- المشاركات
- 19,998
- الإقامة
- تركيا
يرفض بعض المختصين الاقتصاديين الربط بين قضية انخفاض أسعار النفط العالمية، وبين الصراع في سوريا. ويعتقد أصحاب هذا الرأي بأن خلفيات قضية انخفاض أسعار النفط العالمية، هي اقتصادية ونفسية فقط، مرتبطة بتخمة المعروض النفطي من جهة، وأدوار المضاربين على النفط من جهة أخرى.
لكن في المقابل، يصرّ فريق واسع من الاقتصاديين على تأكيد البعد السياسي في قضية انخفاض أسعار النفط، كأحد أبعاد هذه القضية. بعضهم يراه في خانة أسباب الانخفاض، فيما يراه آخرون في خانة نتائجه وتداعياته.
في ضوء ما سبق، قررت "اقتصاد" استقصاء آراء ثلاثة من الخبراء الاقتصاديين السوريين، الذين يتمتع بعضهم بخبرة مباشرة، أو غير مباشرة، بقطاع النفط وتجارته، بغية معرفة الأثر المُرتقب لانخفاض أسعار النفط على أدوار ومواقف الأطراف المتصارعة في سوريا، إقليمياً ودولياً.
"تخفيض" وليس انخفاضا
أول من حاورته "اقتصاد" بهذا الصدد، هو الخبير الاقتصادي السوري، سمير سعيفان، والذي تولى نشاطات مجموعة "بتروفاك" للنفط والغاز في سوريا، بين عامي 1996 –2005.
ويعتقد سعيفان أن انخفاض أسعار النفط قد يؤدي إلى حل سياسي للصراع بسوريا، لكن ذلك بشروط.
ويؤكد سعيفان وجود أبعاد سياسية لـ"تخفيض" أسعار النفط العالمية، لكن النتيجة ستتوقف على غايات أطراف هذا "التخفيض"، وعلى موقع سوريا في سلم أولويات المستهدفين منه.
ويوضح سعيفان أن درجة تأثير "تخفيض" أسعار النفط يتوقف على "أهمية الأزمة السورية في سلة الغايات المستهدفة من قبل مهندسي هذا التخفيض، أمريكا والسعودية.
وتتقاطع أهداف السعودية بالضغط على إيران مع أهداف الولايات المتحدة بهذا الضغط، وبالغاية الأخرى لأمريكا وهي الضغط على روسيا ودورها السلبي في أزمة أوكرانيا.
وبينما غاية السعودية واضحة في سوريا، وهي الوصول إلى تغيير سياسي وفق جنيف، لا مكان فيه للأسد، فإن غايات الولايات المتحدة غامضة، وستتأثر بمفاوضاتها مع إيران حول السلاح النووي، وهي المسألة ذات الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة إضافة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما سيتوقف الأمر أيضاً على مدى تمسك إيران بالملف السوري وأهمية سوريا بالنسبة لها. والسؤال: أين سيكون موقع الأزمة السورية في مفاوضات أمريكا مع إيران وكيف سيتم التوافق حولها، إذ يُقدر أن أمريكا قد تتساهل مع إيران في سوريا إن قدمت إيران تنازلات حاسمة في ملفها النووي".
*الحاجة إلى عوامل أخرى
ويضيف سعيفان: "في المجمل أعتقد أن الضغط باستعمال أسعار النفط على كل من روسيا وإيران سيكون له تأثير إيجابي في الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية. ويُتوقع أن يظهر تأثيره بعد بضعة شهور حيث تكون آثار خفض أسعار النفط قد أنهكت كل من روسيا وإيران، اللتين تعتمدان بشكل كبير جداً في إيراداتهما من العملة الصعبة على صادرات النفط والغاز".
