رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
الكتاب من تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي وهو يدور حول السعادة الدنيوية وكيفية تحقيقها وفى هذا قال المؤلف
"أما بعد:فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم، فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالاً ومآلاً."
بداية عنوان الحياة السعيدة عنوان خيالى فالسعادة المستمرة تكون فى الجنة كما قال تعالى ""وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها"
وقال "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"
وأما في الدنيا فالسعادة مجرد سويعات وحياة المؤمن هى ما بين الخوف والأمن كما قال تعالى :
"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا"
حياة المؤمن الآمنة وليست السعيدة هى عند التمكين للمسلمين في الأرض فساعتها سيضمن كل مسلم ان يعيش آمنا حيث لا يعاقب على إسلامه وأما سعادته فليست مضمونه بسبب الابتلاءات بالشر كما قال تعالى" ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقد أصاب النبى (ص) والمؤمنين في أول الهجرة الجوع ونقص لأموال والثمرات وفى هذا قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
واستهل الرجل كتابه بالقول أن أساس الحياة السعيدة هو الإيمان والعمل الصالح فقال:
"فصل
1-وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القراروسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
- يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.
- لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي (ص)عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" فأخبر (ص)أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات، لأنه لا يرجو ثواباً ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع، إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه - بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له - يكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراً لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء ومثل آخر: إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات، تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس، متمكناً من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما في وسعه من فكر وقول وعمل، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره، وتوترت أعصابه، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب، واجتمع عليه الخوف الخارجي، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه، وهذا النوع من الناس إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير انهارت قواهم وتوترت أعصابهم، وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر، خصوصاً في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة.
فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه ـ أموراً تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب، كما قال تعالى: { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }. ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف. وقال تعالى { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }"
نلاحظ هنا أن الرجل ناقض عنوان الكتاب حيث ذكر فى الفقرة أن المؤمن فى الدنيا معرض للمضار والمكاره فى قوله "ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة"
وقوله عن عدم اغتمام وخوف وحزن المسلم "هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان"
خطأ فالمؤمن يخاف ويحزن ويغتم كما قال تعالى " وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا"ونجد واحد كالصديق حزن فقال الرسول(ص) له" لا تحزن إن الله معنا" والمجاهدون الذين لم يجدوا وسيلة للذهاب للجهاد بكوا وحزنوا كما قال تعالى "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"
وقطعا لما كان الإيمان والعمل الصالح هم الأساس فكل ما ذكره الرجل من وسائل داخل فيهم وليس متعدد كما ذكر الوسائل التالية:
"2- ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه. والخير يجلب الخير، ويدفع الشر. وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجراً عظيماً ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها."
يجب أن نسلم بشىء وهوأن حياة المسلم فى مجتمع لا يحكم بحكم الله غير حياته فى مجتمع يحكم بحكم الله فالنبى(ص) والمؤمنون فى المجتمع المكى الكافر كانوا يعانون من الأحزان مع طاعتهم لله وإحسانهم للكفار حتى قال الله لنبيه(ص) أكثر من مرة " لا تحزن"
فالمسلم يكون غير آمن فى هذا المجتمع فهو عرضة لتعذيبه وعرضة لأخذ ماله وانتهاك عرضه والطرد من داره وغير ذلك من أنواع الظلم وأما فى المجتمع الممكن فيه لحكم الله فهو آمن لا يخشى شيئا
ثم حدثنا السعدى عن كيفية تلافى القلق وهو الاشتغال بعمل نافع فقال:
"فصل
3.ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره. ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله، إن كان عبادة فهو عبادة، وإن كان شغلاً دنيوياً أو عادةً أصحبها النية الصالحة وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغموم والأحزان، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع (نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته)وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم."
قطعا هو يتكلم عن المجتمع الذى لا يحكم بحكم الله فالمؤمن فى المجتمع الآمن لن يخاف أنه عمل صالحا لأنه سيجد العدل فلن يحاكمه أحد على صلاحه سيذهب للشكوى للمؤمنين الآخرين ومهما عمل المسلم من أعمال نافعة تشغله عن المكدرات في مجتمعاتنا فإنه سيظل خائفا طالما استمر سبب المكدر
ثم قال :
"4.ومما يدفع به الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي (ص)من الهم والحزن فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبي (ص)إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله. والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال (ص)"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" فجمع (ص)بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال. والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين: قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده وقسماً لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم."
ورقم3 يشبه رقم4 فى الانشغال بالعمل اليومى الصالح عن المكدرات وهى الهموم والغموم
ثم قال :
"فصل
5.ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.ط
قطعا ذكر الله الكلامى ليس هو المطلوب فالمطلوب الذى يطمئن القلب هو طاعة أحكام الله وذكر الله الكلامى لم يطلبه الله فى كتابه فهو تضييع لوقت وجهد المؤمن
ثم بين الوسيلة التالية التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة وهى :
"6.وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا. فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وخفت مؤنتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوةُ أجرها مرارة صبرها."
والتحدث بنعمة الله لا يعنى تعديد النعم كالعام والشراب والعيال والمال وإنما قوله تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث" يعنى الدعوة إلى الله أى تبليغ الوحى فنعمة الله هى الوحى
ثم آتانا السعدى بكلام الغرض منه تمكين الدنيا للحكام فقال:
"7.ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي (ص)في الحديث الصحيح حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.
وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً ودفع عنه شروراً متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور."
الرواية عن الرسول(ص) تخالف كتاب الله فالله طالبنا بمنع الظلم ومن فوقنا ظلمونا وظلموا من تحتنا عندما أخذوا بعض حقوقهم أو كلها ومن تحتنا سكتوا على الظلم فرضوا بالفقر الذى لم يشرعه الله حيث أنه وزع المال وهو الأقوات بالسواء وهو العدل بين الكل فقال" وقدر فيها أقواتها فى أربعة ايام سواء للسائلين"
فلم يجعل الله الناس أغنياء وفقراء وإنما جعلهم سواء وهو ما ينبغى تغييره وهذه النظرة هى سباب ضياع حكم الله لأنها تكرس الظلم
ثم حدثنا عن السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور فقال:
"فصل
8.ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه"
السعى لأسباب السرور وإزالى الغم يتعارض مع الوسيلة السابقة وهى عدم النظرة لمن فوق والنظرة لمن تحت فغزالة أسباب الغم يتطلب رفع الظلم وهو ما يعنى حتمية إزالة الطبقة الحاكمة الظالمة التى استولت على السلطة والثروة ووزعتها حسب الأهواء وهو ما طلب الله به فى قوله " ولا تركنوا غلى الذين ظلموا فتمسكم النار"
ثم قال عن أهمية الدعاء فى إزالة الغم:
"9-ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي (ص)يدعو به: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر" وكذلك قوله: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً."
قطعا الدعاء لن يرفع ظلما فلابد من العمل الصالح لابد من العمل لإزالة الظلم المؤدى لتلك الهموم والغموم والدعاء ليس مضمونا لأنه متوقف على ما قدره الله وهو إما استجابة وإما رفض كما قال تعالى:
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم بين الرجل أن على المؤمن السعى في تحفيف آثار الكارثة الملمة به فقال:
"فصل
10.ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شئ من النكبات: أن يسعى في تخفيفها بأن يقّدِر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، وفد دفع المضار الميسورة للعبد.
فإذا حلت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره، يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مشاهد مجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً."
قطعا السعى فى التخفيف من آثار المصيبة لا يعنى تقدير أسوأ الاحتمالات وإنما تقدير أسوأ الاحتمالات يكون قبل الكارثة أو المصيبة وكذلك توطين النفس على تحمل المصائب يكون قبلها
وقال السعدى عن الوسيلةالتالية وهى قوة القلب فقال:
"فصل
11.ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة"
وقطعا قوة القلب هى نفسها الوسيلة العاشرة وهى تقدير أسوا الاحتمالات والعمل على تخفيف المصيبة وأما رقم12 فهى ليست وسيلة لأنها اندفاع الهموم وإنما نتيجة مترتبة على قوة القلب وفيها قال :
"12.ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثَّرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسراً، وترحه فرحاً وخوفه أمناً، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير|
ثم أدخلنا الرجل فى موضوعات أخرى وهى العلاقة الزوجية فقال:
"فصل
13- وفي قول النبي (ص) "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر" فائدتان عظيمتان:إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة: وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي (ص)- بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن-، فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة. لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير. ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً."
قطعا الهموم الزوجية لا تنقطع طوال الحياة سواء من المؤمن أو المؤمنة سواء أحبوا بعضهم أم كرهوا خاصة فى المجتمعات التى لا تحكم بحكم الله لأن غالب مشاكلهمنتيجة عدم توافر الموال الالازمة للحياةالكريمة حيث أن الحكام ومن معهم يعملون دوما على أن ينقصوا من رواتب ومعاشات أكثرية الشعب حتى يظل فى مشاكل تشغله عن النظر إلى كراسى الحكم ومن ثم يظلون يسعون وراء الرزق لاطعام العيال ولا يفكرون فى شىء مع ان الحل سهل وهو إزالة الحكام لو اجتمع هؤلاء المهمومون ولكنهم نتيجة الخوف يلجئون لتعذيب أنفسهم بالكدح طوال الحياة فهم يخافون من تعذيب الحكام لهم أو سجنهم أو التعرض لهم بالأذى
ثم بين ان على المؤمن ألا يجعل الهم يسيطر على كل وقته فقال:
"فصل
14.العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل."
ثم بين أن عليه أن يقارن بين المصيبة وبين ما أعطاه الله من النعم فقال :
"15.وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه، فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه."
قطعا المقارنة لا تفيد فى شىء وإنما المفيد العمل على التخفيف من آثارالمصيبة أو إزالة لآثار نهائيا فمثلا مصيبة المرض لا فائدة من مقارنتها بشىء وإنما الفائدة هى البحث عن علاج والاستمرار فيه حتى يزول المرض أويتم تخفيف آلامه إلى أقل حد ممكن
ثم بين أن ظلم الأخرين للمؤمن هو أذى لهم قبل أن يكون أذى للمؤمن وفى هذا قال :
"16.ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصاً في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئاً."
وهذا الكلام هو استسلام فهو جائز عند الظلم مرة أو اثنين وأما عند تكرار الظلم فالواجب هو دفعه كما قال تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم قال:
"17.واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة وإلا فالأمر بالعكس."
لا يوجد فى الإسلام شىء اسمه دين ودنيا لأن الدين هو من ينظم الدنيا فالنفع هومن الدين والدنيا ركوبة نستخدمها للصلاح أو الافساد
ثم قال :
"18.ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا } ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، فقد أرحت واسترحت، ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وتعود على أدراجك خائباً من حصول الفضيلة، حيث سلكت الطريق الملتوي، وهذا من الحكمة، وأن تتخذ من الأمور الكَدِرَة أموراً صافية حلوة وبذلك يزيد صفاء اللذات، وتزول الأكدار."
قطعا المؤمن لا يطلب الشكر وهو الأجر على العمل الصالح سوى من الله وكرر الرجل فى 19 عمل الأمور النافعة وهو ما ذكره قبلا فى رقم 2 ورقم 3 على وجه الخصوص فقال"
19.اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة."
ومن ذلك قوله فى رقم 3" الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة"
وكرر فى 20 ما سبق قوله فى رقم4 فقال :
"20.ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل، لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل."
ومن ذلك قوله فى رقم4 " اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل"
وكذلك كرر ما فى رقمى3 و4فى 21 حيث قال :
"21.وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين."
الكتاب من تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي وهو يدور حول السعادة الدنيوية وكيفية تحقيقها وفى هذا قال المؤلف
"أما بعد:فإن راحة القلب، وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه، هو المطلب لكل أحد، وبه تحصل الحياة الطيبة، ويتم السرور والابتهاج، ولذلك أسباب دينية، وأسباب طبيعية، وأسباب عملية، ولا يمكن اجتماعها كلها إلا للمؤمنين، وأما من سواهم، فإنها وإن حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه، فاتتهم من وجوه أنفع وأثبت وأحسن حالاً ومآلاً."
بداية عنوان الحياة السعيدة عنوان خيالى فالسعادة المستمرة تكون فى الجنة كما قال تعالى ""وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها"
وقال "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"
وأما في الدنيا فالسعادة مجرد سويعات وحياة المؤمن هى ما بين الخوف والأمن كما قال تعالى :
"وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا"
حياة المؤمن الآمنة وليست السعيدة هى عند التمكين للمسلمين في الأرض فساعتها سيضمن كل مسلم ان يعيش آمنا حيث لا يعاقب على إسلامه وأما سعادته فليست مضمونه بسبب الابتلاءات بالشر كما قال تعالى" ونبلوكم بالشر والخير فتنة" وقد أصاب النبى (ص) والمؤمنين في أول الهجرة الجوع ونقص لأموال والثمرات وفى هذا قال تعالى :
"ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
واستهل الرجل كتابه بالقول أن أساس الحياة السعيدة هو الإيمان والعمل الصالح فقال:
"فصل
1-وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القراروسبب ذلك واضح، فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح، المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.
- يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.
- لما يمكنهم مقاومته، وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم منه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أمور عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والآمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي (ص)عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" فأخبر (ص)أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات، لأنه لا يرجو ثواباً ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع، إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه - بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له - يكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراً لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء ومثل آخر: إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات، تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس، متمكناً من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما في وسعه من فكر وقول وعمل، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده كما تجد فاقد الإيمان بعكس هذه الحال إذا وقعت المخاوف انزعج لها ضميره، وتوترت أعصابه، وتشتت أفكاره وداخله الخوف والرعب، واجتمع عليه الخوف الخارجي، والقلق الباطني الذي لا يمكن التعبير عن كنهه، وهذا النوع من الناس إن لم يحصل لهم بعض الأسباب الطبيعية التي تحتاج إلى تمرين كثير انهارت قواهم وتوترت أعصابهم، وذلك لفقد الإيمان الذي يحمل على الصبر، خصوصاً في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة.
فالبر والفاجر، والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية، وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، ولكن يتميز المؤمن بقوة إيمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه، واحتسابه لثوابه ـ أموراً تزداد بها شجاعته، وتخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصاعب، كما قال تعالى: { إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ }. ويحصل لهم من معونة الله ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف. وقال تعالى { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }"
نلاحظ هنا أن الرجل ناقض عنوان الكتاب حيث ذكر فى الفقرة أن المؤمن فى الدنيا معرض للمضار والمكاره فى قوله "ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة"
وقوله عن عدم اغتمام وخوف وحزن المسلم "هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان"
خطأ فالمؤمن يخاف ويحزن ويغتم كما قال تعالى " وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا"ونجد واحد كالصديق حزن فقال الرسول(ص) له" لا تحزن إن الله معنا" والمجاهدون الذين لم يجدوا وسيلة للذهاب للجهاد بكوا وحزنوا كما قال تعالى "ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون"
وقطعا لما كان الإيمان والعمل الصالح هم الأساس فكل ما ذكره الرجل من وسائل داخل فيهم وليس متعدد كما ذكر الوسائل التالية:
"2- ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: { لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه. والخير يجلب الخير، ويدفع الشر. وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجراً عظيماً ومن جملة الأجر العظيم: زوال الهم والغم والأكدار ونحوها."
يجب أن نسلم بشىء وهوأن حياة المسلم فى مجتمع لا يحكم بحكم الله غير حياته فى مجتمع يحكم بحكم الله فالنبى(ص) والمؤمنون فى المجتمع المكى الكافر كانوا يعانون من الأحزان مع طاعتهم لله وإحسانهم للكفار حتى قال الله لنبيه(ص) أكثر من مرة " لا تحزن"
فالمسلم يكون غير آمن فى هذا المجتمع فهو عرضة لتعذيبه وعرضة لأخذ ماله وانتهاك عرضه والطرد من داره وغير ذلك من أنواع الظلم وأما فى المجتمع الممكن فيه لحكم الله فهو آمن لا يخشى شيئا
ثم حدثنا السعدى عن كيفية تلافى القلق وهو الاشتغال بعمل نافع فقال:
"فصل
3.ومن أسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الأعصاب، واشتغال القلب ببعض المكدرات: الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه، وازداد نشاطه، وهذا السبب أيضاً مشترك بين المؤمن وغيره. ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، وبعمل الخير الذي يعمله، إن كان عبادة فهو عبادة، وإن كان شغلاً دنيوياً أو عادةً أصحبها النية الصالحة وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم والغموم والأحزان، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار، فحلت به الأمراض المتنوعة، فصار دواؤه الناجع (نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته)وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع، والله أعلم."
قطعا هو يتكلم عن المجتمع الذى لا يحكم بحكم الله فالمؤمن فى المجتمع الآمن لن يخاف أنه عمل صالحا لأنه سيجد العدل فلن يحاكمه أحد على صلاحه سيذهب للشكوى للمؤمنين الآخرين ومهما عمل المسلم من أعمال نافعة تشغله عن المكدرات في مجتمعاتنا فإنه سيظل خائفا طالما استمر سبب المكدر
ثم قال :
"4.ومما يدفع به الهم والقلق: اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل، وعن الحزن على الوقت الماضي، ولهذا استعاذ النبي (ص)من الهم والحزن فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها وقد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل، فعلى العبد أن يكون ابن يومه، يجمع جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبي (ص)إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فإنما يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو بحصوله. والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك، كما قال (ص)"احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان" فجمع (ص)بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال. والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين: قسماً يمكن العبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده وقسماً لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم."
ورقم3 يشبه رقم4 فى الانشغال بالعمل اليومى الصالح عن المكدرات وهى الهموم والغموم
ثم قال :
"فصل
5.ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته: الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال همه وغمه، قال تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } فلذكر الله أثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته، ولما يرجوه العبد من ثوابه وأجره.ط
قطعا ذكر الله الكلامى ليس هو المطلوب فالمطلوب الذى يطمئن القلب هو طاعة أحكام الله وذكر الله الكلامى لم يطلبه الله فى كتابه فهو تضييع لوقت وجهد المؤمن
ثم بين الوسيلة التالية التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة وهى :
"6.وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة، فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا. فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه - التي لا يحصى لها عد ولا حساب - وبين ما أصابه من مكروه، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم، هانت وطأتها، وخفت مؤنتها، وكان تأميل العبد لأجرها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضى، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوةُ أجرها مرارة صبرها."
والتحدث بنعمة الله لا يعنى تعديد النعم كالعام والشراب والعيال والمال وإنما قوله تعالى "وأما بنعمة ربك فحدث" يعنى الدعوة إلى الله أى تبليغ الوحى فنعمة الله هى الوحى
ثم آتانا السعدى بكلام الغرض منه تمكين الدنيا للحكام فقال:
"7.ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي (ص)في الحديث الصحيح حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"فإن العبد إذا نصب بين عينيه هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعاً كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها.
وكلما طال تأمل العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، رأى ربه قد أعطاه خيراً ودفع عنه شروراً متعددة، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم، ويوجب الفرح والسرور."
الرواية عن الرسول(ص) تخالف كتاب الله فالله طالبنا بمنع الظلم ومن فوقنا ظلمونا وظلموا من تحتنا عندما أخذوا بعض حقوقهم أو كلها ومن تحتنا سكتوا على الظلم فرضوا بالفقر الذى لم يشرعه الله حيث أنه وزع المال وهو الأقوات بالسواء وهو العدل بين الكل فقال" وقدر فيها أقواتها فى أربعة ايام سواء للسائلين"
فلم يجعل الله الناس أغنياء وفقراء وإنما جعلهم سواء وهو ما ينبغى تغييره وهذه النظرة هى سباب ضياع حكم الله لأنها تكرس الظلم
ثم حدثنا عن السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور فقال:
"فصل
8.ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته. فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره، واتكل على ربه في إصلاحه، واطمأن إليه في ذلك، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه وصلحت أحواله، وزال عنه همه وقلقه"
السعى لأسباب السرور وإزالى الغم يتعارض مع الوسيلة السابقة وهى عدم النظرة لمن فوق والنظرة لمن تحت فغزالة أسباب الغم يتطلب رفع الظلم وهو ما يعنى حتمية إزالة الطبقة الحاكمة الظالمة التى استولت على السلطة والثروة ووزعتها حسب الأهواء وهو ما طلب الله به فى قوله " ولا تركنوا غلى الذين ظلموا فتمسكم النار"
ثم قال عن أهمية الدعاء فى إزالة الغم:
"9-ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور: استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي (ص)يدعو به: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، والموت راحة لي من كل شر" وكذلك قوله: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينْ وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت" فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده فيما يحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً."
قطعا الدعاء لن يرفع ظلما فلابد من العمل الصالح لابد من العمل لإزالة الظلم المؤدى لتلك الهموم والغموم والدعاء ليس مضمونا لأنه متوقف على ما قدره الله وهو إما استجابة وإما رفض كما قال تعالى:
"بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء"
ثم بين الرجل أن على المؤمن السعى في تحفيف آثار الكارثة الملمة به فقال:
"فصل
10.ومن أنفع الأسباب لزوال القلق والهموم إذا حصل على العبد شئ من النكبات: أن يسعى في تخفيفها بأن يقّدِر أسوأ الاحتمالات التي ينتهي إليها الأمر، ويوطن على ذلك نفسه، فإذا فعل ذلك فليسع إلى تخفيف ما يمكن تخفيفه بحسب الإمكان، فبهذا التوطين وبهذا السعي النافع، تزول همومه وغمومه، ويكون بذل ذلك السعي في جلب المنافع، وفد دفع المضار الميسورة للعبد.
فإذا حلت به أسباب الخوف، وأسباب الأسقام، وأسباب الفقر والعدم لما يحبه من المحبوبات المتنوعة، فليتلق ذلك بطمأنينة وتوطين للنفس عليها، بل على أشد ما يمكن منها، فإن توطين النفس على احتمال المكاره، يهونها ويزيل شدتها، وخصوصاً إذا أشغل نفسه بمدافعتها بحسب مقدوره، فيجتمع في حقه توطين النفس مع السعي النافع الذي يشغل عن الاهتمام بالمصائب، ويجاهد نفسه على تجديد قوة المقاومة للمكاره، مع اعتماده في ذلك على الله وحسن الثقة به ولا ريب أن لهذه الأمور فائدتها العظمى في حصول السرور وانشراح الصدور، مع ما يؤمله العبد من الثواب العاجل والآجل، وهذا مشاهد مجرب، ووقائعه ممن جربه كثيرة جداً."
قطعا السعى فى التخفيف من آثار المصيبة لا يعنى تقدير أسوأ الاحتمالات وإنما تقدير أسوأ الاحتمالات يكون قبل الكارثة أو المصيبة وكذلك توطين النفس على تحمل المصائب يكون قبلها
وقال السعدى عن الوسيلةالتالية وهى قوة القلب فقال:
"فصل
11.ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة"
وقطعا قوة القلب هى نفسها الوسيلة العاشرة وهى تقدير أسوا الاحتمالات والعمل على تخفيف المصيبة وأما رقم12 فهى ليست وسيلة لأنها اندفاع الهموم وإنما نتيجة مترتبة على قوة القلب وفيها قال :
"12.ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثَّرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسراً، وترحه فرحاً وخوفه أمناً، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير|
ثم أدخلنا الرجل فى موضوعات أخرى وهى العلاقة الزوجية فقال:
"فصل
13- وفي قول النبي (ص) "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر" فائدتان عظيمتان:إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علاقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه، فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة: وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي (ص)- بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن-، فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة. لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير. ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً."
قطعا الهموم الزوجية لا تنقطع طوال الحياة سواء من المؤمن أو المؤمنة سواء أحبوا بعضهم أم كرهوا خاصة فى المجتمعات التى لا تحكم بحكم الله لأن غالب مشاكلهمنتيجة عدم توافر الموال الالازمة للحياةالكريمة حيث أن الحكام ومن معهم يعملون دوما على أن ينقصوا من رواتب ومعاشات أكثرية الشعب حتى يظل فى مشاكل تشغله عن النظر إلى كراسى الحكم ومن ثم يظلون يسعون وراء الرزق لاطعام العيال ولا يفكرون فى شىء مع ان الحل سهل وهو إزالة الحكام لو اجتمع هؤلاء المهمومون ولكنهم نتيجة الخوف يلجئون لتعذيب أنفسهم بالكدح طوال الحياة فهم يخافون من تعذيب الحكام لهم أو سجنهم أو التعرض لهم بالأذى
ثم بين ان على المؤمن ألا يجعل الهم يسيطر على كل وقته فقال:
"فصل
14.العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل."
ثم بين أن عليه أن يقارن بين المصيبة وبين ما أعطاه الله من النعم فقال :
"15.وينبغي أيضاً إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، وبين ما أصابه من مكروه، فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه."
قطعا المقارنة لا تفيد فى شىء وإنما المفيد العمل على التخفيف من آثارالمصيبة أو إزالة لآثار نهائيا فمثلا مصيبة المرض لا فائدة من مقارنتها بشىء وإنما الفائدة هى البحث عن علاج والاستمرار فيه حتى يزول المرض أويتم تخفيف آلامه إلى أقل حد ممكن
ثم بين أن ظلم الأخرين للمؤمن هو أذى لهم قبل أن يكون أذى للمؤمن وفى هذا قال :
"16.ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصاً في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئاً."
وهذا الكلام هو استسلام فهو جائز عند الظلم مرة أو اثنين وأما عند تكرار الظلم فالواجب هو دفعه كما قال تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"
ثم قال:
"17.واعلم أن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكاراً فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة وإلا فالأمر بالعكس."
لا يوجد فى الإسلام شىء اسمه دين ودنيا لأن الدين هو من ينظم الدنيا فالنفع هومن الدين والدنيا ركوبة نستخدمها للصلاح أو الافساد
ثم قال :
"18.ومن أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله. فلا تبال بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا } ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم، فقد أرحت واسترحت، ومن دواعي الراحة أخذ الفضائل والعمل عليها بحسب الداعي النفسي دون التكلف الذي يقلقك، وتعود على أدراجك خائباً من حصول الفضيلة، حيث سلكت الطريق الملتوي، وهذا من الحكمة، وأن تتخذ من الأمور الكَدِرَة أموراً صافية حلوة وبذلك يزيد صفاء اللذات، وتزول الأكدار."
قطعا المؤمن لا يطلب الشكر وهو الأجر على العمل الصالح سوى من الله وكرر الرجل فى 19 عمل الأمور النافعة وهو ما ذكره قبلا فى رقم 2 ورقم 3 على وجه الخصوص فقال"
19.اجعل الأمور النافعة نصب عينيك واعمل على تحقيقها، ولا تلتفت إلى الأمور الضارة لتلهو بذلك عن الأسباب الجالبة للهم والحزن واستعن بالراحة وإجماع النفس على الأعمال المهمة."
ومن ذلك قوله فى رقم 3" الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة"
وكرر فى 20 ما سبق قوله فى رقم4 فقال :
"20.ومن الأمور النافعة حسم الأعمال في الحال، والتفرغ في المستقبل، لأن الأعمال إذا لم تحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة، فتشتد وطأتها، فإذا حسمت كل شيء بوقته أتيت الأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل."
ومن ذلك قوله فى رقم4 " اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل"
وكذلك كرر ما فى رقمى3 و4فى 21 حيث قال :
"21.وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم فالأهم، وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة، فما ندم من استشار، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين."