رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,710
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب حكم حلق اللحية
مؤلف الكتاب كما يسمونه الشيخ بيوض وهو يدور حول حكم حلق اللحية حيث سأل أحدهم بيوض عن الحكم فأجاب وفى هذا قال :
"سألتني أيها الأخ الكريم عن حكم حلق اللحية في الشريعة الإسلامية، وعن قول الشيخ محمد شلتوت في فتاواه إن (حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة. . . )
يقول الشيخ شلتوت في أول فتواه ما نصه: (تكلم الفقهاء على حلق اللحية، فرأى بعضهم أنه محرم ورأى آخرون أنه مكروه، ومنهم من شدد فوصفه بأنه من المنكرات، وبأنه سفه، وضلالة، أو فسق وجهالة، ونحن لا نشك أن إبقاءها، وعدم حلقها كان شأن النبي(ص)وأنه كان يأخذ من أطرافها، وأعلاها بما يحسنها، ويجعلها متناسبة مع تقاسيم وجهه الشريف ، وأنه كان يعنى بتنظيفها، وتخليلها بالماء عملا على كمال النظافة، وكان الأصحاب يتابعونه في كل ما يختاره، ويسير عليه في مظهره، وهيئته حتى مشيته "انتهى النص"
بعد نقل كلام شلتوت رد بيوض عليه قائلا:
"ولا يخفى على كل من له إلمام بكتب السنة الصحيحة المعتمدة في استنباط الأحكام بعد كتاب الله عند فقهاء المسلمين، ما صح عن النبي(ص)من أمره بإعفاء اللحية، وتوفيرها مما لا داعي إلى إيراده هنا لشهرته، كما لا يخفى أن ذلك كان شأن النبي(ص)الذي كان أسبق الناس إلى إتيان كل ما يأمر به، ما تخلى عنه، ولا تركه حتى لقي ربه، وكان ذلك شأن الصحابة ، وشأن التابعين، وتابعيهم من أئمة الإسلام إلى عهد قريب، يتبين من هذا أن إعفاء اللحية وتوفيرها، وتكريمها بالتعهد بالتنظيف سنة عملية صحيحة، مؤكدة، بسنة قولية، صحيحة، متمثلة في الأمر الصريح بذلك، مؤكدة بعد ذلك بإجماع المسلمين عليها في خير القرون، قولا، وعملا، فمن ذا الذي يجرؤ بعد ذلك على القول بإباحة حلقها، فالحق الذي لا مرية فيه أن إعفائها، وتركها طاعة لرسول الله (ص)، وطاعة لله تبارك وتعالى لقوله عز جل "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" ولقوله سبحانه "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله" وأن إعفائها، وتوفيرها، اتباع لرسول الله (ص)الذي لا تتحقق محبة الله إلا باتباعه لقوله تبارك وتعالى "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وأن إعفائها، وتوفيرها تأس بالنبيء (ص)وقد قال الله تبارك وتعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
وأن إعفائها، وتوفيرها، أمر من أمور النبي(ص)وأمر من أوامره، وأن أمره (ص)من أمر الله، وقد قال الله تبارك وتعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" فسواء علينا أقلنا إن الضمير في أمره يعود إلى الرسول (ص)كما هو المتبادر والذي يؤيده السياق، أم قلنا إنه يعود إلى الله تبارك وتعالى فإن المآل واحد يخالف عن أمره. فحلق اللحية إذا معلوم بالضرورة أنه ترك لطاعة رسول الله التي هي طاعة لله، وعدم اتباع لرسول الله الذي هو شرط للمحبة المتبادلة بين الله وعباده، وترك اختياري للتأسي بالأسوة الحسنة التي وضعها الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين الذين يرجون الله، واليوم الآخر، ويذكرون الله كثيرا في شخص الرسول صلوات الله عليه، وسلامه، ومخالفة عن أمره (ص)وعن أمر ربه التي يتوعد الله عليها بالفتنة، والعذاب الأليم، فأي شيء يكون عدم الطاعة، وعدم الاتباع، وترك التأسي، ومخالفة الأمر إلا أن يكون معصية ظاهرة معلنة لا شك فيها؟ ومن ذا الذي يجرؤ على إنكار تسمية ذلك معصية، أو عصيانا، إلا أن تسل المعاني الحقيقية من الألفاظ اللغوية الصريحة، أو تسلخ هذه الألفاظ عن معانيها، وإذا لكانت اللغة فوضى لا نظام لها، ولا قانون، فتزول الثقة بكل كلام حتى كلام الله تبارك وتعالى.
نعم ليست لنا الصلاحية، ولا القدرة على تصنيف المعاصي، وترتيب درجاتها من الفاحشة إلى الكبيرة، إلى السيئة، كما يصفها الله في كتابه الكريم فإن ذلك أمر من أمر الله أما أن لا تكون هذه الخلة أعني حلق اللحية معصية لله، ولرسوله، فهذا ما لا يقول به مؤمن، عاقل، يحترم نفسه، ويدري ما يقول"
بيوض هنا لف ودار ولم يذكر روايات عدم حلق اللحية وهى روايات متناقضة كما أنه لم يتناول آيات الشعر فى القرآن كبديل أصيل عن الروايات ثم أكمل فتوى شلتوت فقال:
"أما ما يقوله الشيخ شلتوت في آخر فتواه، ونصه بالحرف الواحد: (والحق أن أمر اللباس، والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة، والله الموفق للسداد) "
وبعد ذلك راجع بيوض فتاوى شلتوت فوجد فيها فتاوى مناقضة للفتوى التى ذكرها فقال :
" فإننا نرى أن الشيخ شلتوت على تقديرنا واحترامنا له لمقامه، وعلمه، لم يوفق إلى السداد في كلامه هذا، ونحن لا نرد على كلامه هذا، ولا نعلق عليه بما يدحضه ونترك هذه المهمة للشيخ شلتوت نفسه، ونفسح له المجال فيرد الشيخ شلتوت على الشيخ شلتوت.
لقد سئل الشيخ شلتوت عن حكم صبغ الشعر فأجاب بفتوى نشرت في كتاب فتاواه والذي نشرت فيه فتوى حلق اللحية، الذي تولت نشره دار القلم بالقاهرة، قال في فتواه هذه صفحة 389-390 تحت عنوان (حرص النبي على تميز المسلمين) والعنوان له، ما نصه بالحرف (كان النبي(ص)شديد الحرص على تميز المسلمين عن غيرهم في شخصيتهم الباطنة، فلا تقترب العقائد من العقائد، ولا الأخلاق من الأخلاق ولا التقاليد من التقاليد، ذلك أن التشابه في الأمور الظاهرة سبيل لمساوقة النفوس للتشابه في الأمور الباطنة، ومن ذلك نرى المسلمين الذين تكثر معاشرتهم للأجانب أضعف اهتماما بأمور الدين من غيرهم، ونرى غير المسلمين الذين يكثرون من معاشرة المسلمين أقرب إلى احترام المسلمين، واحترام دينهم من غيرهم، هذا وجه.
ووجه آخر أن المشابهة في الظاهر تحدث ألفة، ومودة، ومن ذلك نرى الرجلين إذا اجتمعا في بلد غريب وكانا من بلد واحد تقوى بينهم الألفة، وإن لم يكونا مؤتلفين في بلديهما، وكذلك نرى الألفة تربط بين الرجلين متى كان بينهما مشابهة، ولو في العمامة، أو الثياب، أو الشعر. ويعرف كل ذلك الشرقيون المحافظون على زيهم الشرقي إذا تلاقوا في بلد غربي لأهله زي غير زيهم ومن هنا كان النبي(ص)وهو في الدور الأول لتكوين أمته و لمساكنيهم في المدينة عادات خاصة عرفوا بها، كان يأمر أصحابه بمخالفة غيرهم في كثير من الشؤون الظاهرة، احتفاظا بتميز الشخصية التي يرتبط بها كثير من الأحكام كإعفاء اللحية، وقص الشارب، والصلاة في النعال، وقيام الإمام في المحراب، وغير ذلك مما نرى تعليل الأمر به والإرشاد إليه بكلمة "خالفوهم".
هذا نص كلامه بالحرف الواحد وقد بر، وصدق، ووفق فيه إلى أبعد حدود التوفيق، وما نرى أن بأحد ما حاجة إلى فضل بيان، ومزيد شرح للحكمة العظمى في تمييز شخصية المسلمين التي حرص النبي(ص)هذا الحرص الملح الشديد، بعد هذا البيان الرائع الذي دبجته يراعة الشيخ محمد شلتوت، وإن في ذلك لدليلا قاطعا، وبرهانا ساطعا على أن المسلمين مطالبون بل مأمورون بخلق شخصية لهم تميزهم عمن عداهم ممن لم يكن على دينهم يعرفهم بها الناس، ويعرف بها بعضهم بعضا، وتكون شارة لهم و سيماء يمتازون بها عن غيرهم في كل زمان، ومكان. وما لهم أن يأخذوه في مقومات شخصيتهم، وسمعتهم، وهيئتهم الذاتية الظاهرة أساليب غيرهم من مخالفيهم، وإن كان لهم، أو عليهم أن يأخذوا عن غيرهم العلوم الدنيوية النافعة، والصناعات المفيدة، وأساليب التعمير، ووسائل القوة، ونظم إدارة شؤون الدولة، ونحو ذلك مما تقتضيه طبيعة تأسيس الدول ومواجهتها لجميع التحديات الممكنة، والمتوقعة من خصومها، أما هيئة أفراد الأمة الإسلامية، وسمتهم، وهديهم في ذواتهم فما كان ينبغي أن يأخذ إلا عن رسول الله (ص)أحسن خلق الله وأجملهم، وأفضلهم هديا، وسمتا. قد يمكن بعض الترخيص في أمر اللباس فلا يضيق على الناس في شأنه ما دام ساترا للعورات، محافظا على الحشمة، والوقار. فإن اللباس يتبدل مادة، وكيفية، ويتغير بتغير الزمان، والمكان، والمجتمعات، وحتى في زمن النبي(ص)لم يكن اللباس متحدا، ولم تكن له هيئة خاصة يلتزم الناس بها، ولم يصح عن النبي(ص)أنه أمر المسلمين بلباس خاص بل تركهم على ما اعتادوه من لباسهم، إلا ما تنكشف به العورات فإنه ينهى عنه، ويشدد الإنكار عليه، والغ ما أمر الله تبارك وتعالى به في قوله عز وجل "خذوا زينتكم عند كل مسجد" من لبس أحسن الثياب، وأكرمها عند الله تبارك وتعالى، في بيوته، وبهذا يتبين الفرق الكبير بين ما يتعلق بالذات أي بالبدن كاللحية، والشارب، وبين اللباس، والثياب من حيث إن البدن بكل أجزائه واحد في كل زمان، ومكان، وكل بيئة بينما الثياب، واللباس في تبدل مستمر.
ومن هنا وردت أوامر، ونواه مشددة عن النبي(ص)فيما يتعلق بسياسة البدن، وذلك ما يعبر عنه بخصال الفطرة، ولم يرد عنه شيء فيما يتعلق بأمر اللباس كما تقدم؛ لأنه يعلم أن ذلك مما يتغير بتغير الأزمنة، والأمكنة، وهذا كما أطلق الأمر في شؤون الدنيا حيث يقول: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فلا يلزم إذا في قرن حلق اللحية، وتوفير الشارب مع لبس السراويل الطويلة، أو القبعة، فقول الشيخ شلتوت (والحق أن أمر اللباس، والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان البيئة شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة) مجانف للصواب. فالفرق كبير جدا بين ما يتعلق بالبدن، وما يتعلق بالثياب، ولا أدل على ذلك من وصايا النبي(ص)، وأوامره، ونواهيه في أمر البدن، وإطلاقه الأمر، وسكوته في شأن اللباس.
إن البيئة الإسلامية قد تبلورت، وتكونت، وأخذت صورتها الخاصة، وشخصيتها الممتازة، في زمن النبي(ص)، واستقرت على ذلك طوال ثلاثة عشر قرنا، أو تزيد، فما يكون لمسلم، أو لجماعة مسلمة أن تنسلخ منها، فإذا فعلت فقد عصت الله، ورسوله، وإذا انسلخت جماعة منها، وكونت لنفسها من بدعتها ما سمته بيئة، فإن المسلم المؤمن المتحري لدينه لا يجوز له أن يتبعها في ذلك، بل عليه أن يعمل جاهدا لرد هؤلاء المتمردين عن دينهم المنحرفين عن السبيل إلى الصراط المستقيم."
أفلح بيوض فى إظهار تناقض شلتوت فى فتاويه وهو أمر يرجع فيما يبدو أنه كتب الأولى أيام كان لا يتولى منصبا فى الحكومة وعندما تولى منصبا طلب منه من قبل القيادة أن يغير الفتاوى فى أمور عدة وهذه ضريبة يدفعها كل من دخل فى المناصب فى دولة لا يحكمها شرع الله فالمطلوب منك وحتى وإن توليت ما يسمونه أكبر منصب دينى أن تطيع من ولاك المنصب وإلا فإن مصيرك قد يكون السجن أو الإعدام وتلطيخ السمعة
وتحدث بيوض عن كون المسلم الجديد لا يجوز أن يحلق اللحية وإن كان لا يزال فى بيئته الكافرة فقال:
"نعم يجوز لمن اعتنق الإسلام وهو في بيئة تحلق اللحى، وتلبس القبعة، و البدلة المعروفة –بلد الأوروبية- أن يستمر على لباس بيئته غير حمل الصليب، وشد الزنار، لكنه لا يجوز له مطلقا أن يحلق لحيته، ولا أن يوفر شاربه بل يجب عليه عند اعتناقه للإسلام أن يوفر لحيته، وأن يقص شاربه، أو يحلقه، ولا يعذر أبدا في المخالفة اتباعا في هذا الأمر الذي يتعلق ببدنه، كما يتمثل أمر الرسول (ص)في بقية خصال الفطرة، وكلها تتعلق بالبدن، وبذلك يميز شخصيته الإسلامية عن بقية أبناء جنسه، ويحقق إسلامه، وهو حر فيما وراء ذلك من هيئات اللباس، ولا شك أنه إذا غير لباسه إلى هيئة من هيئات المسلمين تحقيقا لتعلقه بالإسلام وإظهار له بين قومه، وشروعا في خلق بيئة إسلامية، وسط مجتمعه يأوي إليها من عسى أن يهديه الله إلى الإسلام مثله فحسنا يفعل. وهكذا أمر الرسول؟ المسلمين أن يكونوا لأنفسهم بيئة خاصة ممتازة بهيئتهم وسمتهم، وهديهم الظاهرية، زيادة على عقيدتهم الصحيحة، وقولهم الصادق، وعملهم الصالح، فالنبي (ص)حريص كل الحرص على أن يمتاز المسلمون عن غيرهم ببواطنهم، وظواهرهم، ولا أدل على ذلك من تعليله أمره، ونهيه، في هذا الباب بقوله "خالفوهم""
وبين بيوض أن هناك تناقض فى الروايات وهو أن من يسمونه رجال الدين فى النصرانية واليهودية والمجوسية لا يحلقون لحاهم بينما عامة الناس يفعلون هذا وحل بيوض ما ظن أنه العقدة فى الروايات ولكنه لم يحل شىء لأن هذه الروايات فى تلك الحالة اتهام للنبى(ص) بالجهل بحال الأديان ألأخرى فكيف يقول خالفوا والقوم منقسمون على قسمين قسم يوقر اللحى والثانى يحلقها وفى هذا قال :