ويختم سعيفان: "لكن ليس هذا هو العامل واللاعب الوحيد في الأزمة السورية المركبة رغم أهميته، وقد لا يكون تأثيره حاسماً إلا إذا تضافر مع عوامل أخرى وخاصة قوة المعارضة السورية عسكرياً وسياسياً".
*روسيا أكثر تأثراً من إيران
بدوره، يعتقد أسامة قاضي، الخبير الاقتصادي السوري، ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أن أي حل سياسي للصراع بسوريا، لن يتم إلا بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وذلك بغض النظر عن قضية انخفاض أسعار النفط، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الفترة القادمة ستشهد أزمات اقتصادية ونقدية "كارثية" بالنسبة للنظام الحاكم بدمشق.
ويوضح قاضي بأن "انخفاض أسعار النفط شكّل دون أدنى شك ضغوطاً متفاوتة على معظم دول العالم المصدرة للنفط، وقد نالت الأزمة من الدول الخليجية بشكل متفاوت، ولكن هذه الأزمة عضّت بأنيابها على روسيا بشكل أكبر بكثير، وذلك بسبب المقاطعة العالمية للاقتصاد الروسي حتى بشكل أكبر من إيران لسببين، الأول: أن إيران قد اعتادت على التعايش مع المقاطعة العالمية والحصار الخانق لاقتصادها على مدى عقود، والثاني أن إيران لا يشكل النفط لديها سوى 23 بالمائة من وارداتها، بينما يتجاوز 50 بالمائة بالنسبة للاقتصاد الروسي".
*هبوط الليرة السورية بشكل كارثي
ويستطرد قاضي في تفصيل أثر انخفاض أسعار النفط على النظام السوري، من وجهة نظره، فيقول: "لاشك أن تأثر هذين الحليفين للنظام السوري (روسيا وإيران)، بهذه الأزمة النفطية الخانقة، انعكس على حجم الدعم للنظام، والذي استمر أثناء الأزمة السورية، وقد توضح هذا الأثر بشح المشتقات النفطية في السوق السورية واضطرار النظام لرفع الدعم عنها، وإعلان الانخفاض الرسمي لليرة السورية والذي تجاوز 200 ليرة سورية رسمياً، وأعتقد مع استمرار التعنت الروسي والمراوغة الإيرانية في محادثاتها حول ملفها النووي فإن المقاطعة للبلدين والضغوط الاقتصادية عليهما ستستمر حتى نهاية 2015 وربما تستمر عاما آخر وهذا يعني تشكيل ضغط اقتصادي حقيقي على النظام السوري وربما هبوط الليرة السورية بشكل كارثي".
*أمريكا تركت للروس مهمة تسلية المشاهدين
ويختم قاضي بالإشارة إلى أن الأزمة النفطية لن تؤدي إلى حل سياسي في عهد أوباما، موضحاً بأن "الطرف الروسي تعب من ثقل الأعباء السياسية والعسكرية للقضية السورية، وحاول أن يجد حلاً ولكن بطريقة روسية فظة"، ويعقب: "لا أعتقد أنه سيكون هناك أي حل سياسي حقيقي بوجود أوباما في البيت الأبيض، والكل يتطلع لقدوم رئيس أمريكي جديد عام 2017، وأما الحراك السياسي الروسي الهزيل في المسألة السورية، فإنه يشبه الأفلام الروسية ذات الحبكة والاخراج السخيفين ومن ثم عرضه بالأبيض والأسود بشكل منفّر، ويتبين أن مهمة السياسي الروسي وهو يكتوي بنار الكوارث الاقتصادية الداخلية هي ملء فراغ سياسي سببته الولايات المتحدة التي تركت مهمة تسلية المشاهدين للروس ريثما يغادر سيد البيت الأبيض مكانه".
*الضغوط لن تؤثر في روسيا وإيران
أما عبدو حسام الدين، معاون وزير النفط الأسبق، المنشق عن النظام السوري، فيختلف في قراءته لأزمة أسعار النفط وتداعياتها، عن القراءتين السابقتين.
