رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب تحقيق الأمل في التحذير من الحيل
المؤلف محمد بن عبدالله بن سليمان العزي وقد استهل الكتاب ببيان أن الله حرم الحيل فقال :
"اعلم أن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنفية السمحة، وما يسره من الدين على لسان رسوله (ص)، وسهله للأمة عن الدخول في الآصار والأغلال، وعن ارتكاب طرق المكر والخداع والاحتيال، كما أغنانا عن كل باطل ومحرم وضار بما هو أنفع لنا، وذلك بما شرعه لنا من الحق والمباح النافع، ونحن نعلم علما لا شك فيه أن الحيل التي تتضمن تحليل ما حرمه الله تعالى وإسقاط ما أوجبه لو كانت جائزة لسنها الله سبحانه، وندب إليها لما فيها من التوسعة والفرج وقد قال (ص): ((ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به، تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) فهلا ندب النبي (ص)إلى الحيل، وحض عليها كما حض على إصلاح ذات البين، بل لم يزل يحذر عن الخداع والمكر والنفاق، ومشاغبة أهل الكتاب باستحلال محارمه بأدنى الحيل، ولو كان مقصود الشارع إباحة تلك المحرمات التي رتب عليها أنواع الذم والعقوبات، وسد الذرائع الموصلة إليها لم يحرمها ابتداء، ولا رتب عليها العقوبة، ولا سد الذرائع إليها، ولكن ترك أبوابها مفتحة أسهل من المبالغة في غلقها وسدها، ثم يفتح لها أنواع الحيل، فهذا مما تصان عنه الشرائع فضلا عن أكملها شريعة"
وهذه المقدمة خاطئة فالله لم يحرم الحيل كلها ولم يحلل الحيل كلها ولا ذكر لكلمة الحيل فى القرآن وإنما الكلمة التى تدخل ضمنها الحيل هى حالة الاضطرار كما قال تعالى :
"إلا ما اضطررتم إليه"
وقد استهل الزى كتابه ببيان أقسام الحيل فقال:
"أقسام الحيل:
فالحيل أقسام:
أحدها: الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى محرم في نفسه، فمتى كان المقصود بها محرما في نفسه فهي حرام باتفاق المسلمين، وصاحبها فاجر ظالم آثم، وذلك مثل احتيال المرأة على فسخ نكاح الزوج مع إمساكه بالمعروف، واحتيال البائع على فسخ البيع، واحتيال المشتري على الفسخ، والمؤجر والمستأجر، والراهن ونحو ذلك، فهو من كبائر الإثم، وأقبح المحرمات.
الثاني: ما هو مباح في نفسه، لكن يقصد الحرام صار حراما كالسفر ليقطع الطريق ونحو ذلك فهاهنا المقصود حرام، والوسيلة في نفسها غير محرمة، لكن لما توصل بها إلى الحرام صارت حراما.
الثالث: أن يقصد بالحيلة أخذ حق، أو دفع باطل لكن لا تكون الطريق إلى حصول ذلك محرمة مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده فيقيم شاهدين لا يعرفان غريمه ولم يرياه يشهدان له بما ادعاه، فهذا محرم؛ لأن الشاهدين يشهدان بالزور، وقد حملهما على ذلك، وكذلك لو كان له عند رجل دين فجحده إياه وله عنده وديعة فجحد الوديعة وحلف أنه لم يودعه، أو كان له على رجل دين لا بينة له به، ودين آخر به بينة لكنه اقتضاه منه فيدعي هذا الدين ويقيم به بينة وينكر الاستيفاء، أو يكون قد اشترى منه شيئا فظهر به عيب تلف المبيع به فادعى بثمنه فأنكر أصل العقد وأنه لم يشتر منه شيئا أو تزوج امرأة فأنفق عليها مدة طويلة فادعت عليه أنه لم ينفق عليها شيئا فجحد نكاحها بالكلية فهو حرام؛ لأنه كذب ولا سيما إن حلف عليه ونحو ذلك.
الرابع: من الحيل أن يقصد حل ما حرمه الشارع أو سقوط ما أوجبه بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه، وهذا حرام من جهتين من جهة غايته، ومن جهة سببه.
أما غايته فإن المقصود به إباحة ما حرم الله ورسوله (ص)وإسقاط ما أوجبه، وأما من جهة سببه فإنه اتخذ آيات الله هزوا، وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله، ولا قصده به الشارع، بل قصد ضده فقد صار الشارع في الغاية والحكمة والسبب جميعا، وقد يجعلون الحيل من الدين وأن الشارع جوز لهم ذلك التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرم وإسقاط ما أوجبه، ثم إن هذا يتضمن نسبة الشارع إلى العبث، وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء، فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها، بل لا غرض له في مقاصدها وحقائقها البتة، وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا، ومن الاحتيال: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية وحيلة التحليل.
القسم الخامس: الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه فهو صائر إلى التحريم كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت، ثم تزوجها بعد ذلك.
القسم السادس: الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب فيحتال حتى يمنع الوجوب كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضي الحول لبعض أهله، ثم استرجاعه بعد ذلك، وكالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجودها أو بعده، والاحتيال على أخذ حقه أو بعضه، أو بدله بخيانة، إما أن يجحده دينه كما جحده أو يخونه في وديعته كما خانه، أو أن يغشه في بيع كما غشه، أو يسرق ماله كما سرقه، أو أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما وعدوانا أو غررا وخداعا، أو عبثا..."
قطعا كل هذه الأقسام لا لزوم لها فالمحتال إما يريد أخذ المحرم أو تحريم المحلل هذا إن كان المحتال آثم وأما إذا كان غير آثم فإنه يريد الوصول للحق أو منع ضرر بسبب اتباعه للحق
وحاول تحريم الحيل كليا فقال :
[عبرة]
نعم، لو نفع أصحاب الحيل التحيل لما مسخ الله تعالى اليهود قردة وخنازير، ولم يعاقب الله تعالى أصحاب الجنة الذين عزموا على صرمها ليلا لئلا يحضرهم المساكين."
وما قعله القومين ليس احتيالا لأنهم فعلوه علنا والتحايل يكون فى الخفاء
وحاول العزى الرد على المبيحين فقال:
"شبهات وردود:
وأما تمسكهم بقول الله تعالى لأيوب(ًص)"وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث" فمن العجب أن يحتج بهذه الآية من يقول لأنه لو حلف ليضربنه عشرة أسواط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه؛ لأن هذا إنما يجري في حق المريض كما ورد في الحديث بعثكال يسقط عنه الحد.
