رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب تأملات في مماثلة المؤمن للنخلة
الكتاب من تأليف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر وقد أطال البدر فى مقدمته إطالة ليس لها علاقة بموضوع النخلة وحتى فيما بعد المقدمة أطال فى حكاية ضرب الله للأمثال فقال :
"وإن من أعظم دلائل الإيمان التي اشتمل عليها القرآن ضرب الأمثال التي بها تتضح حقيقته، وتستبين تفاصيله وشعبه، وتظهر ثمرته وفوائده
والمثل هو عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة لتبيين أحدهما من الآخر وتصويره، ولا ريب "أن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل، لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى- وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين-: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ، وقد اشتمل منها [أي القرآن] على بضعة وأربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلا لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول: لست من العالمين"
وكان قتادة يقول: "اعقلوا عن الله الأمثال"
ومن هنا رأيت أن أقدم هذه الدراسة لأحد أمثال القرآن والسنة المشتملة على بيان الإيمان وتقريبه، وإيضاح أصله وفرعه وشعبه وثمراته، ومن الله وحده العون والتوفيق يقول تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} ، فهذا مثل بديع عظيم الفائدة، مطابق لما ضرب له تمام المطابقة وقد بدأه الله بقوله: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا} أي: ألم تر بعين قلبك فتعلم كيف مثل الله مثلا وشبهه شبها للكلمة الطيبة كلمة الإيمان، وختمه بقوله: {ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} أي: أن القصد من ضرب هذا المثل وغيره من الأمثال هو تذكير الناس ودعوتهم إلى الاعتبار وعقل الخطاب عن الله ولا شك أن هذا البدء والختم في الآية فيه أعظم حض على تعلم هذا المثل وتعقله، وفيه دلالة على عظم شأن هذا المثل المضروب، كيف لا وهو يتناول بيان الإيمان الذي هو أعظم المطالب وأشرف المقاصد على الإطلاق وعندما نتأمل هذا المثل العظيم نجد أن الله تبارك وتعالى ذكر فيه ممثلا له، وممثلا به، ووجه المثلية بينهما، فالممثل له هو الكلمة الطيبة، والممثل به الشجرة الطيبة، ووجه المثلية هو كما قال الله: {أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} ، فشبه تبارك وتعالى كلمة الإيمان الثابتة في قلب المؤمن وما يترتب عليها من فروع وشعب وثمار بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا، التي لا تزال تؤتي ثمراتها كل حين، ومن يتأمل في الممثل به وهو الشجرة الطيبة، والممثل له وهو كلمة الإيمان في قلب المؤمن وما يترتب عليها من ثمار يجد أوصافا عديدة متطابقة بينهما، وقد أشير إلى بعضها في الآية كما تقدم
ولذا يقول ابن القيم : "وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب، التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء، ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت، بحسب ثباتها في القلب، ومحبة القلب لها، وإخلاصه فيها، ومعرفته بحقيقتها، وقيامه بحقوقها، ومراعاتها حق رعايتها، فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها، واتصف قلبه بها، وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها، فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه، ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله، وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا، كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا؛ فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت، فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى، وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلما كثيرا طيبا يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب، كما قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ، فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا، متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته؛ فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد، أصلها ثابت راسخ في قلبه، وفروعها متصلة بالسماء، وهي مخرجة لثمرتها كل وقت""
كل هذا الكلام لا علاقة له بموضوع الكتاب فالشجرة الطيبة والمثل المضروب فيها لا علاقة له بتشبيه المؤمن بالنخلة وهو موضوع الكتاب المعتمد على الرواية والتى قال فيها:
"وقد صح في الحديث عن النبي أن الشجرة الطيبة هي النخلة، وذلك فيما رواه ابن عمر ما، وهو مخرج في الصحيحين من طرق كثيرة عنه
فقد روى البخاري ومسلم عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ما قال: قال رسول الله "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ " فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال: "هي النخلة"
قال: فذكرت ذلك لعمر قال: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا وهذا لفظ مسلم ورواه البخاري من طريق سليمان، عن عبد الله بن دينار به
ومن طريق مالك، عن عبد الله بن دينار به وروى البخاري ومسلم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله إلا حديثا واحدا قال: كنا عند النبي (ص)فأتي بجمار، فقال: "إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم" فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكت قال النبي (ص)"هي النخلة" ورواه البخاري من طريق أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عمر ما قال: "كنت عند النبي وهو يأكل جمارا، فقال: "من الشجر شجرة كالرجل المؤمن" فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أحدثهم قال: "هي النخلة" ورواه البخاري من طريق الأعمش قال: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر ما قال: "بينا نحن عند النبي جلوس، إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي (ص)"إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم" فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة، أنا أحدثهم، فسكت، فقال النبي (ص)"هي النخلة" ورواه البخاري من طريق زبيد، عن مجاهد به مختصرا ورواه مسلم من طريق أبي خليل الضبعي، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله يوما لأصحابه: "أخبروني عن شجرة، مثلها مثل المؤمن"، فجعل القوم يذكرون شجرا من البوادي قال ابن عمر: وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة فجعلت أريد أن أقولها، فإذا أسنان القوم، فأهاب أن أتكلم، فلما سكتوا، قال رسول الله (ص)"هي النخلة" ورواه مسلم أيضا من طريق سيف، عن مجاهد به وروى البخاري ومسلم عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ما قال: "كنا عند رسول الله فقال: "أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا" ، تؤتي أكلها كل حين قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله (ص)"هي النخلة" فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد وقع في نفسي أنها النخلة فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا"
وروى البخاري من طريق محارب بن دثار: سمعت ابن عمر يقول: قال النبي (ص)"مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها ولا يتحات" فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول هي النخلة - وأنا غلام شاب - فاستحييت، فقال: "هي النخلة" ورواه البخاري تعليقا من طريق حفص بن عاصم، عن ابن عمر مثله
فهذا مجموع ما في الصحيحين من طرق لهذا الحديث العظيم، وللحديث طرق أخرى خارج الصحيحين في السنن والمسانيد والمعاجم، سيأتي الإشارة إلى شيء منها"
الرواية تناقض الواقع فكل الشجر تتساقط أوراقه مهما طال عمرها أو قصر إن لم يكن بسبب الجفاف فبسبب الريح
وروايات الحديث متناقضة فمرة المسلم هو الذى يشبهها كقولهم مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء ومرة الشجرة هى التى تشبه المسلم كقولهم أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم ومرة لا يوجد تشبيه وإنما التشبيه فى النفع كقولهم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم
ونجد النبى(ص) فى الروايات كان يأكل الجمار " كنت عند النبي وهو يأكل جمارا "ومرات آتاه بعضهم بجمار دون أكل " إذ أتي بجمار نخلة"
كما نجد أن المتحدث سأل القوم مرات وفى الروايات الأخرى لم يسألهم والتناقض الاخر أن المتحدث سألهم فلم يجيبوا وهو قول رواية" لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا "وفى رواية أخرى تحدثوا فأجابوا إجابات مختلفة وهى قول رواية فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا"
إذا نحن أمام تناقضات كثيرة فضلا عن تناقض الكلام مع الواقع وهو سقوط أوراق النخل عند الجفاف
