات المعیار الأخلاقي إلى آلیات تعزیزه، ألا وهي المغفرة لا یمكن أن یتصرف الناس دائمًا على نحوٍ سلیم، وفي بعض الأحیان تكون هذه الأخطاء فاضحة فظیعة كل شخص له جانب من تاریخ حیاته والذي یندم على كیفیة معاملته فیه شخصًا ما، وهو أمر لا یمكن تجنبه البشر یمكن أن یكونوا أحیانًا أنانیین ولا مبالین على نحو بشع بمشاعر الآخرین رغم ذلك، فإن المعیار الأخلاقي یراعي ویحسب حساب قیمة الصفح والمغفرة، وإن من یخطئون ویسیئون إلى الآخرین ثم یعتذرون بإخلاص بمحاولة تصحیح الضرر الذي قد فعلوه یستحقون الغفران ربما لن یحمي منح مثل ذلك الغفرانُ الشخصَ أحیانًا من السجن البدني أو عذابات ضمیره الشخصي، لكن في حال الإظهار الصحیح الملائم لتأنیب الضمیر الصادق، یمكنه وینبغي أن یتلقى التعاطف والشفقة من الشخص الذي قد أساء هو إلیه بقیامه بالقرار والفعل یعني ممن یحتاجه منه أكثر من أي أحد فباعتبار كل شيء،سیرغب أي شخصٍ في حال ارتكابه لخطإ وإساءة مثل هذه المغفرة له ص148
الرجل هنا يستدعى من الأديان قيمة أخرى أخلاقية وهى الاعتذار من المخطىء وطلبه الغفران ممن أساء إليه وهو بهذا يعود للدين فهذه القيمة ليست اختراعا إنسانيا وإنما اختراع دينى وبذلك فالرجل يلف ويدور لعمل أخلاق وفى النهاية يأخذ القيم من الشىء الذى سبق أن رفضه وهو الأديان
قال كريستوفر:
فإن الضمیر هو الحارس النهائي لهویة المرء، وإن سیطرته تقدم تأثيرا مضاعِفًا للاهتمام بإرضاء الآخرین أما باستخدام ورقة رابحة وسیلة هیمنة عبارة عن إلهٍ للهیمنة على كل آلیات التعزیز الأخلاقي الأخرى والدوائر ذات الصلة الخاصة بالانتماء الإنساني، فإن الاعتقاد الدیني لا یقوم سوى بتقویض كل هذه الطبقات من الحمایةص155
الرجل هنا يتحدث عن الضمير وهو شىء لا يمكن إدراكه بالحواس الخمس شىء خفى ومع هذا يؤمن به وينكر الروح والله والغيبيات وكلها اشياء خفية مثلها مثل الضمير فإما أن ينكر وجوده ووجودهم وإما يصدق بوجود الكل
قال كريستوفر:
"مفترضین هذا التسلسل من الأحداث، فإن المعیار أعلاه سیقترح أن أفعال أَنْجِلا كانت غیر أخلاقیة حیث أنها لم تؤَّدِ في الحقیقة إلى نتائج إیجابیة نهائیة في الواقع، بل أدت أفعال أنجلا إلى ضرر إضافي رهیب لسامي ما كان لیحدث لولا تدخلها إلا أن الاقتراح بأن أفعال أنجلا لا تستحق الإطراء یتعارض مع ویسيء إلى الأحاسیس البشریة فإن أفعالها تبلغ حد البطولة في مخاطرتها بنفسها لإنقاذ سامي بالتالي، ما هو المتناقض المتنافر بین المحاولة الأولى لتحدید معیارٍ للعدل الأخلاقي وشعور المرء الغریزيّ بالعدالة والإنصاف في تقییم مسؤولیة الشخص؟ تنشأ المشكلة من استعمال المعیار للنتائج الفعلیة الناتجة عن قرار أنجلا بدلًا مما قد قصدت فعلَه عندما یقوم شخص باتخاذ قرار ؟ أَمَا یقصد الشخصُ فعلَه أم ما یحدث وینتج فعل ما الذي یجعل فعلًا أخلاقيا قیام بفعل فإنه لن یكون لدیه معرفة تامة بالظروف التي سیفعل ویتصرف فیها وفي سیاق السیناریو الافتراضي السابق، أنجلا لم یمكنها أن تعرف ما إذا كانت السیارة لن تنفجر أو أن إنقاذ سامي سیسبب مثل هذا إن حقائق الأمور التي لم یمكنه معرفتها في وقت قیامه بقراره الضرر الهائل إن اعتبار المرء مسؤولًا أخلاقيا وفعله یبدو غیر عادل وحتى لو كان یعرف، فإن الشخص لیس متحكمًا في كل جانب مما یحدث عندماص156