[قصة أيوب مع زوجته]
وأما قصة أيوب فإن امرأته كانت لشدة حرصها على عافيته وخلاصه من دائه تلتمس له الدواء بما تقدر عليه، فلما لقيها الشيطان وقال لها ما قال أخبرت أيوب بذلك فقال: إنه الشيطان، ثم حلف لئن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة سوط، فكانت معذورة محسنة في شأنه، ولم يكن في شرعهم كفارة فإنه لو كان في شرعهم كفارة لعدل إلى التكفير ولم يحتج إلى ضربها، فكانت اليمين موجبة عندهم كالحدود، وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورا خفف عنه بأن يجمع له مائة شمراخ أو مائة سوط فيضرب بها ضربة واحدة، وامرأة أيوب معذورة لم تعلم أن الذي خاطبها الشيطان، وإنما قصدت الإحسان فلم تكن تستحق العقوبة فأفتى الله نبيه أيوب أن يعاملها معاملة المعذور، هذا مع رفقها به وإحسانها إليه، فجمع الله له بين البر بيمنه والرفق بامرأته المحسنة المعذورة التي لا تستحق العقاب."
والقصة ليس فيها شيطان والمرأة أساسا لم ترتكب جريمة حتى تعاقب هذا العقاب بسبب حلف زوجها ومن ثم فالحيلة لم يكن سببها تحريم حلال ولا تحليل حرام وإنما هو تنفيذ ليمين الرجل حلفه مع عدم إضرار المرأة التى لم تذنب حتى تضرب ضرب المجرم
ومن ثم كان التنفيذ هو بر بيمين من لا يقدر على الكفارة ساعة مرضه وفقره بحيث لا يتم إيلام المرأة سوى مرة واحدة ألما هينا
وتناول روايات التحايل فقال:
[حديث شراء التمر]:
وأما حديث بلال في شراء التمر، وقول النبي (ص): ((بع التمر بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا)) فليس فيه دلالة على الاحتيال بالعقود التي ليست مقصودة لوجوه:
أحدها: أن النبي (ص)أمره أن يبيع سلعته الأولى ليبتاع بثمنها سلعة أخرى، ومعلوم أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح ومتى وجد البيعان على الوجه الصحيح جاز ذلك بلا ريب، ونحن نقول: كل بيع صحيح يفيد الملك لكن الشأن في بيوع قد دلت السنة وأقوال الصحابة على أن ظاهرها وإن كان بيعا فإنها ربا، وهي بيع فاسد، ومعلوم أن مثل هذا لا يدخل في الحديث ولو اختلف رجلان في بيع مثل هذا هل هو صحيح أو فاسد، وأراد أحدهما إدخاله في هذا اللفظ لم يمكنه ذلك حتى يثبت أنه بيع صحيح لم يحتج إلى استدلال بهذا الحديث؛ فتبين أنه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع البتة.
الوجه الثاني: إن الحديث ليس فيه عموم؛ لأنه قال: ((وابتع بالدراهم جنيبا)) والأمر بالحقيقة المطلقة ليس أمرا بشيء من قيودها؛ لأن الحقيقة مشتركة بين الأفراد والقدر المشترك ليس هو ما يميز كل واحد من الأفراد عن الآخر، ولا هو مستلزم له فلا يكون الأمر بالمشترك أمرا بالمميز بحال، نعم هو مستلزم لبعض تلك القيود لا بعينه فيكون عاما لها على سبيل البدل، لكن ذلك لا يقتضي العموم بالأفراد على سبيل الجمع وهو المطلوب، فقوله بع هذا الثوب لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو ولا بكذا وكذا ولا بهذه السوق أو هذه، فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من ذلك، لكن إذا أتى بالمسمى حصل ممثلا من جهة وجود تلك الحقيقة لا من جهة وجود تلك القيود، إذا تبين ذلك فليس في الحديث أنه أمره أن يبتاع من المشتري، ولا أمره أن يبتاع من غيره، ولا بنقد البلد ولا غيره، ولا بثمن حال أو مؤجل، فإن هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ، ولو زعم زاعم أن اللفظ يعم هذا كله كان مبطلا، لكن اللفظ لا يمنع الأجزاء إذا أتى بها، واللفظ لا تعرض فيه للقيود بنفي، ولا إثبات، ومقصود الشارع (ص)إنما هو بيان الطريق التي يحصل بها شراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن، ثم يبتاع بالثمن جيدا، أو لم يتعرض لشروط البيع وموانعه، فلا معنى للاحتجاج بهذا الحديث على نفي شرط مخصوص كما لا يحتج به على نفي سائر الشروط."
قطعا الرواية ليس فيها أى دليل على الاحتيال لأن الأوامر واضحة ثم قال:
[قصة يوسف مع أخيه]:
وأما استدلالهم بأن الله سبحانه وتعالى علم نبيه يوسف الحيلة التي توصل بها إلى أخذ أخيه، فهذا قد ظن بعض أرباب الحيل أنه حجة لهم، وليس كما زعموا، والاستدلال بذلك من أبطل الباطل فإن المحتجين بذلك لا يجوزون شيئا مما في هذه القصة البتة، ولا تجزها شريعتنا بوجه من الوجوه، فكيف يحتج المحتج بما يحرم العمل به ولا يسوغه بوجه من الوجوه؟ والله سبحانه إنما سوغ ذلك لنبيه يوسف جزاء لإخوته، وعقوبة لهم على ما فعلوه به، ونصرا له عليهم، وتصديقا لرؤياه، ورفعا لدرجته، ودرجة أبيه، وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق، وهذه الحجة ضعيفة فإن يوسف لم يكن يملك حبس أخيه عنه بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال قد اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك.
نعم، لو كان يوسف أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة مع أنه لا شبهة له أيضا على هذا التقدير فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل كأمر إبراهيم بذبح ابنه."
قصة يوسف (ص) أخذ أخيه معه هى رد لعدوان اخوتهم الممثل فى رمى يوسف(ص) فى الجب وهو طفل ومن ثم فهو امر مباح لقوله تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم حدثنا عن بقية الروايات فقال:
"[الروايات الدالة على تحريم الحيل]:
وما روي عنه (ص)من الأخبار الصريحة في تحريم الحيل بعضها عامة وبعضها في جزئيات متعددة يحصل من مجموعها العلم بتحريم الحيل التي يتوصل بها إلى استباحة ما حرم الله ورسوله فمن ذلك ما روي من لعن المحلل والمحلل له.
[حديث الربا]
وروى الحاكم في السفينة عن النبي (ص): ((أكلة الربا يبعثون يوم القيامة على صورة الكلاب وعلى صورة الخنازير)) لأجل حيلتهم في الربا كما مسخ قوم داود حين أخذوا الحيتان بالحيلة، وكذلك روي عن النبي (ص)أنه نهى عن أكل الربا بالحيلة، وفي أعلام الموقعين عنه (ص)((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فاستحلوا محارم الله بالحيل)) ."
الرواية خاطئة فلا أحد يبعث على غير صورته لقوله تعالى :
" كما بدأكم تعودون"
ومن ثم لا يوجد تحايل ثم قال :
[ضرورة مطابقة السنة]:
وفي أمالي أبي طالب عليه السلام: أخبرنا، أبي، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا أبي، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا عبد الله بن داهر، عن عمرو بن جميع، عن الصادق، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: قال رسول الله (ص): ((قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير صلاة، وقراءة القرآن في غير صلاة أفضل من ذكر الله، وذكر الله أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام جنة من النار، ثم قال: لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولاعمل ولا نية إلا بإصابة السنة)).
وفي أمالي المرشد بالله: أخبرنا الأزجي، أخبرنا المفيد، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا خالد بن عبد، عن نافع بن يزيد، عن زهرة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال رسول الله (ص): ((قرآن في صلاة أفضل من قرآن في غير صلاة، وقرآن في غير صلاة أفضل مما سواه من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام جنة حصينة من النار، والإيمان قول وعمل، ولا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة))."
الروايات السابقة لا تصح فقراءة القرآن هى الصلاة ولا قراءة للقرآن فى غير صلاة إلا فى التعليم وهى آيات مفرقات
والصدقة أفضل من الذكر لكونها عمل مالى ثوابه 700 أو 1400 حسنة كما قال تعالى :
"مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
والذكر عمل غير مالى ثوابه عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قال :
"وفي صحيح البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التميمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر، قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه)). وقوله (ص): ((لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة )) قد رواه الهادي والمؤيد بالله في شرح التجريد مرسلا وهو في الشفاء، وأصول الأحكام والانتصار، ورواه في الجامع الكافي، ثم قال: وعن علي مثل ذلك، وأخرجه أبو داود وابن أبي شيبة، وابن جرير وصححه في مواهب الغفار السيد العلامة عبدالله بن الإمام الهادي القاسمي."
وحديث النيات لا يصح لأنه أخرج المرأة من متاع الدنيا وجعلها شىء بمفردها وهى من متاع الدنيا فى قوله تعالى :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
ثم قال :
"[حديث بيع الشحوم]:
وعن النبي (ص)أنه قال: ((لعن الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وانتفعوا بثمنها)) رواه في الشفاء وفي العلوم حدثنا محمد قال: حدثنا سفيان، عن أبي أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن جابر قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ما ترى في شحوم الميتة فإنه يدهن بها السقا، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها؟ فقال رسول الله (ص): ((إن اليهود لما حرم الله عليهم شحومها أخذوها فجملوها وأكلوا ثمنها)) قال أبو أسامة: جملوها يعني أذابوها، والحديث رواه في الشفاء، وأخرجه الجماعة.
وفي العلوم: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو عمار المروزي، عن الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي الزبير قال: سمعت جابر ابن عبدالله يقول: إن رجلا أتى النبي (ص)فقال: إن لي إبلا تنفق أفأبيع شحومها؟ فقال رسول الله (ص): ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها)) الحديث في الشفاء.
وعن ابن عباس أن النبي (ص)قال: ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)) رواه أحمد، وأبو داود، وهو في الجامع الكافي، والحديث دليل على تحريم الحيل وإبطالها، وأنه لا يجوز التوصل إلى ما هو في ذاته كأثمان الشحوم حلال بالحيل، والذرائع المحرمة."
كما سبق القول الحيل أو التحايل يعنى التخفى أى عمل شىء فى الخحفاء فغن كان عمل اليهود فى الخفاء فهو احتيال ولكنهم كانوا يجاهرون بالمعصية وهى الاعتداء ومن ثم فليس هناك تحايل على الناس وإنما التحايل وهو الخداع لله تعالى ثم قال :
"[حديث الخل]:
وعن علي: ((كلوا خل الخمر ما فسد، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم)) رواه علي بن موسى الرضا في الصحيفة.
ولما نزل تحريم الخمر أمر النبي (ص)بإراقتها وكان في الجملة خمر ليتيم فا ستأذنه وليه في أن يجعلها خلا فمنع من ذلك وأمر بإراقتها."
قطعا هذا ليس تحايل لأن العمل علنى والأمر علنى وكما سبق القول التحايل يكون فى الخفاء ثم قال:
"[أقوال الإمام علي عن الحيل]:
وما روي عن أمير المؤمنين من التحذير من الحيل وأهلها، فمن ذلك قوله: (لقد صرنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة مالهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين) رواه في نهج البلاغة، الكيس بفتح الكاف وسكون الياء المثناة من تحت: الفطنة والذكاء، والحول القلب بضم الحاء المهملة والقاف وتشديد الواو واللام: الذي قد تحول وتقلب في الأمور وجربها، والانتهاز :المبادرة إلى الفرصة واغتنامها، والحريجة: التقوى.
وقال في عهده للأشتر
ولا تعقد عقدا تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن القول بعد التوثقة) رواه في النهج وهو نهي عن الحيل؛ إذ هي مبنية على العلل والتأويلات المخالفة للظاهر.
وقال بعد كلام ذكره عن رسول الله (ص)وقال -يعني النبي (ص)-: ((يا علي إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهيه فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع)) فقلت: يارسول الله بأي المنازل أنزلهم عند ذلك بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟ فقال (ص): ((بمنزلة فتنة)) رواه في النهج، والأهواء الساهية: الغافلة، والسحت: الحرام.
قال ابن أبي الحديد: وهذا الخبر مروي عن رسول الله (ص)قد رواه كثير من المحدثين عن علي أن رسول الله (ص)قال له: ((إن الله كتب عليكم جهاد المفتونين)) وساق الرواية إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله لو بينت لي قليلا، فقال: ((إن أمتي ستفتتن من بعدي فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال، فكن حلس بيتك حتى تقلدها...)) الخبر بطوله.
ومن كلامه للخوارج وهم مقيمون على إنكار حكمه: (ألم تقولوا عند رفعهم للمصاحف حيلة، وغيلة، ومكرا، وخديعة، إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واسترجعوا إلى كتاب الله، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم، فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا إلى نعق ناعق إن أجيب أضل، وإن ترك ذل) رواه في النهج، والناعق: المصوت.
وفي كلامه دليل على أنها مهما علمت إرادة الحيلة والخداع فإنه لايترتب على الظاهر شيء من أحكام الشرع التي يقصد بالحيلة إثباتها أو سقوطها، وكلامه في هذا المعنى كثير."
وما نقله الرجل من روايات خاطىء لأنه إخبار بالغيب وهو ما لا يعلمه الرسول(ص) ولا على ولا غيرهم فالله وحده من يعلمه كما قال تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ونفى ذلك الرسول(ص) فقال:
لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء" ثم قال:
"[إجماع الصحابة على تحريم الحيل ]:
حكاه ابن القيم وتقريره على ما ذكره في أعلام الموقعين أنها قد وقعت وقائع متعددة في أوقات متفرقة تدل على تحريم الحيل من ذلك:
أن أمير المؤمنين ، وابن عباس وعثمان، وابن عمر أفتوا أن المرأة لاتحل بنكاح التحليل، وخطب بتحريم ذلك عمر على منبر رسول الله (ص)وقال: لا أوتى بالمحلل والمحلل له إلا رجمتهما، وأقره سائر الصحابة، وروي أن ابن مسعود، وأبي، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وابن عمر نهوا المقرض عن قبول الهدية من المقترض، وجعلوا قبولها ربا، وحرم ابن عباس، وأنس، وعائشة مسألة العينة، وأفتى علي، وعثمان، وأبي بن كعب وغيرهم من الصحابة أن المبتوتة في مرض الموت ترث، ووافقهم سائر المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرضوان ومن عداهم.
قال: وهذه وقائع متعددة، والعادة توجب اشتهارها، وظهورها بينهم، لا سيما وهؤلاء أعيان المفتين من الصحابة الذين كانت تضبط أقوالهم، وتنتهي إليهم فتاواهم، ومع هذا إنه لم يحفظ الإنكار من أحد عليهم، وإذا كان هذا قولهم في إبطال الحيلة فيما ذكر فماذا يقولون في التحيل لإسقاط حقوق المسلمين بل لاسقاط حقوق رب العالمين.
هذا حاصل كلامه في أعلام الموقعين قال فيه: إن تقرير إجماعهم على تحريم الحيل وإبطالها أقوى من تقرير إجماعهم على العمل بالقياس وغيره مما يدعى فيه إجماعهم.
واعلم أن كل ما دل على سد الذرائع ومنعها فهو دال على تحريم الحيلة، وأدلة سد الذرائع كثيرة كتابا وسنة، ووجه دلالة هذا الوجه على منع الحيل أن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلته، وأن الحيل مبنية على الهوى، والكتاب والسنة ناطقان بتحريم اتباع الهوى، وأجمع العترة على تحريم الأخذ بالأخف اتباعا للهوى، رواه الإمام القاسم بن محمد في الإرشاد، ولا شك أن الحيل لا يطلب بها إلا الأخف، والأخف لا يطلب إلا اتباعا للهوى غالبا.
وما ذكره الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم وجعله من طريقة القياس ولفظه: ومن القياس أن يقال كل فعل توصل به إلى مخالفة الشريعة، وميل بها عن أسرارها التي جعل الله لإختلاف الأحكام فهو باطل؛ لقوله تعالى: "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله" وقوله (ص): ((فمن أحدث في ديننا هذا ماليس فيه فهو رد عليه)) وقوله (ص): ((ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره)) ولأن إسقاط الحقوق إضرار بأهلها، ومما روي عنه (ص)أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) قال: وهذا دليل على أن ليس في الإسلام حكم يثبت به الضرر والإضرار.
هذا ما تيسر جمعه عن الحيلة وضرورة اجتنابها، والابتعاد عنها، وقد توسع في الكلام عنها السيد العلامة علي بن محمد العجري رحمه الله تعالى، وذلك في الجزء الثاني من كتابه مفتاح السعادة وقد نقلت بعضا مما أورده هنالك، وما هذه إلا تنبيهات للمسلم، والمؤمنون وقافون عند الشبهات"
قطعا كل هذا الكلام عن حرمة الحيل كلها خطأ فقد أباح الله الحيلة فى حالة الاضطرار ككذب المسلم باعلان كفره فى بلاد الكفر إن خاف قتلا أو تعذيبا كما قال تعالى:
"إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"
المؤلف محمد بن عبدالله بن سليمان العزي وقد استهل الكتاب ببيان أن الله حرم الحيل فقال :
"اعلم أن الله سبحانه أغنانا بما شرعه لنا من الحنفية السمحة، وما يسره من الدين على لسان رسوله (ص)، وسهله للأمة عن الدخول في الآصار والأغلال، وعن ارتكاب طرق المكر والخداع والاحتيال، كما أغنانا عن كل باطل ومحرم وضار بما هو أنفع لنا، وذلك بما شرعه لنا من الحق والمباح النافع، ونحن نعلم علما لا شك فيه أن الحيل التي تتضمن تحليل ما حرمه الله تعالى وإسقاط ما أوجبه لو كانت جائزة لسنها الله سبحانه، وندب إليها لما فيها من التوسعة والفرج وقد قال (ص): ((ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به، ولا تركت من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به، تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) فهلا ندب النبي (ص)إلى الحيل، وحض عليها كما حض على إصلاح ذات البين، بل لم يزل يحذر عن الخداع والمكر والنفاق، ومشاغبة أهل الكتاب باستحلال محارمه بأدنى الحيل، ولو كان مقصود الشارع إباحة تلك المحرمات التي رتب عليها أنواع الذم والعقوبات، وسد الذرائع الموصلة إليها لم يحرمها ابتداء، ولا رتب عليها العقوبة، ولا سد الذرائع إليها، ولكن ترك أبوابها مفتحة أسهل من المبالغة في غلقها وسدها، ثم يفتح لها أنواع الحيل، فهذا مما تصان عنه الشرائع فضلا عن أكملها شريعة"
وهذه المقدمة خاطئة فالله لم يحرم الحيل كلها ولم يحلل الحيل كلها ولا ذكر لكلمة الحيل فى القرآن وإنما الكلمة التى تدخل ضمنها الحيل هى حالة الاضطرار كما قال تعالى :
"إلا ما اضطررتم إليه"
وقد استهل الزى كتابه ببيان أقسام الحيل فقال:
"أقسام الحيل:
فالحيل أقسام:
أحدها: الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى محرم في نفسه، فمتى كان المقصود بها محرما في نفسه فهي حرام باتفاق المسلمين، وصاحبها فاجر ظالم آثم، وذلك مثل احتيال المرأة على فسخ نكاح الزوج مع إمساكه بالمعروف، واحتيال البائع على فسخ البيع، واحتيال المشتري على الفسخ، والمؤجر والمستأجر، والراهن ونحو ذلك، فهو من كبائر الإثم، وأقبح المحرمات.
الثاني: ما هو مباح في نفسه، لكن يقصد الحرام صار حراما كالسفر ليقطع الطريق ونحو ذلك فهاهنا المقصود حرام، والوسيلة في نفسها غير محرمة، لكن لما توصل بها إلى الحرام صارت حراما.
الثالث: أن يقصد بالحيلة أخذ حق، أو دفع باطل لكن لا تكون الطريق إلى حصول ذلك محرمة مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده فيقيم شاهدين لا يعرفان غريمه ولم يرياه يشهدان له بما ادعاه، فهذا محرم؛ لأن الشاهدين يشهدان بالزور، وقد حملهما على ذلك، وكذلك لو كان له عند رجل دين فجحده إياه وله عنده وديعة فجحد الوديعة وحلف أنه لم يودعه، أو كان له على رجل دين لا بينة له به، ودين آخر به بينة لكنه اقتضاه منه فيدعي هذا الدين ويقيم به بينة وينكر الاستيفاء، أو يكون قد اشترى منه شيئا فظهر به عيب تلف المبيع به فادعى بثمنه فأنكر أصل العقد وأنه لم يشتر منه شيئا أو تزوج امرأة فأنفق عليها مدة طويلة فادعت عليه أنه لم ينفق عليها شيئا فجحد نكاحها بالكلية فهو حرام؛ لأنه كذب ولا سيما إن حلف عليه ونحو ذلك.
الرابع: من الحيل أن يقصد حل ما حرمه الشارع أو سقوط ما أوجبه بأن يأتي بسبب نصبه الشارع سببا إلى أمر مباح مقصود فيجعله المحتال المخادع سببا إلى أمر محرم مقصود اجتنابه، وهذا حرام من جهتين من جهة غايته، ومن جهة سببه.
أما غايته فإن المقصود به إباحة ما حرم الله ورسوله (ص)وإسقاط ما أوجبه، وأما من جهة سببه فإنه اتخذ آيات الله هزوا، وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله، ولا قصده به الشارع، بل قصد ضده فقد صار الشارع في الغاية والحكمة والسبب جميعا، وقد يجعلون الحيل من الدين وأن الشارع جوز لهم ذلك التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرم وإسقاط ما أوجبه، ثم إن هذا يتضمن نسبة الشارع إلى العبث، وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء، فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التي شرعت لها، بل لا غرض له في مقاصدها وحقائقها البتة، وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهي عنه صرفا، ومن الاحتيال: الاحتيال لحل ما هو حرام في الحال كالحيل الربوية وحيلة التحليل.
القسم الخامس: الاحتيال على حل ما انعقد سبب تحريمه فهو صائر إلى التحريم كما إذا علق طلاقها بشرط محقق تعليقا يقع به أراد منع وقوع الطلاق عند الشرط فخالعها خلع الحيلة حتى بانت، ثم تزوجها بعد ذلك.
القسم السادس: الاحتيال على إسقاط ما هو واجب في الحال كالاحتيال على إسقاط الإنفاق الواجب عليه، وأداء الدين الواجب فيحتال حتى يمنع الوجوب كالاحتيال على إسقاط الزكاة بتمليكه ماله قبل مضي الحول لبعض أهله، ثم استرجاعه بعد ذلك، وكالاحتيال على إسقاط الشفعة التي شرعت دفعا للضرر عن الشريك قبل وجودها أو بعده، والاحتيال على أخذ حقه أو بعضه، أو بدله بخيانة، إما أن يجحده دينه كما جحده أو يخونه في وديعته كما خانه، أو أن يغشه في بيع كما غشه، أو يسرق ماله كما سرقه، أو أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما وعدوانا أو غررا وخداعا، أو عبثا..."
قطعا كل هذه الأقسام لا لزوم لها فالمحتال إما يريد أخذ المحرم أو تحريم المحلل هذا إن كان المحتال آثم وأما إذا كان غير آثم فإنه يريد الوصول للحق أو منع ضرر بسبب اتباعه للحق
وحاول تحريم الحيل كليا فقال :
[عبرة]
نعم، لو نفع أصحاب الحيل التحيل لما مسخ الله تعالى اليهود قردة وخنازير، ولم يعاقب الله تعالى أصحاب الجنة الذين عزموا على صرمها ليلا لئلا يحضرهم المساكين."
وما قعله القومين ليس احتيالا لأنهم فعلوه علنا والتحايل يكون فى الخفاء
وحاول العزى الرد على المبيحين فقال:
"شبهات وردود:
وأما تمسكهم بقول الله تعالى لأيوب(ًص)"وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث" فمن العجب أن يحتج بهذه الآية من يقول لأنه لو حلف ليضربنه عشرة أسواط فجمعها وضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه؛ لأن هذا إنما يجري في حق المريض كما ورد في الحديث بعثكال يسقط عنه الحد.
[قصة أيوب مع زوجته]
وأما قصة أيوب فإن امرأته كانت لشدة حرصها على عافيته وخلاصه من دائه تلتمس له الدواء بما تقدر عليه، فلما لقيها الشيطان وقال لها ما قال أخبرت أيوب بذلك فقال: إنه الشيطان، ثم حلف لئن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة سوط، فكانت معذورة محسنة في شأنه، ولم يكن في شرعهم كفارة فإنه لو كان في شرعهم كفارة لعدل إلى التكفير ولم يحتج إلى ضربها، فكانت اليمين موجبة عندهم كالحدود، وقد ثبت أن المحدود إذا كان معذورا خفف عنه بأن يجمع له مائة شمراخ أو مائة سوط فيضرب بها ضربة واحدة، وامرأة أيوب معذورة لم تعلم أن الذي خاطبها الشيطان، وإنما قصدت الإحسان فلم تكن تستحق العقوبة فأفتى الله نبيه أيوب أن يعاملها معاملة المعذور، هذا مع رفقها به وإحسانها إليه، فجمع الله له بين البر بيمنه والرفق بامرأته المحسنة المعذورة التي لا تستحق العقاب."
والقصة ليس فيها شيطان والمرأة أساسا لم ترتكب جريمة حتى تعاقب هذا العقاب بسبب حلف زوجها ومن ثم فالحيلة لم يكن سببها تحريم حلال ولا تحليل حرام وإنما هو تنفيذ ليمين الرجل حلفه مع عدم إضرار المرأة التى لم تذنب حتى تضرب ضرب المجرم
ومن ثم كان التنفيذ هو بر بيمين من لا يقدر على الكفارة ساعة مرضه وفقره بحيث لا يتم إيلام المرأة سوى مرة واحدة ألما هينا
وتناول روايات التحايل فقال:
[حديث شراء التمر]:
وأما حديث بلال في شراء التمر، وقول النبي (ص): ((بع التمر بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا)) فليس فيه دلالة على الاحتيال بالعقود التي ليست مقصودة لوجوه:
أحدها: أن النبي (ص)أمره أن يبيع سلعته الأولى ليبتاع بثمنها سلعة أخرى، ومعلوم أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح ومتى وجد البيعان على الوجه الصحيح جاز ذلك بلا ريب، ونحن نقول: كل بيع صحيح يفيد الملك لكن الشأن في بيوع قد دلت السنة وأقوال الصحابة على أن ظاهرها وإن كان بيعا فإنها ربا، وهي بيع فاسد، ومعلوم أن مثل هذا لا يدخل في الحديث ولو اختلف رجلان في بيع مثل هذا هل هو صحيح أو فاسد، وأراد أحدهما إدخاله في هذا اللفظ لم يمكنه ذلك حتى يثبت أنه بيع صحيح لم يحتج إلى استدلال بهذا الحديث؛ فتبين أنه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع البتة.
الوجه الثاني: إن الحديث ليس فيه عموم؛ لأنه قال: ((وابتع بالدراهم جنيبا)) والأمر بالحقيقة المطلقة ليس أمرا بشيء من قيودها؛ لأن الحقيقة مشتركة بين الأفراد والقدر المشترك ليس هو ما يميز كل واحد من الأفراد عن الآخر، ولا هو مستلزم له فلا يكون الأمر بالمشترك أمرا بالمميز بحال، نعم هو مستلزم لبعض تلك القيود لا بعينه فيكون عاما لها على سبيل البدل، لكن ذلك لا يقتضي العموم بالأفراد على سبيل الجمع وهو المطلوب، فقوله بع هذا الثوب لا يقتضي الأمر ببيعه من زيد أو عمرو ولا بكذا وكذا ولا بهذه السوق أو هذه، فإن اللفظ لا دلالة له على شيء من ذلك، لكن إذا أتى بالمسمى حصل ممثلا من جهة وجود تلك الحقيقة لا من جهة وجود تلك القيود، إذا تبين ذلك فليس في الحديث أنه أمره أن يبتاع من المشتري، ولا أمره أن يبتاع من غيره، ولا بنقد البلد ولا غيره، ولا بثمن حال أو مؤجل، فإن هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ، ولو زعم زاعم أن اللفظ يعم هذا كله كان مبطلا، لكن اللفظ لا يمنع الأجزاء إذا أتى بها، واللفظ لا تعرض فيه للقيود بنفي، ولا إثبات، ومقصود الشارع (ص)إنما هو بيان الطريق التي يحصل بها شراء التمر الجيد لمن عنده رديء، وهو أن يبيع الرديء بثمن، ثم يبتاع بالثمن جيدا، أو لم يتعرض لشروط البيع وموانعه، فلا معنى للاحتجاج بهذا الحديث على نفي شرط مخصوص كما لا يحتج به على نفي سائر الشروط."
قطعا الرواية ليس فيها أى دليل على الاحتيال لأن الأوامر واضحة ثم قال:
[قصة يوسف مع أخيه]:
وأما استدلالهم بأن الله سبحانه وتعالى علم نبيه يوسف الحيلة التي توصل بها إلى أخذ أخيه، فهذا قد ظن بعض أرباب الحيل أنه حجة لهم، وليس كما زعموا، والاستدلال بذلك من أبطل الباطل فإن المحتجين بذلك لا يجوزون شيئا مما في هذه القصة البتة، ولا تجزها شريعتنا بوجه من الوجوه، فكيف يحتج المحتج بما يحرم العمل به ولا يسوغه بوجه من الوجوه؟ والله سبحانه إنما سوغ ذلك لنبيه يوسف جزاء لإخوته، وعقوبة لهم على ما فعلوه به، ونصرا له عليهم، وتصديقا لرؤياه، ورفعا لدرجته، ودرجة أبيه، وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على أنه يجوز للإنسان التوصل إلى أخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول إليه بغير رضا من عليه الحق، وهذه الحجة ضعيفة فإن يوسف لم يكن يملك حبس أخيه عنه بغير رضاه، ولم يكن هذا الأخ ممن ظلم يوسف حتى يقال قد اقتص منه، وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك.
نعم، لو كان يوسف أخذ أخاه بغير أمره لكان لهذا المحتج شبهة مع أنه لا شبهة له أيضا على هذا التقدير فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق، ولو كان يوسف قد أخذ أخاه واعتقله بغير رضاه كان في هذا ابتلاء من الله تعالى لذلك المعتقل كأمر إبراهيم بذبح ابنه."
قصة يوسف (ص) أخذ أخيه معه هى رد لعدوان اخوتهم الممثل فى رمى يوسف(ص) فى الجب وهو طفل ومن ثم فهو امر مباح لقوله تعالى :
" فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم حدثنا عن بقية الروايات فقال:
"[الروايات الدالة على تحريم الحيل]:
وما روي عنه (ص)من الأخبار الصريحة في تحريم الحيل بعضها عامة وبعضها في جزئيات متعددة يحصل من مجموعها العلم بتحريم الحيل التي يتوصل بها إلى استباحة ما حرم الله ورسوله فمن ذلك ما روي من لعن المحلل والمحلل له.
[حديث الربا]
وروى الحاكم في السفينة عن النبي (ص): ((أكلة الربا يبعثون يوم القيامة على صورة الكلاب وعلى صورة الخنازير)) لأجل حيلتهم في الربا كما مسخ قوم داود حين أخذوا الحيتان بالحيلة، وكذلك روي عن النبي (ص)أنه نهى عن أكل الربا بالحيلة، وفي أعلام الموقعين عنه (ص)((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فاستحلوا محارم الله بالحيل)) ."
الرواية خاطئة فلا أحد يبعث على غير صورته لقوله تعالى :
" كما بدأكم تعودون"
ومن ثم لا يوجد تحايل ثم قال :
[ضرورة مطابقة السنة]:
وفي أمالي أبي طالب عليه السلام: أخبرنا، أبي، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا أبي، حدثنا محمد بن منصور، حدثنا عبد الله بن داهر، عن عمرو بن جميع، عن الصادق، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: قال رسول الله (ص): ((قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير صلاة، وقراءة القرآن في غير صلاة أفضل من ذكر الله، وذكر الله أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام جنة من النار، ثم قال: لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولاعمل ولا نية إلا بإصابة السنة)).
وفي أمالي المرشد بالله: أخبرنا الأزجي، أخبرنا المفيد، حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا خالد بن عبد، عن نافع بن يزيد، عن زهرة، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة قال رسول الله (ص): ((قرآن في صلاة أفضل من قرآن في غير صلاة، وقرآن في غير صلاة أفضل مما سواه من الذكر، والذكر أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام جنة حصينة من النار، والإيمان قول وعمل، ولا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة))."
الروايات السابقة لا تصح فقراءة القرآن هى الصلاة ولا قراءة للقرآن فى غير صلاة إلا فى التعليم وهى آيات مفرقات
والصدقة أفضل من الذكر لكونها عمل مالى ثوابه 700 أو 1400 حسنة كما قال تعالى :
"مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
والذكر عمل غير مالى ثوابه عشر حسنات كما قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"
ثم قال :
"وفي صحيح البخاري: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التميمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب على المنبر، قال: سمعت رسول الله (ص)يقول: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ماهاجر إليه)). وقوله (ص): ((لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة )) قد رواه الهادي والمؤيد بالله في شرح التجريد مرسلا وهو في الشفاء، وأصول الأحكام والانتصار، ورواه في الجامع الكافي، ثم قال: وعن علي مثل ذلك، وأخرجه أبو داود وابن أبي شيبة، وابن جرير وصححه في مواهب الغفار السيد العلامة عبدالله بن الإمام الهادي القاسمي."
وحديث النيات لا يصح لأنه أخرج المرأة من متاع الدنيا وجعلها شىء بمفردها وهى من متاع الدنيا فى قوله تعالى :
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا"
ثم قال :
"[حديث بيع الشحوم]:
وعن النبي (ص)أنه قال: ((لعن الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وانتفعوا بثمنها)) رواه في الشفاء وفي العلوم حدثنا محمد قال: حدثنا سفيان، عن أبي أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء، عن جابر قال: قام رجل فقال: يا رسول الله ما ترى في شحوم الميتة فإنه يدهن بها السقا، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها؟ فقال رسول الله (ص): ((إن اليهود لما حرم الله عليهم شحومها أخذوها فجملوها وأكلوا ثمنها)) قال أبو أسامة: جملوها يعني أذابوها، والحديث رواه في الشفاء، وأخرجه الجماعة.
وفي العلوم: حدثنا محمد قال: حدثنا أبو عمار المروزي، عن الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي الزبير قال: سمعت جابر ابن عبدالله يقول: إن رجلا أتى النبي (ص)فقال: إن لي إبلا تنفق أفأبيع شحومها؟ فقال رسول الله (ص): ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها)) الحديث في الشفاء.
وعن ابن عباس أن النبي (ص)قال: ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه)) رواه أحمد، وأبو داود، وهو في الجامع الكافي، والحديث دليل على تحريم الحيل وإبطالها، وأنه لا يجوز التوصل إلى ما هو في ذاته كأثمان الشحوم حلال بالحيل، والذرائع المحرمة."
كما سبق القول الحيل أو التحايل يعنى التخفى أى عمل شىء فى الخحفاء فغن كان عمل اليهود فى الخفاء فهو احتيال ولكنهم كانوا يجاهرون بالمعصية وهى الاعتداء ومن ثم فليس هناك تحايل على الناس وإنما التحايل وهو الخداع لله تعالى ثم قال :
"[حديث الخل]:
وعن علي: ((كلوا خل الخمر ما فسد، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم)) رواه علي بن موسى الرضا في الصحيفة.
ولما نزل تحريم الخمر أمر النبي (ص)بإراقتها وكان في الجملة خمر ليتيم فا ستأذنه وليه في أن يجعلها خلا فمنع من ذلك وأمر بإراقتها."
قطعا هذا ليس تحايل لأن العمل علنى والأمر علنى وكما سبق القول التحايل يكون فى الخفاء ثم قال:
"[أقوال الإمام علي عن الحيل]:
وما روي عن أمير المؤمنين من التحذير من الحيل وأهلها، فمن ذلك قوله: (لقد صرنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة مالهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين) رواه في نهج البلاغة، الكيس بفتح الكاف وسكون الياء المثناة من تحت: الفطنة والذكاء، والحول القلب بضم الحاء المهملة والقاف وتشديد الواو واللام: الذي قد تحول وتقلب في الأمور وجربها، والانتهاز :المبادرة إلى الفرصة واغتنامها، والحريجة: التقوى.
وقال في عهده للأشتر
وقال بعد كلام ذكره عن رسول الله (ص)وقال -يعني النبي (ص)-: ((يا علي إن القوم سيفتنون بعدي بأموالهم ويمنون بدينهم على ربهم، ويتمنون رحمته، ويأمنون سطوته، ويستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والأهواء الساهيه فيستحلون الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع)) فقلت: يارسول الله بأي المنازل أنزلهم عند ذلك بمنزلة فتنة أم بمنزلة ردة؟ فقال (ص): ((بمنزلة فتنة)) رواه في النهج، والأهواء الساهية: الغافلة، والسحت: الحرام.
قال ابن أبي الحديد: وهذا الخبر مروي عن رسول الله (ص)قد رواه كثير من المحدثين عن علي أن رسول الله (ص)قال له: ((إن الله كتب عليكم جهاد المفتونين)) وساق الرواية إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله لو بينت لي قليلا، فقال: ((إن أمتي ستفتتن من بعدي فتتأول القرآن وتعمل بالرأي، وتستحل الخمر بالنبيذ، والسحت بالهدية، والربا بالبيع، وتحرف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلال، فكن حلس بيتك حتى تقلدها...)) الخبر بطوله.
ومن كلامه للخوارج وهم مقيمون على إنكار حكمه: (ألم تقولوا عند رفعهم للمصاحف حيلة، وغيلة، ومكرا، وخديعة، إخواننا وأهل دعوتنا استقالونا واسترجعوا إلى كتاب الله، فالرأي القبول منهم، والتنفيس عنهم، فقلت لكم: هذا أمر ظاهره إيمان، وباطنه عدوان، وأوله رحمة، وآخره ندامة، فأقيموا على شأنكم، والزموا طريقتكم وعضوا على الجهاد بنواجذكم، ولا تلتفتوا إلى نعق ناعق إن أجيب أضل، وإن ترك ذل) رواه في النهج، والناعق: المصوت.
وفي كلامه دليل على أنها مهما علمت إرادة الحيلة والخداع فإنه لايترتب على الظاهر شيء من أحكام الشرع التي يقصد بالحيلة إثباتها أو سقوطها، وكلامه في هذا المعنى كثير."
وما نقله الرجل من روايات خاطىء لأنه إخبار بالغيب وهو ما لا يعلمه الرسول(ص) ولا على ولا غيرهم فالله وحده من يعلمه كما قال تعالى :
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ونفى ذلك الرسول(ص) فقال:
لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء" ثم قال:
"[إجماع الصحابة على تحريم الحيل ]:
حكاه ابن القيم وتقريره على ما ذكره في أعلام الموقعين أنها قد وقعت وقائع متعددة في أوقات متفرقة تدل على تحريم الحيل من ذلك:
أن أمير المؤمنين ، وابن عباس وعثمان، وابن عمر أفتوا أن المرأة لاتحل بنكاح التحليل، وخطب بتحريم ذلك عمر على منبر رسول الله (ص)وقال: لا أوتى بالمحلل والمحلل له إلا رجمتهما، وأقره سائر الصحابة، وروي أن ابن مسعود، وأبي، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وابن عمر نهوا المقرض عن قبول الهدية من المقترض، وجعلوا قبولها ربا، وحرم ابن عباس، وأنس، وعائشة مسألة العينة، وأفتى علي، وعثمان، وأبي بن كعب وغيرهم من الصحابة أن المبتوتة في مرض الموت ترث، ووافقهم سائر المهاجرين والأنصار من أهل بدر وبيعة الرضوان ومن عداهم.
قال: وهذه وقائع متعددة، والعادة توجب اشتهارها، وظهورها بينهم، لا سيما وهؤلاء أعيان المفتين من الصحابة الذين كانت تضبط أقوالهم، وتنتهي إليهم فتاواهم، ومع هذا إنه لم يحفظ الإنكار من أحد عليهم، وإذا كان هذا قولهم في إبطال الحيلة فيما ذكر فماذا يقولون في التحيل لإسقاط حقوق المسلمين بل لاسقاط حقوق رب العالمين.
هذا حاصل كلامه في أعلام الموقعين قال فيه: إن تقرير إجماعهم على تحريم الحيل وإبطالها أقوى من تقرير إجماعهم على العمل بالقياس وغيره مما يدعى فيه إجماعهم.
واعلم أن كل ما دل على سد الذرائع ومنعها فهو دال على تحريم الحيلة، وأدلة سد الذرائع كثيرة كتابا وسنة، ووجه دلالة هذا الوجه على منع الحيل أن الشارع يسد الطريق إلى المفاسد بكل ممكن، والمحتال يفتح الطريق إليها بحيلته، وأن الحيل مبنية على الهوى، والكتاب والسنة ناطقان بتحريم اتباع الهوى، وأجمع العترة على تحريم الأخذ بالأخف اتباعا للهوى، رواه الإمام القاسم بن محمد في الإرشاد، ولا شك أن الحيل لا يطلب بها إلا الأخف، والأخف لا يطلب إلا اتباعا للهوى غالبا.
وما ذكره الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم وجعله من طريقة القياس ولفظه: ومن القياس أن يقال كل فعل توصل به إلى مخالفة الشريعة، وميل بها عن أسرارها التي جعل الله لإختلاف الأحكام فهو باطل؛ لقوله تعالى: "ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله" وقوله (ص): ((فمن أحدث في ديننا هذا ماليس فيه فهو رد عليه)) وقوله (ص): ((ليس منا من غش مسلما أو ضره أو ماكره)) ولأن إسقاط الحقوق إضرار بأهلها، ومما روي عنه (ص)أنه قال: ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)) قال: وهذا دليل على أن ليس في الإسلام حكم يثبت به الضرر والإضرار.
هذا ما تيسر جمعه عن الحيلة وضرورة اجتنابها، والابتعاد عنها، وقد توسع في الكلام عنها السيد العلامة علي بن محمد العجري رحمه الله تعالى، وذلك في الجزء الثاني من كتابه مفتاح السعادة وقد نقلت بعضا مما أورده هنالك، وما هذه إلا تنبيهات للمسلم، والمؤمنون وقافون عند الشبهات"
قطعا كل هذا الكلام عن حرمة الحيل كلها خطأ فقد أباح الله الحيلة فى حالة الاضطرار ككذب المسلم باعلان كفره فى بلاد الكفر إن خاف قتلا أو تعذيبا كما قال تعالى:
"إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"