هل سكت البدر؟ لا وإنما آتانا بروايات أخرى تقول أن الشجرة الطيبة هى النخلة فقال:
"ثم إن البخاري وقد روى الحديث في مواطن عديدة من صحيحه فقد روى الحديث في كتاب التفسير من صحيحه، في باب: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين} ، وهو بذلك يشير إلى أن المراد بالشجرة المذكورة في الآية هي النخلة، فيكون الحديث بذلك مفسرا للآية وقد ورد هذا صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: "قرأ رسول الله (ص){ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة } فقال: أتدرون ما هي؟ قال ابن عمر: لم يخف علي أنها النخلة، فمنعني أن أتكلم مكان سني، فقال رسول الله (ص)"هي النخلة:"
قال ابن حجر: "ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه أتي بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا: "إن من الشجر شجرة " إلى آخره، ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي قال: "من يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، أصلها ثابت وفرعها في السماء؟ " فذكر الحديث، وهو يؤيد رواية البزار"ويؤيد هذا أيضا الروايات الكثيرة الواردة عن السلف الصحابة وغيرهم في تفسير الشجرة الطيبة في الآية بأنها النخلة فقد روى الترمذي وغيره عن شعيب بن الحبحاب قال: كنا عند أنس فأتينا بطبق عليه رطب، فقال أنس لأبي العالية: "كل يا أبا العالية، فإن هذا من الشجرة التي ذكر الله في كتابه: {ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ثابت أصلها} قال: هكذا قرأها يومئذ أنس"ورواه الترمذي من وجه آخر مرفوعا، وقال: "هذا الموقوف أصح"
قد جاء هذا المعنى عن غير واحد من السلف، منهم: ابن عباس، ومجاهد، ومسروق، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، وابن زيدوقد أفصح رسول الله عن المعنى المتقدم، وهو تشبيه المؤمن بالنخلة في أوجز عبارة، وذلك فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبزار من حديث ابن عمر ما مرفوعا: "مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك" والنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة بأن جعلت مثلا لعبد الله المؤمن؛ لأنها أفضل الشجر وأحسنه، وأكثره عائدة"
والشجرة الطيبة تطلق على كل أنواع الشجر الحى الذى ينتفع به الناس فإذا مات الشجر ورمى فى طريق الناس فهو الشجر الخبيث لأنه يؤذيهم
وبين البدر أن أبا حاتم السجستاني ألف كتابا عن النخل وذكر بعض ما فيه فقال:
"وقد أفرد أبو حاتم السجستاني كتابا خاصا بالنخل، بين فيه فضله وخصائصه وأسماءه، وذكر أبحاثا عديدة مفيدة متعلقة به، قال في أوله:
"النخلة سيدة الشجر، مخلوقة من طين آدم صلوات الله عليه، وقد ضربها الله جل وعز مثلا لقول "لا إله إلا الله" فقال تبارك وتعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة} وهي قول: "لا إله إلا الله"، {كشجرة طيبة} وهي النخلة فكما أن قول “لا إله إلا الله" سيد الكلام، كذلك النخلة سيدة الشجر"ثم أخذ يفصل القول في الكلام على هذه الشجرة الكريمة الفاضلة، واستشهد لقوله إنها مخلوقة من طين آدم عليه السلام بما ساقه بسنده من طريق مسرور بن مسعود التميمي قال: حدثني الأوزاعي، عن عروة بن رويم، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص)"أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس شيء يلقح غيرها، وأطعموا نساءكم الولد الرطب فالتمر، وليس شيء من الشجر أكرم على الله جل وعز من شجرة نزلت تحتها مريم ابنة عمران"إلا أن إسناد هذا الحديث واه، فلا يصلح للاحتجاج، تفرد به مسرور بن مسعود وهو متهم قال ابن الجوزي: "لا يصح عن رسول الله (ص)قال ابن عدي: مسرور غير معروف وهو منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الأوزاعي المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بما يرويها"وقال الذهبي: "غمزه ابن حبان، فقال: يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة"وعلى كل، فلا ريب في فضل النخلة وشرفها وتميزها، ويكفيها فضيلة أنها خصت من بين سائر الشجر بأن جعلت مثلا للمؤمن، وفي النصوص المتقدمة ما يدل على أنواع من الفضائل والميزات للنخلة؛ كثبات الأصل وارتفاع الفرع، وإيتائها أكلها كل حين، ووصفها بالبركة، وأنها لا يؤخذ منها شيء إلا نفع، ونحو ذلك مما يدل على فضل النخلة وتميزها"
الرجل بعد أن نقل روايات السجستانى عن النخلة ونقل الكلام فى أسانيدها قال " وفي النصوص المتقدمة ما يدل على أنواع من الفضائل والميزات للنخلة" والنصوص التى ذكرها كلها تؤكد أن الأحاديث منكرة مثل" أن إسناد هذا الحديث واه، فلا يصلح للاحتجاج، تفرد به مسرور بن مسعود وهو متهم قال ابن الجوزي: "لا يصح عن رسول الله (ص)"
وأكمل الرجل حديثه وهو تكرار لما سبق فقال:
"ثم ها هنا أمر مهم، وهو أن النبي عندما شبه المؤمن بالنخلة، لا شك أن ثم هناك أوجها عديدة في الشبه بين المؤمن المطيع لله الذي قامت في قلبه كلمة الإيمان وانغرست في صدره وأخذت تثمر الثمار اليانعة والخير المتنوع وبين النخلة ولا ريب أن الوقوف على أوجه الشبه بينهما والحرص على معرفة ذلك والفقه فيه أمر جدير بالاهتمام والعناية؛ لعظم فائدته وكثرة منافعه، والله تعالى قد أرشد في كتابه إلى فهم هذا عندما مثل المؤمن بها وذكر بعض أوجه الشبه بينهما حيث قال: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين}
هذه أربعة وجوه في الشبه بينهما، ومن يتأمل في الممثل والممثل به يجد بينهما من أوجه الشبه الشيء الكثير"
وقام البدر بتلخيص ما قرأه فى كتب الفقه عن التشابه بين المؤمن والنخل وقد اختصرت بعض كلامه لأنه مجرد كلام مكرر أو كلام ليس فيه فائدة وسبق فى بعض المواضع فقال:
"ومن يطالع كلام أهل العلم في هذا الباب يقف من ذلك على لطائف جمة وفوائد مهمة ولعلي فيما يلي أستعرض جملة من أوجه الشبه بينهما من خلال ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في ذلك في كتب التفسير وشروحات الحديث وغيرها
فمن هذه الأوجه:
أولا: أن النخلة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، وكذلك شجرة الإيمان لا بد لها من أصل وفرع وثمر، فأصلها الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وفرعها الأعمال الصالحة، والطاعات المتنوعة، والقربات العديدة، وثمراتها كل خير يحصله المؤمن، وكل سعادة يجنيها في الدنيا والآخرة
روى عبد الله في السنة عن ابن طاووس، عن أبيه قال: "مثل الإيمان كشجرة؛ فأصلها الشهادة، وساقها وورقها كذا، وثمرها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه"
قال البغوي : "والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء؛ عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع عال، وكذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء؛ تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان"
..وبهذا يتبين أن "شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح، والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر، وإلا أوشك أن تيبس، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)"إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم" وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك، ومن هنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات، وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظفها عليها وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم"
ثالثا: أن النخلة شديدة الثبوت، كما قال الله تعالى في الآية المتقدمة: {أصلها ثابت} ، وهكذا الشأن في الإيمان إذا رسخ في القلب فإنه يصير في أشد ما يكون من الثبات لا يزعزعه شيء، بل يكون ثابتا كثبوت الجبال الرواسي..
رابعا: أن النخلة لا تنبت في كل أرض، بل لا تنبت إلا في أراض معينة طيبة التربة، فهي في بعض الأماكن لا تنبت مطلقا، وفي بعضها تنبت ولكن لا تثمر، وفي بعضها تثمر ولكن يكون الثمر ضعيفا، فليس كل أرض تناسب النخلة
قال أبو حاتم السجستاني: "قالوا: وإنما يرديه ويسيء نبته طعمة الأرض، فيجيء ضخما كثير القشر، سريع اليبس ثنتا، أي: عفنا، جخرا نخرا، والجخر: الضخم الذي ليست له قوة ولا تعجبه الأرض فيميل وينتفخ وتخوي نخلته وتردؤ، وإذا كان في أرض جيدة السر جاء أبيض رقيقا، وتراه كأن طرفه يدري لا يعوجه شيء حتى يدرك الماء بعد أو قرب، وإذا كان العرق في أرض طيبة الطين وقف ساعة يشرع في الماء؛ لأنه يرجع إلى طينة طيبة وطعمة تعجبه، ولم ينحدر إلا طلب الماء، فلما شام الماء وقف، وإذا انحدر من أرض خبيثة الطين ليس لها سر انخرط حتى يتثنى في الماء عفنا؛ لأنه إنما ساقه طلب الماء، فلما وجد طعمة الماء جعل انخراطا فيه من بغض ما فوقه" فليست كل أرض تناسب النخلة
وهكذا الشأن في الإيمان فهو لا يثبت في كل قلب، وإنما يثبت في قلب من كتب الله له الهداية وشرح صدره للإيمان..