"قد يقول قائل: إن رهبان النصارى وأحبار اليهود يوفرون لحاهم، وإذا فعلينا نحن أن نحلقها عملا بقوله (ص)"خالفوهم" والجواب أن هذا خطأ في الفهم، يقع فيه من لا يعلم الوضع الذي كانت عليه بيئات اليهود، والنصارى، والمجوس يومئذ، وهل كانت عامتهم تقلد في هيئتها رجال الدين؟ وهل كان النبي(ص)يجهل حالهم في ذلك؟ الحق أن الأحبار، والرهبان، وسائر رجال الدين كانوا يوفرون لحاهم منذ أقدم العصور، وأن النبي(ص)يعلم ذلك منهم، ولا يجهله، ولكن هؤلاء قليلو العدد يلزمون غالبا كنائسهم، وبيعهم، وأديرتهم، لا يخالطون عامتهم إلا قليلا في بيوت العبادة عند ممارسة طقوسهم الدينية مع من يغشاها ورجال الدين هؤلاء هم قلة في كل زمان، ومكان، مع انزوائهم في معابدهم لا يكونون بيئة، ولا يتصل بهم المسلمون إلا نادرا، وببعض أفراد قليلين لكن عامتهم الكثيرة العدد المنتشرة في كل مكان، والتي يحتك بها المسلمون، ويخالطونها، ويتعاملون معها هم الذين يكونون البيئة العامة التي يتأثر بها معاشروهم، ويخشى النبي(ص)على المسلمين من سريان عدواهم، وهم يحلقون لحاهم خلافا لأحبارهم، ورهبانهم كما هي حالهم اليوم تماما، فلا خشية أبدا لا اليوم من تأثر الناس بهيئات الأحبار، والرهبان، وإنما الخوف كل الخوف من تأثر الناس بمعاشريهم من اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار"
وحاول بيوض أن يحتج بأن القول خالفوهم ليس خالفوا الكل وإنما البعض ولو كان يريد ذلك لقالها صريحة ولكن كلمة خالفوهم عامة وكلمة النصارى عامة واليهود عامة والمجوس عامة ومن ثم لا يمكن أن تكون فيها استثناء وفى هذا قال :
"هذا وجه، وهناك وجه آخر، لا بد من ملاحظته، واعتباره عند تفهم قول النبي(ص)"خالفوهم" والتفقه فيه، وإدراك حقيقة المراد به فإنه من غير الممكن أن يكون المراد به مطلق المخالفة في كل ما سبقوا إليه، أو كانوا عليه فقد يكونون على شيء مما يوافق الفطرة السليمة، وتستحسنه العقول الصحيحة، ولا يكون مبعثه الهوى، ولا يخالف هدي رسل الله، مثلما نحن بصدده من توفير الأحبار، والرهبان للحاهم، فإن مثل هذا الأمر مما لا يأمر الرسول بمخالفته، فليست المخالفة مطلوبة لذاتها حتى تعم كل شيء حسنا كان، أو قبيحا، مشروعا كان، أو غير مشروع"
وحاول بيوض أن يوجد استثناء عن طريق الاستشهاد بموافقة النبى(ص) اليهود فى صوم عاشوراء فقال:
"فلقد قدم النبي(ص)المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: (هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه) فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصيامه مع سبق اليهود إليه، ولم ير بذلك بأسا، ولم يأمر بمخالفتهم فيه، فإنما الأمر بالمخالفة كان لحكمة عظيمة، هي التي شرحها الشيخ شلتوت فيما تقدم مما نقلناه عنه، وذلك لا يكون إلا في أشياء مخصوصة معينة، أعلم الناس بها رسول الله (ص)الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلا يصح الاعتراض إذا بتوفير الأحبار، والرهبان للحاهم، ولا يدخل هذا تحت أمر النبي(ص)بالمخالفة، كما لا تدخل أشياء كثيرة أخرى سكت عنها النبي(ص)، ولم يأمر بالمخالفة فيها."
والاستشهاد هنا بموافقة النبى(ص) لليهود بصوم عاشوراء يخالف أن الروايات الأخرى فى نفس الموضوع مرة قالت أن قريش كانت تصومه كرواية" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ "ومرة قالت أهل الجاهلية"كان عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَقَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ أمرا أخر" ومرة أهل خيبر بلا دين كرواية "كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصُومُوهُ أَنْتُمْ " ومرة نسبه لليهود والنصارى كرواية"حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"
ومن ثم لا يمكن الاستشهاد لاختلاف الروايات لأن اهل الجاهلية وقريش كانوا مشركين وروايات اللحية فيها نفس الأمر وهو ذكر الكل
وعاد بيوض لمناقشة ما قاله شلتوت فى الفتوى موضوع النقد فقال :
"وبعد، فإن اعتبار توفير اللحية، وحلقها، مجرد عادة من العادات كهيئة اللباس ينزل فيها المرء على استحسان البيئة، مخالفة صريحة، صارخة لأمر النبي(ص)بتوفيرها، وإعفائها، وقص الشارب، أو حلقه، وهذه المخالفة معصية من غير شك. فعلى من ابتلي بها أن يقلع عنها، ويتوب إلى الله، ويستغفره، والله غفور رحيم، وعليه أن لا يمعن في خطئه باستحلال ذلك. فإن أمر الاستحلال كبير، واستحلال المعصية أكبر عند الله من مزاولة المعصية مع الاعتراف بأنها معصية. فإن هذا يأمل في التوبة، وترجى له المغفرة، وأما المستحل فإنه لا يرى أنه ارتكب شيئا تجب التوبة منه، فيلقى ربه مصرا على ذنبه، وفي ذلك الخطر العظيم يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليم"
وناقش بيوض حكم الشارب واللحية من خلال نقل فتوى مذهبه وفيره من المذاهب فقال :
"ما حكم الشرع الحنيف في الشارب والحية؟
أما جز الشارب، وإعفاء اللحية، أعني تركها على حالها لا تحفى، ولا ينقص منها، فقد ثبت الأمر به عن النبي(ص)في جميع كتب الحديث المعتبرة إمامنا الربيع بن حبيب وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وأكثر كتب السنة وذهب أصحابنا إلى أن الأمر للوجوب، ولا سيما وقد علل بمخالفة المشركين الذين يحفون لحاهم، وعليه فإن إعفاء اللحية، أو القص منها محرم شرعا، ومن فعله عصى، وذكروا عن النبي(ص)أنه كان يأخذ من عرض لحيته، فرخصوا فيه، وعرض اللحية جانباها من وراء الخدين، وأما الطول وهو من اللحيين فسافلا، فإنه لا يجوز الأخذ منه أبدا.
زيادة:
يجوز حلق اللحية لضرورة محققة كقروح، و دماميل في أصول الشعر يتعذر شفاؤها إلا بحلقه مثلا، وليس من الضرورة في شيء كون إنسان موظفا في ديوان من دواوين الحكومة، أو مستخدما في شركة أجنبية –مثلا- رأيناهم يطردون ذوي اللحية من العمل إن كانوا له أهلا وفيهم أنفسهم من يوفر لحيته، وهو موظف في مقام عال وليست اللحية بمزرية لصاحبها، وإنما ذلك وسواس الشياطين من الجن، والإنس، فاحذروا الوسواس الخناس واستعيذوا بالله من شره. والسلام عليكم ورحمة الله.