ويعتقد حسام الدين أن أسعار النفط سترتفع خلال العام الجاري، وأن إيران وروسيا لن تُنهكا بفعل هذه الأزمة، والأهم، حسب رأي حسام الدين، أن إيران ستتوصل إلى اتفاق "نووي" مع أمريكا، منتصف العام الجاري، مما يعني عدم الحاجة لتنازلات كبيرة في الملف السوري.
ويفصّل حسام الدين: "من المعروف أن الداعمين الرئيسيين للنظام القاتل في سوريا هما روسيا وإيران بالسلاح والمعدات والمقاتلين والمحروقات. تسعى السعودية منذ فترة إلى إقناع روسيا بتغيير موقفها من الأسد، ولكن لم تفلح، وقد اختارت مؤخراً أن تضغط باتجاه آخر وهو خفض سعر برميل النفط، أي الضغط الاقتصادي، وتأمل السعودية من خلال هذا الضغط أن تغير روسيا موقفها، طبعاً روسيا تحاول أن تجعل موضوع أسعار النفط وفق العرض والطلب، وترفض إقحام أي موضوع سياسي في أسعار النفط".
ويضيف: "روسيا تخضع للعقوبات الأمريكية الأوروبية منذ فترة ولم تغير موقفها من أوكرانيا، بل زادت حدّة في فصل مزيد من المناطق الشرقية عن أوكرانيا. حقاً إن روسيا تحصل على نصف موازنتها من النفط والغاز فالخسائر التي تكبدتها من جراء انخفاض سعر النفط كبيرة تقدر بحوالي ١٠٢ مليار دولار في عام ٢٠١٥، إضافة إلى انهيار الروبل، ولكن روسيا تملك ٤٥٠ مليار دولار احتياطي نقدي يمكنها من تجاوز الأزمة المالية الناتجة عن نقص الموارد. بكل الحالات روسيا ما تزال شريك وداعم للأسد، والرئيس الروسي بوتين ما زال يرفض أي اتفاق أو حتى الحديث عن إزاحة الأسد، وهذا الموقف عززته أمريكا وبعض الدول الغربية من خلال إطلاق يد روسيا بالموضوع السوري الشائك، ومحاولة تعويم الأسد".
*روسيا قادرة وحدها على تنحية الأسد
ويستطرد حسام الدين: "وحتى لو أثمرت ضغوطات السعودية بأي طريقة على روسيا لتغير موقفها فإن إيران تبقى تسانده لأسباب طائفية توسعية معروفة. وإيران التي تساند الأسد بكل ما أوتيت من قوة، كانت منذ سنوات تحت العقوبات الاقتصادية وهي في وضع اقتصادي صعب ولم تغير موقفها من الأسد، ومن المتوقع أن يتم توقيع اتفاق النووي الإيراني في منتصف هذا العام مما قد يخفف العقوبات الاقتصادية، وتأمل إيران عندها زيادة تصدير كميات إضافية من النفط تعوض عن السعر المنخفض".
ويتابع الخبير والمسؤول النفطي السابق: "بصورة عامة أرى -بكل أسف- أن لا تأثير كبير لانخفاض أسعار النفط على القضية السورية، ربما تقل المساعدات المقدمة للنظام قليلاً ولكن لن تتوقف بسبب أن الدعم الروسي الإيراني للنظام القاتل في دمشق ليس مرتبط تماماً بالنفط (وسوريا أساساً ليست دولة نفطية ذات أهمية كبيرة)، إنما مرتبط بمصالح استراتيجية عسكرية وسياسية وجيوسياسية للدولتين، يضاف إليها المصالح الإثنية الطائفية التوسعية لإيران".