خامسا: أن النخلة قد يخالطها دغل ونبت غريب ليس من جنسها قد يؤذي النخلة، ويضعف نموها، ويزاحمها في سقيها؛ ولهذا تحتاج النخلة في هذه الحالة إلى رعاية خاصة وتعاهد من صاحبها بحيث يزال عنها هذا الدغل والنوابت المؤذية، فإن فعل ذلك كمل غرسه، وإن أهمله أوشك أن يغلب على الغرس فيكون له الحكم ويضعف الأصل
وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمن، لا شك أنه يصادفه في الحياة أمور كثيرة قد توهي إيمانه وتضعف يقينه، وتزاحم أصل الإيمان الذي في قلبه؛ ولهذا يحتاج المؤمن أن يحاسب نفسه في كل وقت وحين، ويجاهدها في ذلك..
سادسا: أن النخلة كما أخبر الله {تؤتي أكلها كل حين} والأكل الثمر، فهي تؤتي ثمرها كل حين ليلا ونهارا صيفا وشتاء إما تمرا أو بسرا أو رطبا
وكذلك المؤمن يصعد عمله أول النهار وآخره، ...
سابعا: أن النخلة فيها بركة في كل جزء من أجزائها، فليس فيها جزء لا يستفاد منه، وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن، وقد جاء في صحيح البخاري في بعض ألفاظ حديث ابن عمر المتقدم من رواية الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر أن النبي قال: "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم " الحديث
"وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته"
ثامنا: أن النخلة كما وصفها النبي (ص)"لا يسقط ورقها" وبين المسلم والنخلة في هذا وجه شبه يتضح بما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر، ولفظه: قال: "كنا عند رسول الله ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ " قالوا: لا قال: "هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا تسقط لمؤمن دعوة" ...
تاسعا: أن النخلة وصفت في الآية بأنها طيبة، وهذا أعم من طيب المنظر والصورة والشكل، ومن طيب الريح وطيب الثمر وطيب المنفعة، والمؤمن أجل صفاته الطيب في شؤونه كلها وأحواله جميعها، في ظاهره وباطنه وسره وعلنه....
عاشرا: أن النخلة وصفت بأنها: "ما أخذت منها من شيء نفعك" كما في حديث ابن عمر المتقدم، و "النخلة كلها منفعة، لا يسقط منها شيء بغير منفعة، فثمرها منفعة، وجذعها فيه من المنافع ما لا يجهل للأبنية والسقوف وغير ذلك، وسعفها تسقف به البيوت مكان القصب، ويستر به الفرج والخلل، وخوصها يتخذ منه المكاتل والزنابيل وأنواع الآنية، والحصر وغيرها، وليفها وكربها فيه من المنافع ما هو معلوم عند الناس"
وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن مع إخوانه وجلسائه ورفقائه، لا يرى فيه إلا الأخلاق الكريمة، والآداب الرفيعة، والمعاملة الحسنة، والنصح لجلسائه، وبذل الخير لهم، ولا يصل إليهم منه ما يضر..
حادي عشر: أن النخل بينه تفاوت عظيم في شكله ونوعه وثمره، فليست النخيل في مستوى واحد في الحسن والجودة...وهكذا الشأن بين المؤمنين، فالمؤمنون متفاوتون في الإيمان، وليسوا في الإيمان على درجة واحدة، بل بينهم من التفاوت والتفاضل الشيء الكثير..
ثاني عشر: أن النخلة أصبر الشجر على الرياح والجهد، ...فكذلك المؤمن صبور على البلاء لا تزعزعه الرياح، وقد اجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة...
ثالث عشر: أن النخلة كلما طال عمرها ازداد خيرها وجاد ثمرها، وكذلك المؤمن إذا طال عمره ازداد خيره وحسن عمله ...
رابع عشر: أن قلب النخلة - وهو الجمار - من أطيب القلوب وأحلاها، ...وكذلك قلب المؤمن من أطيب القلوب وأحسنها، لا يحمل إلا الخير ولا يبطن سوى الاستقامة والصلاح والسلامة
خامس عشر: أن النخلة لا يتعطل نفعها بالكلية أبدا، بل إن تعطلت منها منفعة ففيها منافع أخر، حتى لو تعطلت ثمارها سنة لكان للناس في سعفها وخوصها وليفها وكربها منافع وآراب، وهكذا المؤمن لا يخلو عن شيء من خصال الخير قط، ...
سادس عشر: أن النخلة سهل تناول ثمرها ومتيسر، فهي إما قصيرة فلا يحتاج المتناول أن يرقاها، وإما باسقة فصعودها سهل بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال غيرها، فتراها كأنها قد هيئت منها المراقي والدرج إلى أعلاها، وكذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله لا بالغر ولا باللئيم
سابع عشر: أن ثمرتها من أنفع ثمار العالم، فإنه يؤكل رطبه فاكهة وحلاوة، ويابسه يكون قوتا وأدما وفاكهة، ويتخذ منه الخل والحلوى، ويدخل في الأدوية والأشربة، وعموم النفع به أمر ظاهر، وهكذا الشأن في المؤمن في عموم منافعه وتنوع خيراته ومحاسنه...
ثامن عشر: ومن طريف ما يذكر هنا حول تطابق الصفات بين النخلة في كل أجزائها مع صفات المؤمن ما ذكره ابن القيم حيث قال: "وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المسلم وجعل لكل منفعة منها صفة في المسلم تقابلها، فلما جاء إلى الشوك الذي في النخلة جعل بإزائه من المسلم صفة الحدة على أعداء الله وأهل الفجور، فيكون عليهم في الشدة والغلظة بمنزلة الشوك، وللمؤمنين والمتقين بمنزلة الرطب حلاوة ولينا {أشدآء على الكفار رحماء بينهم} "..."
وهذا الكلام الكثير يغنى عنه كلمة واحدة وهى أن نفع المسلم لنفسه وغيره كنفع الشجرة لغيرها
ثم ذكر بعض الكتب التى ألفت فى الموضوع فقال:
وقد أفرد عبد الرحمن بن سعدي في هذا الباب رسالة لطيفة أسماها: "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان" أتى فيها على أهم معالم هذه الشجرة المباركة شجرة الإيمان بدأها بتفسير الإيمان وبيان حده، ثم ثنى بذكر أصوله ومقوماته ومن أي شيء يستمد، ثم ثلث بذكر فوائده وثمراته، وانطلق في ذلك من الآية الكريمة المتقدمة المشتملة على تمثيل كلمة الإيمان في قلب المؤمن التي هي أفضل الكلمات بالنخلة التي هي أطيب الأشجار ...وقد اجتهد جماعة من شراح هذا الحديث في عد هذه الشعب وحاولوا حصرها، وصنفوا في هذا مصنفات عديدة مختصرة ومطولة، واتبعوا في ذلك طرائق متنوعة، إلا أن أحسن طريقة في ذلك طريقة ابن حبان ، إذ هي طريقة فذة فريدة استغرقت وقتا طويلا وجهدا بالغا
قال في وصف طريقته هذه: "وقد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا، وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه، وكل طاعة جعلها رسول الله من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فعلمت أن مراد النبي كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب (وصف الإيمان وشعبه) بما أرجو أن فيها الغنية للمتأمل إذا تأملها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب"
وهي طريقة مجهدة ولا شك، ومما يؤسف حقا أن كتابه (وصف الإيمان وشعبه) الذي أودعه جهده هذا مفقود لا يعرف له وجود الآن، بل أشار الحافظ ابن حجر في الفتح إلى أنه لم يقف عليه وقد قام الحافظ بتلخيص شعب الإيمان من خلال ما جمعه غير واحد من أهل العلم فخرج بملخص عظيم النفع لشعب الإيمان، فقال : "وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن ...لكن ينبغي أن يعلم أن حصر هذه الشعب وعدها ليس شرطا في الإيمان، بل يكفي المسلم من ذلك أن يقرأ كتاب الله وسنة رسوله ويقوم بما فيهما من أوامر، وينتهي عما فيهما من نواهي، ويصدق بما فيهما من أخبار، فمن قام بذلك فقد قام بشعب الإيمان، ونصيب العبد من هذه الشعب هو بحسب نصيبه من القرآن والسنة علما وعملا وتطبيقا
ولذا يقول القاضي عياض - -: "تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان"
وقد انتقد القوم تكلف البعض فى تشبيه المؤمن بالنخلة فى خصال الإيمان وزاد البدر أن الناس كالفلاحين فى تعاملهم مع النخل ليخبرنا أن الفلاح الجيد هو السنى وأن الفلاحين الآخرين السيئين هم المعتزلة والخوارج والمرجئة وهو كلام لا يقوله مسلم يعلم قوله تعالى " هو أعلم بمن اتقى " كما يتعارض مع حرمة مدح أى تزكية المسلم لنفسه فى قوله تعالى ط فلا تزكوا أنفسكم " وفى هذا قال :
"ثم إذا كان مثل المؤمن مثل النخلة ووجه الشبه بينهما ظاهر في أمور كثيرة تقدم الإشارة إلى شيء منها، فإن المؤمنين في ديارهم مثلهم مثل نخيل كثيرة في جنة مباركة تؤتي أطايب الثمار وأحسن الأكل في كل حين بإذن ربها
وإذا كان هذا مثل المؤمنين في ديارهم فإن مثل المصلحين فيهم مثل الفلاح في بستانه، ومعلوم أن أهل الفلاحة في بساتينهم ليسوا على مستوى واحد في الكفاءة والقدرة وحسن الرعاية للنخيل والزروع والثمار، بل بينهم من التفاوت في ذلك ما الله به عليم، ولا بأس هنا من ضرب ثلاثة أمثلة لثلاثة من الفلاحين في مزارعهم يتضح به المراد والمقصود
المثال الأول:
فلاح صفته فيما يراه الرائي غير مرضية، فهو حاد الطبع، أحمر العينين، شديد الغضب، سريع في اتخاذ تدابيره، قليل الأناة، يتعامل مع نخيله في حديقته معاملة غريبة خرج بها عن سمت الحق في الفلاحة، واعتزل فيها طريق الصواب في ذلك، ...ولا ريب أن النتيجة الحتمية لهذا العمل هو تبدد حديقته، وتفكك نخيله، وتناقصه شيئا فشيئا
أما المثال الثاني:
فهو فلاح آخر يتعامل مع نخيله بطريقة أخرى غريبة وعجيبة، إذ يعتقد أن النخلة لا يصح وصفها بالنقص مطلقا، فكما أن النخلة الميتة لا ينفعها وجود بعض أجزائها، فكذلك النخلة الحية القائمة لا يضرها نقص بعض أجزائها، فالنخيل جميعه عنده سواء في درجة واحدة، المريض منه وما اعتراه نقص والصحيح، كله عنده بمستوى واحد وعلى درجة واحدة، ..ثم إن هذا المعتقد الغريب أورث عند هذا الفلاح نوعا غريبا من التعامل مع حديقته، فهو لا يتعاهدها بالرعاية، ولا يهتم بها في أمر السقاية، ولا يعتني بها، ولا يتفقدها، ... ولا ريب أن النتيجة الحتمية لهذا التصرف هو ذهاب حديقته وزوالها بأسرع ما يكون
أما المثال الثالث:
فهو فلاح نشأ على حب فلاحته منذ صغره، فهو حكيم في رعايته لها، عالم بطرق إصلاحها وأسباب قوتها ونمائها، صبور على شدتها ولأوائها، دقيق في القيام بمستلزماتها ومتطلباتها، يهتم بنخله ..ثم هو قبل هذا كله قوي الصلة بالله عظيم الثقة به، يبرأ من حول نفسه وقوته، ويعتقد أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله العظيم الذي بيده أزمة الأمور، ولذا فإن لسانه رطب من ذكر الله، يكثر من قول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، فلا تزال حديقته في نماء، ولا تزال نخيله في كثرة وازدياد بمرأى جميل ومظهر حسن تؤتي من أنواع الثمار وأطايب الأكل كل حين بإذن ربه، ثم هو عظيم الحمد لربه، كثير الثناء عليه، عالم بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم
فهذه ثلاثة أمثلة يتضح من خلالها تنوع مناهج المشتغلين بالإصلاح وتباين طرائقهم، ولا بأس من إيضاح أمر غير خاف على المتأمل، وهو أن المثال الأول مضروب لحال المعتزلة والخوارج في التعامل مع عباد الله المؤمنين، فهم أهل شدة وغلظة وفضاضة، ومن معتقداتهم الفاسدة الحكم على مرتكب الكبيرة بالخروج من الإيمان والخلود يوم القيامة في النيران، والمثال الثاني مضروب للمرجئة في تعاملهم مع المؤمنين، فهم أهل ارتخاء وخور، وقلة مبالاة بأمر المؤمنين، وقد نشأ هذا فيهم بسبب شؤم معتقدهم حيث يرون أن الأعمال ليست من الإيمان، ثم هم متفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما حتى إن منهم من صار إلى القول بأن الإيمان لا يضر معه ذنب مهما عظم، كما أن الكفر لا تنفع معه طاعة، وأما المثال الثالث فهو مضروب لأهل السنة والجماعة والحق والاستقامة أهل المنهج العدل الوسط، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، ومنهج أهل السنة مع العصاة من أهل الملة هو أنهم لا يكفرونهم ولا يخرجونهم بذلك من الدين كالخوارج والمعتزلة، ولا يحكمون بكمال إيمانهم وتمامه كالمرجئة، بل يقولون: هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، فيحبونهم على ما عندهم من الإيمان، ويبغضونهم على ما عندهم من العصيان، ويرحمونهم وينصحون لهم ويحرصون على استصلاحهم وهدايتهم بأرفق السبل وأحسن الأساليب في حدود قواعد الشريعة وأصولها المعلومة"
المشكلة فى الكتاب هو أن المسلم لن يستفيد من هذا الكتاب فهو لا يعلمه أحكام الله مثلا فى نبات كالنخلة كزكاة النبات وهو لا يعرفه حتى آيات الله التى قيلت فى النخل فى القرآن والمعلومات التى فيها
والمشكلة أيضا أن الكتاب الهدف منه هو فى أخره وهو مدح المذهب وذم مذاهب الآخرين وفى الإسلام لا توجد مذاهب وإنما يوجد مسلمون مؤمنون وأما سنى ومرجىء ومعتزلى وغيرها من الألفاظ التى يسمى بها أهل كل مذهب أنفسهم فلا وجود لها فى الوحى ولا حتى فى الروايات
الكتاب من تأليف عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر وقد أطال البدر فى مقدمته إطالة ليس لها علاقة بموضوع النخلة وحتى فيما بعد المقدمة أطال فى حكاية ضرب الله للأمثال فقال :
"وإن من أعظم دلائل الإيمان التي اشتمل عليها القرآن ضرب الأمثال التي بها تتضح حقيقته، وتستبين تفاصيله وشعبه، وتظهر ثمرته وفوائده
والمثل هو عبارة عن قول في شيء يشبه قولا في شيء آخر بينهما مشابهة لتبيين أحدهما من الآخر وتصويره، ولا ريب "أن ضرب الأمثال مما يأنس به العقل، لتقريبها المعقول من المشهود، وقد قال تعالى- وكلامه المشتمل على أعظم الحجج وقواطع البراهين-: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ، وقد اشتمل منها [أي القرآن] على بضعة وأربعين مثلا، وكان بعض السلف إذا قرأ مثلا لم يفهمه يشتد بكاؤه ويقول: لست من العالمين"
وكان قتادة يقول: "اعقلوا عن الله الأمثال"
ومن هنا رأيت أن أقدم هذه الدراسة لأحد أمثال القرآن والسنة المشتملة على بيان الإيمان وتقريبه، وإيضاح أصله وفرعه وشعبه وثمراته، ومن الله وحده العون والتوفيق يقول تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} ، فهذا مثل بديع عظيم الفائدة، مطابق لما ضرب له تمام المطابقة وقد بدأه الله بقوله: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا} أي: ألم تر بعين قلبك فتعلم كيف مثل الله مثلا وشبهه شبها للكلمة الطيبة كلمة الإيمان، وختمه بقوله: {ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} أي: أن القصد من ضرب هذا المثل وغيره من الأمثال هو تذكير الناس ودعوتهم إلى الاعتبار وعقل الخطاب عن الله ولا شك أن هذا البدء والختم في الآية فيه أعظم حض على تعلم هذا المثل وتعقله، وفيه دلالة على عظم شأن هذا المثل المضروب، كيف لا وهو يتناول بيان الإيمان الذي هو أعظم المطالب وأشرف المقاصد على الإطلاق وعندما نتأمل هذا المثل العظيم نجد أن الله تبارك وتعالى ذكر فيه ممثلا له، وممثلا به، ووجه المثلية بينهما، فالممثل له هو الكلمة الطيبة، والممثل به الشجرة الطيبة، ووجه المثلية هو كما قال الله: {أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} ، فشبه تبارك وتعالى كلمة الإيمان الثابتة في قلب المؤمن وما يترتب عليها من فروع وشعب وثمار بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا، التي لا تزال تؤتي ثمراتها كل حين، ومن يتأمل في الممثل به وهو الشجرة الطيبة، والممثل له وهو كلمة الإيمان في قلب المؤمن وما يترتب عليها من ثمار يجد أوصافا عديدة متطابقة بينهما، وقد أشير إلى بعضها في الآية كما تقدم
ولذا يقول ابن القيم : "وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب، التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء، ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت، بحسب ثباتها في القلب، ومحبة القلب لها، وإخلاصه فيها، ومعرفته بحقيقتها، وقيامه بحقوقها، ومراعاتها حق رعايتها، فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها، واتصف قلبه بها، وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها، فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه، ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله، وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات، وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا، كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا؛ فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت، فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب تعالى، وهذه الكلمة الطيبة تثمر كلما كثيرا طيبا يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب، كما قال تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} ، فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا، متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته؛ فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل من هذا الشاهد، أصلها ثابت راسخ في قلبه، وفروعها متصلة بالسماء، وهي مخرجة لثمرتها كل وقت""
كل هذا الكلام لا علاقة له بموضوع الكتاب فالشجرة الطيبة والمثل المضروب فيها لا علاقة له بتشبيه المؤمن بالنخلة وهو موضوع الكتاب المعتمد على الرواية والتى قال فيها:
"وقد صح في الحديث عن النبي أن الشجرة الطيبة هي النخلة، وذلك فيما رواه ابن عمر ما، وهو مخرج في الصحيحين من طرق كثيرة عنه
فقد روى البخاري ومسلم عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر ما قال: قال رسول الله "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ " فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال: "هي النخلة"
قال: فذكرت ذلك لعمر قال: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا وهذا لفظ مسلم ورواه البخاري من طريق سليمان، عن عبد الله بن دينار به
ومن طريق مالك، عن عبد الله بن دينار به وروى البخاري ومسلم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله إلا حديثا واحدا قال: كنا عند النبي (ص)فأتي بجمار، فقال: "إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم" فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكت قال النبي (ص)"هي النخلة" ورواه البخاري من طريق أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عمر ما قال: "كنت عند النبي وهو يأكل جمارا، فقال: "من الشجر شجرة كالرجل المؤمن" فأردت أن أقول هي النخلة، فإذا أنا أحدثهم قال: "هي النخلة" ورواه البخاري من طريق الأعمش قال: حدثني مجاهد، عن عبد الله بن عمر ما قال: "بينا نحن عند النبي جلوس، إذ أتي بجمار نخلة، فقال النبي (ص)"إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم" فظننت أنه يعني النخلة، فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول الله، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة، أنا أحدثهم، فسكت، فقال النبي (ص)"هي النخلة" ورواه البخاري من طريق زبيد، عن مجاهد به مختصرا ورواه مسلم من طريق أبي خليل الضبعي، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله يوما لأصحابه: "أخبروني عن شجرة، مثلها مثل المؤمن"، فجعل القوم يذكرون شجرا من البوادي قال ابن عمر: وألقي في نفسي أو روعي أنها النخلة فجعلت أريد أن أقولها، فإذا أسنان القوم، فأهاب أن أتكلم، فلما سكتوا، قال رسول الله (ص)"هي النخلة" ورواه مسلم أيضا من طريق سيف، عن مجاهد به وروى البخاري ومسلم عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر ما قال: "كنا عند رسول الله فقال: "أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا" ، تؤتي أكلها كل حين قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئا قال رسول الله (ص)"هي النخلة" فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد وقع في نفسي أنها النخلة فقال: ما منعك أن تكلم؟ قال: لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا"
وروى البخاري من طريق محارب بن دثار: سمعت ابن عمر يقول: قال النبي (ص)"مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها ولا يتحات" فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول هي النخلة - وأنا غلام شاب - فاستحييت، فقال: "هي النخلة" ورواه البخاري تعليقا من طريق حفص بن عاصم، عن ابن عمر مثله
فهذا مجموع ما في الصحيحين من طرق لهذا الحديث العظيم، وللحديث طرق أخرى خارج الصحيحين في السنن والمسانيد والمعاجم، سيأتي الإشارة إلى شيء منها"
الرواية تناقض الواقع فكل الشجر تتساقط أوراقه مهما طال عمرها أو قصر إن لم يكن بسبب الجفاف فبسبب الريح
وروايات الحديث متناقضة فمرة المسلم هو الذى يشبهها كقولهم مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء ومرة الشجرة هى التى تشبه المسلم كقولهم أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم ومرة لا يوجد تشبيه وإنما التشبيه فى النفع كقولهم إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم
ونجد النبى(ص) فى الروايات كان يأكل الجمار " كنت عند النبي وهو يأكل جمارا "ومرات آتاه بعضهم بجمار دون أكل " إذ أتي بجمار نخلة"
كما نجد أن المتحدث سأل القوم مرات وفى الروايات الأخرى لم يسألهم والتناقض الاخر أن المتحدث سألهم فلم يجيبوا وهو قول رواية" لم أركم تكلمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا "وفى رواية أخرى تحدثوا فأجابوا إجابات مختلفة وهى قول رواية فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا"
إذا نحن أمام تناقضات كثيرة فضلا عن تناقض الكلام مع الواقع وهو سقوط أوراق النخل عند الجفاف
هل سكت البدر؟ لا وإنما آتانا بروايات أخرى تقول أن الشجرة الطيبة هى النخلة فقال:
"ثم إن البخاري وقد روى الحديث في مواطن عديدة من صحيحه فقد روى الحديث في كتاب التفسير من صحيحه، في باب: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين} ، وهو بذلك يشير إلى أن المراد بالشجرة المذكورة في الآية هي النخلة، فيكون الحديث بذلك مفسرا للآية وقد ورد هذا صريحا فيما رواه البزار من طريق موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: "قرأ رسول الله (ص){ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة } فقال: أتدرون ما هي؟ قال ابن عمر: لم يخف علي أنها النخلة، فمنعني أن أتكلم مكان سني، فقال رسول الله (ص)"هي النخلة:"
قال ابن حجر: "ويجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه أتي بالجمار فشرع في أكله تاليا للآية قائلا: "إن من الشجر شجرة " إلى آخره، ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي قال: "من يخبرني عن شجرة مثلها مثل المؤمن، أصلها ثابت وفرعها في السماء؟ " فذكر الحديث، وهو يؤيد رواية البزار"ويؤيد هذا أيضا الروايات الكثيرة الواردة عن السلف الصحابة وغيرهم في تفسير الشجرة الطيبة في الآية بأنها النخلة فقد روى الترمذي وغيره عن شعيب بن الحبحاب قال: كنا عند أنس فأتينا بطبق عليه رطب، فقال أنس لأبي العالية: "كل يا أبا العالية، فإن هذا من الشجرة التي ذكر الله في كتابه: {ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ثابت أصلها} قال: هكذا قرأها يومئذ أنس"ورواه الترمذي من وجه آخر مرفوعا، وقال: "هذا الموقوف أصح"
قد جاء هذا المعنى عن غير واحد من السلف، منهم: ابن عباس، ومجاهد، ومسروق، وعكرمة، والضحاك، وقتادة، وابن زيدوقد أفصح رسول الله عن المعنى المتقدم، وهو تشبيه المؤمن بالنخلة في أوجز عبارة، وذلك فيما رواه الطبراني في المعجم الكبير والبزار من حديث ابن عمر ما مرفوعا: "مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك" والنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة بأن جعلت مثلا لعبد الله المؤمن؛ لأنها أفضل الشجر وأحسنه، وأكثره عائدة"
والشجرة الطيبة تطلق على كل أنواع الشجر الحى الذى ينتفع به الناس فإذا مات الشجر ورمى فى طريق الناس فهو الشجر الخبيث لأنه يؤذيهم
وبين البدر أن أبا حاتم السجستاني ألف كتابا عن النخل وذكر بعض ما فيه فقال:
"وقد أفرد أبو حاتم السجستاني كتابا خاصا بالنخل، بين فيه فضله وخصائصه وأسماءه، وذكر أبحاثا عديدة مفيدة متعلقة به، قال في أوله:
"النخلة سيدة الشجر، مخلوقة من طين آدم صلوات الله عليه، وقد ضربها الله جل وعز مثلا لقول "لا إله إلا الله" فقال تبارك وتعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة} وهي قول: "لا إله إلا الله"، {كشجرة طيبة} وهي النخلة فكما أن قول “لا إله إلا الله" سيد الكلام، كذلك النخلة سيدة الشجر"ثم أخذ يفصل القول في الكلام على هذه الشجرة الكريمة الفاضلة، واستشهد لقوله إنها مخلوقة من طين آدم عليه السلام بما ساقه بسنده من طريق مسرور بن مسعود التميمي قال: حدثني الأوزاعي، عن عروة بن رويم، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله (ص)"أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم، وليس شيء يلقح غيرها، وأطعموا نساءكم الولد الرطب فالتمر، وليس شيء من الشجر أكرم على الله جل وعز من شجرة نزلت تحتها مريم ابنة عمران"إلا أن إسناد هذا الحديث واه، فلا يصلح للاحتجاج، تفرد به مسرور بن مسعود وهو متهم قال ابن الجوزي: "لا يصح عن رسول الله (ص)قال ابن عدي: مسرور غير معروف وهو منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي عن الأوزاعي المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بما يرويها"وقال الذهبي: "غمزه ابن حبان، فقال: يروي عن الأوزاعي المناكير الكثيرة"وعلى كل، فلا ريب في فضل النخلة وشرفها وتميزها، ويكفيها فضيلة أنها خصت من بين سائر الشجر بأن جعلت مثلا للمؤمن، وفي النصوص المتقدمة ما يدل على أنواع من الفضائل والميزات للنخلة؛ كثبات الأصل وارتفاع الفرع، وإيتائها أكلها كل حين، ووصفها بالبركة، وأنها لا يؤخذ منها شيء إلا نفع، ونحو ذلك مما يدل على فضل النخلة وتميزها"
الرجل بعد أن نقل روايات السجستانى عن النخلة ونقل الكلام فى أسانيدها قال " وفي النصوص المتقدمة ما يدل على أنواع من الفضائل والميزات للنخلة" والنصوص التى ذكرها كلها تؤكد أن الأحاديث منكرة مثل" أن إسناد هذا الحديث واه، فلا يصلح للاحتجاج، تفرد به مسرور بن مسعود وهو متهم قال ابن الجوزي: "لا يصح عن رسول الله (ص)"
وأكمل الرجل حديثه وهو تكرار لما سبق فقال:
"ثم ها هنا أمر مهم، وهو أن النبي عندما شبه المؤمن بالنخلة، لا شك أن ثم هناك أوجها عديدة في الشبه بين المؤمن المطيع لله الذي قامت في قلبه كلمة الإيمان وانغرست في صدره وأخذت تثمر الثمار اليانعة والخير المتنوع وبين النخلة ولا ريب أن الوقوف على أوجه الشبه بينهما والحرص على معرفة ذلك والفقه فيه أمر جدير بالاهتمام والعناية؛ لعظم فائدته وكثرة منافعه، والله تعالى قد أرشد في كتابه إلى فهم هذا عندما مثل المؤمن بها وذكر بعض أوجه الشبه بينهما حيث قال: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين}
هذه أربعة وجوه في الشبه بينهما، ومن يتأمل في الممثل والممثل به يجد بينهما من أوجه الشبه الشيء الكثير"
وقام البدر بتلخيص ما قرأه فى كتب الفقه عن التشابه بين المؤمن والنخل وقد اختصرت بعض كلامه لأنه مجرد كلام مكرر أو كلام ليس فيه فائدة وسبق فى بعض المواضع فقال:
"ومن يطالع كلام أهل العلم في هذا الباب يقف من ذلك على لطائف جمة وفوائد مهمة ولعلي فيما يلي أستعرض جملة من أوجه الشبه بينهما من خلال ما وقفت عليه من كلام أهل العلم في ذلك في كتب التفسير وشروحات الحديث وغيرها
فمن هذه الأوجه:
أولا: أن النخلة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر، وكذلك شجرة الإيمان لا بد لها من أصل وفرع وثمر، فأصلها الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وفرعها الأعمال الصالحة، والطاعات المتنوعة، والقربات العديدة، وثمراتها كل خير يحصله المؤمن، وكل سعادة يجنيها في الدنيا والآخرة
روى عبد الله في السنة عن ابن طاووس، عن أبيه قال: "مثل الإيمان كشجرة؛ فأصلها الشهادة، وساقها وورقها كذا، وثمرها الورع، ولا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع فيه"
قال البغوي : "والحكمة في تمثيل الإيمان بالشجرة هي أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء؛ عرق راسخ، وأصل قائم، وفرع عال، وكذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء؛ تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان"
..وبهذا يتبين أن "شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح، والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر، وإلا أوشك أن تيبس، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص)"إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم" وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك، ومن هنا تعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات، وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وظفها عليها وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم"
ثالثا: أن النخلة شديدة الثبوت، كما قال الله تعالى في الآية المتقدمة: {أصلها ثابت} ، وهكذا الشأن في الإيمان إذا رسخ في القلب فإنه يصير في أشد ما يكون من الثبات لا يزعزعه شيء، بل يكون ثابتا كثبوت الجبال الرواسي..
رابعا: أن النخلة لا تنبت في كل أرض، بل لا تنبت إلا في أراض معينة طيبة التربة، فهي في بعض الأماكن لا تنبت مطلقا، وفي بعضها تنبت ولكن لا تثمر، وفي بعضها تثمر ولكن يكون الثمر ضعيفا، فليس كل أرض تناسب النخلة
قال أبو حاتم السجستاني: "قالوا: وإنما يرديه ويسيء نبته طعمة الأرض، فيجيء ضخما كثير القشر، سريع اليبس ثنتا، أي: عفنا، جخرا نخرا، والجخر: الضخم الذي ليست له قوة ولا تعجبه الأرض فيميل وينتفخ وتخوي نخلته وتردؤ، وإذا كان في أرض جيدة السر جاء أبيض رقيقا، وتراه كأن طرفه يدري لا يعوجه شيء حتى يدرك الماء بعد أو قرب، وإذا كان العرق في أرض طيبة الطين وقف ساعة يشرع في الماء؛ لأنه يرجع إلى طينة طيبة وطعمة تعجبه، ولم ينحدر إلا طلب الماء، فلما شام الماء وقف، وإذا انحدر من أرض خبيثة الطين ليس لها سر انخرط حتى يتثنى في الماء عفنا؛ لأنه إنما ساقه طلب الماء، فلما وجد طعمة الماء جعل انخراطا فيه من بغض ما فوقه" فليست كل أرض تناسب النخلة
وهكذا الشأن في الإيمان فهو لا يثبت في كل قلب، وإنما يثبت في قلب من كتب الله له الهداية وشرح صدره للإيمان..