یتصرف. فلماذا سیُعتبَر جانب لاحق من الحَدَث، حدث كون سامي كان عالقًا في السیارة، على أنه عامل في تقریر ما إذا كانت قد قامــــت بقرار أخلاقي في اللحظة التي هرعت فیها لإنقاذه؟! ففي الوقت الذي قامت فیه
بقرارها لم تكن تعلم سوى أنه كان في خطر، وقد شعرت بأنها كانت تخاطر بنفسها لصالحه بالركض إلیه.القرار الأخلاقي هو القرار الذي یُقْصَد به التسبب في نتائج إیجابیة نهائیة، قیاسًا مع مع اعتبار كل نتائجه الفعلیة الآن، تفكر في سیناریو آخر یمر عليٌّ برجل مشرَّد بلا منزل، یُدعى زیدًا، كلَّ یومٍ في طریق سیره إلى عمله وفي أحد الأیام الباردة على نحو استثنائي یرى عليٌّ أن زیدًا لا یبدو بخیر ویسأله علي إن كان یمكن أن یشتري له إفطارا ساخنًا لتهدئة البرد والقشعریرة، فیوافق زیدٌ وشرع زیدٌ بامتنانٍ یرتشف القهوة ویجرش ویتمطَّق یحدث أصواتًا أثناء تناوله الطعام إفطاره بعد شرب عدة أكواب من القهوة لتدفئته، أمسك زیدٌ بصدره ثم مال ساقطًا على الطاولة لاحقًا، قرر الأطباء أن الزمن الذي قضاه زید في الشارع خلال السنوات قد كان له ضرر وضریبة على جسده وأنه عانى من ضغط دم عالٍ غیر معالَج من بین عدة اعتلالات مزمنة أخرى بشربه عدة أكواب من القهوة سریعًا متتالیًا فإن ضغط دمه ارتفع إلى درجة تعرضه لأزمة قلبیة شدیدة حادة فمات عندما حُكِم علیه بالمعیار الحالي یبدو ظاهریًا أخلاقيا وخیّرِاً ، فإن سلوكَ عليٍّ لم یتلقى حكمًا إیجاب بینما وفقًا لصیغته الحالیة، یتطلب معیار العدل الأخلاقي أنه ینبغي أن یُؤخَذ في الحسبان كل النتائج الناتجة عن قرار عليٍّ بالتصرف عند تقییم أخلاقیة سلوكه، لكن أینبغي أن یكون هذا جزءً من التقییم الأخلاقي؟ لإضافة منظورص157 آخر للظلم الاعتباطي التحكمیة الخاص بالمعیار فیما یتعلق بتقییم مسؤولیة المرء الشخصیة، تصور أن زیدًا لم يمت فى المطعم وغادر بل بدلًا من ذلك شكر علیا وحالما خرج من المطعم تعثر زیدٌ في صدعٍ في الرصیف ، ما كان زید سیمشي في ذلك الاتجاه في ذلك الوقت فسقط عنه إلى الشارع حیث قتلته سیارةٌ قادمة فلولا قرار عليٍّ بأخذه معه للأكل، وزلَّة زید التي أدت إلى موته الآن تؤخَذ في الاعتبار عند تقییم سلوك عليٍّ بالمصطلحات واللغة القانونیة، سیقول المرء أن قرار علي بأخذ زید للأكل كان سببًا من الناحیة الواقعیة الفعلیة لموته في كلا الحالتین، لكن لم یكن السبب المباشر الأدنى إن سبب كون فعل عليٍّ لن یكون سببًا مباشرا لموت زید هو لأجل مفهوم إمكانیة التوقع ص158
و قال كريستوفر:
"إن أول محاولتین لصیاغة المعیار كانت إحداهما قائمة على النتیجة والأخرى مركزة على الخارج، والآن أصبح قائمًا على الدافع ومركزا في الداخل فبعد إضافة مفهومي القصد وقابلیة التوقع فهذه لیست مفاجأة، لكنه یلفت الانتباه إلى نقطة هامة بصدد الأحكام الأخلاقیة: النتائج الواقعیة لاتخاذ المرء لقرارٍ ما لیست ذات علاقة إلى حدٍّ كبیر الأخلاق هي مقیاس لمدى استحقاقیة الثناء أو الذم الخاصة برغبات وقرارات الفرد المتخَذة فیما یتعلق بالآخرین، ولیس بالضرورة البراعة التي ینفذها بها في العالم الخارجيّ ص158 و قال كريستوفر:
تخیل أن سلیمًا هو أبٌ یخطط لعبةً لأطفاله یُسمِّیها البحث عن الكنز لبدء اللعبة، أعطى سلیمٌ أطفالَه الصغار إشارة ودلالة تقودهم إلى موضع سیجدون به دلالة أخرى، والذي یقودهم بدوره إلى موقع آخر حتى یعثرون آخر الأمر على الكنز إن أطفاله یحبون لعب هذه اللعبة وهي تأخذ من سلیم وقتًا طویلًا لتصمیمها ولافتقاده أماكن تحت صخرة في وسط شارع طریق سریع بقرب منزلهم وبینما ذهب التخبئة، وضع سلیمٌ دلالة مفتاحًا إرشاد أطفاله للعثور على ذلك المفتاح الإرشاديّ، تسابقوا في حماسٍ وإثارة عابرین الشارع بدون أن ینظروا، مما تسبب في جعل سائق یحید لیتجنبَ صدمهم فتعرض السائق لحادثٍ أدى إلى إصابته بجرح خطِر ومع على العموم فإن سلیمًا أبٌ صالح لتكریسه الكثیر من الوقت لشغل أطفاله بالعمل سويا في نشاطٍ ممتع ذلك فبتخبئة مفتاح إرشادي في منطقة كثیرة حركة سیر السیارات كهذه، فإن سلیمًا قد قام بقرار وحكم رديء للغایة ولم یراعِ أو فشل في فهم بعض الأخطار المتوقعة على نحو معقول لكلٍّ من أطفاله وسائقي السیارات وأفسده بفشله في مراعاة المعقولیة الموضوعیة بعبارة أخرى، فإنه قد اتخذ قراراً أخلاقيا ذاتيا داخليا فإذن سیكون المعیار الأخلاقي كالتالي
القرار الأخلاقيّ هو القرار العقلاني والمقصود به في الحقیقة التسبب في نتائج إیجابیة نهائیة، مع مراعاة نتائج القرار المتوقعة في الحقیقة وكذلك أي نتائج أخرى ینبغي توقعها على نحو معقول عما إذا یكون فعلٌ أخلاق في العموم، لا یحتاج الناس تفكراً نظريا لكي یكون لدیهم حس بدیهيّ سلیم تقریبًا رغم ذلك، فإن الشمولیة والمفاهیم المطلقة التي تروِّج لها الأدیان تبسیطیة للغایة ومحرومة من أي دقة فیما یتعلق بتقییم قرارات المرء الأخلاقیة والتي تترك الناس الدینیین للقیام بالكثیر من العمل المتطلَّب عندما یتعلق الأمر بمراعاة ظروف الموقف الأخلاقي اتخاذ وجهة نظر إطلاقیة شمولیة عن الأخلاق یعني عدم إعطاء تعقید أبدًاص160
فى الفقرات الطويلة السابقة يحاول الرجل الوصول لحل لمشكلة الأفعال المقصود منها الخير والتى تؤدى لشر وهى مشكلة محلولة فى قوله تعالى " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " فمن قصد خيرا وتحول فعله الذى قصد منه الخير إلى أذى للغير مغفور لا عقاب عليه فالله يعاقب على النية وليس على الفعل
و قال كريستوفر:
وفیما یتعلق بالقرارات المتخذة المستحقة المدیحَ، فإن الأسرة والأصدقاء والمجتمع قادرون ومُمكَّنون من تقدیم مكافآت لا یستطیع القانون العلماني المدني ببساطة تقدیمها وبقدر ما یكون نبذ الجماعة كریهًا عندما تكون هذه المجموعات معنیة، فإن المدیح والحب النابع منها مرغوب فیه بشدة، وسواءً أكان تجنب العار أو الحصول على الاحترام منهم هو ما یحفِّز اتخاذ الفرد للقرار الأخلاقي، فإن القوة والسلطان الذي لها الجماعات على الشخص هائل ص163
الرجل يقول أن مدح الجماعة يحفز الفرد على اتخاذ القرار الأخلاقى أكثر من القانون وهو كلام ليس صحيح دوما فإن بعض البشر لا يهمهم المدح ولا المكانة التى تعطيها الجماعة له فهو يعمل الخير رحمة للبشر أو رغبة فى ثواب الله أو حتى الآلهة المزعومة وهو ما جعله أعلى المستويات الأخلاقية فى قوله:
"یُفترَض أن أعلى مستوى من الأخلاقیات هو الذي یولِّد اتخاذ القرارات الأخلاقیة بدون توقع الشخص ملاحظة أي أحد لها حیث أن السلوك قد تولَّد بدون أي قدرات رقابیة لأيٍّ من آلیات الإلزام الأخلاقي الأخرى سواء على المكافأة أو المعاقبة كمثال، فإن التبرعات الخیریة كثیرا ما تعطي المتبرعَ معاملة ضریبیة تفضیلیة طالما أنه یُظهر الأدلة أن قد تبرع وأسهم هكذا أما بالنسبة إلى الشخص الذي یعطي الإحسانَ بدون التعریف باسمه بحیث لا یمكن لشخص أو هیئة اكتشاف من تبرع، فإن المكافأة الوحیدة ستكون داخلیة ذاتیة للأسف، فهذه طبیعة الأخلاق والعدالة؛ إن بعض القرارات الأفعال المتخَذة التي تستحق أعلى مستوى من المكافأة لا تُلاحَظ بطریقة بحیث تتجنب الإطراء الخارجيّ من آلیات الإلزام والتعزیز الأخلاقي الأخرى أبدًا لأنها قد قیم بها قصدص164
و قال كريستوفر:
تقریبًا كل شخص في العالم یشترك في مجتمعٍ والذي لا یهتم فیه بمعرفة أو لا یقدر على معرفة كل فردٍ فیه ما یجعل الناس راغبین في الترابط سويا إن التوقع الضمنيّ أن وخز الضمیر الأخلاقيّ الخاص بكل فردٍ متشابهٌ بدرجة كبیرة وأن المجتمع نفسه یحتوي آلیة ستعطي النتیجة للخروقات الأخلاقیة في شكل العدل المتناسب مع الفعل وبینما تشجع الأدیان على ثقة واطمئنان الناس الذین تتحدث إلیهم، فإنها تعمل_سواءً قصدیا أو غير ذلك على تیسیر تخریب البنیوات الاجتماعیة الأساسیة كذلك بحیث یعمل الاعتقاد الدیني نظاميا منهجيا على إفساد الأخلاق وإخضاع العدل، ومن ثمَّ تدین مؤسَّساته للمجتمع وأفراده بدَیْنٍ یفوق القدرة على حسابه ص164
الرجل هنا يقول أن الأديان هى من تفسد الأخلاق وتفسد المجتمعات وهو كلام جنونى فالفاسدون هم من يفسدون وليس الأديان الأديان مجرد نصوص ورقية أو شفهية الفاسدون هم البشر واتهام الأديان بدلا من الأشخاص هو خرق للمنهج العلمى فمن يرتكب الخروقات هم الأشخاص
دين الملحدين لو شئنا اتهمناه بنفس التهمة ولكننا نتهم الملحدين بالخروقات الأخلاقية خاصة القتل والنفى والتعذيب الذى طال حوالى سبعين مليونا فى الاتحاد السوفيتى الملحد والدول التى كانت تدور فى فلكه ومن قتل الملايين فى الثورة الثقافية الصينية وما بعدها
قال كريستوفر :
فإن دوافع مثل هؤلاء الحیوانات هي استعمالات صحیحة لأداة الاستفهام "لماذا" كاستعلام عن الدوافع الواعیة لأفعالهم لكنْ لماذا تنمو شجرة؟ إن العلم لدیه إجابة دقیقة عن كیفیة نمو الشجرة بالضبط، لكن لا أحد یعرف لماذا إن الشجرة لیس لدیها عضو تفكیر أو حالة عامة من الوعي تمكنها من تكوین دوافع إن شخصًا ما یسأل هذا السؤال هو في الواقع یستعلم عن سبب عمل الطبیعة على النحو الذي هو علیه أو سبب وجودها على الإطلاق ص166
نلاحظ فى الفقرة هنا كريستوفر يناقض نفسه عندما يقر بجهل العلم فى لماذا تنمو الشجرة أو بالأخرى سبب عمل الطبيعة
الاقرار بالجهل يعنى أن كل كلامه عن الأخلاق هو كلام فارغ لا أساس له لأن الأخلاق تبحث عن السبب ما الذى يمنعنى من اذى الأخر ما الذى يمنعنى من قطع شجرة ما الذى يمنعنى من ترك حيوان أو إنسان يتألم ............
ما دمنا لا نبحث عن السبب أيا كان فى أى موضوع فنحن لا يجب أن يكون لدينا أخلاق لأنه لا يجوز السؤال عن سبب عمل الطبيعة فينا أو فى غيرنا
و قال كريستوفر :
"فباعتبار أن الطبیعة نفسها لیس لدیها بنیة عقلیة مدرِكة أو مصدر للتفكیر الواعي، فإن السؤال عن سبب وجود الكون یفترض أن هناك وعیًا وراء تسبب في تكونه والذي له دافع أو غرضه من تكوینه أو خلقه بهذه الطریقة، فإن الانزعاج العاطفي الخاص بالسؤال ینشأ عن خطأ فكريٍّ، والذي أشرنا إلیه هنا باسم افتراض الوعي ص166ويكرر المقولة فى قوله:
في الاعتقاد الدیني، فإن عزو وعي للطبیعة بدیهي، مما یجعل افتراض الدافع أو الغرضة في الطبيعة متسقا طبيعيا أما في التفكیر القائم على العقلانیة فإن وعیًا مثل هذا هو بدون تأیید دلیليّ أو ضرورة الطبیعة منطقیة، وبالتالي لا یوجد أي سبب لافتراض أن هناك أي سبب أو معنى وراء وجود الطبیعة والكون ص166
يهدم الرجل كتابه وإلحاده بالقول أن الطبيعة لیس لدیها بنیة عقلیة مدرِكة أو مصدر للتفكیر الواعي فما دامت الطبيعى مجنونة فلماذا نراها تصمم المخلوقات بطريقة واعية فلماذا لا تشرق الشمس من الغرب ولا يسبق الليل النهار ؟ فلماذا لا نجد أنف الإنسان فى قفاه أو نجد البحر مكان النهر ؟ولماذا لا نجد نسب مكونات الهواء لا تتغير فى الكون ؟...............
لو عاد الرجل لعلم الرياضيات خاصة نظرية الاحتمالات لعرف أن شىء كوجه الإنسان فيه مئات الترتيبات والتركيبات سيستغرق آلاف المليارات من السنوات لينتج بالصدفة تركيب او اثنين او ثلاثة أو حتى عشرة هذا ترتيب فى شىء واحد هو الوجه وهو جزء من جسم الإنسان فما بالنا بآلاف الآلاف من الأنواع الموجودة فى الكون كم تستغرق من مليارات السنوات كى تنجح بعض الصدف فى بعض الترتيبات
السؤال الأهم هو كيف ينتج مخلوق ليس لديه وعى مخلوق يعى هو الإنسان ؟
هل ينتج الجنون عقل ؟
والسؤال الأخر
لماذا تختص الطبيعى المجنونة غير الواعية هذا المخلوق التافه فى رأى الرجل بالوعى فالمجنون لا يفرق بين هذا وذاك وإنما يعطى كله بضربة واحدة "
قال كريستوفر :
فإن امتلاك معنى في الحیاة لیس حقا لكل فرد، بل هو أعظم رفاهیة یمكن أن یكتسبها شخصٌ ، وحیث أنه كذلك ، فإن غلو وإعزاز كسبه یتضمن بالضرورة صعوبة اكتسابه، وللمرة الأخیر أقول: أن المرء یجب أن یهیم ویخوض في التعقید الاستبطاني والعاطفي لكي یحصل علیه بحیث أن من یفشل في العثور على معنى في حیاته یكن على الأغلب قد بحث في المكان الخاطئ المعنى شيء نادرا ما یعثر المرء علیه بالصدفة في العالم الخارجي حالما یبحث المرء في نفسه ویفهمها فإن المعنى یأتي من تلقاء ذاته ص169
هنا يبين الرجل أن البحث يعطى الإنسان معنى المرء معنى فى الحياة وهو ما يناقض قوله أن لافائدة من البحث عن معنى الحياة أى الكون فى قوله:
" في الاعتقاد الدیني، فإن عزو وعي للطبیعة بدیهي، مما یجعل افتراض الدافع أو الغرضة في الطبيعة متسقا طبيعيا أما في التفكیر القائم على العقلانیة فإن وعیًا مثل هذا هو بدون تأیید دلیليّ أو ضرورة الطبیعة منطقیة، وبالتالي لا یوجد أي سبب لافتراض أن هناك أي سبب أو معنى وراء وجود الطبیعة والكون ص166
قال كريستوفر: