رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب حكم نجاسة دم الآدمي عدا الحيض والنفاس والرد على دعوى الإجماع على نجاسته
مؤلف الكتاب هو إسلام منصور عبد الحميد من أهل العصر وقد بين المؤلف اختلاف الفقهاء فى المسألة إلى فريقين كل منهما يدعى قولا الأول كون الدم طاهر وكون الثانى نجس
بداية لا يوجد فى المصحف ما يشير لمفهوم النجاسة البدنى وهو مفهوم اخترعه الفقهاء فالموجود هو النجاسة النفسية وهو الكفر وهو قوله تعالى :
"إنما المشركون نجس"
فالنجاسة التى عناها القوم هى الفضلات التى تخرج من الجسم وهو البول والبراز والريح وسمى هذا المجىء من الغائط فقال " أو جاء أحد منكم من الغائط"
والحيض والنفاس وسماه الأذى فقال :
" يسألونك عن المحيض قل هو أذى"
والغريب هو إجماعهم على كون افرازات الحيض والنفاس دم مع انها افرازات متعددة متنوعة وليست دما فهى عبارة سائل مخاطى وسائل مائى وقليل جدا من الدم نتيجة انفجار الشعيرات الدموية فى مقدمة الرحم فة حالة الولادة وفى حالة الحيض تكون افرازات متنوعة بيضاء وبنية ووردية وكمية الدم فيها أكبر من الولادة بقليل نتيجة انفجار البويضة
ومن ثم طبيا وشرعيا ما ينزل ليس دما خالصا وإنما نسبته قليلة لا تزيد عن ربع الكمية النازلة بأى حال من الأحوال ومن ثم لا يمكن أن يسمى دما
الغريب ان الفقهاء تركوا آيات القرآن فى الدم وهى :
-" أو دما مسفوحا" والمراد بها تصفية بعض دم البهيمة فى إناء لشربه أو أكله بعد التخثر
-أن الدم مكون اساسى للبن الأنعام مع الفرث كما قال تعالى :
" وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين "
فلو كان الدم نجاسة لحرم شرب اللبن
-أن الله لن ينال دماء الأنعام ولا لحومها كما قال تعالى :
"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"
-حرمة سفك دم الناس كما قال تعالى :
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"
الدم إذا لا يمكن أن يكون نجاسة أى اذى كما يزعم البعض سواء وكيف يكون نجاسة وهو ينقذ حياة الناس ينقل الدم من واحد لأخر
قال المؤلف فى اختلاف الفقهاء :
"لقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
"القول الأول ومن قال به:
أن دم الآدمي طاهر مطلقا ولو كان كثيرا ، وهو الأصح من قولي أهل العلم وهذا القول قد اختاره بعض المحققين كالشوكاني ، وصديق حسن خان (الروضة الندية1/81) ومن المعاصرين ابن عثيمين كما في الشرح الممتع، والألباني كما في السلسلة الصحيحة، والتعليق على فقه السنة
الأدلة :
1 – أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ، ولا نعلم أنه (ص)أمر بغسل الدم إلا دم الحيض ، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة ، وغير ذلك ، فلو كان نجسا لبينه النبي (ص)؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك
2 – أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال ، وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلا للعفو ، ولم يرد عنه (ص)الأمر بغسله ، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزا شديدا بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدم متى وجدوا غيرها فإن قيل : إن الصحابة كان أكثرهم فقيرا ، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولا سيما أنهم كانوا في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة فإنه يجاب عنه بـلو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء أو البلد وما أشبه ذلك
3- ما رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله (ص)يعني في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي (ص)، فنزل النبي (ص)منزلا، فقال: (من رجل يكلؤنا) فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال : (كونا بفم الشعب) قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال : سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها والحديث إسناده ضعيف ؛ لأن عقيلا الراوي مجهول، ومحمد بن إسحاق مختلف فيه فلا يحتمل تفرده بمثل هذا ولكنه يحسن بما شهد له من الآثار والأدلة التي ستأتي
4- روى عبد الرزاق (1/145) ومن طريقه ابن المنذر (1/173) من طريق جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه أدخل أصبعه في أنفه، فخرج فيها دم، ففته بأصبعه، ثم صلى ولم يتوضأ والراجح أن إسناده منقطع، فقد رواه ابن أبي شيبة (1/128) من طريق شعبة عن غيلان بن جامع عن ميمون بن مهران قال : أنبأني من رأى أبا هريرة فذكره
5- روى ابن أبي شيبة، ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن (1/141) قال : حدثنا عبد الوهاب عن التيمي عن بكر، قال: رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دمه، فحكه بين أصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ وسنده صحيح
6- روى عبد الرزاق (1/148)، وابن المنذر (1/182) من طريق الثوري وابن عيينة، عن عطاء بن السائب، قال : رأيت عبد الله بن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلىوسنده حسن، وعطاء لا يضر اختلاطه ؛ لأن الراوي عنه الثوري، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه فإن قيل صلاة عمر وغيره من الصحابة - فحال ضرورة ، فيباح لمن دمه يثعب من جراحه أن يصلي على حاله ، والواجب - الذي هو التحرز من النجس -يسقط بالإجماع ، والمشقة تجلب التيسير ، ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولو استثفرت ، وكذا من به سلس ويجاب عنه بـأن دعوى الضرورة فلا يسلم بها ، لأن أفعال الصحابة عموما لا تحمل على الضرورة ؛ لأنه بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويصلي فإن قيل : لماذا لا يحمل فعل ابن عمر مع البثرة على اليسير المعفو عنه ، مع اشتراط الفقهاء لنجاسة الدم أن يفحش في نفسه كما في عمدة الطالب ، وشرح منتهى الإرادات ، وغيرهما فلعل ذلك لم يفحش في نفس ابن عمر
فيجاب عنه : بأن حمل تلك الأفعال من الصحابة على اليسير أو الضرورة ليس بمسلم ؛ لأن ابن عمر كان يفتي بأن المحتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه ، كما تقدم هذه فتوى من عالم من علماء الصحابة فكيف تحمل الفتوى على الضرورة ؟؟ولا ضرورة مع الحجامة ، فإن الحجامة تكون في الرأس أو في الظهر أو في غيره من البدن ، ومع ذلك كان يفتي المحتجم بأنه ليس عليه إلا غسل محاجمه
والقول بأن هذه الآثار كان الدم فيها يسيرا فعفي عنه، فهذه دعوى في محل النزاع، والأصل ألا فرق بين قليل الدم وكثيره في النجاسة، كما لا فرق بين قليل الدم وكثيره في الحدث"
ما ذكره المؤلف يدل على أنه والفقهاء يستهزئون بعقول الناس من خلال الاستشهاد بروايات عندهم لا تصح فيقول مثلا فى رقم 3 " والحديث إسناده ضعيف ؛ لأن عقيلا الراوي مجهول، ومحمد بن إسحاق مختلف فيه فلا يحتمل تفرده بمثل هذا ولكنه يحسن بما شهد له من الآثار والأدلة التي ستأتي"فكيف يتم الاستشهاد بشىء ضعيف فيه مجهول ومختلف فيه ؟ ويقول فى رقم 4 " والراجح أن إسناده منقطع، فقد رواه ابن أبي شيبة" ويقول فى رقم 6 " وعطاء لا يضر اختلاطه "
المفترض فى الفقيه المسلم أن يبتعد عن الشبهات بعدم إيراد أى أدلة واهية لا يمكن الاعتماد عليها
والغريب أن كل ما ذكره من روايات ليس فيه قول من يعتمد قوله عند أهل الحديث وهو النبى(ص)
كان يكفيه إيراد قوله تعالى فى مبطلات الوضوء:
" وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
فلم يذكر الله الدم فى مبطلات الوضوء
وقد قام المؤلف باستنتاجات أفضل مما سبق فقال:
"1 – أن أجزاء الآدمي طاهرة ، فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دما ، وربما يكون كثيرا ، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يعتبر ركنا في بنية البدن طاهرا ، فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى
2- أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب غسله
3- أن الرسول (ص)لم ينزه المسجد من أن يجلس فيه الجريح والمستحاضة، وهما أصحاب جرح ينزف، وقد يتلوث المسجد، فلو كان نجسا لجاء الأمر بالنهي عن دخول المسجد فقد روى البخاري في صحيحه (463) عن عائشة قالت : أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل فضرب النبي (ص)خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا : يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها
وروى البخاري (309) عن عائشة أن النبي (ص)اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم، وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت : كأن هذا شيء كانت فلانة تجده
4- جواز وطء المستحاضة ودمها ينزل، فلو كان الدم نجسا لحرم الجماع كما حرم حال الحيض في قوله تعالى: [ قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض] فدم الاستحاضة ليس أذى، فلا يمنع من الجماع، ولا من التلطخ به
5- أن الآدمي ميتته طاهرة، قال (ص)في الحديث المتفق عليه: (إن المؤمن لا ينجس) فيكون دمه طاهرا كالسمك وعلل ذلك بأن دم السمك طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة ، فكذا يقال : إن دم الآدمي طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة "
وما ذكره الله من استنتاج فى رقمى 1و2 كلام صحيح ولو قال أن لا فرق بين دم الإنسان داخله أو خارجه لكان أفضل منهما لأنه لو كان نجسا لكان الإنسان نجسا لأن الدم يجرى فى كل جزء منه ومن ثم لا تصح صلاة اى مسلم ولا وضوئه