خامسا: أن النخلة قد يخالطها دغل ونبت غريب ليس من جنسها قد يؤذي النخلة، ويضعف نموها، ويزاحمها في سقيها؛ ولهذا تحتاج النخلة في هذه الحالة إلى رعاية خاصة وتعاهد من صاحبها بحيث يزال عنها هذا الدغل والنوابت المؤذية، فإن فعل ذلك كمل غرسه، وإن أهمله أوشك أن يغلب على الغرس فيكون له الحكم ويضعف الأصل
وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمن، لا شك أنه يصادفه في الحياة أمور كثيرة قد توهي إيمانه وتضعف يقينه، وتزاحم أصل الإيمان الذي في قلبه؛ ولهذا يحتاج المؤمن أن يحاسب نفسه في كل وقت وحين، ويجاهدها في ذلك..
سادسا: أن النخلة كما أخبر الله {تؤتي أكلها كل حين} والأكل الثمر، فهي تؤتي ثمرها كل حين ليلا ونهارا صيفا وشتاء إما تمرا أو بسرا أو رطبا
وكذلك المؤمن يصعد عمله أول النهار وآخره، ...
سابعا: أن النخلة فيها بركة في كل جزء من أجزائها، فليس فيها جزء لا يستفاد منه، وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن، وقد جاء في صحيح البخاري في بعض ألفاظ حديث ابن عمر المتقدم من رواية الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر أن النبي قال: "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم " الحديث
"وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها، مستمرة في جميع أحوالها، فمن حين تطلع إلى أن تيبس تؤكل أنواعا، ثم بعد ذلك ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة المسلم عامة في جميع الأحوال، ونفعه مستمر له ولغيره حتى بعد موته"
ثامنا: أن النخلة كما وصفها النبي (ص)"لا يسقط ورقها" وبين المسلم والنخلة في هذا وجه شبه يتضح بما رواه الحارث بن أبي أسامة في هذا الحديث من وجه آخر عن ابن عمر، ولفظه: قال: "كنا عند رسول الله ذات يوم فقال: "إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا تسقط لها أنملة، أتدرون ما هي؟ " قالوا: لا قال: "هي النخلة، لا تسقط لها أنملة، ولا تسقط لمؤمن دعوة" ...
تاسعا: أن النخلة وصفت في الآية بأنها طيبة، وهذا أعم من طيب المنظر والصورة والشكل، ومن طيب الريح وطيب الثمر وطيب المنفعة، والمؤمن أجل صفاته الطيب في شؤونه كلها وأحواله جميعها، في ظاهره وباطنه وسره وعلنه....
عاشرا: أن النخلة وصفت بأنها: "ما أخذت منها من شيء نفعك" كما في حديث ابن عمر المتقدم، و "النخلة كلها منفعة، لا يسقط منها شيء بغير منفعة، فثمرها منفعة، وجذعها فيه من المنافع ما لا يجهل للأبنية والسقوف وغير ذلك، وسعفها تسقف به البيوت مكان القصب، ويستر به الفرج والخلل، وخوصها يتخذ منه المكاتل والزنابيل وأنواع الآنية، والحصر وغيرها، وليفها وكربها فيه من المنافع ما هو معلوم عند الناس"
وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن مع إخوانه وجلسائه ورفقائه، لا يرى فيه إلا الأخلاق الكريمة، والآداب الرفيعة، والمعاملة الحسنة، والنصح لجلسائه، وبذل الخير لهم، ولا يصل إليهم منه ما يضر..
حادي عشر: أن النخل بينه تفاوت عظيم في شكله ونوعه وثمره، فليست النخيل في مستوى واحد في الحسن والجودة...وهكذا الشأن بين المؤمنين، فالمؤمنون متفاوتون في الإيمان، وليسوا في الإيمان على درجة واحدة، بل بينهم من التفاوت والتفاضل الشيء الكثير..
ثاني عشر: أن النخلة أصبر الشجر على الرياح والجهد، ...فكذلك المؤمن صبور على البلاء لا تزعزعه الرياح، وقد اجتمع فيه أنواع الصبر الثلاثة...
ثالث عشر: أن النخلة كلما طال عمرها ازداد خيرها وجاد ثمرها، وكذلك المؤمن إذا طال عمره ازداد خيره وحسن عمله ...
رابع عشر: أن قلب النخلة - وهو الجمار - من أطيب القلوب وأحلاها، ...وكذلك قلب المؤمن من أطيب القلوب وأحسنها، لا يحمل إلا الخير ولا يبطن سوى الاستقامة والصلاح والسلامة
خامس عشر: أن النخلة لا يتعطل نفعها بالكلية أبدا، بل إن تعطلت منها منفعة ففيها منافع أخر، حتى لو تعطلت ثمارها سنة لكان للناس في سعفها وخوصها وليفها وكربها منافع وآراب، وهكذا المؤمن لا يخلو عن شيء من خصال الخير قط، ...
سادس عشر: أن النخلة سهل تناول ثمرها ومتيسر، فهي إما قصيرة فلا يحتاج المتناول أن يرقاها، وإما باسقة فصعودها سهل بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال غيرها، فتراها كأنها قد هيئت منها المراقي والدرج إلى أعلاها، وكذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله لا بالغر ولا باللئيم
سابع عشر: أن ثمرتها من أنفع ثمار العالم، فإنه يؤكل رطبه فاكهة وحلاوة، ويابسه يكون قوتا وأدما وفاكهة، ويتخذ منه الخل والحلوى، ويدخل في الأدوية والأشربة، وعموم النفع به أمر ظاهر، وهكذا الشأن في المؤمن في عموم منافعه وتنوع خيراته ومحاسنه...
ثامن عشر: ومن طريف ما يذكر هنا حول تطابق الصفات بين النخلة في كل أجزائها مع صفات المؤمن ما ذكره ابن القيم حيث قال: "وقد طابق بعض الناس هذه المنافع وصفات المسلم وجعل لكل منفعة منها صفة في المسلم تقابلها، فلما جاء إلى الشوك الذي في النخلة جعل بإزائه من المسلم صفة الحدة على أعداء الله وأهل الفجور، فيكون عليهم في الشدة والغلظة بمنزلة الشوك، وللمؤمنين والمتقين بمنزلة الرطب حلاوة ولينا {أشدآء على الكفار رحماء بينهم} "..."
وهذا الكلام الكثير يغنى عنه كلمة واحدة وهى أن نفع المسلم لنفسه وغيره كنفع الشجرة لغيرها
ثم ذكر بعض الكتب التى ألفت فى الموضوع فقال:
وقد أفرد عبد الرحمن بن سعدي في هذا الباب رسالة لطيفة أسماها: "التوضيح والبيان لشجرة الإيمان" أتى فيها على أهم معالم هذه الشجرة المباركة شجرة الإيمان بدأها بتفسير الإيمان وبيان حده، ثم ثنى بذكر أصوله ومقوماته ومن أي شيء يستمد، ثم ثلث بذكر فوائده وثمراته، وانطلق في ذلك من الآية الكريمة المتقدمة المشتملة على تمثيل كلمة الإيمان في قلب المؤمن التي هي أفضل الكلمات بالنخلة التي هي أطيب الأشجار ...وقد اجتهد جماعة من شراح هذا الحديث في عد هذه الشعب وحاولوا حصرها، وصنفوا في هذا مصنفات عديدة مختصرة ومطولة، واتبعوا في ذلك طرائق متنوعة، إلا أن أحسن طريقة في ذلك طريقة ابن حبان ، إذ هي طريقة فذة فريدة استغرقت وقتا طويلا وجهدا بالغا
قال في وصف طريقته هذه: "وقد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا، وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن، وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه، وكل طاعة جعلها رسول الله من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فعلمت أن مراد النبي كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب (وصف الإيمان وشعبه) بما أرجو أن فيها الغنية للمتأمل إذا تأملها، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب"
وهي طريقة مجهدة ولا شك، ومما يؤسف حقا أن كتابه (وصف الإيمان وشعبه) الذي أودعه جهده هذا مفقود لا يعرف له وجود الآن، بل أشار الحافظ ابن حجر في الفتح إلى أنه لم يقف عليه وقد قام الحافظ بتلخيص شعب الإيمان من خلال ما جمعه غير واحد من أهل العلم فخرج بملخص عظيم النفع لشعب الإيمان، فقال : "وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره، وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن ...لكن ينبغي أن يعلم أن حصر هذه الشعب وعدها ليس شرطا في الإيمان، بل يكفي المسلم من ذلك أن يقرأ كتاب الله وسنة رسوله ويقوم بما فيهما من أوامر، وينتهي عما فيهما من نواهي، ويصدق بما فيهما من أخبار، فمن قام بذلك فقد قام بشعب الإيمان، ونصيب العبد من هذه الشعب هو بحسب نصيبه من القرآن والسنة علما وعملا وتطبيقا
ولذا يقول القاضي عياض - -: "تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في الإيمان"
وقد انتقد القوم تكلف البعض فى تشبيه المؤمن بالنخلة فى خصال الإيمان وزاد البدر أن الناس كالفلاحين فى تعاملهم مع النخل ليخبرنا أن الفلاح الجيد هو السنى وأن الفلاحين الآخرين السيئين هم المعتزلة والخوارج والمرجئة وهو كلام لا يقوله مسلم يعلم قوله تعالى " هو أعلم بمن اتقى " كما يتعارض مع حرمة مدح أى تزكية المسلم لنفسه فى قوله تعالى ط فلا تزكوا أنفسكم " وفى هذا قال :
"ثم إذا كان مثل المؤمن مثل النخلة ووجه الشبه بينهما ظاهر في أمور كثيرة تقدم الإشارة إلى شيء منها، فإن المؤمنين في ديارهم مثلهم مثل نخيل كثيرة في جنة مباركة تؤتي أطايب الثمار وأحسن الأكل في كل حين بإذن ربها
وإذا كان هذا مثل المؤمنين في ديارهم فإن مثل المصلحين فيهم مثل الفلاح في بستانه، ومعلوم أن أهل الفلاحة في بساتينهم ليسوا على مستوى واحد في الكفاءة والقدرة وحسن الرعاية للنخيل والزروع والثمار، بل بينهم من التفاوت في ذلك ما الله به عليم، ولا بأس هنا من ضرب ثلاثة أمثلة لثلاثة من الفلاحين في مزارعهم يتضح به المراد والمقصود
المثال الأول:
فلاح صفته فيما يراه الرائي غير مرضية، فهو حاد الطبع، أحمر العينين، شديد الغضب، سريع في اتخاذ تدابيره، قليل الأناة، يتعامل مع نخيله في حديقته معاملة غريبة خرج بها عن سمت الحق في الفلاحة، واعتزل فيها طريق الصواب في ذلك، ...ولا ريب أن النتيجة الحتمية لهذا العمل هو تبدد حديقته، وتفكك نخيله، وتناقصه شيئا فشيئا
أما المثال الثاني:
فهو فلاح آخر يتعامل مع نخيله بطريقة أخرى غريبة وعجيبة، إذ يعتقد أن النخلة لا يصح وصفها بالنقص مطلقا، فكما أن النخلة الميتة لا ينفعها وجود بعض أجزائها، فكذلك النخلة الحية القائمة لا يضرها نقص بعض أجزائها، فالنخيل جميعه عنده سواء في درجة واحدة، المريض منه وما اعتراه نقص والصحيح، كله عنده بمستوى واحد وعلى درجة واحدة، ..ثم إن هذا المعتقد الغريب أورث عند هذا الفلاح نوعا غريبا من التعامل مع حديقته، فهو لا يتعاهدها بالرعاية، ولا يهتم بها في أمر السقاية، ولا يعتني بها، ولا يتفقدها، ... ولا ريب أن النتيجة الحتمية لهذا التصرف هو ذهاب حديقته وزوالها بأسرع ما يكون
أما المثال الثالث:
فهو فلاح نشأ على حب فلاحته منذ صغره، فهو حكيم في رعايته لها، عالم بطرق إصلاحها وأسباب قوتها ونمائها، صبور على شدتها ولأوائها، دقيق في القيام بمستلزماتها ومتطلباتها، يهتم بنخله ..ثم هو قبل هذا كله قوي الصلة بالله عظيم الثقة به، يبرأ من حول نفسه وقوته، ويعتقد أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله العظيم الذي بيده أزمة الأمور، ولذا فإن لسانه رطب من ذكر الله، يكثر من قول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، فلا تزال حديقته في نماء، ولا تزال نخيله في كثرة وازدياد بمرأى جميل ومظهر حسن تؤتي من أنواع الثمار وأطايب الأكل كل حين بإذن ربه، ثم هو عظيم الحمد لربه، كثير الثناء عليه، عالم بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم
فهذه ثلاثة أمثلة يتضح من خلالها تنوع مناهج المشتغلين بالإصلاح وتباين طرائقهم، ولا بأس من إيضاح أمر غير خاف على المتأمل، وهو أن المثال الأول مضروب لحال المعتزلة والخوارج في التعامل مع عباد الله المؤمنين، فهم أهل شدة وغلظة وفضاضة، ومن معتقداتهم الفاسدة الحكم على مرتكب الكبيرة بالخروج من الإيمان والخلود يوم القيامة في النيران، والمثال الثاني مضروب للمرجئة في تعاملهم مع المؤمنين، فهم أهل ارتخاء وخور، وقلة مبالاة بأمر المؤمنين، وقد نشأ هذا فيهم بسبب شؤم معتقدهم حيث يرون أن الأعمال ليست من الإيمان، ثم هم متفاوتون في ذلك تفاوتا عظيما حتى إن منهم من صار إلى القول بأن الإيمان لا يضر معه ذنب مهما عظم، كما أن الكفر لا تنفع معه طاعة، وأما المثال الثالث فهو مضروب لأهل السنة والجماعة والحق والاستقامة أهل المنهج العدل الوسط، وخير الناس النمط الأوسط الذين ارتفعوا عن تقصير المفرطين، ولم يلحقوا بغلو المعتدين، ومنهج أهل السنة مع العصاة من أهل الملة هو أنهم لا يكفرونهم ولا يخرجونهم بذلك من الدين كالخوارج والمعتزلة، ولا يحكمون بكمال إيمانهم وتمامه كالمرجئة، بل يقولون: هم مؤمنون ناقصوا الإيمان، فيحبونهم على ما عندهم من الإيمان، ويبغضونهم على ما عندهم من العصيان، ويرحمونهم وينصحون لهم ويحرصون على استصلاحهم وهدايتهم بأرفق السبل وأحسن الأساليب في حدود قواعد الشريعة وأصولها المعلومة"
المشكلة فى الكتاب هو أن المسلم لن يستفيد من هذا الكتاب فهو لا يعلمه أحكام الله مثلا فى نبات كالنخلة كزكاة النبات وهو لا يعرفه حتى آيات الله التى قيلت فى النخل فى القرآن والمعلومات التى فيها
والمشكلة أيضا أن الكتاب الهدف منه هو فى أخره وهو مدح المذهب وذم مذاهب الآخرين وفى الإسلام لا توجد مذاهب وإنما يوجد مسلمون مؤمنون وأما سنى ومرجىء ومعتزلى وغيرها من الألفاظ التى يسمى بها أهل كل مذهب أنفسهم فلا وجود لها فى الوحى ولا حتى فى الروايات