ويعقب حسام الدين: "أعتقد أن الدولتين لن تغيرا موقفهما من النظام ومن رأس النظام ومن القضية السورية بسبب انخفاض أسعار النفط، خاصة وأني أعتقد أن أسعار النفط سترتفع مع نهاية العام إلى ما يناسب أسعار إنتاج الزيت الصخري في أمريكا مع هامش ربح بحيث يصل إلى حوالي ٨٠ دولار للبرميل، وإيران وروسيا ستمتصان الصدمة خلال هذه الفترة دون اللجوء إلى تقديم تنازلات كبيرة".
ويشير حسام الدين: "ولو فرضنا فعلت روسيا ذلك -تحت الضغط- فهذا كافٍ لتنحية رأس النظام لأن إيران وحدها لن تستطيع تغطية حاجة النظام من أسلحة وقطع تبديل ووقود وتبادل سلعي ومالي، فضلاً عن تناقص الدعم السياسي الذي يحظى به الأسد من روسيا، مما يعجل بحل سياسي تقبله المعارضة على جزء من الأرض السورية حيث لا يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات القاعدة".
ويختم عبدو حسام الدين: "الموضوع السوري أعقد من تقلبات أسعار النفط، وأعقد من نوايا بعض الدول لحل الأزمة من خلالها".
* لا بعد سياسي لأسعار النفط
وفي قراءة رابعة لهذا الملف، يعتقد خبراء المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر أن قضية انخفاض أسعار النفط هي قضية اقتصادية – سلوكية، مرتبطة بتخمة المعروض النفطي وسلوكيات المضاربين في الأسواق العالمية، لا أكثر، وأنه لا يجب تحميل دول أوبك مسؤولية هذا الانخفاض، أو ربطه بأسباب أو غايات سياسية، مما يعزل، حسب هذه القراءة، الصراع بسوريا تماماً، عن مسار تقلبات أسعار النفط العالمية، على الأقل، من الجانب السياسي.
خاتمة
بكل الأحوال، سيُجلي مطلع الصيف القادم مصير قضيتين هامتين، الأولى، ختام المفاوضات النووية الإيرانية –الغربية، والثانية، مسار تقلبات أسعار النفط العالمية التي يختلف الخبراء بصددها. مما يعني أن مطلع الصيف القادم قد يحدد مسار الصراع بسوريا على المدى المنظور، على الأقل.
لكن في المقابل، يصرّ فريق واسع من الاقتصاديين على تأكيد البعد السياسي في قضية انخفاض أسعار النفط، كأحد أبعاد هذه القضية. بعضهم يراه في خانة أسباب الانخفاض، فيما يراه آخرون في خانة نتائجه وتداعياته.
في ضوء ما سبق، قررت "اقتصاد" استقصاء آراء ثلاثة من الخبراء الاقتصاديين السوريين، الذين يتمتع بعضهم بخبرة مباشرة، أو غير مباشرة، بقطاع النفط وتجارته، بغية معرفة الأثر المُرتقب لانخفاض أسعار النفط على أدوار ومواقف الأطراف المتصارعة في سوريا، إقليمياً ودولياً.
"تخفيض" وليس انخفاضا
أول من حاورته "اقتصاد" بهذا الصدد، هو الخبير الاقتصادي السوري، سمير سعيفان، والذي تولى نشاطات مجموعة "بتروفاك" للنفط والغاز في سوريا، بين عامي 1996 –2005.
ويعتقد سعيفان أن انخفاض أسعار النفط قد يؤدي إلى حل سياسي للصراع بسوريا، لكن ذلك بشروط.
ويؤكد سعيفان وجود أبعاد سياسية لـ"تخفيض" أسعار النفط العالمية، لكن النتيجة ستتوقف على غايات أطراف هذا "التخفيض"، وعلى موقع سوريا في سلم أولويات المستهدفين منه.
ويوضح سعيفان أن درجة تأثير "تخفيض" أسعار النفط يتوقف على "أهمية الأزمة السورية في سلة الغايات المستهدفة من قبل مهندسي هذا التخفيض، أمريكا والسعودية.
وتتقاطع أهداف السعودية بالضغط على إيران مع أهداف الولايات المتحدة بهذا الضغط، وبالغاية الأخرى لأمريكا وهي الضغط على روسيا ودورها السلبي في أزمة أوكرانيا.
وبينما غاية السعودية واضحة في سوريا، وهي الوصول إلى تغيير سياسي وفق جنيف، لا مكان فيه للأسد، فإن غايات الولايات المتحدة غامضة، وستتأثر بمفاوضاتها مع إيران حول السلاح النووي، وهي المسألة ذات الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة إضافة لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، كما سيتوقف الأمر أيضاً على مدى تمسك إيران بالملف السوري وأهمية سوريا بالنسبة لها. والسؤال: أين سيكون موقع الأزمة السورية في مفاوضات أمريكا مع إيران وكيف سيتم التوافق حولها، إذ يُقدر أن أمريكا قد تتساهل مع إيران في سوريا إن قدمت إيران تنازلات حاسمة في ملفها النووي".
*الحاجة إلى عوامل أخرى
ويضيف سعيفان: "في المجمل أعتقد أن الضغط باستعمال أسعار النفط على كل من روسيا وإيران سيكون له تأثير إيجابي في الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية. ويُتوقع أن يظهر تأثيره بعد بضعة شهور حيث تكون آثار خفض أسعار النفط قد أنهكت كل من روسيا وإيران، اللتين تعتمدان بشكل كبير جداً في إيراداتهما من العملة الصعبة على صادرات النفط والغاز".
ويختم سعيفان: "لكن ليس هذا هو العامل واللاعب الوحيد في الأزمة السورية المركبة رغم أهميته، وقد لا يكون تأثيره حاسماً إلا إذا تضافر مع عوامل أخرى وخاصة قوة المعارضة السورية عسكرياً وسياسياً".
*روسيا أكثر تأثراً من إيران
بدوره، يعتقد أسامة قاضي، الخبير الاقتصادي السوري، ورئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أن أي حل سياسي للصراع بسوريا، لن يتم إلا بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وذلك بغض النظر عن قضية انخفاض أسعار النفط، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الفترة القادمة ستشهد أزمات اقتصادية ونقدية "كارثية" بالنسبة للنظام الحاكم بدمشق.
ويوضح قاضي بأن "انخفاض أسعار النفط شكّل دون أدنى شك ضغوطاً متفاوتة على معظم دول العالم المصدرة للنفط، وقد نالت الأزمة من الدول الخليجية بشكل متفاوت، ولكن هذه الأزمة عضّت بأنيابها على روسيا بشكل أكبر بكثير، وذلك بسبب المقاطعة العالمية للاقتصاد الروسي حتى بشكل أكبر من إيران لسببين، الأول: أن إيران قد اعتادت على التعايش مع المقاطعة العالمية والحصار الخانق لاقتصادها على مدى عقود، والثاني أن إيران لا يشكل النفط لديها سوى 23 بالمائة من وارداتها، بينما يتجاوز 50 بالمائة بالنسبة للاقتصاد الروسي".
*هبوط الليرة السورية بشكل كارثي
ويستطرد قاضي في تفصيل أثر انخفاض أسعار النفط على النظام السوري، من وجهة نظره، فيقول: "لاشك أن تأثر هذين الحليفين للنظام السوري (روسيا وإيران)، بهذه الأزمة النفطية الخانقة، انعكس على حجم الدعم للنظام، والذي استمر أثناء الأزمة السورية، وقد توضح هذا الأثر بشح المشتقات النفطية في السوق السورية واضطرار النظام لرفع الدعم عنها، وإعلان الانخفاض الرسمي لليرة السورية والذي تجاوز 200 ليرة سورية رسمياً، وأعتقد مع استمرار التعنت الروسي والمراوغة الإيرانية في محادثاتها حول ملفها النووي فإن المقاطعة للبلدين والضغوط الاقتصادية عليهما ستستمر حتى نهاية 2015 وربما تستمر عاما آخر وهذا يعني تشكيل ضغط اقتصادي حقيقي على النظام السوري وربما هبوط الليرة السورية بشكل كارثي".
*أمريكا تركت للروس مهمة تسلية المشاهدين
ويختم قاضي بالإشارة إلى أن الأزمة النفطية لن تؤدي إلى حل سياسي في عهد أوباما، موضحاً بأن "الطرف الروسي تعب من ثقل الأعباء السياسية والعسكرية للقضية السورية، وحاول أن يجد حلاً ولكن بطريقة روسية فظة"، ويعقب: "لا أعتقد أنه سيكون هناك أي حل سياسي حقيقي بوجود أوباما في البيت الأبيض، والكل يتطلع لقدوم رئيس أمريكي جديد عام 2017، وأما الحراك السياسي الروسي الهزيل في المسألة السورية، فإنه يشبه الأفلام الروسية ذات الحبكة والاخراج السخيفين ومن ثم عرضه بالأبيض والأسود بشكل منفّر، ويتبين أن مهمة السياسي الروسي وهو يكتوي بنار الكوارث الاقتصادية الداخلية هي ملء فراغ سياسي سببته الولايات المتحدة التي تركت مهمة تسلية المشاهدين للروس ريثما يغادر سيد البيت الأبيض مكانه".
*الضغوط لن تؤثر في روسيا وإيران
أما عبدو حسام الدين، معاون وزير النفط الأسبق، المنشق عن النظام السوري، فيختلف في قراءته لأزمة أسعار النفط وتداعياتها، عن القراءتين السابقتين.
ويعتقد حسام الدين أن أسعار النفط سترتفع خلال العام الجاري، وأن إيران وروسيا لن تُنهكا بفعل هذه الأزمة، والأهم، حسب رأي حسام الدين، أن إيران ستتوصل إلى اتفاق "نووي" مع أمريكا، منتصف العام الجاري، مما يعني عدم الحاجة لتنازلات كبيرة في الملف السوري.
ويفصّل حسام الدين: "من المعروف أن الداعمين الرئيسيين للنظام القاتل في سوريا هما روسيا وإيران بالسلاح والمعدات والمقاتلين والمحروقات. تسعى السعودية منذ فترة إلى إقناع روسيا بتغيير موقفها من الأسد، ولكن لم تفلح، وقد اختارت مؤخراً أن تضغط باتجاه آخر وهو خفض سعر برميل النفط، أي الضغط الاقتصادي، وتأمل السعودية من خلال هذا الضغط أن تغير روسيا موقفها، طبعاً روسيا تحاول أن تجعل موضوع أسعار النفط وفق العرض والطلب، وترفض إقحام أي موضوع سياسي في أسعار النفط".
ويضيف: "روسيا تخضع للعقوبات الأمريكية الأوروبية منذ فترة ولم تغير موقفها من أوكرانيا، بل زادت حدّة في فصل مزيد من المناطق الشرقية عن أوكرانيا. حقاً إن روسيا تحصل على نصف موازنتها من النفط والغاز فالخسائر التي تكبدتها من جراء انخفاض سعر النفط كبيرة تقدر بحوالي ١٠٢ مليار دولار في عام ٢٠١٥، إضافة إلى انهيار الروبل، ولكن روسيا تملك ٤٥٠ مليار دولار احتياطي نقدي يمكنها من تجاوز الأزمة المالية الناتجة عن نقص الموارد. بكل الحالات روسيا ما تزال شريك وداعم للأسد، والرئيس الروسي بوتين ما زال يرفض أي اتفاق أو حتى الحديث عن إزاحة الأسد، وهذا الموقف عززته أمريكا وبعض الدول الغربية من خلال إطلاق يد روسيا بالموضوع السوري الشائك، ومحاولة تعويم الأسد".
*روسيا قادرة وحدها على تنحية الأسد
ويستطرد حسام الدين: "وحتى لو أثمرت ضغوطات السعودية بأي طريقة على روسيا لتغير موقفها فإن إيران تبقى تسانده لأسباب طائفية توسعية معروفة. وإيران التي تساند الأسد بكل ما أوتيت من قوة، كانت منذ سنوات تحت العقوبات الاقتصادية وهي في وضع اقتصادي صعب ولم تغير موقفها من الأسد، ومن المتوقع أن يتم توقيع اتفاق النووي الإيراني في منتصف هذا العام مما قد يخفف العقوبات الاقتصادية، وتأمل إيران عندها زيادة تصدير كميات إضافية من النفط تعوض عن السعر المنخفض".
ويتابع الخبير والمسؤول النفطي السابق: "بصورة عامة أرى -بكل أسف- أن لا تأثير كبير لانخفاض أسعار النفط على القضية السورية، ربما تقل المساعدات المقدمة للنظام قليلاً ولكن لن تتوقف بسبب أن الدعم الروسي الإيراني للنظام القاتل في دمشق ليس مرتبط تماماً بالنفط (وسوريا أساساً ليست دولة نفطية ذات أهمية كبيرة)، إنما مرتبط بمصالح استراتيجية عسكرية وسياسية وجيوسياسية للدولتين، يضاف إليها المصالح الإثنية الطائفية التوسعية لإيران".
ويعقب حسام الدين: "أعتقد أن الدولتين لن تغيرا موقفهما من النظام ومن رأس النظام ومن القضية السورية بسبب انخفاض أسعار النفط، خاصة وأني أعتقد أن أسعار النفط سترتفع مع نهاية العام إلى ما يناسب أسعار إنتاج الزيت الصخري في أمريكا مع هامش ربح بحيث يصل إلى حوالي ٨٠ دولار للبرميل، وإيران وروسيا ستمتصان الصدمة خلال هذه الفترة دون اللجوء إلى تقديم تنازلات كبيرة".
ويشير حسام الدين: "ولو فرضنا فعلت روسيا ذلك -تحت الضغط- فهذا كافٍ لتنحية رأس النظام لأن إيران وحدها لن تستطيع تغطية حاجة النظام من أسلحة وقطع تبديل ووقود وتبادل سلعي ومالي، فضلاً عن تناقص الدعم السياسي الذي يحظى به الأسد من روسيا، مما يعجل بحل سياسي تقبله المعارضة على جزء من الأرض السورية حيث لا يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات القاعدة".
ويختم عبدو حسام الدين: "الموضوع السوري أعقد من تقلبات أسعار النفط، وأعقد من نوايا بعض الدول لحل الأزمة من خلالها".
* لا بعد سياسي لأسعار النفط
وفي قراءة رابعة لهذا الملف، يعتقد خبراء المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر أن قضية انخفاض أسعار النفط هي قضية اقتصادية – سلوكية، مرتبطة بتخمة المعروض النفطي وسلوكيات المضاربين في الأسواق العالمية، لا أكثر، وأنه لا يجب تحميل دول أوبك مسؤولية هذا الانخفاض، أو ربطه بأسباب أو غايات سياسية، مما يعزل، حسب هذه القراءة، الصراع بسوريا تماماً، عن مسار تقلبات أسعار النفط العالمية، على الأقل، من الجانب السياسي.
خاتمة
بكل الأحوال، سيُجلي مطلع الصيف القادم مصير قضيتين هامتين، الأولى، ختام المفاوضات النووية الإيرانية –الغربية، والثانية، مسار تقلبات أسعار النفط العالمية التي يختلف الخبراء بصددها. مما يعني أن مطلع الصيف القادم قد يحدد مسار الصراع بسوريا على المدى المنظور، على الأقل.