و حكى الشيخ إسماعيل، وغيره عن بعض العلماء الترخيص في النقص من طولها إذا كان فاحشا جدا تشوهت به الخلقة، وقدره بما زاد قبضة صاحبه، إذا قبض على الشعر تحت عظم اللحية.
لكن الشيخ السالمي ضعف في هذا القول في جواهر النظام، وجعله شبيها بالباطل. فأولى إذا التنزه عن جميع ذلك لما فيه الحوطة والسلامة.
ما قولكم في حلق اللحية أهو مكروه أم حرام؟
حلق اللحية عندنا حرام، وهو لازم قول المالكية بوجوب إعفائها كما ثبت به الأحاديث أما سرد الأحاديث الواردة في ذلك فيعتذر الآن ويكفي أن تقول إنها في صحيح الربيع، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب السنن كلها، تصفح أي كتاب من كتب السنة تجد فيه حديث الأمر بحلق الشارب، وإعفاء اللحية، والأمر عندنا، وعند المالكية للوجوب في المسألة.
سألت عن اللحية وما يجوز أن يصنع بها؟ وهل يجب أن يترك كل ما نبت فيها من شعر من غير أن يتقص منه شيء؟ أم يجوز تزينها؟ هذا بعد أن تعهدت أنت بعدم مسها مطلقا حتى آذتك لغزارة شعرك وخشونته؟
إن حلق اللحية غير جائز شرعا، لنهي النبي(ص)عنه، ولعمله (ص)، ولعمل جميع الصحابة رضي الله عنهم، ولاتفاق جميع أئمة السلف من التابعين، وتابعيهم على ذلك قولا، وعملا، لكن ما نبت على الخدين، وما نبت على الذقن تحت عظم اللحية ليس من اللحية، فينبغي لك أن نحلق جميع ما تحت ذقنك من سعر –أعني- تحت عظم اللحية، ثم تحلق ما على خديك، ثم تقص شاربك، ثم تمشط لحيتك، ثم إذا طالت إلى حد يشوه الخلقة فخذ منها، وسوها أو كما عبرت في كتابك (أتحفها) فإنك بذلك تكون جميل الصورة، بهي المنظر، لك وجه مسلم حنيف، وأرجو أن لا تؤذيك مطلقا. إذا صنعت بها ما ذكرت لك. وإذا صنعت بها هذا كل أسبوع مرة فإنك تصبح غيورا عليها، مكرما لها. وقد كان (ص)يأخذ من عرض لحيته ويقول: "من كانت له شعرة فليكرمها" .وإن من الله بلقائك أريتك كيف تصنع بها. وبعد فمعذرة إن تأخرت عن الجواب إلى اليوم. فإن للضرورات أحكاما، حفظك الله، وسلمك للداعي لك بالهدية، والتوفيق."
وروايات اللحية هى:
"خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"
والخطأ هنا هو أن أديان المشركين متنوعة منها من يوفر الله ومنها من يحلق فأيها نتبع فأديان كالهندوسية تربية اللحية فيها أمر عادى وأديان كالبوذية حليقو الشعر تقريبا فأيها نخالف؟
والرواية التالية تحدد المجوس :
"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس "
ومن يطلق عليهم المجوس منهم من كان يطلق لحيته ومنهم من يحلق فأيها نتبع
وأما روايات عشر من الفطرة وهى:
"عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، وانتقاص الماء، قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" فتناقض كون الفطرة خمس فقط تحديدا فى رواية" الفطرة خمسٌ: الاختِتان والاستِحداد وقصُّ الشاربِ وتقليمُ الأظفار ونتف الإبْط"
ومن ثم لا توجد رواية صالحة فى الموضوع وأما كتاب الله فبين أن الرءوس وهى الشعور تحلق وتقصر دون تحديد لماهيتها شعر الدماغ أو شعر اللحية أو شعر العانة أو شعر الإبط وفى هذا قال تعالى :
" محلقين شعوركم ومقصرين"
كما أباح الحلق وقت الحج بسبب الأذى فى الرأس وهو الشعر ومن المعروف أن القمر ينتشر فى فروة الدماغ وفى العانة وفى اللحية وغيرها خاصة مع اتصال شعر الدماع بشعر اللحية وفى هذا قال تعالى " فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه "
وقال:
"ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله"
ومن ثم حلق الشعر أو تقصيره مباح وتربية اللحية مباحة كما فعل هارون (ص) وقد طلب من موسى(ص) ألا يجره منها ومن رأسه بقوله تعالى:
" قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى "
ثم قال بيوض للسائل مجيب عما بقية ما سأل عنه:
"يتضمن كتابك السؤال عن حكم حلق اللحية في الإسلام، وعن تقصيرها، والأخذ منها، وعن صبغ الشعر بالخضاب الأسود، وعن لبس البانطلون، والقميص، وعن حسر الرأس، ولبس الأحذية الملتفة على الرجل، حسب تعبيرك.
أخي الكريم، أما حلق اللحية فإن النهي عنه، والأمر بإعفائها، وتوفيرها ثابت شرعا يقينا بالنصوص الصريحة، الصحيحة، عند عامة أصحاب الحديث، فحلقها معصية لمخالفة أمر رسول الله (ص)الذي هو من أمر الله "من يطع الرسول فقد أطاع الله" بيد أننا لا نعلم على وجه التحقيق أين نضع معصية حلق اللحية في دركات المعاصي التي هي الفواحش، والكبائر، والسيئات التي يجمعها لفظ العصيان، وتندرج كلها تحت كلمة (معصية) فهل هي من السيئات التي تغفر باجتناب الكبائر؟ الله أعلم. ويظهر أنها أكبر من ذلك، وأما التقصير فإذا كان خفيفا بالأخذ قليلا من عرضها، أو طولها، تزيينا لها، وإزالة لشينها بالطول، والعرض المفرطين فإننا لا نرى لذلك بأسا، وقد ثبت أن النبي(ص)على جمال خلقته – كان يأخذ من عرضها ويقول: "من كانت له شعرة فليكرمها" ونرى أن من تكريمها تدويرها، والقص القليل للشعر الذي يطول حتى يكون كالذوائب يمتد يمينا، وشمالا، فقطع هذه الأطراف الزائدة إكرام للحية، وتزيين للخلقة.
وأما صبغ الشعر إذا بيض وتغييره بمثل الحناء، والكتم فمأمور به شرعا، أما السواد فقد ورد النهي عنه، ويرى كثير من العلماء أن النهي عنه تكريم، وتنزيه لا تحريم.
وأما البنطلون، والقميص، وغيرهما من أنواع اللباس المستحدث فإنه لا حجر شرعا في اللباس، إلا فيما تنكشف به العورة، أو لا تسترها لرقته حتى يبدو اللحم من ورائه، فإن هذا حرام بالإجماع، وبنصوص الكتاب، والسنة، وأما الذي يصف العورات، وينم عنها لشدة ضيقه فإن كثيرا من العلماء ينهى عنه، ولا نرى في ذلك معصية، والأمر فيه راجع للعرف، والعادة.
وكذلك حسر الرأس إذ لم يرد فيه أثر صحيح، فالأمر فيه متروك للعرف، والعادة كذلك.
وأما الأحذية المتلفة على الرجل كما تقول فإن العرب، والمسلمين في صدر الإسلام كانوا يلبسون الخفاف والجوارب، وهي كلها تغطي السوق فلا مانع فيها، ولا حجر عليها هذا ما من الله به في الجواب، وأرجو أن لا يكون يخرج عن الصواب"
وما ذكره صواب عدا صبغ الشعر فإنه محرم لأنه استجابة لقول الشيطان الذى قصه الله تعالى "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
مؤلف الكتاب كما يسمونه الشيخ بيوض وهو يدور حول حكم حلق اللحية حيث سأل أحدهم بيوض عن الحكم فأجاب وفى هذا قال :
"سألتني أيها الأخ الكريم عن حكم حلق اللحية في الشريعة الإسلامية، وعن قول الشيخ محمد شلتوت في فتاواه إن (حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة. . . )
يقول الشيخ شلتوت في أول فتواه ما نصه: (تكلم الفقهاء على حلق اللحية، فرأى بعضهم أنه محرم ورأى آخرون أنه مكروه، ومنهم من شدد فوصفه بأنه من المنكرات، وبأنه سفه، وضلالة، أو فسق وجهالة، ونحن لا نشك أن إبقاءها، وعدم حلقها كان شأن النبي(ص)وأنه كان يأخذ من أطرافها، وأعلاها بما يحسنها، ويجعلها متناسبة مع تقاسيم وجهه الشريف ، وأنه كان يعنى بتنظيفها، وتخليلها بالماء عملا على كمال النظافة، وكان الأصحاب يتابعونه في كل ما يختاره، ويسير عليه في مظهره، وهيئته حتى مشيته "انتهى النص"
بعد نقل كلام شلتوت رد بيوض عليه قائلا:
"ولا يخفى على كل من له إلمام بكتب السنة الصحيحة المعتمدة في استنباط الأحكام بعد كتاب الله عند فقهاء المسلمين، ما صح عن النبي(ص)من أمره بإعفاء اللحية، وتوفيرها مما لا داعي إلى إيراده هنا لشهرته، كما لا يخفى أن ذلك كان شأن النبي(ص)الذي كان أسبق الناس إلى إتيان كل ما يأمر به، ما تخلى عنه، ولا تركه حتى لقي ربه، وكان ذلك شأن الصحابة ، وشأن التابعين، وتابعيهم من أئمة الإسلام إلى عهد قريب، يتبين من هذا أن إعفاء اللحية وتوفيرها، وتكريمها بالتعهد بالتنظيف سنة عملية صحيحة، مؤكدة، بسنة قولية، صحيحة، متمثلة في الأمر الصريح بذلك، مؤكدة بعد ذلك بإجماع المسلمين عليها في خير القرون، قولا، وعملا، فمن ذا الذي يجرؤ بعد ذلك على القول بإباحة حلقها، فالحق الذي لا مرية فيه أن إعفائها، وتركها طاعة لرسول الله (ص)، وطاعة لله تبارك وتعالى لقوله عز جل "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" ولقوله سبحانه "ومن يطع الرسول فقد أطاع الله" وأن إعفائها، وتوفيرها، اتباع لرسول الله (ص)الذي لا تتحقق محبة الله إلا باتباعه لقوله تبارك وتعالى "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وأن إعفائها، وتوفيرها تأس بالنبيء (ص)وقد قال الله تبارك وتعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
وأن إعفائها، وتوفيرها، أمر من أمور النبي(ص)وأمر من أوامره، وأن أمره (ص)من أمر الله، وقد قال الله تبارك وتعالى "لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" فسواء علينا أقلنا إن الضمير في أمره يعود إلى الرسول (ص)كما هو المتبادر والذي يؤيده السياق، أم قلنا إنه يعود إلى الله تبارك وتعالى فإن المآل واحد يخالف عن أمره. فحلق اللحية إذا معلوم بالضرورة أنه ترك لطاعة رسول الله التي هي طاعة لله، وعدم اتباع لرسول الله الذي هو شرط للمحبة المتبادلة بين الله وعباده، وترك اختياري للتأسي بالأسوة الحسنة التي وضعها الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين الذين يرجون الله، واليوم الآخر، ويذكرون الله كثيرا في شخص الرسول صلوات الله عليه، وسلامه، ومخالفة عن أمره (ص)وعن أمر ربه التي يتوعد الله عليها بالفتنة، والعذاب الأليم، فأي شيء يكون عدم الطاعة، وعدم الاتباع، وترك التأسي، ومخالفة الأمر إلا أن يكون معصية ظاهرة معلنة لا شك فيها؟ ومن ذا الذي يجرؤ على إنكار تسمية ذلك معصية، أو عصيانا، إلا أن تسل المعاني الحقيقية من الألفاظ اللغوية الصريحة، أو تسلخ هذه الألفاظ عن معانيها، وإذا لكانت اللغة فوضى لا نظام لها، ولا قانون، فتزول الثقة بكل كلام حتى كلام الله تبارك وتعالى.
نعم ليست لنا الصلاحية، ولا القدرة على تصنيف المعاصي، وترتيب درجاتها من الفاحشة إلى الكبيرة، إلى السيئة، كما يصفها الله في كتابه الكريم فإن ذلك أمر من أمر الله أما أن لا تكون هذه الخلة أعني حلق اللحية معصية لله، ولرسوله، فهذا ما لا يقول به مؤمن، عاقل، يحترم نفسه، ويدري ما يقول"
بيوض هنا لف ودار ولم يذكر روايات عدم حلق اللحية وهى روايات متناقضة كما أنه لم يتناول آيات الشعر فى القرآن كبديل أصيل عن الروايات ثم أكمل فتوى شلتوت فقال:
"أما ما يقوله الشيخ شلتوت في آخر فتواه، ونصه بالحرف الواحد: (والحق أن أمر اللباس، والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة، والله الموفق للسداد) "
وبعد ذلك راجع بيوض فتاوى شلتوت فوجد فيها فتاوى مناقضة للفتوى التى ذكرها فقال :
" فإننا نرى أن الشيخ شلتوت على تقديرنا واحترامنا له لمقامه، وعلمه، لم يوفق إلى السداد في كلامه هذا، ونحن لا نرد على كلامه هذا، ولا نعلق عليه بما يدحضه ونترك هذه المهمة للشيخ شلتوت نفسه، ونفسح له المجال فيرد الشيخ شلتوت على الشيخ شلتوت.
لقد سئل الشيخ شلتوت عن حكم صبغ الشعر فأجاب بفتوى نشرت في كتاب فتاواه والذي نشرت فيه فتوى حلق اللحية، الذي تولت نشره دار القلم بالقاهرة، قال في فتواه هذه صفحة 389-390 تحت عنوان (حرص النبي على تميز المسلمين) والعنوان له، ما نصه بالحرف (كان النبي(ص)شديد الحرص على تميز المسلمين عن غيرهم في شخصيتهم الباطنة، فلا تقترب العقائد من العقائد، ولا الأخلاق من الأخلاق ولا التقاليد من التقاليد، ذلك أن التشابه في الأمور الظاهرة سبيل لمساوقة النفوس للتشابه في الأمور الباطنة، ومن ذلك نرى المسلمين الذين تكثر معاشرتهم للأجانب أضعف اهتماما بأمور الدين من غيرهم، ونرى غير المسلمين الذين يكثرون من معاشرة المسلمين أقرب إلى احترام المسلمين، واحترام دينهم من غيرهم، هذا وجه.
ووجه آخر أن المشابهة في الظاهر تحدث ألفة، ومودة، ومن ذلك نرى الرجلين إذا اجتمعا في بلد غريب وكانا من بلد واحد تقوى بينهم الألفة، وإن لم يكونا مؤتلفين في بلديهما، وكذلك نرى الألفة تربط بين الرجلين متى كان بينهما مشابهة، ولو في العمامة، أو الثياب، أو الشعر. ويعرف كل ذلك الشرقيون المحافظون على زيهم الشرقي إذا تلاقوا في بلد غربي لأهله زي غير زيهم ومن هنا كان النبي(ص)وهو في الدور الأول لتكوين أمته و لمساكنيهم في المدينة عادات خاصة عرفوا بها، كان يأمر أصحابه بمخالفة غيرهم في كثير من الشؤون الظاهرة، احتفاظا بتميز الشخصية التي يرتبط بها كثير من الأحكام كإعفاء اللحية، وقص الشارب، والصلاة في النعال، وقيام الإمام في المحراب، وغير ذلك مما نرى تعليل الأمر به والإرشاد إليه بكلمة "خالفوهم".