وأما عمل المسجد كمشفى فهو كلام يناقض قوله تعالى " فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" فالمسجد بنى للصلاة وليس لشىء أخر والأولى ان يتم نقل اى جريح لمكان قريب حتى لا ينزف دمه أثناء النقل كما ان نساء بيته أولى بتمريضه
ونجد التناقض بين قوله" أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب غسله" وبين استشهاده بالرواية "إن المؤمن لا ينجس"فلو كان الشهيد وحده الطاهر لكان معنى ذلك أن كل الموتى المسلمين نجس لأنهم يغسلون
ثم أجاب على ما ظن انها اعتراضات من قبل الفريق الثانى فقال :
"فإن قيل : هذا القياس يقابل بقياس آخر ، وهو أن الخارج من الإنسان من بول وغائط نجس ، فليكن الدم نجسا فيجاب بـأن هناك فرقا بين البول والغائط وبين الدم ؛ لأن البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطباع ، وأنتم لا تقولون بقياس الدم عليه ، إذ الدم يعفى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يعفى عن يسيرهما ، فلا يلحق أحدهما بالآخر فإن قيل : ألا يقاس على دم الحيض ، ودم الحيض نجس ، بدليل أن النبي (ص)أمر المرأة أن تحته ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه ؟فالجواب : أن بينهما فرقا :
أ – أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة للنساء ، قال (ص): إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فبين أنه مكتوب كتابة قدرية كونية ، وقال (ص)في الاستحاضة : إنه دم عرق ، ففرق بينهما
ب – أن الحيض دم غليظ منتن له رائحة مستكرهة ، فيشبه البول والغائط ، فلا يصح قياس الدم الخارج من غير السبيلين على الدم الخارج من السبيلين ، وهو دم الحيض والنفاس والاستحاضة فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا ؛ لأن النص والقياس يدلان عليه
فإن قيل : إن فاطمة كانت تغسل الدم عن النبي (ص)في غزوة أحد ، وهذا يدل على النجاسة أجيب من وجهين :
أحدهما : أنه مجرد فعل ، والفعل لا يدل على الوجوب
الثاني : أنه يحتمل أنه من أجل النظافة لإزالة الدم عن الوجه ؛ لأن الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم ، ولو كان يسيرا ، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال"
والقياس هو خبل فالفضلات الخارجة من الإنسان متنوعة منها ما يبطل الوضوء كفضلات الغائط ريح وبول وبراز والمنى ومنها ما لا يبطل الوضوء كالعرق وشمع الأذن وجعباص الأنف ووسخ العين ومن ثم لا يمكن قياس شىء على شىء لاختلاف حكم الفضلات
ثم بين الرجل رأى الفريق الثانى فقال :
"القول الثاني ومن قال به ، ودليلهم والرد عليه:
نجاسة دم الآدمي ، إلا أنهم يرون العفو عن يسيره على خلاف بينهم في مقدار اليسير فقيل : المرجع في تقدير القليل والكثير إلى العرف، فما اعتبره الناس كثيرا فهو كثير، وما عده الناس قليلا فهو قليل، وهذا هو قول الحنابلة وقيل : القليل : ما دون الدرهم البغلي، والكثير ما زاد عنه، وهو قول في مذهب المالكية وقيل : كل شخص بحسبه، فما فحش بنفسه فهو كثير، والقليل : ما لم يفحش، فيكون التقدير راجعا إلى الشخص نفسه وثمت أقوال أخرى في تقدير القليل والكثير لا دليل عليها
وهو القول الذي اتفقت عليه المذاهب الأربعة ويحتاج هذا القول إلى إثبات الدليل على نجاسة دم الآدمي، وعلى العفو عن يسيره
واستدلوا بأدلة منها :
الدليل الأول: الإجماع على نجاسة دم الآدمي حكاه جماعة ، منهم : الإمام أحمد ، وابن عبد البر كما في التمهيد(230/22) والنووي في المجموع وغيرهم وكذا حكى الإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ، وأسهب السهارنفوري في تقرير ذلك في " بذل المجهود "
قال أحمد لما سئل عن الدم كما في شرح العمدة لابن تيمية (1/105) : الدم والقيح عندك سواء ؟ قال : الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيها" وقال ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع/ 19) : واتفقوا على أن الكثير من أي دم كان حاشا دم السمك، وما لا يسيل دمه نجسا"ـ
قال النووي في المجموع (2/511) : والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال : هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع "وقال القرطبي كما في تفسيره (2/222): اتفق العلماء على أن الدم حرام نجسا" وقال ابن حجر كما في فتح الباري (1/352): والدم نجس اتفاقا " وذكر نحوه ابن القيم في بدائع الفوائد"
الرد عليه:
نجاسة الدم ليست محل إجماع ولا يثبت الإجماع ، لورود الخلاف عن الصحابة وعن التابعين ، كما في الآثار السابقة والسؤال الذي يطرح نفسه : لم لم يرد في غسل الدم حديث واحد ؟
بل ورد خلاف ذلك ، نقله النووي نفسه ولم أر دليلا صحيحا صريحا يدل على نجاسة الدم لمن قال بنجاسته قال الشوكاني:
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثما ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقول على الله تعالى بما لم يقل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حجة اهـ
وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يعض عليها بالنواجذ
فإن قيل : إذا حكى النووي وغيره الإجماع على مسألة وهم ممن يعتد بهم في العلم والفضل وتواطأ على ذلك أئمة فلماذا لا يكون صحيحا ؟
فيجاب عن بـأن النووي نفسه قد نقل الخلاف في المسألة في المجموع ، وذكر بعض الأقوال في مذهبه هو والخلاف في نجاسة الدم من عدمه فقال :والصحيح عند الجمهور نجاسة الدم والفضلات وبه قطع العراقيون ، وخالفهم القاضي حسين فقال : الأصح طهارة الجميع ، والله أعلم
وقد يحمل نقل النووي للإجماع أن هذا القول لم يختلف فيه الشافعية وقد أجمعوا عليه ، على أنه ينتبه لشيء وهو أن قد يهمل بعض العلماء قول المخالف لأنه قد انعقد الإجماع قبله أو لا يعتد به في الخلاف كما قد صرح النووي بذلك في باب السواك شرح مسلم بإنه لا يعتد بخلاف الظاهرية وأحب أن أذكر أنه ليس كل من نقل الإجماع سلم له بذلك ، ولذا قال الإمام أحمد : وما يدريك أنهم أجمعوا ، لعلهم اختلفوا "
الدليل الثاني:
قوله تعالى: [ قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به]
الرد عليه:
إن تحريم الأكل لا يستلزم النجاسة ؛ لأن الآية نصت بقوله: [على طاعم يطعمه] ، فليس كل حرام نجس ، ولكن كل نجس حرام
الدليل الثالث:
حديث أسماء في الصحيحين قالت جاءت امرأة النبي (ص)فقالت : (أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ؟ قال : تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه ) (البخاري 227) ، (مسلم/ 291)
فهذا صريح في نجاسة دم الحيض، وتدخل سائر الدماء قياسا عليه"
الرد :
أن هذا قياس مع الفارق ، كما تقدم معنا في أدلة القول الأول ، ثم إن الحديث ليس على دم الحيض فالإجماع قد انعقد على نجاسته
الدليل الرابع :
حديث عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي (ص)فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله (ص): (لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) (البخاري 228) ومسلم (333)
فقوله: (فاغسلي عنك الدم) فيه الأمر بغسله، ولو لم يكن نجسا لم يجب غسله
الرد:
أن الغسل بمثابة الاستنجاء من الدم الذي حكم له بأنه حيض حال إقباله وإدباره، فلم يتوجه الأمر بغسل دم الاستحاضة، والله أعلم كما أن القياس على المستحاضة قياس مع الفارق ، والقياس مع الفارق باطل عند جمهور الأصوليين فالمستحاضة تستثفر وتشد وسطها وتتوضأ لكل صلاة وتصلي"
والبحث في محل الخلاف خاص بالدم الذي تعم به البلوى ، من جراحات ونحوها فالحديث عن الدم الخارج من جراح ونحوها ، وهو ما قال فيه الحسن : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم رواه البخاري تعليقا ورواه ابن أبي شيبة موصولا فأين هو النص على غسل ما أصابهم من جراحات بعد المعارك ؟
أو حتى الدليل على غسل الدم الخارج من غير السبيلين ؟سواء كان من جرح أو كان رعافا وأين الدليل على أن رسول الله (ص)نفسه غسل محاجمه بعد الحجامة ، وكان كثير الاحتجام ، كما صحت بذلك الأحاديث
والحاصل :أن هذه الأدلة وغيرها تدل على أن الدم ليس بنجس ، وليس بناقض للوضوء من باب أولى ويستثنى من ذلك دم الحيض فهو نجس
وما خرج من أحد السبيلين ( القبل أو الدبر ) لملاقاة النجاسة
وهذا هو الأصح ، مع اعتبار قول الجمهور ووجاهته ولكنه مرجوح ، ولا أنكر على من أخذ به ، كما أنني لا أقبل الإنكار منه ولا أقبل القول بالإجماع في المسألة"
وأدلة الفريق الثانى واهية فالأول وهو الإجماع لا يمكن أن يكون دليلا لكون إشراك للناس مع الله فى الحكم فالدليل هو نص الوحى لا غير والثانى وهو أن الآية المستشهد بها فى الكل وليس فى الطهارة وقد حرم الله سفك اى سفح دم الإنسان فقال :
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"
والدليل الثالث وهو الرواية المنسوبة أسماء ليس فيها كلمة الدم وكما قلنا الحيض ليس دما وكذلك النفاس وإنما هى اطلاقات خاطئة كما قال الطب لكونها افرازات مخاطية ومائية وقليلا جدا دموية
والدليل الرابع وهو حديث المستحاضة فاطمة لو اعتبرناه صحيح فليس معنى طلب غسل الدم ثم الصلاة معناه نجاسة الدم لأن العرق حسب الكلام ينزل فى أى وقت وهو ينزل فى اثناء الصلاة ولا يمكن ساعتها ردعه وإنما المراد بغسله هو غسل الملابس حتى لا تفسد بسببه لأنها لو تجمد عليها فستكون إزالته من الملابس صعب كما أن شكلها سيكون غير مقبول
وحديث فاطمة رواياته متناقضة فى الكتب فيما يجب عليها فعله فمرة تتوضأ أو تغتسل لكل صلاة ومرة تجمع بين كل صلاتين
مؤلف الكتاب هو إسلام منصور عبد الحميد من أهل العصر وقد بين المؤلف اختلاف الفقهاء فى المسألة إلى فريقين كل منهما يدعى قولا الأول كون الدم طاهر وكون الثانى نجس
بداية لا يوجد فى المصحف ما يشير لمفهوم النجاسة البدنى وهو مفهوم اخترعه الفقهاء فالموجود هو النجاسة النفسية وهو الكفر وهو قوله تعالى :
"إنما المشركون نجس"
فالنجاسة التى عناها القوم هى الفضلات التى تخرج من الجسم وهو البول والبراز والريح وسمى هذا المجىء من الغائط فقال " أو جاء أحد منكم من الغائط"
والحيض والنفاس وسماه الأذى فقال :
" يسألونك عن المحيض قل هو أذى"
والغريب هو إجماعهم على كون افرازات الحيض والنفاس دم مع انها افرازات متعددة متنوعة وليست دما فهى عبارة سائل مخاطى وسائل مائى وقليل جدا من الدم نتيجة انفجار الشعيرات الدموية فى مقدمة الرحم فة حالة الولادة وفى حالة الحيض تكون افرازات متنوعة بيضاء وبنية ووردية وكمية الدم فيها أكبر من الولادة بقليل نتيجة انفجار البويضة
ومن ثم طبيا وشرعيا ما ينزل ليس دما خالصا وإنما نسبته قليلة لا تزيد عن ربع الكمية النازلة بأى حال من الأحوال ومن ثم لا يمكن أن يسمى دما
الغريب ان الفقهاء تركوا آيات القرآن فى الدم وهى :
-" أو دما مسفوحا" والمراد بها تصفية بعض دم البهيمة فى إناء لشربه أو أكله بعد التخثر
-أن الدم مكون اساسى للبن الأنعام مع الفرث كما قال تعالى :
" وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين "
فلو كان الدم نجاسة لحرم شرب اللبن
-أن الله لن ينال دماء الأنعام ولا لحومها كما قال تعالى :
"لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"
-حرمة سفك دم الناس كما قال تعالى :
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"
الدم إذا لا يمكن أن يكون نجاسة أى اذى كما يزعم البعض سواء وكيف يكون نجاسة وهو ينقذ حياة الناس ينقل الدم من واحد لأخر
قال المؤلف فى اختلاف الفقهاء :
"لقد اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
"القول الأول ومن قال به:
أن دم الآدمي طاهر مطلقا ولو كان كثيرا ، وهو الأصح من قولي أهل العلم وهذا القول قد اختاره بعض المحققين كالشوكاني ، وصديق حسن خان (الروضة الندية1/81) ومن المعاصرين ابن عثيمين كما في الشرح الممتع، والألباني كما في السلسلة الصحيحة، والتعليق على فقه السنة
الأدلة :
1 – أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة ، ولا نعلم أنه (ص)أمر بغسل الدم إلا دم الحيض ، مع كثرة ما يصيب الإنسان من جروح ورعاف وحجامة ، وغير ذلك ، فلو كان نجسا لبينه النبي (ص)؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك
2 – أن المسلمين ما زالوا يصلون في جراحاتهم في القتال ، وقد يسيل منهم الدم الكثير الذي ليس محلا للعفو ، ولم يرد عنه (ص)الأمر بغسله ، ولم يرد أنهم كانوا يتحرزون عنه تحرزا شديدا بحيث يحاولون التخلي عن ثيابهم التي أصابها الدم متى وجدوا غيرها فإن قيل : إن الصحابة كان أكثرهم فقيرا ، وقد لا يكون له من الثياب إلا ما كان عليه ، ولا سيما أنهم كانوا في الحروب يخرجون عن بلادهم فيكون بقاء الثياب عليهم للضرورة فإنه يجاب عنه بـلو كان كذلك لعلمنا منهم المبادرة إلى غسله متى وجدوا إلى ذلك سبيلا بالوصول إلى الماء أو البلد وما أشبه ذلك
3- ما رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله (ص)يعني في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دما في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي (ص)، فنزل النبي (ص)منزلا، فقال: (من رجل يكلؤنا) فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال : (كونا بفم الشعب) قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال : سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها والحديث إسناده ضعيف ؛ لأن عقيلا الراوي مجهول، ومحمد بن إسحاق مختلف فيه فلا يحتمل تفرده بمثل هذا ولكنه يحسن بما شهد له من الآثار والأدلة التي ستأتي
4- روى عبد الرزاق (1/145) ومن طريقه ابن المنذر (1/173) من طريق جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: رأيت أبا هريرة رضي الله عنه أدخل أصبعه في أنفه، فخرج فيها دم، ففته بأصبعه، ثم صلى ولم يتوضأ والراجح أن إسناده منقطع، فقد رواه ابن أبي شيبة (1/128) من طريق شعبة عن غيلان بن جامع عن ميمون بن مهران قال : أنبأني من رأى أبا هريرة فذكره
5- روى ابن أبي شيبة، ومن طريقه أخرجه البيهقي في السنن (1/141) قال : حدثنا عبد الوهاب عن التيمي عن بكر، قال: رأيت ابن عمر عصر بثرة في وجهه، فخرج شيء من دمه، فحكه بين أصبعيه، ثم صلى ولم يتوضأ وسنده صحيح
6- روى عبد الرزاق (1/148)، وابن المنذر (1/182) من طريق الثوري وابن عيينة، عن عطاء بن السائب، قال : رأيت عبد الله بن أبي أوفى بزق دما ثم قام فصلىوسنده حسن، وعطاء لا يضر اختلاطه ؛ لأن الراوي عنه الثوري، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه فإن قيل صلاة عمر وغيره من الصحابة - فحال ضرورة ، فيباح لمن دمه يثعب من جراحه أن يصلي على حاله ، والواجب - الذي هو التحرز من النجس -يسقط بالإجماع ، والمشقة تجلب التيسير ، ألا ترى المستحاضة دمها نازل وتصح صلاتها ولو استثفرت ، وكذا من به سلس ويجاب عنه بـأن دعوى الضرورة فلا يسلم بها ، لأن أفعال الصحابة عموما لا تحمل على الضرورة ؛ لأنه بإمكان الواحد منهم أن يعصب جرحه ويصلي فإن قيل : لماذا لا يحمل فعل ابن عمر مع البثرة على اليسير المعفو عنه ، مع اشتراط الفقهاء لنجاسة الدم أن يفحش في نفسه كما في عمدة الطالب ، وشرح منتهى الإرادات ، وغيرهما فلعل ذلك لم يفحش في نفس ابن عمر
فيجاب عنه : بأن حمل تلك الأفعال من الصحابة على اليسير أو الضرورة ليس بمسلم ؛ لأن ابن عمر كان يفتي بأن المحتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه ، كما تقدم هذه فتوى من عالم من علماء الصحابة فكيف تحمل الفتوى على الضرورة ؟؟ولا ضرورة مع الحجامة ، فإن الحجامة تكون في الرأس أو في الظهر أو في غيره من البدن ، ومع ذلك كان يفتي المحتجم بأنه ليس عليه إلا غسل محاجمه
والقول بأن هذه الآثار كان الدم فيها يسيرا فعفي عنه، فهذه دعوى في محل النزاع، والأصل ألا فرق بين قليل الدم وكثيره في النجاسة، كما لا فرق بين قليل الدم وكثيره في الحدث"
ما ذكره المؤلف يدل على أنه والفقهاء يستهزئون بعقول الناس من خلال الاستشهاد بروايات عندهم لا تصح فيقول مثلا فى رقم 3 " والحديث إسناده ضعيف ؛ لأن عقيلا الراوي مجهول، ومحمد بن إسحاق مختلف فيه فلا يحتمل تفرده بمثل هذا ولكنه يحسن بما شهد له من الآثار والأدلة التي ستأتي"فكيف يتم الاستشهاد بشىء ضعيف فيه مجهول ومختلف فيه ؟ ويقول فى رقم 4 " والراجح أن إسناده منقطع، فقد رواه ابن أبي شيبة" ويقول فى رقم 6 " وعطاء لا يضر اختلاطه "
المفترض فى الفقيه المسلم أن يبتعد عن الشبهات بعدم إيراد أى أدلة واهية لا يمكن الاعتماد عليها
والغريب أن كل ما ذكره من روايات ليس فيه قول من يعتمد قوله عند أهل الحديث وهو النبى(ص)
كان يكفيه إيراد قوله تعالى فى مبطلات الوضوء:
" وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم"
فلم يذكر الله الدم فى مبطلات الوضوء
وقد قام المؤلف باستنتاجات أفضل مما سبق فقال:
"1 – أن أجزاء الآدمي طاهرة ، فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع أنها تحمل دما ، وربما يكون كثيرا ، فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يعتبر ركنا في بنية البدن طاهرا ، فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى
2- أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب غسله
3- أن الرسول (ص)لم ينزه المسجد من أن يجلس فيه الجريح والمستحاضة، وهما أصحاب جرح ينزف، وقد يتلوث المسجد، فلو كان نجسا لجاء الأمر بالنهي عن دخول المسجد فقد روى البخاري في صحيحه (463) عن عائشة قالت : أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل فضرب النبي (ص)خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم فقالوا : يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما فمات فيها
وروى البخاري (309) عن عائشة أن النبي (ص)اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم، وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت : كأن هذا شيء كانت فلانة تجده
4- جواز وطء المستحاضة ودمها ينزل، فلو كان الدم نجسا لحرم الجماع كما حرم حال الحيض في قوله تعالى: [ قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض] فدم الاستحاضة ليس أذى، فلا يمنع من الجماع، ولا من التلطخ به
5- أن الآدمي ميتته طاهرة، قال (ص)في الحديث المتفق عليه: (إن المؤمن لا ينجس) فيكون دمه طاهرا كالسمك وعلل ذلك بأن دم السمك طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة ، فكذا يقال : إن دم الآدمي طاهر ؛ لأن ميتته طاهرة "
وما ذكره الله من استنتاج فى رقمى 1و2 كلام صحيح ولو قال أن لا فرق بين دم الإنسان داخله أو خارجه لكان أفضل منهما لأنه لو كان نجسا لكان الإنسان نجسا لأن الدم يجرى فى كل جزء منه ومن ثم لا تصح صلاة اى مسلم ولا وضوئه
وأما عمل المسجد كمشفى فهو كلام يناقض قوله تعالى " فى بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه" فالمسجد بنى للصلاة وليس لشىء أخر والأولى ان يتم نقل اى جريح لمكان قريب حتى لا ينزف دمه أثناء النقل كما ان نساء بيته أولى بتمريضه
ونجد التناقض بين قوله" أن الشهيد يدفن بدمه، ولا يغسل، ولو كان نجسا لوجب غسله" وبين استشهاده بالرواية "إن المؤمن لا ينجس"فلو كان الشهيد وحده الطاهر لكان معنى ذلك أن كل الموتى المسلمين نجس لأنهم يغسلون
ثم أجاب على ما ظن انها اعتراضات من قبل الفريق الثانى فقال :
"فإن قيل : هذا القياس يقابل بقياس آخر ، وهو أن الخارج من الإنسان من بول وغائط نجس ، فليكن الدم نجسا فيجاب بـأن هناك فرقا بين البول والغائط وبين الدم ؛ لأن البول والغائط نجس خبيث ذو رائحة منتنة تنفر منه الطباع ، وأنتم لا تقولون بقياس الدم عليه ، إذ الدم يعفى عن يسيره بخلاف البول والغائط فلا يعفى عن يسيرهما ، فلا يلحق أحدهما بالآخر فإن قيل : ألا يقاس على دم الحيض ، ودم الحيض نجس ، بدليل أن النبي (ص)أمر المرأة أن تحته ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه ؟فالجواب : أن بينهما فرقا :
أ – أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة للنساء ، قال (ص): إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فبين أنه مكتوب كتابة قدرية كونية ، وقال (ص)في الاستحاضة : إنه دم عرق ، ففرق بينهما
ب – أن الحيض دم غليظ منتن له رائحة مستكرهة ، فيشبه البول والغائط ، فلا يصح قياس الدم الخارج من غير السبيلين على الدم الخارج من السبيلين ، وهو دم الحيض والنفاس والاستحاضة فالذي يقول بطهارة دم الآدمي قوله قوي جدا ؛ لأن النص والقياس يدلان عليه
فإن قيل : إن فاطمة كانت تغسل الدم عن النبي (ص)في غزوة أحد ، وهذا يدل على النجاسة أجيب من وجهين :
أحدهما : أنه مجرد فعل ، والفعل لا يدل على الوجوب
الثاني : أنه يحتمل أنه من أجل النظافة لإزالة الدم عن الوجه ؛ لأن الإنسان لا يرضى أن يكون في وجهه دم ، ولو كان يسيرا ، فهذا الاحتمال يبطل الاستدلال"
والقياس هو خبل فالفضلات الخارجة من الإنسان متنوعة منها ما يبطل الوضوء كفضلات الغائط ريح وبول وبراز والمنى ومنها ما لا يبطل الوضوء كالعرق وشمع الأذن وجعباص الأنف ووسخ العين ومن ثم لا يمكن قياس شىء على شىء لاختلاف حكم الفضلات
ثم بين الرجل رأى الفريق الثانى فقال :
"القول الثاني ومن قال به ، ودليلهم والرد عليه:
نجاسة دم الآدمي ، إلا أنهم يرون العفو عن يسيره على خلاف بينهم في مقدار اليسير فقيل : المرجع في تقدير القليل والكثير إلى العرف، فما اعتبره الناس كثيرا فهو كثير، وما عده الناس قليلا فهو قليل، وهذا هو قول الحنابلة وقيل : القليل : ما دون الدرهم البغلي، والكثير ما زاد عنه، وهو قول في مذهب المالكية وقيل : كل شخص بحسبه، فما فحش بنفسه فهو كثير، والقليل : ما لم يفحش، فيكون التقدير راجعا إلى الشخص نفسه وثمت أقوال أخرى في تقدير القليل والكثير لا دليل عليها
وهو القول الذي اتفقت عليه المذاهب الأربعة ويحتاج هذا القول إلى إثبات الدليل على نجاسة دم الآدمي، وعلى العفو عن يسيره
واستدلوا بأدلة منها :
الدليل الأول: الإجماع على نجاسة دم الآدمي حكاه جماعة ، منهم : الإمام أحمد ، وابن عبد البر كما في التمهيد(230/22) والنووي في المجموع وغيرهم وكذا حكى الإجماع الإمام القرطبي في تفسيره ، وأسهب السهارنفوري في تقرير ذلك في " بذل المجهود "
قال أحمد لما سئل عن الدم كما في شرح العمدة لابن تيمية (1/105) : الدم والقيح عندك سواء ؟ قال : الدم لم يختلف الناس فيه، والقيح قد اختلف الناس فيها" وقال ابن حزم في كتابه (مراتب الإجماع/ 19) : واتفقوا على أن الكثير من أي دم كان حاشا دم السمك، وما لا يسيل دمه نجسا"ـ
قال النووي في المجموع (2/511) : والدلائل على نجاسة الدم متظاهرة، ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين إلا ما حكاه صاحب الحاوي عن بعض المتكلمين أنه قال : هو طاهر، ولكن المتكلمين لا يعتد بهم في الإجماع "وقال القرطبي كما في تفسيره (2/222): اتفق العلماء على أن الدم حرام نجسا" وقال ابن حجر كما في فتح الباري (1/352): والدم نجس اتفاقا " وذكر نحوه ابن القيم في بدائع الفوائد"
الرد عليه:
نجاسة الدم ليست محل إجماع ولا يثبت الإجماع ، لورود الخلاف عن الصحابة وعن التابعين ، كما في الآثار السابقة والسؤال الذي يطرح نفسه : لم لم يرد في غسل الدم حديث واحد ؟
بل ورد خلاف ذلك ، نقله النووي نفسه ولم أر دليلا صحيحا صريحا يدل على نجاسة الدم لمن قال بنجاسته قال الشوكاني:
وليس من أثبت الأحكام المنسوبة إلى الشرع بدون دليل بأقل إثما ممن أبطل ما قد ثبت دليله من الأحكام ، فالكل إما من التقول على الله تعالى بما لم يقل ، أو من إبطال ما قد شرعه لعباده بلا حجة اهـ
وهذه الكلمة من الشوكاني قاعدة عظيمة يعض عليها بالنواجذ
فإن قيل : إذا حكى النووي وغيره الإجماع على مسألة وهم ممن يعتد بهم في العلم والفضل وتواطأ على ذلك أئمة فلماذا لا يكون صحيحا ؟
فيجاب عن بـأن النووي نفسه قد نقل الخلاف في المسألة في المجموع ، وذكر بعض الأقوال في مذهبه هو والخلاف في نجاسة الدم من عدمه فقال :والصحيح عند الجمهور نجاسة الدم والفضلات وبه قطع العراقيون ، وخالفهم القاضي حسين فقال : الأصح طهارة الجميع ، والله أعلم
وقد يحمل نقل النووي للإجماع أن هذا القول لم يختلف فيه الشافعية وقد أجمعوا عليه ، على أنه ينتبه لشيء وهو أن قد يهمل بعض العلماء قول المخالف لأنه قد انعقد الإجماع قبله أو لا يعتد به في الخلاف كما قد صرح النووي بذلك في باب السواك شرح مسلم بإنه لا يعتد بخلاف الظاهرية وأحب أن أذكر أنه ليس كل من نقل الإجماع سلم له بذلك ، ولذا قال الإمام أحمد : وما يدريك أنهم أجمعوا ، لعلهم اختلفوا "
الدليل الثاني:
قوله تعالى: [ قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به]
الرد عليه:
إن تحريم الأكل لا يستلزم النجاسة ؛ لأن الآية نصت بقوله: [على طاعم يطعمه] ، فليس كل حرام نجس ، ولكن كل نجس حرام
الدليل الثالث:
حديث أسماء في الصحيحين قالت جاءت امرأة النبي (ص)فقالت : (أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع ؟ قال : تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه ) (البخاري 227) ، (مسلم/ 291)
فهذا صريح في نجاسة دم الحيض، وتدخل سائر الدماء قياسا عليه"
الرد :
أن هذا قياس مع الفارق ، كما تقدم معنا في أدلة القول الأول ، ثم إن الحديث ليس على دم الحيض فالإجماع قد انعقد على نجاسته
الدليل الرابع :
حديث عائشة في قصة استحاضة فاطمة بنت أبي حبيش قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي (ص)فقالت : يا رسول الله إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال رسول الله (ص): (لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي) (البخاري 228) ومسلم (333)
فقوله: (فاغسلي عنك الدم) فيه الأمر بغسله، ولو لم يكن نجسا لم يجب غسله
الرد:
أن الغسل بمثابة الاستنجاء من الدم الذي حكم له بأنه حيض حال إقباله وإدباره، فلم يتوجه الأمر بغسل دم الاستحاضة، والله أعلم كما أن القياس على المستحاضة قياس مع الفارق ، والقياس مع الفارق باطل عند جمهور الأصوليين فالمستحاضة تستثفر وتشد وسطها وتتوضأ لكل صلاة وتصلي"
والبحث في محل الخلاف خاص بالدم الذي تعم به البلوى ، من جراحات ونحوها فالحديث عن الدم الخارج من جراح ونحوها ، وهو ما قال فيه الحسن : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم رواه البخاري تعليقا ورواه ابن أبي شيبة موصولا فأين هو النص على غسل ما أصابهم من جراحات بعد المعارك ؟
أو حتى الدليل على غسل الدم الخارج من غير السبيلين ؟سواء كان من جرح أو كان رعافا وأين الدليل على أن رسول الله (ص)نفسه غسل محاجمه بعد الحجامة ، وكان كثير الاحتجام ، كما صحت بذلك الأحاديث
والحاصل :أن هذه الأدلة وغيرها تدل على أن الدم ليس بنجس ، وليس بناقض للوضوء من باب أولى ويستثنى من ذلك دم الحيض فهو نجس
وما خرج من أحد السبيلين ( القبل أو الدبر ) لملاقاة النجاسة
وهذا هو الأصح ، مع اعتبار قول الجمهور ووجاهته ولكنه مرجوح ، ولا أنكر على من أخذ به ، كما أنني لا أقبل الإنكار منه ولا أقبل القول بالإجماع في المسألة"
وأدلة الفريق الثانى واهية فالأول وهو الإجماع لا يمكن أن يكون دليلا لكون إشراك للناس مع الله فى الحكم فالدليل هو نص الوحى لا غير والثانى وهو أن الآية المستشهد بها فى الكل وليس فى الطهارة وقد حرم الله سفك اى سفح دم الإنسان فقال :
"وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم"
والدليل الثالث وهو الرواية المنسوبة أسماء ليس فيها كلمة الدم وكما قلنا الحيض ليس دما وكذلك النفاس وإنما هى اطلاقات خاطئة كما قال الطب لكونها افرازات مخاطية ومائية وقليلا جدا دموية
والدليل الرابع وهو حديث المستحاضة فاطمة لو اعتبرناه صحيح فليس معنى طلب غسل الدم ثم الصلاة معناه نجاسة الدم لأن العرق حسب الكلام ينزل فى أى وقت وهو ينزل فى اثناء الصلاة ولا يمكن ساعتها ردعه وإنما المراد بغسله هو غسل الملابس حتى لا تفسد بسببه لأنها لو تجمد عليها فستكون إزالته من الملابس صعب كما أن شكلها سيكون غير مقبول
وحديث فاطمة رواياته متناقضة فى الكتب فيما يجب عليها فعله فمرة تتوضأ أو تغتسل لكل صلاة ومرة تجمع بين كل صلاتين