مؤتمر أوبك الأخير وما بعده
من الصعب التذكر متى تغاضت سوق النفط عن قرارات المؤتمر الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) كما حدث مع المؤتمر الأخير الذي عقد في فيينا في 2 يونيو/حزيران 2016.
لقد كان المؤتمر حدثا عرضيا بالنسبة لحركة أسعار النفط إذ أحجمت المنظمة عن اتخاذ أي قرار يتعلق بمستوى الإنتاج أو توزيعه كحصص على الدول الأعضاء.
ومع ذلك أظهر المؤتمر قدرا من الوحدة في الاتفاق على تعيين النيجيري محمد باركيندو أمينا عاما للمنظمة خلفا لعبد الله سالم البدري بعد أن أخفقت عدة مؤتمرات سابقة في الاتفاق على مرشح. كما أقر مؤتمر أوبك إعادة قبول دولة الغابون عضوا في المنظمة. ولم تكن هناك أية تصريحات قاسية تدل على الفرقة من قبل رؤساء الوفود عند انتهاء المؤتمر إذ احتفظ الوزراء باختلافاتهم بعيدا عن الإعلام.
التعافي النسبي
ومن الطبيعي أن يتأثر المؤتمر وقراراته بحركية سوق النفط من حيث ارتفاع الطلب وانخفاض العرض من خارج أوبك وارتفاع الأسعار غير المتوقع بنسبة 80% من المستوى الذي كانت عليه في يناير/كانون الثاني الماضي عندما اقتربت في بعض الأيام من عشرين دولارا للبرميل. من هنا وصف البيان الختامي للمؤتمر سوق النفط بأنها "متعافية نسبيا رغم التحديات الحديثة في الاقتصاد والتنمية".
ومع ذلك لاحظ المؤتمر ارتفاع المخزونات عالميا وخاصة في الدول الصناعية المنضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ووصفها بأنها "أعلى بكثير من معدل السنوات الخمس الماضية، وهناك حاجة لخفضها إلى مستويات اعتيادية".
إن غياب المنتجين من خارج أوبك وخاصة روسيا قد فسر على أن التفاهم حول تجميد الإنتاج لم يعد قائما وخاصة أن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قد قال إنه "لم يعد مهما". كما أن إيران أصرت بشدة -كما كان متوقعا- على عدم مشاركتها بأي اتفاق تجميد، وطالبت بتحديد سقف إنتاج وتوزيعه حصصا على الأعضاء. ولكنها اعترفت على لسان وزيرها بيجن زنغنه بأن ذلك لا يبدو ممكنا الآن.
كل ذلك دعا نشرة "ميس" للقول إن "أوبك غير قادرة على إدارة سوق النفط والوصول إلى أي اتفاق ذي أهمية أصيلة"، وإن "أوبك تقترب من أن تصبح ناديا للمناقشات"، مما دعا وزير الطاقة السعودي الجديد خالد الفالح للقول إن أوبك "ستفعل الكثير غير المناقشات".
بيان استرضائي
وكان البيان الختامي للمؤتمر استرضائيا من حيث دعوته إلى استمرار التباحث والتعاون مع المنتجين من خارج أوبك، وأكد التزامه بالمحافظة على استقرار وتوازن سوق النفط ودعا الأمانة العامة لأوبك إلى "التوصية باجتماع الدول الأعضاء إذا كان ذلك ضروريا مع اقتراح أي إجراءات إضافية بموجب أوضاع السوق القائمة
كل ذلك يعني أن على سوق النفط ألا تتوقع الكثير من أوبك لغاية الاجتماع الوزاري المقبل يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وخاصة أن سعر نفط برنت -نفط الإشارة العالمي- واصل صعوده البطيء إلى 51.44 دولارا للبرميل يوم 8 يونيو/حزيران الجاري، وأن معدل أسعاره لشهر مايو/أيار الماضي كان 47 دولارا للبرميل بزيادة خمسة دولارات للبرميل عن مستواه في أبريل/نيسان السابق.