هذا نص كلامه بالحرف الواحد وقد بر، وصدق، ووفق فيه إلى أبعد حدود التوفيق، وما نرى أن بأحد ما حاجة إلى فضل بيان، ومزيد شرح للحكمة العظمى في تمييز شخصية المسلمين التي حرص النبي(ص)هذا الحرص الملح الشديد، بعد هذا البيان الرائع الذي دبجته يراعة الشيخ محمد شلتوت، وإن في ذلك لدليلا قاطعا، وبرهانا ساطعا على أن المسلمين مطالبون بل مأمورون بخلق شخصية لهم تميزهم عمن عداهم ممن لم يكن على دينهم يعرفهم بها الناس، ويعرف بها بعضهم بعضا، وتكون شارة لهم و سيماء يمتازون بها عن غيرهم في كل زمان، ومكان. وما لهم أن يأخذوه في مقومات شخصيتهم، وسمعتهم، وهيئتهم الذاتية الظاهرة أساليب غيرهم من مخالفيهم، وإن كان لهم، أو عليهم أن يأخذوا عن غيرهم العلوم الدنيوية النافعة، والصناعات المفيدة، وأساليب التعمير، ووسائل القوة، ونظم إدارة شؤون الدولة، ونحو ذلك مما تقتضيه طبيعة تأسيس الدول ومواجهتها لجميع التحديات الممكنة، والمتوقعة من خصومها، أما هيئة أفراد الأمة الإسلامية، وسمتهم، وهديهم في ذواتهم فما كان ينبغي أن يأخذ إلا عن رسول الله (ص)أحسن خلق الله وأجملهم، وأفضلهم هديا، وسمتا. قد يمكن بعض الترخيص في أمر اللباس فلا يضيق على الناس في شأنه ما دام ساترا للعورات، محافظا على الحشمة، والوقار. فإن اللباس يتبدل مادة، وكيفية، ويتغير بتغير الزمان، والمكان، والمجتمعات، وحتى في زمن النبي(ص)لم يكن اللباس متحدا، ولم تكن له هيئة خاصة يلتزم الناس بها، ولم يصح عن النبي(ص)أنه أمر المسلمين بلباس خاص بل تركهم على ما اعتادوه من لباسهم، إلا ما تنكشف به العورات فإنه ينهى عنه، ويشدد الإنكار عليه، والغ ما أمر الله تبارك وتعالى به في قوله عز وجل "خذوا زينتكم عند كل مسجد" من لبس أحسن الثياب، وأكرمها عند الله تبارك وتعالى، في بيوته، وبهذا يتبين الفرق الكبير بين ما يتعلق بالذات أي بالبدن كاللحية، والشارب، وبين اللباس، والثياب من حيث إن البدن بكل أجزائه واحد في كل زمان، ومكان، وكل بيئة بينما الثياب، واللباس في تبدل مستمر.
ومن هنا وردت أوامر، ونواه مشددة عن النبي(ص)فيما يتعلق بسياسة البدن، وذلك ما يعبر عنه بخصال الفطرة، ولم يرد عنه شيء فيما يتعلق بأمر اللباس كما تقدم؛ لأنه يعلم أن ذلك مما يتغير بتغير الأزمنة، والأمكنة، وهذا كما أطلق الأمر في شؤون الدنيا حيث يقول: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" فلا يلزم إذا في قرن حلق اللحية، وتوفير الشارب مع لبس السراويل الطويلة، أو القبعة، فقول الشيخ شلتوت (والحق أن أمر اللباس، والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان البيئة شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذا عن البيئة) مجانف للصواب. فالفرق كبير جدا بين ما يتعلق بالبدن، وما يتعلق بالثياب، ولا أدل على ذلك من وصايا النبي(ص)، وأوامره، ونواهيه في أمر البدن، وإطلاقه الأمر، وسكوته في شأن اللباس.
إن البيئة الإسلامية قد تبلورت، وتكونت، وأخذت صورتها الخاصة، وشخصيتها الممتازة، في زمن النبي(ص)، واستقرت على ذلك طوال ثلاثة عشر قرنا، أو تزيد، فما يكون لمسلم، أو لجماعة مسلمة أن تنسلخ منها، فإذا فعلت فقد عصت الله، ورسوله، وإذا انسلخت جماعة منها، وكونت لنفسها من بدعتها ما سمته بيئة، فإن المسلم المؤمن المتحري لدينه لا يجوز له أن يتبعها في ذلك، بل عليه أن يعمل جاهدا لرد هؤلاء المتمردين عن دينهم المنحرفين عن السبيل إلى الصراط المستقيم."
أفلح بيوض فى إظهار تناقض شلتوت فى فتاويه وهو أمر يرجع فيما يبدو أنه كتب الأولى أيام كان لا يتولى منصبا فى الحكومة وعندما تولى منصبا طلب منه من قبل القيادة أن يغير الفتاوى فى أمور عدة وهذه ضريبة يدفعها كل من دخل فى المناصب فى دولة لا يحكمها شرع الله فالمطلوب منك وحتى وإن توليت ما يسمونه أكبر منصب دينى أن تطيع من ولاك المنصب وإلا فإن مصيرك قد يكون السجن أو الإعدام وتلطيخ السمعة
وتحدث بيوض عن كون المسلم الجديد لا يجوز أن يحلق اللحية وإن كان لا يزال فى بيئته الكافرة فقال:
"نعم يجوز لمن اعتنق الإسلام وهو في بيئة تحلق اللحى، وتلبس القبعة، و البدلة المعروفة –بلد الأوروبية- أن يستمر على لباس بيئته غير حمل الصليب، وشد الزنار، لكنه لا يجوز له مطلقا أن يحلق لحيته، ولا أن يوفر شاربه بل يجب عليه عند اعتناقه للإسلام أن يوفر لحيته، وأن يقص شاربه، أو يحلقه، ولا يعذر أبدا في المخالفة اتباعا في هذا الأمر الذي يتعلق ببدنه، كما يتمثل أمر الرسول (ص)في بقية خصال الفطرة، وكلها تتعلق بالبدن، وبذلك يميز شخصيته الإسلامية عن بقية أبناء جنسه، ويحقق إسلامه، وهو حر فيما وراء ذلك من هيئات اللباس، ولا شك أنه إذا غير لباسه إلى هيئة من هيئات المسلمين تحقيقا لتعلقه بالإسلام وإظهار له بين قومه، وشروعا في خلق بيئة إسلامية، وسط مجتمعه يأوي إليها من عسى أن يهديه الله إلى الإسلام مثله فحسنا يفعل. وهكذا أمر الرسول؟ المسلمين أن يكونوا لأنفسهم بيئة خاصة ممتازة بهيئتهم وسمتهم، وهديهم الظاهرية، زيادة على عقيدتهم الصحيحة، وقولهم الصادق، وعملهم الصالح، فالنبي (ص)حريص كل الحرص على أن يمتاز المسلمون عن غيرهم ببواطنهم، وظواهرهم، ولا أدل على ذلك من تعليله أمره، ونهيه، في هذا الباب بقوله "خالفوهم""
وبين بيوض أن هناك تناقض فى الروايات وهو أن من يسمونه رجال الدين فى النصرانية واليهودية والمجوسية لا يحلقون لحاهم بينما عامة الناس يفعلون هذا وحل بيوض ما ظن أنه العقدة فى الروايات ولكنه لم يحل شىء لأن هذه الروايات فى تلك الحالة اتهام للنبى(ص) بالجهل بحال الأديان ألأخرى فكيف يقول خالفوا والقوم منقسمون على قسمين قسم يوقر اللحى والثانى يحلقها وفى هذا قال :
