رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب تحريم ذبائح أهل الكتاب
الكتاب من تأليف الشيخ المفيد وهو يدور حول الاختلاف فى حرمة أو إباحة ذبائح الكتابيين وقد قال فى مقدمته:
"اختلف أهل الصلاة في ذبائح أهل الكتاب فقال جمهور العامة بإباحتها وذهب نفر من أوائلهم إلى حظرها وقال جمهور الشيعة بحظرها وذهب نفر منهم إلى مذهب العامة في إباحتها "
وقد بين دليل المذهب فى حظر تلك الذبائح فقال:
"واستدل الجمهور من الشيعة على حظرها بقول الله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وان أطعتموهم إنكم لمشركون قالوا فحظر الله سبحانه بتضمن هذه الآية أكل كل ما لم يذكر عليه اسم الله من الذبائح دون ما لم يرده من غيرها بالإجماع والاتفاق فاعتبرنا المعني بذكر التسمية أهو اللفظ بها خاصة أم هو شيء ينضم إلى اللفظ ويقع لأجله على وجه يتميز به مما يعمه واياه الصيغة من أمثاله في الكلام فبطل أن يكون المراد هو اللفظ بمجرده لاتفاق الجميع على حظر ذبيحة كثير ممن يتلفظ بالاسم عليها كالمرتد وان سمى تجملا والمرتد عن أصل من الشريعة مع إقراره بالتسمية واستعمالها والمشبه لله تعالى بخلقه لفظا ومعنى وان دان بفرضها عند الذبيحة متدينا والثنوية والديصانية والصابئين والمجوس تثبت أن المعني بذكرها هو القسم الثاني من وقوعها على وجه يتخصص به من تسمية من عددناه وأمثالهم في الضلال فنظرنا في ذلك فأخرج لنا دليل الاعتبار أنها تسمية المتدين بفرضها على ما تقرر في شريعة الإسلام مع المعرفة بالمسمى المقصود بذكره عند الذبيحة إلى استباحتها دون من عداه بدلالة حصول الحظر مع التسمية ممن أنكر وجوب فرضها وتلفظ بها لغرض له دون التدين ممن سميناه وحصوله أيضا مع تسمية المتدين بفرضها إذا كان كافرا يجحد أصلا من الشريعة لشبهة عرضت له وان كان مقرا بسائر ما سوى الأصل على ما بيناه وحظر ذبيحة المشبه وان سمى ودان بفرضها كما ذكرناه واذا صح أن المراد بالتسمية عند الذكاة ما وصفناه من التدين بفرضها على شرط ملة الإسلام والمعرفة بمن سماه لخروجه من اعتقاد ما يوجب الحكم عليه بجملة من سائر الحياة ثبت حظر ذبائح أهل الكتاب لعدم استحقاقهم من الوصف ما شرحناه ولحوقهم في المعنى الذي ذكرناه بشركائهم في الكفر من المجوس والصابئين و غيرهما من أصناف المشركين والكفار"
المفيد هنا يقول أن سبب التحريم عندهم هو أن المقصود بالله عند الكتابيين الموحدين ليس هو الله فالنصارى منهم من يعتبر الله هو المسيح ومنهم من يعتقد أن الله مكون من ثلاثة أقسام وأما اليهود فقد قال فيهم:
"سؤال فإن قال قائل فإن اليهود و غيرهم تعرف الله جل اسمه وتدين بالتوحيد وتقر به وتذكر اسمه على ذبائحها وهذا يوجب الحكم عليها بأنها حلال جواب قيل له ليس الأمر على ما ذكرت لا اليهود من أهل المعرفة بالله عز وجل حسب ما قدرت ولا هي مقرة بالتوحيد في الحقيقة كما توهمت وان كانت تدعي ذلك لأنفسها بدلالة كفرها بمرسل محمد (ص) وجحدها لربوبيته وانكارها لإلهيته من حيث اعتقدت كذبه (ص) ودانت ببطلان نبوته وليس يصح الإقرار بالله عز وجل في حالة الإنكار له ولا المعرفة به في حالة الجهل بوجوده وقد قال الله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله وقال ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء وقال فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ولو كانت اليهود عارفة بالله تعالى وله موحدة لكانت به مؤمنة و في نفي القرآن عنها الإيمان دليل على بطلان ما تخيله الخصم"
المفيد هنا نفى أن يكون توحيد اليهود توحيدا لكونهم يكذبون الرسول(ص) والوحى الأخير ومن ثم فذبائحهم حرام
الخطأ فى فهم المفيد وغيره فى المسألة هو :
أن اسم الله يعنى مجرد التلفظ بكلمة الله فاسم الله هو الوحى والمطلوب هو قراءة بعض القرآن عند ذبح الذبيحة ومن ثم فالكتابى يقرأ بعض التوراة الحقيقية أو الإنجيل الحقيقى وعند قراءة بعضهم يكون كأنه قرأ بعض القرآن لأن الوحى المنزل عبر العصور واحد فيما عدا عدة أحكام تعد على أصابع اليدين وعدا بعض القصص كما قال تعالى لنبيه(ص)" ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك"
وهذا هو ما قصده الله تعالى بقوله" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم"
ونظرا لعدم وجود التوراة والانجيل وكذلك كتاب الصابئة عندهم حاليا وقد كانوا موجودين فى زمن النبى(ص) كما قال تعالى بكون بعضهم مؤمنين مسلمين"إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا"
فإن ذبائحهم حرام إلا أن يكون نص كبعض نص الوصايا العشر فى العهد القديم فهو من النصوص القليلة الباقية من كتاب الله فساعتها تكون الذبيحة حلال
وأما كون المراد بكلمة الله المسيح أو عزرا أو غير هذا فليس هذا المراد فى ذكر اسم الله وأما ما أهل به لغير الله فالمراد به كل ذبيحة ذبحت لغرض محرم مثل اطعام الرجال دون النساء أو النساء دون الرجال كعقائد الجاهليين المذكورة فى سورة الأنعام أو التفاخر والمباهاة بالذبح
وقد تعرض المفيد لأمور خارج موضوع الكتاب مثل أن مستحل أى محرم فى الإسلام بشبهة ذبيحته حرام فقال:
"فصل:
على أن ما يظهره اليهود من الإقرار بالله عز اسمه وتوحيده قد يظهر من مستحل الخمر بالشبهة و يقترن إلى ذلك بإقراره بنبوة محمد ص والتدين بما جاء به في الجملة وقد أجمع علماء الأمة على أن ذبيحة هذا محرمة وانه خارج عن جملة من أباح الله تعالى أكل ذبيحته بالتسمية فاليهود أولى بأن تكون ذبائحهم محرمة لزيادتهم عليه في الكفر والضلال أضعافا مضاعفة مع أنه لا شيء يوجب جهل المشبهة بالله عز وجل إلا وهوموجب جهل اليهود والنصارى بالله ولا معنى يحصل لهم الحكم بالمعرفة مع إنكارهم لإلهية مرسل محمد (ص) و كفرهم به إلا وهو يلزم صحة الحكم على المشبهة بالمعرفة وان اعتقدوا أن ربهم على صورة الإنسان بعد أن يصفوه بما سوى ذلك من صفات الله عز وجل وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل المعرفة وان ذهب علمه على جميع المقلدة على أنه ليس أحد من أهل الكتاب يوجب التسمية ولا يراها عند الذبيحة فرضا وان استعملها منهم إنسان فلعادة مخالطة من أهل الإسلام أوالتجمل بذلك والاستحباب وهذا القدر كاف في تحريم ذبائحهم بما قدمناه"
ثم بين أن عقائد الفرق المخالفة للشيعة عدم التفرقة بين اليهود والنصارى لاعتقاد النصارى الخاطىء ومن ثم فالمفروض هو حظر ذبائح الفريقين وقد قال المفيد فى هذا :
"فصل
مع أن مخالفينا لا يفرقون بين ذبائح اليهود والنصارى وليس في جهل النصارى بالله عز وجل و عدم معرفتهم به لقولهم بالأيام والجواهر والأب والابن والروح والاتحاد شك ولا ريب واذا ثبت حظر ذبائح النصارى بما وصفناه وجب حظر ذبائح اليهود للاتفاق على أنه لا فرق بينهما في الإباحة والتحريم"
وبين المفيد أن الكفار كعبدة الأصنام يوحدون الله ولكنهم يجعلون الأصنام بينهم وبين الله الأصنام وسائط كما قالوا "والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"
فمع أنهم يعرفون الله ويقرون به خالقا فقد حرم الله ذبائحهم ومن ثم فمعرفة النصارى واليهود كمعرفتهم ومن ثم فالكل ذبائحه حرام لأن مجرد المعرفة لا تكفى وفى هذا قال :
"فصل
وشيء آخر وهو أنه متى ثبت لليهود والنصارى بالله عز وجل معرفة وجب بمثل ذلك أن للمجوس بالله تعالى معرفة ولعبدة الأصنام من قريش ومن شاركهم في الإقرار بالله تعالى معرفة واعتقادهم بعبادة الأصنام القربة إليه عز اسمه فإن كان كفر اليهود والنصارى لا يمنع من استباحة ذبائحهم لإقرارهم في الجملة بالله تعالى فكفر من عددناه لا يمنع أيضا من ذلك وهذا خلاف للإجماع وليس بينه و بين ما ذهب إليه الخصم فرق مع ما اعتمدناه من الاعتلال"
وبين المفيد أن القوم لا يسمون عند الذبح والأمر للمسلمين فى الآية وليس لهم فقال :
"فصل:
ومما يدل أيضا على حظر ذبائح اليهود وأهل الكتاب وجميع الكفار أن الله جل اسمه جعل التسمية في الشريعة شرطا في استباحة الذبيحة وحظر الاستباحة على الشك والريب فوجب اختصاصها بذبيحة الدائن بالشريعة المقر بفرضها دون المكذب بها المنكر لواجباتها إذا كان غير مأمون على نبذها والتعمد لترك شروطها لموضع كفره بها والقربة بإفساد أصولها وهذا موضح عن حظر ذبائح كل من رغب عن ملة الإسلام"
وبين أنه طبقا لرواية تحريم ذبائح العرب على اختلاف أديانهم فإن ذبائح اليهود والنصارى محرمة فقال:
"فصل
وشيء آخر وهوان القياس المستمر في السمعيات على مذاهب خصومنا يوجب حظر ذبائح أهل الكتاب من قبل أن الإجماع حاصل على حظر ذبائح كفار العرب و كانت العلة في ذلك كفرهم وان كانوا مقرين بالله عز وجل فوجب حظر ذبائح اليهود والنصارى لمشاركتهم من ذكرناه في الكفر وان كانوا مقرين لفظا بالله جل اسمه على ما بيناه وشيء آخر وهو أنا وجمهور مخالفينا نرى إباحة من سها عن ذكر الله من المسلمين لما يعتقد عليه من النية من فرضها فوجب أن يكون ذبيحة من أبي فرض التسمية محظورة وان تلفظ عليها بذكرها وهذا مما لا محيص عنه"
ثم بين أن آية اباحة طعام الكتابيين طبقا لبعض أهل المذهب يراد بها الكتابيين الذين أسلموا فقال :
" سؤال فإن قالوا فما تصنعون في قول الله عز وجل اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم وهذا صريح في إباحة ذبائح أهل الكتاب جواب قيل له قد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المعنى في هذه الآية من أهل الكتاب من أسلم منهم وانتقل إلى الإيمان دون من أقام على الكفر والضلال وذلك أن المسلمين تجنبوا ذبائحهم بعد الإسلام كما كانوا يتجنبونها قبله فأخبرهم الله تعالى بإباحتها لتغير أحوالهم عما كانت عليه من الضلال قالوا وليس بمنكر أن يسميهم الله أهل كتاب وان دانوا بالإسلام كما سمى أمثالهم من المنتقلين عن الذمة إلى الإسلام حيث يقول وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب فأضافهم بالنسبة إلى الكتاب وان كانوا على ملة الإسلام فهكذا تسمى من أباح ذبيحته من المنتقلين عما لزمه وان كانوا على الحقيقة من أهل الإيمان والإسلام "
وهى ليست بحجة لأن الآية ليس بها دليل واحد على إسلامهم وإنما أكدت على كونهم الكتابيين من قبل المسلمين وفى هذا قال تعالى " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
ولو كان المقصود من أمنوا أى أسلموا من الكتابيين لذكر الله هذا كما قال "ولو أمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"وقال "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون كتاب الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين"
وطالما لم يذكر إيمانهم أى إسلامهم فالكفار منهم المقصودين ثم ذكر حجة فريق أخر من الشيعة وهى أن المراد بالطعام الألبان والحبوب وأمثالهم فقال :
"وقال الباقون من أصحابنا إن ذكر طعام أهل الكتاب في هذه الآية يختص بحبوبهم والبانهم وما شاكل ذلك دون ذبائحهم بما قدمنا ذكره من الدلائل وشرحناه من البرهان لاستحالة التضاد بين حجج الله تعالى والقرآن ووجوب خصوص الذكر بدلائل الاعتبار وهذا كاف لمن تأمله "
وهى ليست حجة لأن كلمة طعام دالة على كل أصناف الأكل لعدم التحديد فيها ولو اعتبرنا صحة الحجة وهى ليست حجة أساسا فمعنى هذا أن ذبائح المسلمين ليست مباحة لليهود والنصارى
وطرح المفيد سؤال هل تحريم الشيعة للذبائح قائم على أخبار أم الحجج السابقة وأجاب بوجود روايات عن الأئمة فى التحريم وذكر بعضا منها فقال :
"سؤال فإن قال قائل خبروني عما ذهبتم إليه من تحريم ذبائح أهل الكتاب أهو شيء تأثرونه عن أئمتكم من آل محمد أم حجتكم فيه ما تقدم لكم من الاعتبار دون السماع من جهة النقل والأخبار "
"جواب قيل له عمدتنا في ذلك أقوال أئمتنا الصادقين من آل محمد (ص)ص وما صح عندنا من حكمهم به وان كان الاعتبار دليلا قاطعا عند ذوي العقول والأديان فإنا لم نصر إليه من ذلك دون ما ذكرناه من الأثر ووصفناه فإن قال فإنني لم أقف من قبل على شيء ورد من آل محمد في هذا الباب فاذكروا جملة من الروايات فيه لأضيف مفهومه إلى ما قد استقر عندي العلم به من دليل القرآن على ما رتبتموه من الاستدلال قيل له أما إذا آثرت ذلك للبيان فإنا مثبتوه لك والله الموفق للصواب
أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه وابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه جميعا عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن المفضل بن صالح عن زيد الشحام قال سئل الصادق جعفر بن محمد عن ذبيحة الذمي فقال لا تأكلها سمي أم لم يسم أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله قال أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل فسألني أحدهما عن الذبيحة يعني ذبيحة أهل الذمة فقلت في نفسي والله لأبرد لكما على ظهري لا تأكل
قال محمد بن يحيى فسألت أنا أبا عبد الله ع عن ذبيحة اليهود والنصارى فقال لا تأكل
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن شعيب العقرقوفي قال كنت عند أبي عبد الله ع ومعنا أبو بصير واناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب فقال لهم أبو عبد الله ع قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه فقالوا له نحب أن تخبرنا أنت فقال لا تأكلوها قال فلما خرجنا من عنده قال لي أبو بصير كلها فقد سمعته واباه جميعا يأمران بأكلها فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير سله فقلت جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب فقال أليس قد شهدتنا اليوم بالغداة و سمعت قلت بلى قال لا تأكلها فقال لي أبو بصير كلها و في عنقي ثم قال سله ثانية فسألته فقال لي مثل مقالته الأولى لا تأكلها فقال لي أبو بصير سله ثالثة فقلت لا أسأله بعد مرتين واخبرني عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد الله إنا قوم نختلف إلى الجبل والطريق بعيد بيننا و بين الجبل فراسخ فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة فيكون في القطيع ألف و خمسمائة والف و ستمائة والف و سبعمائة شاة فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة فنسأل الرعاة الذين يجيئون بها عن أديانهم فيقولون نصارى فأي شيء قولك في ذبائح اليهود والنصارى فقال لي يا حسين هي الذبيحة والاسم لا يؤمن عليه إلا أهل التوحيد ثم إن حنانا لقي أبا عبد الله ع فقال إن الحسين بن المنذر روى عنك أنك قلت إن الذبيحة لا يؤمن عليها إلا أهلها فقال ع إنهم أحدثوا فيها شيئا قال حنان فسألت نصرانيا فقلت أي شيء تقولون إذا ذبحتم فقال نقول باسم المسيح أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحسين بن عبد الله بمثل معنى الأول و عنه عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحسين بن عبد الله قال اصطحب المعلى بن خنيس و عبد الله بن أبي يعفور في سفر فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى فامتنع الآخر من أكلها فلما اجتمعا عند أبي عبد الله أخبراه بذلك فقال أيكما الذي أبى فقال المعلى أنا فقال له أحسنت
أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله ع قال قال له رجل أصلحك الله إن لنا جارا قصابا فيجيء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود فقال لا تأكل من ذبيحته ولا تشتري منه
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن قتيبة الأعشى قال سأل رجل أبا عبد الله ع وانا عنده فقال له الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني فيعرض فيها العارض فيذبح أ نأكل ذبيحته فقال أبو عبد الله ع لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها فإنما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم فقال له الرجل فما نصنع في قول الله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فقال أبو عبد الله ع كان أبي يقول إنما هي الحبوب
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال سألت أبا عبد الله ع عن ذبائح أهل الكتاب قال فقال والله ما يأكلون ذبائحكم فكيف تستحلون أكل ذبائحهم إنه هو الاسم ولا يؤمن عليها إلا مسلم
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي المغراء عن سماعة عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر قال سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى فقال لا تقربوها
فهذه جملة مما ورد عن أئمة آل محمد ص في تحريم ذبائح أهل الكتاب قد ورد من الطرق الواضحة بالأسانيد المشهورة و عن جماعة بمثلهم في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة يجب العمل و بمثلهم في العدد يتواتر الخبر و يجب العمل لمن تأمل و نظر واذا كان هذا هكذا ثبت ما قضينا به من ذبائح أهل الكتاب والحمد لله"
ثم ذكر المفيد وجود بعض روايات قليلة نادرة تبيح تلك الذبائح فقد عللها الرجل بالتقية فقال:
"فأما من تعلق من شذاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا بما رواه أبو بصير وزرارة عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن ذبيحة أهل الكتاب فأطلقها فإن لذلك وجهين أحدهما التقية من السلطان والإشفاق على شيعته من أهل الظلم والطغيان إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة الناصبية و ضد لما يفتي به سلطان الزمان ومن قبله من القضاة والحكام والثاني
ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله ع عن ذبائح أهل الكتاب فقال لا بأس إذا ذكروا اسم الله عز وجل وانما أعني منهم من يكون على أمر موسى و عيسى فاشترط عليه الاسم وقد بينا أن ذلك لا يكون من كافر لا يعرف المسمى ومتى سمى فإنه يقصد به إلى غير الله جل و عز ثم إنه اشترط أيضا فيه أتباع موسى و عيسى وذلك لا يكون إلا لمن آمن بمحمد (ص) واتبع موسى و عيسى ع في القبول منه والاعتقاد لنبوته وهذا ضد ما توهمه المستضعف من الشذوذ والله الموفق للصواب"
ومن ثم فالمسألة على قسمين :
الأول الذبائح مباحة إذا تليت عليها آيات صحيحة من اسم الله وهو التوراة أو الإنجيل ولا وجود لتلك الآيات إلا نادرا فى الكتب الحالية ولا يعرفها أحد من النصارى واليهود حاليا وكلمة بسم الله هى من الوحى
الثانى الذبائح محرمة لعدم ذكر اسم الله الصحيح عليها عند الذبح
الكتاب من تأليف الشيخ المفيد وهو يدور حول الاختلاف فى حرمة أو إباحة ذبائح الكتابيين وقد قال فى مقدمته:
"اختلف أهل الصلاة في ذبائح أهل الكتاب فقال جمهور العامة بإباحتها وذهب نفر من أوائلهم إلى حظرها وقال جمهور الشيعة بحظرها وذهب نفر منهم إلى مذهب العامة في إباحتها "
وقد بين دليل المذهب فى حظر تلك الذبائح فقال:
"واستدل الجمهور من الشيعة على حظرها بقول الله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق وان الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وان أطعتموهم إنكم لمشركون قالوا فحظر الله سبحانه بتضمن هذه الآية أكل كل ما لم يذكر عليه اسم الله من الذبائح دون ما لم يرده من غيرها بالإجماع والاتفاق فاعتبرنا المعني بذكر التسمية أهو اللفظ بها خاصة أم هو شيء ينضم إلى اللفظ ويقع لأجله على وجه يتميز به مما يعمه واياه الصيغة من أمثاله في الكلام فبطل أن يكون المراد هو اللفظ بمجرده لاتفاق الجميع على حظر ذبيحة كثير ممن يتلفظ بالاسم عليها كالمرتد وان سمى تجملا والمرتد عن أصل من الشريعة مع إقراره بالتسمية واستعمالها والمشبه لله تعالى بخلقه لفظا ومعنى وان دان بفرضها عند الذبيحة متدينا والثنوية والديصانية والصابئين والمجوس تثبت أن المعني بذكرها هو القسم الثاني من وقوعها على وجه يتخصص به من تسمية من عددناه وأمثالهم في الضلال فنظرنا في ذلك فأخرج لنا دليل الاعتبار أنها تسمية المتدين بفرضها على ما تقرر في شريعة الإسلام مع المعرفة بالمسمى المقصود بذكره عند الذبيحة إلى استباحتها دون من عداه بدلالة حصول الحظر مع التسمية ممن أنكر وجوب فرضها وتلفظ بها لغرض له دون التدين ممن سميناه وحصوله أيضا مع تسمية المتدين بفرضها إذا كان كافرا يجحد أصلا من الشريعة لشبهة عرضت له وان كان مقرا بسائر ما سوى الأصل على ما بيناه وحظر ذبيحة المشبه وان سمى ودان بفرضها كما ذكرناه واذا صح أن المراد بالتسمية عند الذكاة ما وصفناه من التدين بفرضها على شرط ملة الإسلام والمعرفة بمن سماه لخروجه من اعتقاد ما يوجب الحكم عليه بجملة من سائر الحياة ثبت حظر ذبائح أهل الكتاب لعدم استحقاقهم من الوصف ما شرحناه ولحوقهم في المعنى الذي ذكرناه بشركائهم في الكفر من المجوس والصابئين و غيرهما من أصناف المشركين والكفار"
المفيد هنا يقول أن سبب التحريم عندهم هو أن المقصود بالله عند الكتابيين الموحدين ليس هو الله فالنصارى منهم من يعتبر الله هو المسيح ومنهم من يعتقد أن الله مكون من ثلاثة أقسام وأما اليهود فقد قال فيهم:
"سؤال فإن قال قائل فإن اليهود و غيرهم تعرف الله جل اسمه وتدين بالتوحيد وتقر به وتذكر اسمه على ذبائحها وهذا يوجب الحكم عليها بأنها حلال جواب قيل له ليس الأمر على ما ذكرت لا اليهود من أهل المعرفة بالله عز وجل حسب ما قدرت ولا هي مقرة بالتوحيد في الحقيقة كما توهمت وان كانت تدعي ذلك لأنفسها بدلالة كفرها بمرسل محمد (ص) وجحدها لربوبيته وانكارها لإلهيته من حيث اعتقدت كذبه (ص) ودانت ببطلان نبوته وليس يصح الإقرار بالله عز وجل في حالة الإنكار له ولا المعرفة به في حالة الجهل بوجوده وقد قال الله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله وقال ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء وقال فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ولو كانت اليهود عارفة بالله تعالى وله موحدة لكانت به مؤمنة و في نفي القرآن عنها الإيمان دليل على بطلان ما تخيله الخصم"
المفيد هنا نفى أن يكون توحيد اليهود توحيدا لكونهم يكذبون الرسول(ص) والوحى الأخير ومن ثم فذبائحهم حرام
الخطأ فى فهم المفيد وغيره فى المسألة هو :
أن اسم الله يعنى مجرد التلفظ بكلمة الله فاسم الله هو الوحى والمطلوب هو قراءة بعض القرآن عند ذبح الذبيحة ومن ثم فالكتابى يقرأ بعض التوراة الحقيقية أو الإنجيل الحقيقى وعند قراءة بعضهم يكون كأنه قرأ بعض القرآن لأن الوحى المنزل عبر العصور واحد فيما عدا عدة أحكام تعد على أصابع اليدين وعدا بعض القصص كما قال تعالى لنبيه(ص)" ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك"
وهذا هو ما قصده الله تعالى بقوله" اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم"
ونظرا لعدم وجود التوراة والانجيل وكذلك كتاب الصابئة عندهم حاليا وقد كانوا موجودين فى زمن النبى(ص) كما قال تعالى بكون بعضهم مؤمنين مسلمين"إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا"
فإن ذبائحهم حرام إلا أن يكون نص كبعض نص الوصايا العشر فى العهد القديم فهو من النصوص القليلة الباقية من كتاب الله فساعتها تكون الذبيحة حلال
وأما كون المراد بكلمة الله المسيح أو عزرا أو غير هذا فليس هذا المراد فى ذكر اسم الله وأما ما أهل به لغير الله فالمراد به كل ذبيحة ذبحت لغرض محرم مثل اطعام الرجال دون النساء أو النساء دون الرجال كعقائد الجاهليين المذكورة فى سورة الأنعام أو التفاخر والمباهاة بالذبح
وقد تعرض المفيد لأمور خارج موضوع الكتاب مثل أن مستحل أى محرم فى الإسلام بشبهة ذبيحته حرام فقال:
"فصل:
على أن ما يظهره اليهود من الإقرار بالله عز اسمه وتوحيده قد يظهر من مستحل الخمر بالشبهة و يقترن إلى ذلك بإقراره بنبوة محمد ص والتدين بما جاء به في الجملة وقد أجمع علماء الأمة على أن ذبيحة هذا محرمة وانه خارج عن جملة من أباح الله تعالى أكل ذبيحته بالتسمية فاليهود أولى بأن تكون ذبائحهم محرمة لزيادتهم عليه في الكفر والضلال أضعافا مضاعفة مع أنه لا شيء يوجب جهل المشبهة بالله عز وجل إلا وهوموجب جهل اليهود والنصارى بالله ولا معنى يحصل لهم الحكم بالمعرفة مع إنكارهم لإلهية مرسل محمد (ص) و كفرهم به إلا وهو يلزم صحة الحكم على المشبهة بالمعرفة وان اعتقدوا أن ربهم على صورة الإنسان بعد أن يصفوه بما سوى ذلك من صفات الله عز وجل وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل المعرفة وان ذهب علمه على جميع المقلدة على أنه ليس أحد من أهل الكتاب يوجب التسمية ولا يراها عند الذبيحة فرضا وان استعملها منهم إنسان فلعادة مخالطة من أهل الإسلام أوالتجمل بذلك والاستحباب وهذا القدر كاف في تحريم ذبائحهم بما قدمناه"
ثم بين أن عقائد الفرق المخالفة للشيعة عدم التفرقة بين اليهود والنصارى لاعتقاد النصارى الخاطىء ومن ثم فالمفروض هو حظر ذبائح الفريقين وقد قال المفيد فى هذا :
"فصل
مع أن مخالفينا لا يفرقون بين ذبائح اليهود والنصارى وليس في جهل النصارى بالله عز وجل و عدم معرفتهم به لقولهم بالأيام والجواهر والأب والابن والروح والاتحاد شك ولا ريب واذا ثبت حظر ذبائح النصارى بما وصفناه وجب حظر ذبائح اليهود للاتفاق على أنه لا فرق بينهما في الإباحة والتحريم"
وبين المفيد أن الكفار كعبدة الأصنام يوحدون الله ولكنهم يجعلون الأصنام بينهم وبين الله الأصنام وسائط كما قالوا "والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى"
فمع أنهم يعرفون الله ويقرون به خالقا فقد حرم الله ذبائحهم ومن ثم فمعرفة النصارى واليهود كمعرفتهم ومن ثم فالكل ذبائحه حرام لأن مجرد المعرفة لا تكفى وفى هذا قال :
"فصل
وشيء آخر وهو أنه متى ثبت لليهود والنصارى بالله عز وجل معرفة وجب بمثل ذلك أن للمجوس بالله تعالى معرفة ولعبدة الأصنام من قريش ومن شاركهم في الإقرار بالله تعالى معرفة واعتقادهم بعبادة الأصنام القربة إليه عز اسمه فإن كان كفر اليهود والنصارى لا يمنع من استباحة ذبائحهم لإقرارهم في الجملة بالله تعالى فكفر من عددناه لا يمنع أيضا من ذلك وهذا خلاف للإجماع وليس بينه و بين ما ذهب إليه الخصم فرق مع ما اعتمدناه من الاعتلال"
وبين المفيد أن القوم لا يسمون عند الذبح والأمر للمسلمين فى الآية وليس لهم فقال :
"فصل:
ومما يدل أيضا على حظر ذبائح اليهود وأهل الكتاب وجميع الكفار أن الله جل اسمه جعل التسمية في الشريعة شرطا في استباحة الذبيحة وحظر الاستباحة على الشك والريب فوجب اختصاصها بذبيحة الدائن بالشريعة المقر بفرضها دون المكذب بها المنكر لواجباتها إذا كان غير مأمون على نبذها والتعمد لترك شروطها لموضع كفره بها والقربة بإفساد أصولها وهذا موضح عن حظر ذبائح كل من رغب عن ملة الإسلام"
وبين أنه طبقا لرواية تحريم ذبائح العرب على اختلاف أديانهم فإن ذبائح اليهود والنصارى محرمة فقال:
"فصل
وشيء آخر وهوان القياس المستمر في السمعيات على مذاهب خصومنا يوجب حظر ذبائح أهل الكتاب من قبل أن الإجماع حاصل على حظر ذبائح كفار العرب و كانت العلة في ذلك كفرهم وان كانوا مقرين بالله عز وجل فوجب حظر ذبائح اليهود والنصارى لمشاركتهم من ذكرناه في الكفر وان كانوا مقرين لفظا بالله جل اسمه على ما بيناه وشيء آخر وهو أنا وجمهور مخالفينا نرى إباحة من سها عن ذكر الله من المسلمين لما يعتقد عليه من النية من فرضها فوجب أن يكون ذبيحة من أبي فرض التسمية محظورة وان تلفظ عليها بذكرها وهذا مما لا محيص عنه"
ثم بين أن آية اباحة طعام الكتابيين طبقا لبعض أهل المذهب يراد بها الكتابيين الذين أسلموا فقال :
" سؤال فإن قالوا فما تصنعون في قول الله عز وجل اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم وهذا صريح في إباحة ذبائح أهل الكتاب جواب قيل له قد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أن المعنى في هذه الآية من أهل الكتاب من أسلم منهم وانتقل إلى الإيمان دون من أقام على الكفر والضلال وذلك أن المسلمين تجنبوا ذبائحهم بعد الإسلام كما كانوا يتجنبونها قبله فأخبرهم الله تعالى بإباحتها لتغير أحوالهم عما كانت عليه من الضلال قالوا وليس بمنكر أن يسميهم الله أهل كتاب وان دانوا بالإسلام كما سمى أمثالهم من المنتقلين عن الذمة إلى الإسلام حيث يقول وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب فأضافهم بالنسبة إلى الكتاب وان كانوا على ملة الإسلام فهكذا تسمى من أباح ذبيحته من المنتقلين عما لزمه وان كانوا على الحقيقة من أهل الإيمان والإسلام "
وهى ليست بحجة لأن الآية ليس بها دليل واحد على إسلامهم وإنما أكدت على كونهم الكتابيين من قبل المسلمين وفى هذا قال تعالى " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم"
ولو كان المقصود من أمنوا أى أسلموا من الكتابيين لذكر الله هذا كما قال "ولو أمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون"وقال "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون كتاب الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات وأولئك من الصالحين"
وطالما لم يذكر إيمانهم أى إسلامهم فالكفار منهم المقصودين ثم ذكر حجة فريق أخر من الشيعة وهى أن المراد بالطعام الألبان والحبوب وأمثالهم فقال :
"وقال الباقون من أصحابنا إن ذكر طعام أهل الكتاب في هذه الآية يختص بحبوبهم والبانهم وما شاكل ذلك دون ذبائحهم بما قدمنا ذكره من الدلائل وشرحناه من البرهان لاستحالة التضاد بين حجج الله تعالى والقرآن ووجوب خصوص الذكر بدلائل الاعتبار وهذا كاف لمن تأمله "
وهى ليست حجة لأن كلمة طعام دالة على كل أصناف الأكل لعدم التحديد فيها ولو اعتبرنا صحة الحجة وهى ليست حجة أساسا فمعنى هذا أن ذبائح المسلمين ليست مباحة لليهود والنصارى
وطرح المفيد سؤال هل تحريم الشيعة للذبائح قائم على أخبار أم الحجج السابقة وأجاب بوجود روايات عن الأئمة فى التحريم وذكر بعضا منها فقال :
"سؤال فإن قال قائل خبروني عما ذهبتم إليه من تحريم ذبائح أهل الكتاب أهو شيء تأثرونه عن أئمتكم من آل محمد أم حجتكم فيه ما تقدم لكم من الاعتبار دون السماع من جهة النقل والأخبار "
"جواب قيل له عمدتنا في ذلك أقوال أئمتنا الصادقين من آل محمد (ص)ص وما صح عندنا من حكمهم به وان كان الاعتبار دليلا قاطعا عند ذوي العقول والأديان فإنا لم نصر إليه من ذلك دون ما ذكرناه من الأثر ووصفناه فإن قال فإنني لم أقف من قبل على شيء ورد من آل محمد في هذا الباب فاذكروا جملة من الروايات فيه لأضيف مفهومه إلى ما قد استقر عندي العلم به من دليل القرآن على ما رتبتموه من الاستدلال قيل له أما إذا آثرت ذلك للبيان فإنا مثبتوه لك والله الموفق للصواب
أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد بن قولويه وابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه جميعا عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عمرو بن عثمان عن المفضل بن صالح عن زيد الشحام قال سئل الصادق جعفر بن محمد عن ذبيحة الذمي فقال لا تأكلها سمي أم لم يسم أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله قال أتاني رجلان أظنهما من أهل الجبل فسألني أحدهما عن الذبيحة يعني ذبيحة أهل الذمة فقلت في نفسي والله لأبرد لكما على ظهري لا تأكل
قال محمد بن يحيى فسألت أنا أبا عبد الله ع عن ذبيحة اليهود والنصارى فقال لا تأكل
أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن شعيب العقرقوفي قال كنت عند أبي عبد الله ع ومعنا أبو بصير واناس من أهل الجبل يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب فقال لهم أبو عبد الله ع قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه فقالوا له نحب أن تخبرنا أنت فقال لا تأكلوها قال فلما خرجنا من عنده قال لي أبو بصير كلها فقد سمعته واباه جميعا يأمران بأكلها فرجعنا إليه فقال لي أبو بصير سله فقلت جعلت فداك ما تقول في ذبائح أهل الكتاب فقال أليس قد شهدتنا اليوم بالغداة و سمعت قلت بلى قال لا تأكلها فقال لي أبو بصير كلها و في عنقي ثم قال سله ثانية فسألته فقال لي مثل مقالته الأولى لا تأكلها فقال لي أبو بصير سله ثالثة فقلت لا أسأله بعد مرتين واخبرني عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل عن حنان بن سدير عن الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد الله إنا قوم نختلف إلى الجبل والطريق بعيد بيننا و بين الجبل فراسخ فنشتري القطيع والاثنين والثلاثة فيكون في القطيع ألف و خمسمائة والف و ستمائة والف و سبعمائة شاة فتقع الشاة والاثنتان والثلاثة فنسأل الرعاة الذين يجيئون بها عن أديانهم فيقولون نصارى فأي شيء قولك في ذبائح اليهود والنصارى فقال لي يا حسين هي الذبيحة والاسم لا يؤمن عليه إلا أهل التوحيد ثم إن حنانا لقي أبا عبد الله ع فقال إن الحسين بن المنذر روى عنك أنك قلت إن الذبيحة لا يؤمن عليها إلا أهلها فقال ع إنهم أحدثوا فيها شيئا قال حنان فسألت نصرانيا فقلت أي شيء تقولون إذا ذبحتم فقال نقول باسم المسيح أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحسين بن عبد الله بمثل معنى الأول و عنه عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار عن الحسين بن عبد الله قال اصطحب المعلى بن خنيس و عبد الله بن أبي يعفور في سفر فأكل أحدهما ذبيحة اليهود والنصارى فامتنع الآخر من أكلها فلما اجتمعا عند أبي عبد الله أخبراه بذلك فقال أيكما الذي أبى فقال المعلى أنا فقال له أحسنت
أخبرني أبوالقاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله ع قال قال له رجل أصلحك الله إن لنا جارا قصابا فيجيء بيهودي فيذبح له حتى يشتري منه اليهود فقال لا تأكل من ذبيحته ولا تشتري منه
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعيل عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن قتيبة الأعشى قال سأل رجل أبا عبد الله ع وانا عنده فقال له الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني فيعرض فيها العارض فيذبح أ نأكل ذبيحته فقال أبو عبد الله ع لا تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها فإنما هو الاسم ولا يؤمن عليه إلا مسلم فقال له الرجل فما نصنع في قول الله تعالى اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم فقال أبو عبد الله ع كان أبي يقول إنما هي الحبوب
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال سألت أبا عبد الله ع عن ذبائح أهل الكتاب قال فقال والله ما يأكلون ذبائحكم فكيف تستحلون أكل ذبائحهم إنه هو الاسم ولا يؤمن عليها إلا مسلم
و بهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن أبي المغراء عن سماعة عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر قال سألته عن ذبيحة اليهود والنصارى فقال لا تقربوها
فهذه جملة مما ورد عن أئمة آل محمد ص في تحريم ذبائح أهل الكتاب قد ورد من الطرق الواضحة بالأسانيد المشهورة و عن جماعة بمثلهم في الستر والديانة والثقة والحفظ والأمانة يجب العمل و بمثلهم في العدد يتواتر الخبر و يجب العمل لمن تأمل و نظر واذا كان هذا هكذا ثبت ما قضينا به من ذبائح أهل الكتاب والحمد لله"
ثم ذكر المفيد وجود بعض روايات قليلة نادرة تبيح تلك الذبائح فقد عللها الرجل بالتقية فقال:
"فأما من تعلق من شذاذ أصحابنا في خلاف مذهبنا بما رواه أبو بصير وزرارة عن أبي عبد الله ع أنه سئل عن ذبيحة أهل الكتاب فأطلقها فإن لذلك وجهين أحدهما التقية من السلطان والإشفاق على شيعته من أهل الظلم والطغيان إذ القول بتحريمها خلاف ما عليه جماعة الناصبية و ضد لما يفتي به سلطان الزمان ومن قبله من القضاة والحكام والثاني
ما رواه يونس بن عبد الرحمن عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله ع عن ذبائح أهل الكتاب فقال لا بأس إذا ذكروا اسم الله عز وجل وانما أعني منهم من يكون على أمر موسى و عيسى فاشترط عليه الاسم وقد بينا أن ذلك لا يكون من كافر لا يعرف المسمى ومتى سمى فإنه يقصد به إلى غير الله جل و عز ثم إنه اشترط أيضا فيه أتباع موسى و عيسى وذلك لا يكون إلا لمن آمن بمحمد (ص) واتبع موسى و عيسى ع في القبول منه والاعتقاد لنبوته وهذا ضد ما توهمه المستضعف من الشذوذ والله الموفق للصواب"
ومن ثم فالمسألة على قسمين :
الأول الذبائح مباحة إذا تليت عليها آيات صحيحة من اسم الله وهو التوراة أو الإنجيل ولا وجود لتلك الآيات إلا نادرا فى الكتب الحالية ولا يعرفها أحد من النصارى واليهود حاليا وكلمة بسم الله هى من الوحى
الثانى الذبائح محرمة لعدم ذكر اسم الله الصحيح عليها عند الذبح