إلا أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أشارت إلى أن "التمزق في عرض النفط العالمي وارتفاع الطلب وانخفاض إنتاج الولايات المتحدة الأميركية قد أسهم في ارتفاع الأسعار". غير أنها تتنبأ بأن "سعر نفط برنت سيكون معدله 43 دولارا للبرميل في 2016 و52 دولارا للبرميل في 2017"، آخذة بعين الاعتبار انخفاض الأسعار في الأشهر الأولى من 2016 واستبعاد أي زيادات كبيرة في الأسعار لما تبقى من السنة.
مخزونات النفط
إن استقبال موسم الصيف والعطل السنوية قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الغازولين ونسبة اشتغال المصافي مما يؤدي إلى خفض خزين النفط الخام المهدد للأسعار وخاصة إذا استمر تمزق العرض مما سيقوي وضع الأسعار. ولكن خزين النفط الخام في الدول الصناعية يقترب من 3050 مليون برميل بينما معدل السنوات الخمس الماضية 2700 مليون برميل أي بزيادة 13%، وفي الولايات المتحدة فقط بلغت الزيادة 32.8% في 27 مايو/أيار الماضي. وكل ذلك يبقي الضغط على الأسعار.
وعلى كل حال فإن الادعاء بنجاح سياسة أوبك في المحافظة على حصتها في السوق أو زيادتها بأسعار نفط معقولة يحتاج إلى فحص دقيق لأن ارتفاع الأسعار حدث بسبب أوضاع الإنتاج في نيجيريا وكندا والإضراب لبضعة أيام في الكويت واستمرار الاضطرابات في ليبيا وانخفاض إنتاج فنزويلا. لقد بلغ انخفاض الإنتاج أحيانا أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وقد يؤدي اختفاء هذه المعوقات أو خفة حدتها إلى انخفاض الأسعار ثانية.
وفي الوقت نفسه فإن احتمالات زيادة إنتاج روسيا والسعودية والعراق لا يمكن إغفالها، وقد وصل إنتاج إيران إلى أكثر من 3.5 ملايين برميل يوميا أي بزيادة تقرب من نصف مليون برميل يوميا منذ رفع العقوبات في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد تأتي زيادات أخرى.
إن أي ارتفاع إضافي في أسعار النفط قد يعيد النشاط إلى الحفر في الولايات المتحدة في مناطق النفط الصخري حيث ازداد قليلا عدد أجهزة الحفر العاملة مؤخرا. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج الولايات المتحدة في 2016 قد يبلغ 8.6 ملايين برميل يوميا منخفضا من 9.43 ملايين برميل يوميا في 2015 وأنه قد ينخفض أربعمئة ألف برميل يوميا في 2017.
وبينما أبقت أوبك ووكالة الطاقة الدولية على تقديراتهما بنمو الطلب على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية رفعت مؤخرا توقع نمو الطلب إلى 1.4 مليون برميل يوميا في 2016 وإلى 1.5 مليون برميل يوميا في 2017 بسبب النمو خاصة في الصين والهند.
وقد يبدو مستوى سعر النفط مريحا للمنتجين في الوقت الحاضر ولكن هناك قدرا كبيرا من الضبابية، مما يجعل تغير الأوضاع في الأشهر القادمة أمرا ممكنا. وهناك دائما مخاطر كبيرة في استقراء سوق النفط خاصة، والسلع عامة، بسبب علاقتها ليس بالعرض والطلب فحسب، بل بتطور الأوضاع السياسية والأمنية أيضا. وإذا ما تم تصحيح الإنتاج في بعض الدول وزيادته في دول أخرى، فإن الأسعار قد تتجه إلى الانخفاض مجددا وعلى المنتجين أن يكونوا على وعي بذلك.
وفي المدى البعيد لا يوجد علاج للدول المنتجة سوى تحديث وتنويع اقتصاداتها وترشيد استهلاك الطاقة فيها للتقليل من اعتمادها على إيرادات النفط وتلافي تبعات تذبذب أسعاره
من الصعب التذكر متى تغاضت سوق النفط عن قرارات المؤتمر الوزاري لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) كما حدث مع المؤتمر الأخير الذي عقد في فيينا في 2 يونيو/حزيران 2016.
لقد كان المؤتمر حدثا عرضيا بالنسبة لحركة أسعار النفط إذ أحجمت المنظمة عن اتخاذ أي قرار يتعلق بمستوى الإنتاج أو توزيعه كحصص على الدول الأعضاء.
ومع ذلك أظهر المؤتمر قدرا من الوحدة في الاتفاق على تعيين النيجيري محمد باركيندو أمينا عاما للمنظمة خلفا لعبد الله سالم البدري بعد أن أخفقت عدة مؤتمرات سابقة في الاتفاق على مرشح. كما أقر مؤتمر أوبك إعادة قبول دولة الغابون عضوا في المنظمة. ولم تكن هناك أية تصريحات قاسية تدل على الفرقة من قبل رؤساء الوفود عند انتهاء المؤتمر إذ احتفظ الوزراء باختلافاتهم بعيدا عن الإعلام.
التعافي النسبي
ومن الطبيعي أن يتأثر المؤتمر وقراراته بحركية سوق النفط من حيث ارتفاع الطلب وانخفاض العرض من خارج أوبك وارتفاع الأسعار غير المتوقع بنسبة 80% من المستوى الذي كانت عليه في يناير/كانون الثاني الماضي عندما اقتربت في بعض الأيام من عشرين دولارا للبرميل. من هنا وصف البيان الختامي للمؤتمر سوق النفط بأنها "متعافية نسبيا رغم التحديات الحديثة في الاقتصاد والتنمية".
ومع ذلك لاحظ المؤتمر ارتفاع المخزونات عالميا وخاصة في الدول الصناعية المنضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ووصفها بأنها "أعلى بكثير من معدل السنوات الخمس الماضية، وهناك حاجة لخفضها إلى مستويات اعتيادية".
إن غياب المنتجين من خارج أوبك وخاصة روسيا قد فسر على أن التفاهم حول تجميد الإنتاج لم يعد قائما وخاصة أن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قد قال إنه "لم يعد مهما". كما أن إيران أصرت بشدة -كما كان متوقعا- على عدم مشاركتها بأي اتفاق تجميد، وطالبت بتحديد سقف إنتاج وتوزيعه حصصا على الأعضاء. ولكنها اعترفت على لسان وزيرها بيجن زنغنه بأن ذلك لا يبدو ممكنا الآن.
كل ذلك دعا نشرة "ميس" للقول إن "أوبك غير قادرة على إدارة سوق النفط والوصول إلى أي اتفاق ذي أهمية أصيلة"، وإن "أوبك تقترب من أن تصبح ناديا للمناقشات"، مما دعا وزير الطاقة السعودي الجديد خالد الفالح للقول إن أوبك "ستفعل الكثير غير المناقشات".
بيان استرضائي
وكان البيان الختامي للمؤتمر استرضائيا من حيث دعوته إلى استمرار التباحث والتعاون مع المنتجين من خارج أوبك، وأكد التزامه بالمحافظة على استقرار وتوازن سوق النفط ودعا الأمانة العامة لأوبك إلى "التوصية باجتماع الدول الأعضاء إذا كان ذلك ضروريا مع اقتراح أي إجراءات إضافية بموجب أوضاع السوق القائمة
كل ذلك يعني أن على سوق النفط ألا تتوقع الكثير من أوبك لغاية الاجتماع الوزاري المقبل يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وخاصة أن سعر نفط برنت -نفط الإشارة العالمي- واصل صعوده البطيء إلى 51.44 دولارا للبرميل يوم 8 يونيو/حزيران الجاري، وأن معدل أسعاره لشهر مايو/أيار الماضي كان 47 دولارا للبرميل بزيادة خمسة دولارات للبرميل عن مستواه في أبريل/نيسان السابق.
إلا أن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أشارت إلى أن "التمزق في عرض النفط العالمي وارتفاع الطلب وانخفاض إنتاج الولايات المتحدة الأميركية قد أسهم في ارتفاع الأسعار". غير أنها تتنبأ بأن "سعر نفط برنت سيكون معدله 43 دولارا للبرميل في 2016 و52 دولارا للبرميل في 2017"، آخذة بعين الاعتبار انخفاض الأسعار في الأشهر الأولى من 2016 واستبعاد أي زيادات كبيرة في الأسعار لما تبقى من السنة.
مخزونات النفط
إن استقبال موسم الصيف والعطل السنوية قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الغازولين ونسبة اشتغال المصافي مما يؤدي إلى خفض خزين النفط الخام المهدد للأسعار وخاصة إذا استمر تمزق العرض مما سيقوي وضع الأسعار. ولكن خزين النفط الخام في الدول الصناعية يقترب من 3050 مليون برميل بينما معدل السنوات الخمس الماضية 2700 مليون برميل أي بزيادة 13%، وفي الولايات المتحدة فقط بلغت الزيادة 32.8% في 27 مايو/أيار الماضي. وكل ذلك يبقي الضغط على الأسعار.
وعلى كل حال فإن الادعاء بنجاح سياسة أوبك في المحافظة على حصتها في السوق أو زيادتها بأسعار نفط معقولة يحتاج إلى فحص دقيق لأن ارتفاع الأسعار حدث بسبب أوضاع الإنتاج في نيجيريا وكندا والإضراب لبضعة أيام في الكويت واستمرار الاضطرابات في ليبيا وانخفاض إنتاج فنزويلا. لقد بلغ انخفاض الإنتاج أحيانا أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وقد يؤدي اختفاء هذه المعوقات أو خفة حدتها إلى انخفاض الأسعار ثانية.
وفي الوقت نفسه فإن احتمالات زيادة إنتاج روسيا والسعودية والعراق لا يمكن إغفالها، وقد وصل إنتاج إيران إلى أكثر من 3.5 ملايين برميل يوميا أي بزيادة تقرب من نصف مليون برميل يوميا منذ رفع العقوبات في يناير/كانون الثاني الماضي، وقد تأتي زيادات أخرى.
إن أي ارتفاع إضافي في أسعار النفط قد يعيد النشاط إلى الحفر في الولايات المتحدة في مناطق النفط الصخري حيث ازداد قليلا عدد أجهزة الحفر العاملة مؤخرا. وتقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج الولايات المتحدة في 2016 قد يبلغ 8.6 ملايين برميل يوميا منخفضا من 9.43 ملايين برميل يوميا في 2015 وأنه قد ينخفض أربعمئة ألف برميل يوميا في 2017.
وبينما أبقت أوبك ووكالة الطاقة الدولية على تقديراتهما بنمو الطلب على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، فإن إدارة معلومات الطاقة الأميركية رفعت مؤخرا توقع نمو الطلب إلى 1.4 مليون برميل يوميا في 2016 وإلى 1.5 مليون برميل يوميا في 2017 بسبب النمو خاصة في الصين والهند.
وقد يبدو مستوى سعر النفط مريحا للمنتجين في الوقت الحاضر ولكن هناك قدرا كبيرا من الضبابية، مما يجعل تغير الأوضاع في الأشهر القادمة أمرا ممكنا. وهناك دائما مخاطر كبيرة في استقراء سوق النفط خاصة، والسلع عامة، بسبب علاقتها ليس بالعرض والطلب فحسب، بل بتطور الأوضاع السياسية والأمنية أيضا. وإذا ما تم تصحيح الإنتاج في بعض الدول وزيادته في دول أخرى، فإن الأسعار قد تتجه إلى الانخفاض مجددا وعلى المنتجين أن يكونوا على وعي بذلك.
وفي المدى البعيد لا يوجد علاج للدول المنتجة سوى تحديث وتنويع اقتصاداتها وترشيد استهلاك الطاقة فيها للتقليل من اعتمادها على إيرادات النفط وتلافي تبعات تذبذب أسعاره