"قد يقول قائل: إن رهبان النصارى وأحبار اليهود يوفرون لحاهم، وإذا فعلينا نحن أن نحلقها عملا بقوله (ص)"خالفوهم" والجواب أن هذا خطأ في الفهم، يقع فيه من لا يعلم الوضع الذي كانت عليه بيئات اليهود، والنصارى، والمجوس يومئذ، وهل كانت عامتهم تقلد في هيئتها رجال الدين؟ وهل كان النبي(ص)يجهل حالهم في ذلك؟ الحق أن الأحبار، والرهبان، وسائر رجال الدين كانوا يوفرون لحاهم منذ أقدم العصور، وأن النبي(ص)يعلم ذلك منهم، ولا يجهله، ولكن هؤلاء قليلو العدد يلزمون غالبا كنائسهم، وبيعهم، وأديرتهم، لا يخالطون عامتهم إلا قليلا في بيوت العبادة عند ممارسة طقوسهم الدينية مع من يغشاها ورجال الدين هؤلاء هم قلة في كل زمان، ومكان، مع انزوائهم في معابدهم لا يكونون بيئة، ولا يتصل بهم المسلمون إلا نادرا، وببعض أفراد قليلين لكن عامتهم الكثيرة العدد المنتشرة في كل مكان، والتي يحتك بها المسلمون، ويخالطونها، ويتعاملون معها هم الذين يكونون البيئة العامة التي يتأثر بها معاشروهم، ويخشى النبي(ص)على المسلمين من سريان عدواهم، وهم يحلقون لحاهم خلافا لأحبارهم، ورهبانهم كما هي حالهم اليوم تماما، فلا خشية أبدا لا اليوم من تأثر الناس بهيئات الأحبار، والرهبان، وإنما الخوف كل الخوف من تأثر الناس بمعاشريهم من اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار"
وحاول بيوض أن يحتج بأن القول خالفوهم ليس خالفوا الكل وإنما البعض ولو كان يريد ذلك لقالها صريحة ولكن كلمة خالفوهم عامة وكلمة النصارى عامة واليهود عامة والمجوس عامة ومن ثم لا يمكن أن تكون فيها استثناء وفى هذا قال :
"هذا وجه، وهناك وجه آخر، لا بد من ملاحظته، واعتباره عند تفهم قول النبي(ص)"خالفوهم" والتفقه فيه، وإدراك حقيقة المراد به فإنه من غير الممكن أن يكون المراد به مطلق المخالفة في كل ما سبقوا إليه، أو كانوا عليه فقد يكونون على شيء مما يوافق الفطرة السليمة، وتستحسنه العقول الصحيحة، ولا يكون مبعثه الهوى، ولا يخالف هدي رسل الله، مثلما نحن بصدده من توفير الأحبار، والرهبان للحاهم، فإن مثل هذا الأمر مما لا يأمر الرسول بمخالفته، فليست المخالفة مطلوبة لذاتها حتى تعم كل شيء حسنا كان، أو قبيحا، مشروعا كان، أو غير مشروع"
وحاول بيوض أن يوجد استثناء عن طريق الاستشهاد بموافقة النبى(ص) اليهود فى صوم عاشوراء فقال:
"فلقد قدم النبي(ص)المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: (هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه) فقال عليه الصلاة والسلام: "نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصيامه مع سبق اليهود إليه، ولم ير بذلك بأسا، ولم يأمر بمخالفتهم فيه، فإنما الأمر بالمخالفة كان لحكمة عظيمة، هي التي شرحها الشيخ شلتوت فيما تقدم مما نقلناه عنه، وذلك لا يكون إلا في أشياء مخصوصة معينة، أعلم الناس بها رسول الله (ص)الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فلا يصح الاعتراض إذا بتوفير الأحبار، والرهبان للحاهم، ولا يدخل هذا تحت أمر النبي(ص)بالمخالفة، كما لا تدخل أشياء كثيرة أخرى سكت عنها النبي(ص)، ولم يأمر بالمخالفة فيها."
والاستشهاد هنا بموافقة النبى(ص) لليهود بصوم عاشوراء يخالف أن الروايات الأخرى فى نفس الموضوع مرة قالت أن قريش كانت تصومه كرواية" كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ "ومرة قالت أهل الجاهلية"كان عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَقَالَ « ذَاكَ يَوْمٌ كَانَ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ أمرا أخر" ومرة أهل خيبر بلا دين كرواية "كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَصُومُوهُ أَنْتُمْ " ومرة نسبه لليهود والنصارى كرواية"حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"
ومن ثم لا يمكن الاستشهاد لاختلاف الروايات لأن اهل الجاهلية وقريش كانوا مشركين وروايات اللحية فيها نفس الأمر وهو ذكر الكل
وعاد بيوض لمناقشة ما قاله شلتوت فى الفتوى موضوع النقد فقال :
"وبعد، فإن اعتبار توفير اللحية، وحلقها، مجرد عادة من العادات كهيئة اللباس ينزل فيها المرء على استحسان البيئة، مخالفة صريحة، صارخة لأمر النبي(ص)بتوفيرها، وإعفائها، وقص الشارب، أو حلقه، وهذه المخالفة معصية من غير شك. فعلى من ابتلي بها أن يقلع عنها، ويتوب إلى الله، ويستغفره، والله غفور رحيم، وعليه أن لا يمعن في خطئه باستحلال ذلك. فإن أمر الاستحلال كبير، واستحلال المعصية أكبر عند الله من مزاولة المعصية مع الاعتراف بأنها معصية. فإن هذا يأمل في التوبة، وترجى له المغفرة، وأما المستحل فإنه لا يرى أنه ارتكب شيئا تجب التوبة منه، فيلقى ربه مصرا على ذنبه، وفي ذلك الخطر العظيم يوم لا ينفع مال، ولا بنون إلى من أتى الله بقلب سليم"
وناقش بيوض حكم الشارب واللحية من خلال نقل فتوى مذهبه وفيره من المذاهب فقال :
"ما حكم الشرع الحنيف في الشارب والحية؟
أما جز الشارب، وإعفاء اللحية، أعني تركها على حالها لا تحفى، ولا ينقص منها، فقد ثبت الأمر به عن النبي(ص)في جميع كتب الحديث المعتبرة إمامنا الربيع بن حبيب وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، وأكثر كتب السنة وذهب أصحابنا إلى أن الأمر للوجوب، ولا سيما وقد علل بمخالفة المشركين الذين يحفون لحاهم، وعليه فإن إعفاء اللحية، أو القص منها محرم شرعا، ومن فعله عصى، وذكروا عن النبي(ص)أنه كان يأخذ من عرض لحيته، فرخصوا فيه، وعرض اللحية جانباها من وراء الخدين، وأما الطول وهو من اللحيين فسافلا، فإنه لا يجوز الأخذ منه أبدا.
زيادة:
يجوز حلق اللحية لضرورة محققة كقروح، و دماميل في أصول الشعر يتعذر شفاؤها إلا بحلقه مثلا، وليس من الضرورة في شيء كون إنسان موظفا في ديوان من دواوين الحكومة، أو مستخدما في شركة أجنبية –مثلا- رأيناهم يطردون ذوي اللحية من العمل إن كانوا له أهلا وفيهم أنفسهم من يوفر لحيته، وهو موظف في مقام عال وليست اللحية بمزرية لصاحبها، وإنما ذلك وسواس الشياطين من الجن، والإنس، فاحذروا الوسواس الخناس واستعيذوا بالله من شره. والسلام عليكم ورحمة الله.
و حكى الشيخ إسماعيل، وغيره عن بعض العلماء الترخيص في النقص من طولها إذا كان فاحشا جدا تشوهت به الخلقة، وقدره بما زاد قبضة صاحبه، إذا قبض على الشعر تحت عظم اللحية.
لكن الشيخ السالمي ضعف في هذا القول في جواهر النظام، وجعله شبيها بالباطل. فأولى إذا التنزه عن جميع ذلك لما فيه الحوطة والسلامة.
ما قولكم في حلق اللحية أهو مكروه أم حرام؟
حلق اللحية عندنا حرام، وهو لازم قول المالكية بوجوب إعفائها كما ثبت به الأحاديث أما سرد الأحاديث الواردة في ذلك فيعتذر الآن ويكفي أن تقول إنها في صحيح الربيع، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتب السنن كلها، تصفح أي كتاب من كتب السنة تجد فيه حديث الأمر بحلق الشارب، وإعفاء اللحية، والأمر عندنا، وعند المالكية للوجوب في المسألة.
سألت عن اللحية وما يجوز أن يصنع بها؟ وهل يجب أن يترك كل ما نبت فيها من شعر من غير أن يتقص منه شيء؟ أم يجوز تزينها؟ هذا بعد أن تعهدت أنت بعدم مسها مطلقا حتى آذتك لغزارة شعرك وخشونته؟
إن حلق اللحية غير جائز شرعا، لنهي النبي(ص)عنه، ولعمله (ص)، ولعمل جميع الصحابة رضي الله عنهم، ولاتفاق جميع أئمة السلف من التابعين، وتابعيهم على ذلك قولا، وعملا، لكن ما نبت على الخدين، وما نبت على الذقن تحت عظم اللحية ليس من اللحية، فينبغي لك أن نحلق جميع ما تحت ذقنك من سعر –أعني- تحت عظم اللحية، ثم تحلق ما على خديك، ثم تقص شاربك، ثم تمشط لحيتك، ثم إذا طالت إلى حد يشوه الخلقة فخذ منها، وسوها أو كما عبرت في كتابك (أتحفها) فإنك بذلك تكون جميل الصورة، بهي المنظر، لك وجه مسلم حنيف، وأرجو أن لا تؤذيك مطلقا. إذا صنعت بها ما ذكرت لك. وإذا صنعت بها هذا كل أسبوع مرة فإنك تصبح غيورا عليها، مكرما لها. وقد كان (ص)يأخذ من عرض لحيته ويقول: "من كانت له شعرة فليكرمها" .وإن من الله بلقائك أريتك كيف تصنع بها. وبعد فمعذرة إن تأخرت عن الجواب إلى اليوم. فإن للضرورات أحكاما، حفظك الله، وسلمك للداعي لك بالهدية، والتوفيق."
وروايات اللحية هى:
"خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"
والخطأ هنا هو أن أديان المشركين متنوعة منها من يوفر الله ومنها من يحلق فأيها نتبع فأديان كالهندوسية تربية اللحية فيها أمر عادى وأديان كالبوذية حليقو الشعر تقريبا فأيها نخالف؟
والرواية التالية تحدد المجوس :
"جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس "
ومن يطلق عليهم المجوس منهم من كان يطلق لحيته ومنهم من يحلق فأيها نتبع
وأما روايات عشر من الفطرة وهى:
"عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، وانتقاص الماء، قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" فتناقض كون الفطرة خمس فقط تحديدا فى رواية" الفطرة خمسٌ: الاختِتان والاستِحداد وقصُّ الشاربِ وتقليمُ الأظفار ونتف الإبْط"
ومن ثم لا توجد رواية صالحة فى الموضوع وأما كتاب الله فبين أن الرءوس وهى الشعور تحلق وتقصر دون تحديد لماهيتها شعر الدماغ أو شعر اللحية أو شعر العانة أو شعر الإبط وفى هذا قال تعالى :
" محلقين شعوركم ومقصرين"
كما أباح الحلق وقت الحج بسبب الأذى فى الرأس وهو الشعر ومن المعروف أن القمر ينتشر فى فروة الدماغ وفى العانة وفى اللحية وغيرها خاصة مع اتصال شعر الدماع بشعر اللحية وفى هذا قال تعالى " فمن كان مريضا أو به أذى من رأسه "
وقال:
"ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله"
ومن ثم حلق الشعر أو تقصيره مباح وتربية اللحية مباحة كما فعل هارون (ص) وقد طلب من موسى(ص) ألا يجره منها ومن رأسه بقوله تعالى:
" قال يابن أم لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى "
ثم قال بيوض للسائل مجيب عما بقية ما سأل عنه:
"يتضمن كتابك السؤال عن حكم حلق اللحية في الإسلام، وعن تقصيرها، والأخذ منها، وعن صبغ الشعر بالخضاب الأسود، وعن لبس البانطلون، والقميص، وعن حسر الرأس، ولبس الأحذية الملتفة على الرجل، حسب تعبيرك.
أخي الكريم، أما حلق اللحية فإن النهي عنه، والأمر بإعفائها، وتوفيرها ثابت شرعا يقينا بالنصوص الصريحة، الصحيحة، عند عامة أصحاب الحديث، فحلقها معصية لمخالفة أمر رسول الله (ص)الذي هو من أمر الله "من يطع الرسول فقد أطاع الله" بيد أننا لا نعلم على وجه التحقيق أين نضع معصية حلق اللحية في دركات المعاصي التي هي الفواحش، والكبائر، والسيئات التي يجمعها لفظ العصيان، وتندرج كلها تحت كلمة (معصية) فهل هي من السيئات التي تغفر باجتناب الكبائر؟ الله أعلم. ويظهر أنها أكبر من ذلك، وأما التقصير فإذا كان خفيفا بالأخذ قليلا من عرضها، أو طولها، تزيينا لها، وإزالة لشينها بالطول، والعرض المفرطين فإننا لا نرى لذلك بأسا، وقد ثبت أن النبي(ص)على جمال خلقته – كان يأخذ من عرضها ويقول: "من كانت له شعرة فليكرمها" ونرى أن من تكريمها تدويرها، والقص القليل للشعر الذي يطول حتى يكون كالذوائب يمتد يمينا، وشمالا، فقطع هذه الأطراف الزائدة إكرام للحية، وتزيين للخلقة.
وأما صبغ الشعر إذا بيض وتغييره بمثل الحناء، والكتم فمأمور به شرعا، أما السواد فقد ورد النهي عنه، ويرى كثير من العلماء أن النهي عنه تكريم، وتنزيه لا تحريم.
وأما البنطلون، والقميص، وغيرهما من أنواع اللباس المستحدث فإنه لا حجر شرعا في اللباس، إلا فيما تنكشف به العورة، أو لا تسترها لرقته حتى يبدو اللحم من ورائه، فإن هذا حرام بالإجماع، وبنصوص الكتاب، والسنة، وأما الذي يصف العورات، وينم عنها لشدة ضيقه فإن كثيرا من العلماء ينهى عنه، ولا نرى في ذلك معصية، والأمر فيه راجع للعرف، والعادة.
وكذلك حسر الرأس إذ لم يرد فيه أثر صحيح، فالأمر فيه متروك للعرف، والعادة كذلك.
وأما الأحذية المتلفة على الرجل كما تقول فإن العرب، والمسلمين في صدر الإسلام كانوا يلبسون الخفاف والجوارب، وهي كلها تغطي السوق فلا مانع فيها، ولا حجر عليها هذا ما من الله به في الجواب، وأرجو أن لا يكون يخرج عن الصواب"
وما ذكره صواب عدا صبغ الشعر فإنه محرم لأنه استجابة لقول الشيطان الذى قصه الله تعالى "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"