رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
نقد الدعاء لولاة الأمر
الكتاب تأليف وهذا يعنى أن من تأليف علماء وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية
وقد استهل الكتاب بالمقدمة التالية:
"أما بعد فمما لا شك فيه أن دعاء الله عزوجل من أفضل أنواع العبادة، فقد ثبت أن رسول الله (ص) قال : (( الدعاء هو العبادة)) وفي رواية أخرى : (( الدعاء مخ العبادة)) ودعاء المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب سبب لقبول الدعاء ، وإجابته عند الله عزوجل ، والدعاء لولاة أمور المسلمين بالصلاح والتسديد والأخذ بأيديهم إلى ما يصلح رعاياهم وينصرهم على أعدائهم من الكفرة والملحدين،وهو من الأمور التي حثت عليها شريعة الله ، إذ بصلاحهم تصلح أمور البلاد والعباد فإن ولي الأمر إذا صلح صلح شأن الرعية ، واستقام أمرها ، ومن هنا كان دعاء الله لهم من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عزوجل ، حيث إن نفعه لا يقتصر على شخص بعينه ، ولكنه عام يستفيد منه كل أفراد الأمة "
والأخطاء فى المقدمة هى :
الأول أن الدعاء لولاة الأمور من الأمور التي حثت عليها شريعة الله وهو خطأ لأنه لا يوجد نص واحد فى الوحى يقول ادعوا لولاة الأمور ولوكان موجودا لذكرع الكتاب ومن ثم فهذا تقويل الله ما لم يقل
الثانى أن دعاء الله لهم من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عزوجل وهوما يخالف أن الجهاد هو افضل العمل كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قالت المقدمة :
"والدعاء لولاة أمور المسلمين فيه إبراء للذمة فالدعاء من النصيحة لهم ، والنصح لهم أمر حثت عليه الشريعة ، فقد ثبت أن رسول الله (ص) قال : (( الدين النصيحة)) كرر ذلك ثلاثا قال الصحابة :لمن يا رسول الله قال: (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) وثبت عن جرير بن عبد الله البجلي قال : (( بايعت رسول الله (ص) على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم)) "
والجنون هنا هو أن الدعاء من النصيحة لولى الأمرفكيف يكون الدعاء وهو خطاب موجه لله تعالى نصيحة لولى الأمر حيث أن النصيحة خطاب لولى الأمر
ويبدو أن المؤلفين أرادوا أن يبرئوا ذمتهم من أصل الكتاب حيث أن الموضوع لا أساس له فتكلموا عن أن طاعة ولى الأمر واجبة فى الخير وأما فى الشر وهو معصية الله فقالوا:
" والنصح لأئمة المسلمين يشمل كل من له ولاية على المسلمين من الحكام والأمراء والقضاة سواء أكانت ولاية صغيرة أو كبيرة وهذا يتمثل في السمع لهم والطاعة ما لم يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا سمع لهم ولا طاعة كما ورد بذلك الحديث "
إذا هذه الفقرة صريحة فى أنهم أمروا بمعصية وهى الفتوى بالدعاء لولى الأمر وأنهم ارادوا أن يشيروا لذلك حتى لا يعذبوا
وقال الكتبة أن سبب تأليف الكتاب أمرين احاجة ولاة الأمر للدعاء وأن الوزارة لم تصدر كتاب من قبل فى الموضوع وهو قولهم:
ولأهمية ما تضمنه هذا الكتاب ( الدعاء لولاة الأمر ) عزمت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على إخراجه ففيه الحث على الدعاء لولاة المسلمين وبيان ما يجب لهم و ما يجب عليهم لرعاياهم ،وإيضاح فائدة الدعاء لهم ،لا سيما في ظهر الغيب ، فإن الدعاء في ظهر الغيب من بواعث الإجابة كما ورد في الحديث الشريف
والذي دعا إلى نشر هذا البحث إضافة إلى أهميته أمران:
أولهما : الحاجة الماسة إلى هذا الدعاء في هذا الزمن الذي تكالب فيه الأعداء على المسلمين ،ولا حول ولا قوة إلا بالله
الثاني : أنه لم يسبق للوزارة إفراد هذا الموضوع – على أهميته – ببحث مستقل "
واستهل الكتاب بمنافع الدعاء لولى الأمر ومدح فيه ولاة أمر البلد فقال:
"من فوائد الدعاء لولاة الأمر:
فعليك أخي المسلم بالدعاء لهم فلعل الله عزوجل أن يجيب دعوتك فيجعلهم من الراشدين المهديين ، وبذلك تصلح الأمور وتزول الشرور وتتنزل البركات وتكثر الخيرات نسأل الله تعالى أن يحمي هذه البلاد المباركة من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يديم عليها الرخاء والخير ، والأمن و السكينة ، في ظل قيادتها الرشيدة، وأن يبقيها رمزا للإسلام ،ومنارا يهتدى به ،وإماما يقتدى به ، وأن يكفيها شر أعدائها ، ويكتب لها العز والتأييد ، والنصر والتمكين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين
وكالة وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المطبوعات والنشر"
وبالقطع الدعاء لولاة ألمر خاصة فى عصرنا وعصور الظلم غير مفيدة لهم فهى لن تمنع عنهم عذاب الله أولا لأنهم يتوارثون الحكم مخالفين قوله تعالى " وأمرهم شوؤى بينهم" كما يوزعون اموال البلدة على هواهم فيختصون أنفسهم بأكبر قدر منه مخالفين قوله تعالى "كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"ولأنهم سواء متوارثين أو غير متوارثين لا يحكمون شرع الله فى الدنيا ومن ثم فهم ظلمة فسقة كفرة كما قال تعالى :
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
وبعد هذا استعرض الكتاب من هم ولاة ألأمر فقال:
"الإمامة
من هم ولاة الأمر :
إن مما هو معلوم – بالضرورة – لكل أحد ، أن أمور بني الإنسان لا يمكن أن تأخذ السيرة المستقيمة إلا بوجود إمام يلتف الناس حوله ، يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ، يردع الظالم ويضع الحق في نصابه وقديما قال ذاك الشاعر الجاهلي :
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم…ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وحين جاء الإسلام أكد على هذا الأمر تأكيدا عظيما وجعل ( اتخاذ الإمارة دينا وقربة ، يتقرب بها إلى الله عزوجل)
بل لقد أجمع المسلمون إلا من لا يعتد بخلافه على وجوب الإمامة وعلى وجوب نصب الإمام قال الإمام أحمد : ( الفتنة ؛ إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس )
بيد أن المقصود الأعظم من الإمامة ( إصلاح دين الخلق ؛ الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم)
وبدون إمامة لا تقوم للدين قائمة ، ولا يشاد له معلم ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي (ص) ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم )) رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة"
الكتاب هنا لا يستدل على ولاية الأمر بكلام الله وإنما بكلام شاعر جاهلى عن وجوي السيادة وهى الرياسة بينما الأمر فى الإسلام لا يوجد سيادة ولا رياسة وإنما هى خلافة أى ولاية لأمر بمعنى تكليف وابتلاء وكل المسلمين مشاركون فيها كما قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " فهم من يختارون الولاة وهم من يعزلونهم إذا لم يحكموا شرع الله وهم متعاونون معهم على طاعة الله
ولى الأمر لا تنطبق على أى حاكم فى بلادنا من قرون كثيرة لأن كل من تولى السلطة تولاها إما بقوة السلاح وإما بالتوارث كما أن من اختاروه إذا كان هناك اختيار فيهم من ليسوا بمسلمين
كما أن الكل لا يحكمون سوى بالهوى ويعملون لمصاحة الأغنياء فى البلاد سواء ظلت نفس العائلات أم تعيرت فالحكم فى بلاد العالم يسير فى دائرة مقفلة و فى أناس محددين
الحاكم فى الإسلام لابد أن يكون مختار من المسلمين وحدهم وليس من جزء قليل منهم كالذين يسمونهم أهل الحل والعقد ويحكم بشرع الله فإن كان غير هذا فهو ليس بولى أمر للمسلمين
ثم تناول الكتاب السمع والطاعة لولاة الأمور فقال:
"السمع والطاعة:
إن من أكبر ما ينهض بتلكم الإمامة ، أن يلتزم المجتمع بالسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية ، وفي هذا انتظام شؤون العباد الدينية والدنيوية ، ويوم لا يعلن المجتمع ذلك ، ولا يدين به ، فلا وجود – حقيقي – لإمامة ، ولا اعتبار لحاكم ، ومن مشهور الكلم : (( لا إمامة إلا بسمع وطاعة))(7)
ولقد تظافرت النصوص التي توجب على المسلم السمع والطاعة بالمعروف ، من مثل قوله (ص) : (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية )) رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
يقول الحافظ ابن رجب : ( وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم )
والمسلم إذا سمع وأطاع ، أ جر ، لأنه – في حقيقة الأمر – ممتثل أمر الشرع المطهر ، والعكس بالعكس، أي إذا لم يسمع ولم يطع أثم ، ففي المتفق عليه من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني))
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه : ( فطاعة الله والرسول واجبة على كل أحد ، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال ، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم ؛ فماله في الآخرة من خلاق ))
والسمع والطاعة لولاة المسلمين من الحكام والأمراء والعلماء شيء مجمع على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء
وقل أن ترى مؤلفا في عقائد أهل السنة ، إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ، وإن جاروا وظلموا وإن فسقوا وفجروا ما لم يأمروا بمعصية الله
والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك
منها قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء{59} وعن عوف بن مالك قال : قال رسول الله(ص)
ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله ولا ينزع يدا من طاعة )) حديث صحيح رواه مسلم
وعن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله (ص) : (( ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وابن حبان والحاكم
النهي عن سب الأمراء والصبر على جورهم
الوقيعة في أعراض الأمراء ،والاشتغال بسبهم ، وذكر معايبهم : خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة ، نهى عنها الشرع المطهر ، وذم فاعلها ،وهي نواة الخوراج على ولاة الأمر ، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معا وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله ، فهو دليل على تحريم السب وذم فاعله
عن أنس قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد (ص) قالوا : قال رسول الله (ص) : (( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله (ص) : (( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس )) قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : (( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (ص) ( سيكون بعدي أمراء فتعرفون و تنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع )) قالوا : أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : ((لا ما أقاموا فيكم الصلاة )) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن أبي بكرة قال : قال رسول الله (ص) : (( السلطان ظل الله في الأرض فمن أهانه أهانه الله ومن أكرمه أكرمه الله )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وأحمد و الطيالسي والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في الظلال
عن عرفجة الاشجعي قال : قال رسول الله (ص) : (( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن وائل بن حجر قال : قلنا يا رسول الله : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : (( اسمعوا و أطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) حديث صحيح رواه مسلم"
بالقطع فيما سبق من الروايات روايات صحيحة هى التى تأمر بعصيان ولاة ألأمور إذا خالفوا شرع الله وهناك روايات غير صحيحة تخالف كتاب الله وهى التى بنى القوم فتاويهم عليها وهى الصبر على ظلم الحكام وحكمهم بغير شرع الله فهذه فتاوى كافرة ومن أصدرها أصدرها إما تحت تهديد السلام أو السجن أو التعذيب أو انتهاك ألأعراض وغما بسبب حب الدنيا بعد الاعراء بها
هذا الفتاوى تخالف كل روايات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما تخالف كتاب الله فى قوله تعالى :
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون"
كما تخالف وجوب تحكيم حكم الله والظلم ليس سوى تحكيم الشيطان فى قوله تعالى :
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"
غذا قفولاة ألمر كفار ظلمة فسقة وكله بمعنى واحد كما قال تعالى بسورة البقرة " والظالمون هم الكافرون"
وقال فى نفس السورة" وما يكفر بها إلا الفاسقون"
ولا يجوز لمسلم أن بولى عليه حاكم كافر أى ظالم أى فاسفق وإنما يعزله ويحاكمه فإن اصر على ما فعله قتل لأنه مرتد عن دين الله
إن تلك الفتاوى تؤسس لاستمرار حكم الكفار حتى يوم القيامة لأنها تطالب بابقاء الوضع كما هو عليه فمن هو المستفيد من بقاء الوضع كما هو عليه سوى الحكام ومن معهم
ثم تناول الكتاب ما سماه النصيحة فقال:
"النصيحة
النصيحة : ( حيازة الحظ للمنصوح له ) والواجب في كل مجتمع مسلم أن يشيع فيه مبدأ التناصح ، لأن شيوع هذا المبدأ يأخذ بالمجتمع نحو الكمال وينأى به عن مهاوي النقص إذ المؤمنون إخوة يحب الواحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، بل جاء في الحديث الشريف أن المؤمن مرآة أخيه أي يخبره بجوانب النقص التي تخدش دينه وتثلم مروءته ، لا سيما وأن النقصان سمة الإنسان ولا يكون الكمال إلا لواهبه
وما أحسن صنيع بعض العلماء حين ربط بين المعنيين ، اللغوي والعرفي للنصيحة بقوله النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه ، إذا خاطه ، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صالح المنصوح له ، بما يسده من خلل الثوب )
ولقد كان نبينا (ص) حريصا على انتشار التناصح في الأمة حتى جعل يبايع بعض الصحابة على بذل النصيحة للمسلمين ، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله قال : (( بايعت رسول الله (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ))
وليست نصيحة المسلم لإخوانه مقصورة على إهدائهم عيوبهم فحسب ، بل هي عامة تشمل كل ما فيه نفعهم مثل : ( إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وكف الأذى عنهم ، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ، ويعينهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم وسد خلاتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع لهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص ، والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتخولهم بالموعظة الحسنة ، وترك غشهم وحسدهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل ، وتنشيط هممهم إلى الطاعات ) ونحو ذلك
فكل هذه الأشياء داخلة في مفهوم النصيحة ،ولهذا عظم النبي (ص) شأنها بقوله : (( الدين النصيحة )) فجعلها عماد الدين وقوامه ولذا كان هذا الحديث عند بعض العلماء أحد عدة أحاديث يدور عليها الدين
وإذا كانت حاجة المسلم - أي مسلم - شديدة إلى النصيحة ، فإن حاجة ولي الأمر إليها أشد وأعظم ، لأنه القائم على شؤون الناس والراعي لمصالحهم أجمعين
فلما ينهض به من جليل الأعمال وعظيم المهام احتاج إلى الناصح الأمين والموجه المخلص ،ومن هنا حض المصطفى (ص) على إزجاء النصيحة لولي الأمر في غير ما حديث ، فقال عليه الصلاة والسلام – في الحديث المشار إليه قريبا ( الدين النصيحة )) قيل : لمن يا رسول ؟ قال ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) رواه مسلم من حديث تميم الداري
وعن أبي هريرة قال : قال (ص) ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ؛ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ،وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم))
وعن جبير بن مطعم أن النبي (ص) قال في خطبته بالخيف من منى ( ثلاث لا يغل عليهن قلب امريء مسلم : إخلاص العمل لله و مناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين))
فهذه النصوص النبوية وما ماثلها تحث المؤمن على أن يقوم بحسب استطاعته بواجب النصيحة لمن ولاه الله أمره
ولا يتوهمن أحد أن مناصحة ولي الأمر لا تكون إلا في الوقوف أمامه ووقفه على مواضع تقصيره ، كلا ، بل مفهوم المناصحة أوسع من ذلك إذ يشمل هذا وغيره مما هو أكثر منه ، وفي ظني أن الناس إنما دخل عليهم النقص والخلل في نصيحة أولي الأمر ، حين لم يفقهوا ما تشمله تلك النصيحة ، ذلك أن نصيحة ولي الأمر تشمل ما يلي :
طاعته والسمع له بالمعروف
عدم الخروج عليه
إرشاده إلى الحق بالحسنى ، وإعانته عليه
طي عيوبه ونشر محاسنه
الذب عن عرضه
الدعاء له بالتوفيق والصلاح
يقول الحافظ ابن حجر –: ( والنصيحة لأئمة المسلمين : إعانتهم على ما حملوا القيام به ، وتنبيههم عند الغفلة ، وسد خلتهم عن الهفوة ، وجمع الكلمة عليهم ، ورد القلوب النافرة إليهم ، ومن أعظم نصيحتهم ؛ دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله-في كلمة مستوعبة - : ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من السلطان الأعظم ، إلى الأمير ، إلى القاضي ، إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد إمامتهم ، والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم ، وحث الرعية على طاعتهم ، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله ، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم ، كل أحد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم
واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم ، فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا، فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك
وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا ، بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود ، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد ، وبالأخص ولاة الأمور ، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ، وذلك علامة الصدق والإخلاص )
فكل هذه الأمور الجليلة كما ترى داخلة في النصيحة لولي الأمر ، وعلى كل مسلم يريد القيام بما أوجب الله عليه ، أن يأتي بما تتطلبه هذه النصيحة أو بما يستطيعه من ذلك ، بحسب قدرته وحاله
ومن أعظم حقوق النصيحة لولي الأمر ، أمر غفل عنه كثير من الناس في هذا الزمان المتأخر ، ولا يسع أحدا تركه، لأنه في مقدروهم جميعا ، ألا وهو الدعاء لولي الأمر ، وهو ما سنتحدث عنه في المبحث التالي إن شاء الله "
كما قلنا النصيحة واجبة ولكنها لحكام اليوم وحكام الأمس منذ قرون طويلة ليست واجبة لأنها لا تنصح مسلمين لأن المسلم يستجيب للنصح فنتيجة النصيحة لهم فى عالم اليوم والأمس حتى انتهاء دولة المسلمين الأخيرة هى ضرر أو قتل للمسلم
ثم عاد الكتاب لتناول أساس الكتاب وهو الدعاء لولاة الأمر فقال:
"الدعاء لولاة الأمر:
حرص أئمة أهل السنة والجماعة منذ القرون الأولى على بيان ذلك السبيل السوي الذي سار عليه – في معتقدهم – خيار الأمة بعد نبيها (ص) ؛ من الصحابة والتابعين ومن اقتفى أثرهم بإحسان
وبدهي أن من أجل غاياتهم في هذا البيان ، تمييز منهج أهل السنة العقدي، عن غيره من المناهج البدعية الطارئة ، حتى لا يختلط الأمر على طالب الحق ومبتغى الرشد ،
وكان من القضايا التي تناولوها بالبيان والتحليل ، وجعلوها – فيما ظهر لهم – من أصول أهل السنة ، طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم ، ولم يقفوا عند هذا ، بل جاوزوه إلى ما هو أخص منه ، وهو الدعاء لأولي الأمر بالتوفيق والصلاح والسداد
ولعمر الله إن هذا لهو الحق ، ففي صلاح ولاة الأمر صلاح العباد والبلاد ، كما قال القاضي عياض رحمه الله
وإليك ما وقفنا عليه من مقالاتهم في هذا الباب : يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي (( ت سنة 321 هـ )) في (( عقيدته المشهورة )) ما نصه( ولا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة )
وقال إمام أهل السنة في عصره أبو محمد البربهاري (( ت سنة 329 هـ)) في (( شرح السنة )) : ( فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعوا عليهم ، وإن ظلموا وإن جاروا ، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم ، وصلاحهم لأنفسهم و للمسلمين )
وقال الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (( ت سنة 371 هـ )) في
(( اعتقاد أهل السنة )): ( و يرون [ أي أهل السنة و الجماعة] الصلاة ؛ الجمعة وغيرها ، خلف كل إمام مسلم ، برا كان أو فاجرا ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلى العدل )
وقال الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (( ت سنة 449 هـ )) في (( عقيدة السلف وأصحاب الحديث )) : ( ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين و غيرهما من الصلوات ، خلف كل إمام ، برا كان أو فاجرا ، ويرون جهاد الكفرة معهم ، وإن كانوا جورة فجرة ، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح ، وبسط العدل في الرعية )
واعلم أيها الأخ الكريم ؛ أن هؤلاء الأئمة الهداة لم يكونوا ليكتفوا بتسطير هذه الكلمات في مؤلفاتهم وحسب ، بل كانوا يطبقون هذا الأمر في حياتهم العملية ، ويفوهون به أمام أهل الناس تعليما لهم وإرشادا ، ودونك مثالا على هذا إمام أهل السنة الصديق الثاني أبا عبد الله أحمد بن حنبل – ورضي عنه – فمع تعدد ما كتب هذا الإمام في الحث على طاعة السلطان والدعاء له ، ضمن النبذ التي كان يكتبها في اعتقاد أهل الإيمان ، فإنه كان أيضا دائم الدعاء للسلطان ، وبخاصة إذا مر ذكره ، أو عرض له ذكر في أثناء مسألة
قال أبو بكر المروذي : سمعت أبا عبد الله ، وذكر الخليفة المتوكل ، فقال : ( إني لأدعو له بالصلاح والعافية )
وقال أحمد بن الحسين بن حسان – وهو أحد أصحاب الإمام أحمد – سمعت أبا عبد الله وسئل عن طاعة السلطان ، فقال بيده : عافى الله السلطان ، تنبغي ، سبحان الله ! السلطان ؟
ولقد بالغ هذا الإمام في حث الناس على الدعاء لولي الأمر فأرسل مقولته التي اشتهرت اشتهار الشمس ، وأصبحت حكمة تتناقلها الألسنة ، وهي ( لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان ))
وهذا يدلك على عظيم فقه هذا الإمام الراشد و بعد نظره ، فهو يريد أولا أن يعلم الناس مبدأ السمع والطاعة ، ويريد منهم ثانيا أن تلهج ألسنتهم بدعوات صادقة ، يسألون الله فيها الهداية للسلطان ، وأن يأخذ بيده إلى الحق
فحري بالمسلمين الذين يرغبون في القيام بواجب النصيحة ، وسلوك جادة السلف ، حري بهم أن يخصوا ولاة أمرهم بشيء من دعائهم ، ويا ليت المشتغلين بأعراض الولاة أمسكوا عن ما هم فيه ، واستبدلوا به الدعاء ، فلو فعلوا ذلك لكان خيرا لهم ، على أن الاشتغال بالأعراض لا يقرب بعيدا ولا يقيم معوجا ، وإنما يوغر الصدور ويجلب الأوزار، قال الحافظ أبو إسحاق السبيعي : ( ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره ) رواه ابن عبد البر في التمهيد ( 21/287)
وحري بالعلماء والدعاة أن يتحدثوا عن منزلة الدعاء من النصيحة ، ويحثوا الناس كافة عليه ، ويخبروهم أن هذا هو منهج السلف الصالح ، مبينين آثار هذا الدعاء ، والفوائد المترتبة عليه ، وسنذكر شيئا منها إن شاء الله
وعلى الخطباء أن لا ينسوا ولي الأمر من دعائهم يوم الجمعة ، ولو لم يكن في دعائهم له إلا تعليم الحضور ، لكفى بذلك فائدة
قال الشيخ الدكتور صالح الفوزان ويسن أن يدعو – أي الخطيب – للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند المسلمين ، وعليه عملهم ، لأن الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح ، من منهج أهل السنة والجماعة ، وتركه من منهج المبتدعة ، قال الإمام أحمد : ( لو كان لنا دعوة مستجابة ، لدعونا بها للسلطان ) ولأن في صلاحه صلاح المسلمين
وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الأمور ويسيئون الظن بمن يفعله ) "
كل ما ذكره الكتاب بلا دليل من الوحى أو الروايات وإنما هى أقوال إما كتبها كفار ونسبوها لمسلمين وإما لمسلمين كتبوها تحت التهديد
وأما الدعاء لولى الأمر فهو موجود فى كتاب الله كما أن دعاء ولى الأمر للمسلمين موجود فى كتاب الله والدعاء هو الصلاة على ولى الأمر كما قال تعالى فى ولى الأمر الأول النبى(ص)فى دولة المسلمين الأخيرة :
"إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "فهنا الله يبين للذين آمنوا حكم الله أن الله يصلى أى يرحم النبى (ص)والملائكة تصلى عليه أى تستغفر الله له مصداق لقوله بسورة غافر"ويستغفرون للذين آمنوا"وهذا يعنى أنها تطلب له الرحمة من الله ويطلب الله منهم أن يصلوا على النبى (ص)أى يدعوا له بالرحمة وفسره بأن يسلموا تسليما أى يطلبوا له الخير طلبا
فالدعاء وهو الصلاة على النبى (ص)والتسليم يعنى طلب المغفرة والسلام وهو الرحمة له
وكما أمر المؤمنين بالصلاة على ولى الأمر أمر ولى الأمر أن يصلى على المؤمنين فقال "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"
هل سمعتم ولى أمر فى عصرنا أو من قبله بعد انتهاء دولة المسلمين الأخيرة من قرون طويلة يصلون علينا ؟
وستقابل بالرد هل هم فارغون حتى يدعون لكم يا أولاد الأسافل ؟
إنهم بالفعل لا يفرغون من معاصيهم كالزنى وشرب الخمور وانتهاك أعراض النساء والسرقة ونهب الأموال
ثم كرر الكتاب ما ذكره سابقا من فوائد الدعوة لولاة ألأمور التى لن يجيب الله واحد منها فقال :
"من فوائد الدعاء لولاة الأمر:
الدعاء لولاة الأمر له فوائد عدة وعوائد ثرة ، وقد رغبت في أن أذيل هذا البحث بذكر ما تحصل لدي من تلكم الفوائد ، عسى أن تكون دافعا لي ولغيري على الدعاء لولي الأمر ، فأقول :
الفائدة الأولى : أن المسلم حين يدعو لولي أمره ، فإنه يتعبد ربه بهذا الدعاء ، ذلك لأن سمعه وطاعته لولي الأمر ، إنما كانا بسبب أمر الله له وأمر رسوله (ص) ، فالله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء{59}
والنبي (ص) يقول ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية )) متفق عليه
فالمسلم إذن يسمع ويطيع تعبدا ، ومن السمع والطاعة لولي الأمر الدعاء له قال ناصر الدين ابن المنير ( ت سنة 681 هـ) : ( الدعاء للسلطان الواجب الطاعة ، مشروع بكل حال )
الفائدة الثانية : أن في الدعاء لولي الأمر إبراء للذمة ؛ إذ الدعاء من النصيحة
والنصيحة واجبة على كل مسلم ، قال الإمام أحمد بن حنبل : ( إني لأدعو له [أي السلطان ] بالتسديد والتوفيق - في الليل والنهار – والتأييد وأرى ذلك واجبا علي )
ولقد مرت بك سلفا كلمة الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي ، وكان مما جاء فيه قوله : ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من السلطان الأعظم ، إلى الأمير ، إلى القاضي ، إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتقاد إمامتهم ، والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم )
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : ( من مقتضى البيعة النصح لولى الأمر ، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة )
الفائدة الثالثة : أن الدعاء لولي الأمر من علامات أهل السنة والجماعة فالذي يدعو لولي أمره ، متسم بسمة من سمات أهل السنة والجماعة ،
قال الإمام أبو محمد البربهاري : ( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله )
وقال الإمام الآجري ( ت 360 هـ) : ( قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عزوجل الكريم عن مذهب الخوارج ، ولم بر رأيهم ، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه ، وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ، ودعا للولاة بالصلاح ، وحج معهم ، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين ، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين ، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله
تعالى )
الفائدة الرابعة : أن في هذا الدعاء تصديقا لمبدأ السمع والطاعة ، وتأكيدا له ، وإعلانا به ، ولهذا حين اقتحم رجال الخليفة المتوكل على الإمام أحمد بيته- على إثر وشاية – كان فيما قال لهم : ( إني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلنية ، وفي عسري ويسري ، ومنشطي ومكرهي ، وأثرة علي وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق ، في الليل والنهار )
ففي قول الإمام أحمد : (( وإني لأدعو له ) تأكيد لما يعتقده من السمع والطاعة وإقرار به ، ولهذا ؛ خلى سبيله رجال الخليفة
الفائدة الخامسة: أن الدعاء لولي الأمر عائد نفعه الأكبر إلى الرعية أنفسهم ، فإن ولي الأمر إذا صلح ، صلحت الرعية ، واستقامت أحوالها ، وهنئ عيشها
أخرج البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم أن امرأة سألت أبي بكر الصديق فقالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ فقال أبو بكر : ( بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم )
قال ابن حجر أي : لأن الناس على دين ملوكهم ، فمن حاد من الأئمة عن الحال ، مال وأمال )
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ، ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم )
وقال القاسم بن مخيمرة ( ت سنة 100 هـ) : ( إنما زمانكم سلطانكم فإذا صلح سلطانكم صلح زمانكم ، و إذا فسد سلطانكم فسد زمانكم)
وقال ابن المنير نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم ، فقيل له : أتدعو له وهو ظالم ؟ فقال :إي والله أدعو له ، إن ما يدفع الله ببقائه ، أعظم مما يندفع بزواله – قال ابن المنير – لا سيما إذا ضمن ذلك الدعاء بصلاحه وسداده وتوفيقه)
ولقد سئل الفضيل بن عياض – – حين سمع يقول : ( لو كانت لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان) فقيل له : يا أبا علي فسر لنا هذا ، فقال إذا جعلتها في نفسي لم تعدني وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد )
وفي بعض الروايات لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)
وجاءت هذه الإجابة أكثر تفصيلا عند أبي نعيم في (( الحلية )) ،إذ قال الفضيل أما صلاح البلاد ، فإذا أمن الناس ظلم الإمام عمروا الخرابات ، ونزلوا الأرض ، وأما العباد فينظر إلى قوم من أهل الجهل ، فيقول : قد شغلهم طلب المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلم القرآن وغيره ، فيجمعهم في دار ، خمسين خمسين أقل أو أكثر ، يقول للرجل : لك ما يصلحك ، وعلم هؤلاء أمر دينهم ، وانظر ما أخرج الله عزوجل من فيئهم مما يزكي الأرض ، فرده عليهم قال – أي الفضيل - : فكان صلاح العباد والبلاد )
ولقد راقت هذه الكلمات الإمام عبد الله بن المبارك ، وأعجبه هذا الفقه والاستنباط ، فقبل جبهة الفضيل وقال له : ( يا معلم الخير ، من يحسن هذا غيرك؟)
قال الحافظ ابن عبد البر :
( أنشدني أحمد بن عمر بن عبد الله لنفسه في قصيدة له :
نسأل الله صلاحا……للولاة الرؤساء
فصلاح الدين والد……نيا صلاح الأمراء
فبهم يلتئم الشمل……على بعد التناء
وهم المغنون عنا……في مواطين العناء
أقول : فليتأمل المتأملون ؛ كم ضيع كثر من الناس على أنفسهم من الخير ، بتركهم الدعاء لولاة أمورهم
الفائدة السادسة: أن ولي الأمر إذا بلغه أن الرعية تدعو له ، فإنه يسر بذلك غاية السرور ، ويدعوه ذلك إلى محبتهم ورفع المؤن ونحوها عنهم ، ولا يزال يبحث عما فيه سعاتهم ، وربما بادلهم الدعاء بالدعاء
ومما يذكر ههنا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (( السنة)) من خبر والده حين كتب كتابا أجاب فيه عن الخليفة المتوكل عن مسألة القرآن ، وكانت مسألة معرفة لا مسألة امتحان قال عبد الله : فلما كتب أبي الجواب ، أمرنا بعرضه على عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل
وظاهر أن الإمام أحمد يستشير هذا الوزير في أسلوب الخطاب وما يناسب الخليفة ، لا مضمونه ، وحسنا فعل ، فإن الوزراء أعرف من غيرهم بما يلائم نفوس مستوزريهم
قال عبد الله : قال أبي : ( فإن أمركم – أي ابن خاقان – أن تنقصوا منه شيئا ، فانقصوا له ، وإن زاد شيئا فردوه إلى حتى أعرف ذلك )
فلما وقف ابن خاقان على الجواب ، بادر قائلا : ( يحتاج أن يزاد فيه دعاء للخليفة فإنه يسر بذلك )
فأخبر هذا الوزير بما يبهج الخليفة ويدخل السرور على نفسه ، ولهذا استجاب الإمام أحمد لرأيه ، وضمن جوابه جملا من الدعاء ، كقوله إني أسأل الله عزوجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، أعزه الله بتأييده )
ونحن نسأل الله بأسمائه وصفاته ، أن يصلح ولاة أمر المسلمين ، وأن يأخذ بأيديهم إلى الحق "
وكل ما سبق مكرر وكلام بلا دليل من الوحى بل هو اعتداء على الوحى الإلهى
إنكم تغصبون المظلومين على أن يدعوا لظالميهم بهذه الفتاوى فلو نقلتم من بطون كل الكتب ما يبيح ذلك فهو عند الله باطل
الدعاء مطلوب لولى الأمر المسلم حقا وليس لولى أمر ظالم كافر وهو مطلوب منه أن يدعو لبقية المسلمين لكونه واحد منهم
بقيت كلمة وهو أن أحد الظالمين فى عصرنا أمر وزارة الشئون الدينية والأوقاف باصدار أمر للخطباء بوقف الدعاء على الظالمين فى خطب الجمعة وهو أمر مماثل لأمر الدعاء للظالمين وقد صدر من الوزارة توجيه للخطباء بذلك فماذا بقى بعد؟
الكتاب تأليف وهذا يعنى أن من تأليف علماء وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المملكة العربية السعودية
وقد استهل الكتاب بالمقدمة التالية:
"أما بعد فمما لا شك فيه أن دعاء الله عزوجل من أفضل أنواع العبادة، فقد ثبت أن رسول الله (ص) قال : (( الدعاء هو العبادة)) وفي رواية أخرى : (( الدعاء مخ العبادة)) ودعاء المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب سبب لقبول الدعاء ، وإجابته عند الله عزوجل ، والدعاء لولاة أمور المسلمين بالصلاح والتسديد والأخذ بأيديهم إلى ما يصلح رعاياهم وينصرهم على أعدائهم من الكفرة والملحدين،وهو من الأمور التي حثت عليها شريعة الله ، إذ بصلاحهم تصلح أمور البلاد والعباد فإن ولي الأمر إذا صلح صلح شأن الرعية ، واستقام أمرها ، ومن هنا كان دعاء الله لهم من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عزوجل ، حيث إن نفعه لا يقتصر على شخص بعينه ، ولكنه عام يستفيد منه كل أفراد الأمة "
والأخطاء فى المقدمة هى :
الأول أن الدعاء لولاة الأمور من الأمور التي حثت عليها شريعة الله وهو خطأ لأنه لا يوجد نص واحد فى الوحى يقول ادعوا لولاة الأمور ولوكان موجودا لذكرع الكتاب ومن ثم فهذا تقويل الله ما لم يقل
الثانى أن دعاء الله لهم من أفضل ما يتقرب به الإنسان إلى الله عزوجل وهوما يخالف أن الجهاد هو افضل العمل كما قال تعالى :
"فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
ثم قالت المقدمة :
"والدعاء لولاة أمور المسلمين فيه إبراء للذمة فالدعاء من النصيحة لهم ، والنصح لهم أمر حثت عليه الشريعة ، فقد ثبت أن رسول الله (ص) قال : (( الدين النصيحة)) كرر ذلك ثلاثا قال الصحابة :لمن يا رسول الله قال: (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) وثبت عن جرير بن عبد الله البجلي قال : (( بايعت رسول الله (ص) على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم)) "
والجنون هنا هو أن الدعاء من النصيحة لولى الأمرفكيف يكون الدعاء وهو خطاب موجه لله تعالى نصيحة لولى الأمر حيث أن النصيحة خطاب لولى الأمر
ويبدو أن المؤلفين أرادوا أن يبرئوا ذمتهم من أصل الكتاب حيث أن الموضوع لا أساس له فتكلموا عن أن طاعة ولى الأمر واجبة فى الخير وأما فى الشر وهو معصية الله فقالوا:
" والنصح لأئمة المسلمين يشمل كل من له ولاية على المسلمين من الحكام والأمراء والقضاة سواء أكانت ولاية صغيرة أو كبيرة وهذا يتمثل في السمع لهم والطاعة ما لم يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا سمع لهم ولا طاعة كما ورد بذلك الحديث "
إذا هذه الفقرة صريحة فى أنهم أمروا بمعصية وهى الفتوى بالدعاء لولى الأمر وأنهم ارادوا أن يشيروا لذلك حتى لا يعذبوا
وقال الكتبة أن سبب تأليف الكتاب أمرين احاجة ولاة الأمر للدعاء وأن الوزارة لم تصدر كتاب من قبل فى الموضوع وهو قولهم:
ولأهمية ما تضمنه هذا الكتاب ( الدعاء لولاة الأمر ) عزمت وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد على إخراجه ففيه الحث على الدعاء لولاة المسلمين وبيان ما يجب لهم و ما يجب عليهم لرعاياهم ،وإيضاح فائدة الدعاء لهم ،لا سيما في ظهر الغيب ، فإن الدعاء في ظهر الغيب من بواعث الإجابة كما ورد في الحديث الشريف
والذي دعا إلى نشر هذا البحث إضافة إلى أهميته أمران:
أولهما : الحاجة الماسة إلى هذا الدعاء في هذا الزمن الذي تكالب فيه الأعداء على المسلمين ،ولا حول ولا قوة إلا بالله
الثاني : أنه لم يسبق للوزارة إفراد هذا الموضوع – على أهميته – ببحث مستقل "
واستهل الكتاب بمنافع الدعاء لولى الأمر ومدح فيه ولاة أمر البلد فقال:
"من فوائد الدعاء لولاة الأمر:
فعليك أخي المسلم بالدعاء لهم فلعل الله عزوجل أن يجيب دعوتك فيجعلهم من الراشدين المهديين ، وبذلك تصلح الأمور وتزول الشرور وتتنزل البركات وتكثر الخيرات نسأل الله تعالى أن يحمي هذه البلاد المباركة من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، وأن يديم عليها الرخاء والخير ، والأمن و السكينة ، في ظل قيادتها الرشيدة، وأن يبقيها رمزا للإسلام ،ومنارا يهتدى به ،وإماما يقتدى به ، وأن يكفيها شر أعدائها ، ويكتب لها العز والتأييد ، والنصر والتمكين إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين
وكالة وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المطبوعات والنشر"
وبالقطع الدعاء لولاة ألمر خاصة فى عصرنا وعصور الظلم غير مفيدة لهم فهى لن تمنع عنهم عذاب الله أولا لأنهم يتوارثون الحكم مخالفين قوله تعالى " وأمرهم شوؤى بينهم" كما يوزعون اموال البلدة على هواهم فيختصون أنفسهم بأكبر قدر منه مخالفين قوله تعالى "كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"ولأنهم سواء متوارثين أو غير متوارثين لا يحكمون شرع الله فى الدنيا ومن ثم فهم ظلمة فسقة كفرة كما قال تعالى :
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
وبعد هذا استعرض الكتاب من هم ولاة ألأمر فقال:
"الإمامة
من هم ولاة الأمر :
إن مما هو معلوم – بالضرورة – لكل أحد ، أن أمور بني الإنسان لا يمكن أن تأخذ السيرة المستقيمة إلا بوجود إمام يلتف الناس حوله ، يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه ، يردع الظالم ويضع الحق في نصابه وقديما قال ذاك الشاعر الجاهلي :
لا يصلح القوم فوضى لا سراة لهم…ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وحين جاء الإسلام أكد على هذا الأمر تأكيدا عظيما وجعل ( اتخاذ الإمارة دينا وقربة ، يتقرب بها إلى الله عزوجل)
بل لقد أجمع المسلمون إلا من لا يعتد بخلافه على وجوب الإمامة وعلى وجوب نصب الإمام قال الإمام أحمد : ( الفتنة ؛ إذا لم يكن إمام يقوم بأمر الناس )
بيد أن المقصود الأعظم من الإمامة ( إصلاح دين الخلق ؛ الذي متى فاتهم خسروا خسرانا مبينا ، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم)
وبدون إمامة لا تقوم للدين قائمة ، ولا يشاد له معلم ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع ، لحاجة بعضهم إلى بعض ، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس ، حتى قال النبي (ص) ( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم )) رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة"
الكتاب هنا لا يستدل على ولاية الأمر بكلام الله وإنما بكلام شاعر جاهلى عن وجوي السيادة وهى الرياسة بينما الأمر فى الإسلام لا يوجد سيادة ولا رياسة وإنما هى خلافة أى ولاية لأمر بمعنى تكليف وابتلاء وكل المسلمين مشاركون فيها كما قال تعالى " وأمرهم شورى بينهم " فهم من يختارون الولاة وهم من يعزلونهم إذا لم يحكموا شرع الله وهم متعاونون معهم على طاعة الله
ولى الأمر لا تنطبق على أى حاكم فى بلادنا من قرون كثيرة لأن كل من تولى السلطة تولاها إما بقوة السلاح وإما بالتوارث كما أن من اختاروه إذا كان هناك اختيار فيهم من ليسوا بمسلمين
كما أن الكل لا يحكمون سوى بالهوى ويعملون لمصاحة الأغنياء فى البلاد سواء ظلت نفس العائلات أم تعيرت فالحكم فى بلاد العالم يسير فى دائرة مقفلة و فى أناس محددين
الحاكم فى الإسلام لابد أن يكون مختار من المسلمين وحدهم وليس من جزء قليل منهم كالذين يسمونهم أهل الحل والعقد ويحكم بشرع الله فإن كان غير هذا فهو ليس بولى أمر للمسلمين
ثم تناول الكتاب السمع والطاعة لولاة الأمور فقال:
"السمع والطاعة:
إن من أكبر ما ينهض بتلكم الإمامة ، أن يلتزم المجتمع بالسمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية ، وفي هذا انتظام شؤون العباد الدينية والدنيوية ، ويوم لا يعلن المجتمع ذلك ، ولا يدين به ، فلا وجود – حقيقي – لإمامة ، ولا اعتبار لحاكم ، ومن مشهور الكلم : (( لا إمامة إلا بسمع وطاعة))(7)
ولقد تظافرت النصوص التي توجب على المسلم السمع والطاعة بالمعروف ، من مثل قوله (ص) : (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية )) رواه الشيخان من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
يقول الحافظ ابن رجب : ( وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين ففيها سعادة الدنيا ، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم ، وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم )
والمسلم إذا سمع وأطاع ، أ جر ، لأنه – في حقيقة الأمر – ممتثل أمر الشرع المطهر ، والعكس بالعكس، أي إذا لم يسمع ولم يطع أثم ، ففي المتفق عليه من حديث أبي هريرة ، قال : قال رسول الله (ص) : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني))
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميه : ( فطاعة الله والرسول واجبة على كل أحد ، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال ، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم ؛ فماله في الآخرة من خلاق ))
والسمع والطاعة لولاة المسلمين من الحكام والأمراء والعلماء شيء مجمع على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصل من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء
وقل أن ترى مؤلفا في عقائد أهل السنة ، إلا وهو ينص على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ، وإن جاروا وظلموا وإن فسقوا وفجروا ما لم يأمروا بمعصية الله
والإجماع الذي انعقد عند أهل السنة والجماعة على وجوب السمع والطاعة لهم مبني على النصوص الشرعية الواضحة التي تواترت بذلك
منها قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء{59} وعن عوف بن مالك قال : قال رسول الله(ص)
ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره الذي يأتي من معصية الله ولا ينزع يدا من طاعة )) حديث صحيح رواه مسلم
وعن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله (ص) : (( ثلاثة لا تسأل عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وابن حبان والحاكم
النهي عن سب الأمراء والصبر على جورهم
الوقيعة في أعراض الأمراء ،والاشتغال بسبهم ، وذكر معايبهم : خطيئة كبيرة ، وجريمة شنيعة ، نهى عنها الشرع المطهر ، وذم فاعلها ،وهي نواة الخوراج على ولاة الأمر ، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معا وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد ، فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله ، فهو دليل على تحريم السب وذم فاعله
عن أنس قال : نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد (ص) قالوا : قال رسول الله (ص) : (( لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وصححه الألباني
عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله (ص) : (( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس )) قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : (( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (ص) ( سيكون بعدي أمراء فتعرفون و تنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع )) قالوا : أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : ((لا ما أقاموا فيكم الصلاة )) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن أبي بكرة قال : قال رسول الله (ص) : (( السلطان ظل الله في الأرض فمن أهانه أهانه الله ومن أكرمه أكرمه الله )) حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم وأحمد و الطيالسي والترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في الظلال
عن عرفجة الاشجعي قال : قال رسول الله (ص) : (( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)) حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه
عن وائل بن حجر قال : قلنا يا رسول الله : أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم ؟ فقال : (( اسمعوا و أطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)) حديث صحيح رواه مسلم"
بالقطع فيما سبق من الروايات روايات صحيحة هى التى تأمر بعصيان ولاة ألأمور إذا خالفوا شرع الله وهناك روايات غير صحيحة تخالف كتاب الله وهى التى بنى القوم فتاويهم عليها وهى الصبر على ظلم الحكام وحكمهم بغير شرع الله فهذه فتاوى كافرة ومن أصدرها أصدرها إما تحت تهديد السلام أو السجن أو التعذيب أو انتهاك ألأعراض وغما بسبب حب الدنيا بعد الاعراء بها
هذا الفتاوى تخالف كل روايات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما تخالف كتاب الله فى قوله تعالى :
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون"
كما تخالف وجوب تحكيم حكم الله والظلم ليس سوى تحكيم الشيطان فى قوله تعالى :
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"
"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون"
غذا قفولاة ألمر كفار ظلمة فسقة وكله بمعنى واحد كما قال تعالى بسورة البقرة " والظالمون هم الكافرون"
وقال فى نفس السورة" وما يكفر بها إلا الفاسقون"
ولا يجوز لمسلم أن بولى عليه حاكم كافر أى ظالم أى فاسفق وإنما يعزله ويحاكمه فإن اصر على ما فعله قتل لأنه مرتد عن دين الله
إن تلك الفتاوى تؤسس لاستمرار حكم الكفار حتى يوم القيامة لأنها تطالب بابقاء الوضع كما هو عليه فمن هو المستفيد من بقاء الوضع كما هو عليه سوى الحكام ومن معهم
ثم تناول الكتاب ما سماه النصيحة فقال:
"النصيحة
النصيحة : ( حيازة الحظ للمنصوح له ) والواجب في كل مجتمع مسلم أن يشيع فيه مبدأ التناصح ، لأن شيوع هذا المبدأ يأخذ بالمجتمع نحو الكمال وينأى به عن مهاوي النقص إذ المؤمنون إخوة يحب الواحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، بل جاء في الحديث الشريف أن المؤمن مرآة أخيه أي يخبره بجوانب النقص التي تخدش دينه وتثلم مروءته ، لا سيما وأن النقصان سمة الإنسان ولا يكون الكمال إلا لواهبه
وما أحسن صنيع بعض العلماء حين ربط بين المعنيين ، اللغوي والعرفي للنصيحة بقوله النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه ، إذا خاطه ، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صالح المنصوح له ، بما يسده من خلل الثوب )
ولقد كان نبينا (ص) حريصا على انتشار التناصح في الأمة حتى جعل يبايع بعض الصحابة على بذل النصيحة للمسلمين ، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله قال : (( بايعت رسول الله (ص) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ))
وليست نصيحة المسلم لإخوانه مقصورة على إهدائهم عيوبهم فحسب ، بل هي عامة تشمل كل ما فيه نفعهم مثل : ( إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وكف الأذى عنهم ، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ، ويعينهم عليه بالقول والفعل ، وستر عوراتهم وسد خلاتهم ، ودفع المضار عنهم ، وجلب المنافع لهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص ، والشفقة عليهم وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتخولهم بالموعظة الحسنة ، وترك غشهم وحسدهم ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ، وأن يكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل ، وتنشيط هممهم إلى الطاعات ) ونحو ذلك
فكل هذه الأشياء داخلة في مفهوم النصيحة ،ولهذا عظم النبي (ص) شأنها بقوله : (( الدين النصيحة )) فجعلها عماد الدين وقوامه ولذا كان هذا الحديث عند بعض العلماء أحد عدة أحاديث يدور عليها الدين
وإذا كانت حاجة المسلم - أي مسلم - شديدة إلى النصيحة ، فإن حاجة ولي الأمر إليها أشد وأعظم ، لأنه القائم على شؤون الناس والراعي لمصالحهم أجمعين
فلما ينهض به من جليل الأعمال وعظيم المهام احتاج إلى الناصح الأمين والموجه المخلص ،ومن هنا حض المصطفى (ص) على إزجاء النصيحة لولي الأمر في غير ما حديث ، فقال عليه الصلاة والسلام – في الحديث المشار إليه قريبا ( الدين النصيحة )) قيل : لمن يا رسول ؟ قال ( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) رواه مسلم من حديث تميم الداري
وعن أبي هريرة قال : قال (ص) ( إن الله يرضى لكم ثلاثا ؛ يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ،وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم))
وعن جبير بن مطعم أن النبي (ص) قال في خطبته بالخيف من منى ( ثلاث لا يغل عليهن قلب امريء مسلم : إخلاص العمل لله و مناصحة ولاة الأمر ، ولزوم جماعة المسلمين))
فهذه النصوص النبوية وما ماثلها تحث المؤمن على أن يقوم بحسب استطاعته بواجب النصيحة لمن ولاه الله أمره
ولا يتوهمن أحد أن مناصحة ولي الأمر لا تكون إلا في الوقوف أمامه ووقفه على مواضع تقصيره ، كلا ، بل مفهوم المناصحة أوسع من ذلك إذ يشمل هذا وغيره مما هو أكثر منه ، وفي ظني أن الناس إنما دخل عليهم النقص والخلل في نصيحة أولي الأمر ، حين لم يفقهوا ما تشمله تلك النصيحة ، ذلك أن نصيحة ولي الأمر تشمل ما يلي :
طاعته والسمع له بالمعروف
عدم الخروج عليه
إرشاده إلى الحق بالحسنى ، وإعانته عليه
طي عيوبه ونشر محاسنه
الذب عن عرضه
الدعاء له بالتوفيق والصلاح
يقول الحافظ ابن حجر –: ( والنصيحة لأئمة المسلمين : إعانتهم على ما حملوا القيام به ، وتنبيههم عند الغفلة ، وسد خلتهم عن الهفوة ، وجمع الكلمة عليهم ، ورد القلوب النافرة إليهم ، ومن أعظم نصيحتهم ؛ دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن)
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله-في كلمة مستوعبة - : ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من السلطان الأعظم ، إلى الأمير ، إلى القاضي ، إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم وذلك باعتقاد إمامتهم ، والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم ، وحث الرعية على طاعتهم ، ولزوم أمرهم الذي لا يخالف أمر الله ورسوله ، وبذل ما يستطيع الإنسان من نصيحتهم وتوضيح ما خفي عليهم مما يحتاجون إليه في رعايتهم ، كل أحد بحسب حاله والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم
واجتناب سبهم والقدح فيهم وإشاعة مثالبهم ، فإن في ذلك شرا وضررا وفسادا كبيرا، فمن نصيحتهم الحذر والتحذير من ذلك
وعلى من رأى منهم ما لا يحل أن ينبههم سرا لا علنا ، بلطف وعبارة تليق بالمقام ويحصل بها المقصود ، فإن هذا مطلوب في حق كل أحد ، وبالأخص ولاة الأمور ، فإن تنبيههم على هذا الوجه فيه خير كثير ، وذلك علامة الصدق والإخلاص )
فكل هذه الأمور الجليلة كما ترى داخلة في النصيحة لولي الأمر ، وعلى كل مسلم يريد القيام بما أوجب الله عليه ، أن يأتي بما تتطلبه هذه النصيحة أو بما يستطيعه من ذلك ، بحسب قدرته وحاله
ومن أعظم حقوق النصيحة لولي الأمر ، أمر غفل عنه كثير من الناس في هذا الزمان المتأخر ، ولا يسع أحدا تركه، لأنه في مقدروهم جميعا ، ألا وهو الدعاء لولي الأمر ، وهو ما سنتحدث عنه في المبحث التالي إن شاء الله "
كما قلنا النصيحة واجبة ولكنها لحكام اليوم وحكام الأمس منذ قرون طويلة ليست واجبة لأنها لا تنصح مسلمين لأن المسلم يستجيب للنصح فنتيجة النصيحة لهم فى عالم اليوم والأمس حتى انتهاء دولة المسلمين الأخيرة هى ضرر أو قتل للمسلم
ثم عاد الكتاب لتناول أساس الكتاب وهو الدعاء لولاة الأمر فقال:
"الدعاء لولاة الأمر:
حرص أئمة أهل السنة والجماعة منذ القرون الأولى على بيان ذلك السبيل السوي الذي سار عليه – في معتقدهم – خيار الأمة بعد نبيها (ص) ؛ من الصحابة والتابعين ومن اقتفى أثرهم بإحسان
وبدهي أن من أجل غاياتهم في هذا البيان ، تمييز منهج أهل السنة العقدي، عن غيره من المناهج البدعية الطارئة ، حتى لا يختلط الأمر على طالب الحق ومبتغى الرشد ،
وكان من القضايا التي تناولوها بالبيان والتحليل ، وجعلوها – فيما ظهر لهم – من أصول أهل السنة ، طاعة أولي الأمر وعدم الخروج عليهم ، ولم يقفوا عند هذا ، بل جاوزوه إلى ما هو أخص منه ، وهو الدعاء لأولي الأمر بالتوفيق والصلاح والسداد
ولعمر الله إن هذا لهو الحق ، ففي صلاح ولاة الأمر صلاح العباد والبلاد ، كما قال القاضي عياض رحمه الله
وإليك ما وقفنا عليه من مقالاتهم في هذا الباب : يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي (( ت سنة 321 هـ )) في (( عقيدته المشهورة )) ما نصه( ولا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزوجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة )
وقال إمام أهل السنة في عصره أبو محمد البربهاري (( ت سنة 329 هـ)) في (( شرح السنة )) : ( فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح ، ولم نؤمر أن ندعوا عليهم ، وإن ظلموا وإن جاروا ، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم ، وصلاحهم لأنفسهم و للمسلمين )
وقال الإمام الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (( ت سنة 371 هـ )) في
(( اعتقاد أهل السنة )): ( و يرون [ أي أهل السنة و الجماعة] الصلاة ؛ الجمعة وغيرها ، خلف كل إمام مسلم ، برا كان أو فاجرا ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلى العدل )
وقال الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني (( ت سنة 449 هـ )) في (( عقيدة السلف وأصحاب الحديث )) : ( ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين و غيرهما من الصلوات ، خلف كل إمام ، برا كان أو فاجرا ، ويرون جهاد الكفرة معهم ، وإن كانوا جورة فجرة ، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح ، وبسط العدل في الرعية )
واعلم أيها الأخ الكريم ؛ أن هؤلاء الأئمة الهداة لم يكونوا ليكتفوا بتسطير هذه الكلمات في مؤلفاتهم وحسب ، بل كانوا يطبقون هذا الأمر في حياتهم العملية ، ويفوهون به أمام أهل الناس تعليما لهم وإرشادا ، ودونك مثالا على هذا إمام أهل السنة الصديق الثاني أبا عبد الله أحمد بن حنبل – ورضي عنه – فمع تعدد ما كتب هذا الإمام في الحث على طاعة السلطان والدعاء له ، ضمن النبذ التي كان يكتبها في اعتقاد أهل الإيمان ، فإنه كان أيضا دائم الدعاء للسلطان ، وبخاصة إذا مر ذكره ، أو عرض له ذكر في أثناء مسألة
قال أبو بكر المروذي : سمعت أبا عبد الله ، وذكر الخليفة المتوكل ، فقال : ( إني لأدعو له بالصلاح والعافية )
وقال أحمد بن الحسين بن حسان – وهو أحد أصحاب الإمام أحمد – سمعت أبا عبد الله وسئل عن طاعة السلطان ، فقال بيده : عافى الله السلطان ، تنبغي ، سبحان الله ! السلطان ؟
ولقد بالغ هذا الإمام في حث الناس على الدعاء لولي الأمر فأرسل مقولته التي اشتهرت اشتهار الشمس ، وأصبحت حكمة تتناقلها الألسنة ، وهي ( لو أن لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان ))
وهذا يدلك على عظيم فقه هذا الإمام الراشد و بعد نظره ، فهو يريد أولا أن يعلم الناس مبدأ السمع والطاعة ، ويريد منهم ثانيا أن تلهج ألسنتهم بدعوات صادقة ، يسألون الله فيها الهداية للسلطان ، وأن يأخذ بيده إلى الحق
فحري بالمسلمين الذين يرغبون في القيام بواجب النصيحة ، وسلوك جادة السلف ، حري بهم أن يخصوا ولاة أمرهم بشيء من دعائهم ، ويا ليت المشتغلين بأعراض الولاة أمسكوا عن ما هم فيه ، واستبدلوا به الدعاء ، فلو فعلوا ذلك لكان خيرا لهم ، على أن الاشتغال بالأعراض لا يقرب بعيدا ولا يقيم معوجا ، وإنما يوغر الصدور ويجلب الأوزار، قال الحافظ أبو إسحاق السبيعي : ( ما سب قوم أميرهم إلا حرموا خيره ) رواه ابن عبد البر في التمهيد ( 21/287)
وحري بالعلماء والدعاة أن يتحدثوا عن منزلة الدعاء من النصيحة ، ويحثوا الناس كافة عليه ، ويخبروهم أن هذا هو منهج السلف الصالح ، مبينين آثار هذا الدعاء ، والفوائد المترتبة عليه ، وسنذكر شيئا منها إن شاء الله
وعلى الخطباء أن لا ينسوا ولي الأمر من دعائهم يوم الجمعة ، ولو لم يكن في دعائهم له إلا تعليم الحضور ، لكفى بذلك فائدة
قال الشيخ الدكتور صالح الفوزان ويسن أن يدعو – أي الخطيب – للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند المسلمين ، وعليه عملهم ، لأن الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح ، من منهج أهل السنة والجماعة ، وتركه من منهج المبتدعة ، قال الإمام أحمد : ( لو كان لنا دعوة مستجابة ، لدعونا بها للسلطان ) ولأن في صلاحه صلاح المسلمين
وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الأمور ويسيئون الظن بمن يفعله ) "
كل ما ذكره الكتاب بلا دليل من الوحى أو الروايات وإنما هى أقوال إما كتبها كفار ونسبوها لمسلمين وإما لمسلمين كتبوها تحت التهديد
وأما الدعاء لولى الأمر فهو موجود فى كتاب الله كما أن دعاء ولى الأمر للمسلمين موجود فى كتاب الله والدعاء هو الصلاة على ولى الأمر كما قال تعالى فى ولى الأمر الأول النبى(ص)فى دولة المسلمين الأخيرة :
"إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "فهنا الله يبين للذين آمنوا حكم الله أن الله يصلى أى يرحم النبى (ص)والملائكة تصلى عليه أى تستغفر الله له مصداق لقوله بسورة غافر"ويستغفرون للذين آمنوا"وهذا يعنى أنها تطلب له الرحمة من الله ويطلب الله منهم أن يصلوا على النبى (ص)أى يدعوا له بالرحمة وفسره بأن يسلموا تسليما أى يطلبوا له الخير طلبا
فالدعاء وهو الصلاة على النبى (ص)والتسليم يعنى طلب المغفرة والسلام وهو الرحمة له
وكما أمر المؤمنين بالصلاة على ولى الأمر أمر ولى الأمر أن يصلى على المؤمنين فقال "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"
هل سمعتم ولى أمر فى عصرنا أو من قبله بعد انتهاء دولة المسلمين الأخيرة من قرون طويلة يصلون علينا ؟
وستقابل بالرد هل هم فارغون حتى يدعون لكم يا أولاد الأسافل ؟
إنهم بالفعل لا يفرغون من معاصيهم كالزنى وشرب الخمور وانتهاك أعراض النساء والسرقة ونهب الأموال
ثم كرر الكتاب ما ذكره سابقا من فوائد الدعوة لولاة ألأمور التى لن يجيب الله واحد منها فقال :
"من فوائد الدعاء لولاة الأمر:
الدعاء لولاة الأمر له فوائد عدة وعوائد ثرة ، وقد رغبت في أن أذيل هذا البحث بذكر ما تحصل لدي من تلكم الفوائد ، عسى أن تكون دافعا لي ولغيري على الدعاء لولي الأمر ، فأقول :
الفائدة الأولى : أن المسلم حين يدعو لولي أمره ، فإنه يتعبد ربه بهذا الدعاء ، ذلك لأن سمعه وطاعته لولي الأمر ، إنما كانا بسبب أمر الله له وأمر رسوله (ص) ، فالله تعالى يقول : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) النساء{59}
والنبي (ص) يقول ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية )) متفق عليه
فالمسلم إذن يسمع ويطيع تعبدا ، ومن السمع والطاعة لولي الأمر الدعاء له قال ناصر الدين ابن المنير ( ت سنة 681 هـ) : ( الدعاء للسلطان الواجب الطاعة ، مشروع بكل حال )
الفائدة الثانية : أن في الدعاء لولي الأمر إبراء للذمة ؛ إذ الدعاء من النصيحة
والنصيحة واجبة على كل مسلم ، قال الإمام أحمد بن حنبل : ( إني لأدعو له [أي السلطان ] بالتسديد والتوفيق - في الليل والنهار – والتأييد وأرى ذلك واجبا علي )
ولقد مرت بك سلفا كلمة الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعدي ، وكان مما جاء فيه قوله : ( وأما النصيحة لأئمة المسلمين ، وهم ولاتهم ؛ من السلطان الأعظم ، إلى الأمير ، إلى القاضي ، إلى جميع من لهم ولاية صغيرة أو كبيرة ، فهؤلاء لما كانت مهماتهم وواجباتهم أعظم من غيرهم ، وجب لهم من النصيحة بحسب مراتبهم ومقاماتهم ، وذلك باعتقاد إمامتهم ، والاعتراف بولايتهم ، ووجوب طاعتهم بالمعروف ، وعدم الخروج عليهم والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق ، فإن صلاحهم صلاح لرعيتهم )
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله : ( من مقتضى البيعة النصح لولى الأمر ، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة )
الفائدة الثالثة : أن الدعاء لولي الأمر من علامات أهل السنة والجماعة فالذي يدعو لولي أمره ، متسم بسمة من سمات أهل السنة والجماعة ،
قال الإمام أبو محمد البربهاري : ( وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى ، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح ، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله )
وقال الإمام الآجري ( ت 360 هـ) : ( قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عزوجل الكريم عن مذهب الخوارج ، ولم بر رأيهم ، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه ، وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ، ودعا للولاة بالصلاح ، وحج معهم ، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين ، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين ، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله
تعالى )
الفائدة الرابعة : أن في هذا الدعاء تصديقا لمبدأ السمع والطاعة ، وتأكيدا له ، وإعلانا به ، ولهذا حين اقتحم رجال الخليفة المتوكل على الإمام أحمد بيته- على إثر وشاية – كان فيما قال لهم : ( إني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلنية ، وفي عسري ويسري ، ومنشطي ومكرهي ، وأثرة علي وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق ، في الليل والنهار )
ففي قول الإمام أحمد : (( وإني لأدعو له ) تأكيد لما يعتقده من السمع والطاعة وإقرار به ، ولهذا ؛ خلى سبيله رجال الخليفة
الفائدة الخامسة: أن الدعاء لولي الأمر عائد نفعه الأكبر إلى الرعية أنفسهم ، فإن ولي الأمر إذا صلح ، صلحت الرعية ، واستقامت أحوالها ، وهنئ عيشها
أخرج البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم أن امرأة سألت أبي بكر الصديق فقالت : ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية ؟ فقال أبو بكر : ( بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم )
قال ابن حجر أي : لأن الناس على دين ملوكهم ، فمن حاد من الأئمة عن الحال ، مال وأمال )
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : (اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ، ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم )
وقال القاسم بن مخيمرة ( ت سنة 100 هـ) : ( إنما زمانكم سلطانكم فإذا صلح سلطانكم صلح زمانكم ، و إذا فسد سلطانكم فسد زمانكم)
وقال ابن المنير نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم ، فقيل له : أتدعو له وهو ظالم ؟ فقال :إي والله أدعو له ، إن ما يدفع الله ببقائه ، أعظم مما يندفع بزواله – قال ابن المنير – لا سيما إذا ضمن ذلك الدعاء بصلاحه وسداده وتوفيقه)
ولقد سئل الفضيل بن عياض – – حين سمع يقول : ( لو كانت لي دعوة مستجابة ما جعلتها إلا في السلطان) فقيل له : يا أبا علي فسر لنا هذا ، فقال إذا جعلتها في نفسي لم تعدني وإذا جعلتها في السلطان صلح فصلح بصلاحه العباد والبلاد )
وفي بعض الروايات لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)
وجاءت هذه الإجابة أكثر تفصيلا عند أبي نعيم في (( الحلية )) ،إذ قال الفضيل أما صلاح البلاد ، فإذا أمن الناس ظلم الإمام عمروا الخرابات ، ونزلوا الأرض ، وأما العباد فينظر إلى قوم من أهل الجهل ، فيقول : قد شغلهم طلب المعيشة عن طلب ما ينفعهم من تعلم القرآن وغيره ، فيجمعهم في دار ، خمسين خمسين أقل أو أكثر ، يقول للرجل : لك ما يصلحك ، وعلم هؤلاء أمر دينهم ، وانظر ما أخرج الله عزوجل من فيئهم مما يزكي الأرض ، فرده عليهم قال – أي الفضيل - : فكان صلاح العباد والبلاد )
ولقد راقت هذه الكلمات الإمام عبد الله بن المبارك ، وأعجبه هذا الفقه والاستنباط ، فقبل جبهة الفضيل وقال له : ( يا معلم الخير ، من يحسن هذا غيرك؟)
قال الحافظ ابن عبد البر :
( أنشدني أحمد بن عمر بن عبد الله لنفسه في قصيدة له :
نسأل الله صلاحا……للولاة الرؤساء
فصلاح الدين والد……نيا صلاح الأمراء
فبهم يلتئم الشمل……على بعد التناء
وهم المغنون عنا……في مواطين العناء
أقول : فليتأمل المتأملون ؛ كم ضيع كثر من الناس على أنفسهم من الخير ، بتركهم الدعاء لولاة أمورهم
الفائدة السادسة: أن ولي الأمر إذا بلغه أن الرعية تدعو له ، فإنه يسر بذلك غاية السرور ، ويدعوه ذلك إلى محبتهم ورفع المؤن ونحوها عنهم ، ولا يزال يبحث عما فيه سعاتهم ، وربما بادلهم الدعاء بالدعاء
ومما يذكر ههنا ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد في (( السنة)) من خبر والده حين كتب كتابا أجاب فيه عن الخليفة المتوكل عن مسألة القرآن ، وكانت مسألة معرفة لا مسألة امتحان قال عبد الله : فلما كتب أبي الجواب ، أمرنا بعرضه على عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل
وظاهر أن الإمام أحمد يستشير هذا الوزير في أسلوب الخطاب وما يناسب الخليفة ، لا مضمونه ، وحسنا فعل ، فإن الوزراء أعرف من غيرهم بما يلائم نفوس مستوزريهم
قال عبد الله : قال أبي : ( فإن أمركم – أي ابن خاقان – أن تنقصوا منه شيئا ، فانقصوا له ، وإن زاد شيئا فردوه إلى حتى أعرف ذلك )
فلما وقف ابن خاقان على الجواب ، بادر قائلا : ( يحتاج أن يزاد فيه دعاء للخليفة فإنه يسر بذلك )
فأخبر هذا الوزير بما يبهج الخليفة ويدخل السرور على نفسه ، ولهذا استجاب الإمام أحمد لرأيه ، وضمن جوابه جملا من الدعاء ، كقوله إني أسأل الله عزوجل أن يديم توفيق أمير المؤمنين ، أعزه الله بتأييده )
ونحن نسأل الله بأسمائه وصفاته ، أن يصلح ولاة أمر المسلمين ، وأن يأخذ بأيديهم إلى الحق "
وكل ما سبق مكرر وكلام بلا دليل من الوحى بل هو اعتداء على الوحى الإلهى
إنكم تغصبون المظلومين على أن يدعوا لظالميهم بهذه الفتاوى فلو نقلتم من بطون كل الكتب ما يبيح ذلك فهو عند الله باطل
الدعاء مطلوب لولى الأمر المسلم حقا وليس لولى أمر ظالم كافر وهو مطلوب منه أن يدعو لبقية المسلمين لكونه واحد منهم
بقيت كلمة وهو أن أحد الظالمين فى عصرنا أمر وزارة الشئون الدينية والأوقاف باصدار أمر للخطباء بوقف الدعاء على الظالمين فى خطب الجمعة وهو أمر مماثل لأمر الدعاء للظالمين وقد صدر من الوزارة توجيه للخطباء بذلك فماذا بقى بعد؟