رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة في محاضرة تكوين العقلية الناقدة
المحاضر سلطان العميري وكعادة المحدثين حتى فيما يختص بأحكام الدين نجدهم يستعيرون التسميات والعناوين من كتب وأبحاث الغرب فتسمية العقلية الناقدة تسمية غريبة علينا سماها القرآن الكريم :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجعلها صفة لكل المسلمين
وأمر الله أن تتواجد طائفة تختص بها في المجتمع والمراد مجموعة من الأفراد في كل بلدة وظيفتها في الأماكن العامة الدعوة إلى الخير وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى هذا قال تعالى :
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وحدثنا العميرى عن تعريف النقد فقال :
"مفهوم العقلية الناقدة
تعلمون أن النقد في اللغة هو معنى واسع يشمل: الفحص والاختبار، في معاجم العربية يقولون: نقد فلان الدراهم يعني فحصها واختبرها حتى يميز صحيحها من رديئها، وهذا يعني أن النقد في اللغة ليس هو الرد وليس هو الإبطال، وإنما هو معنى واسع يشمل تحليلا، الشيء المنقود تحليله وفحصه وإثارة الأسئلة حوله حتى يستطيع الإنسان أن يميز الصحيح من الخاطئ والنفيس من الرديئ ونحو ذلك.
إذا هذا هو معنى النقد الذي نقصده، ليس النقد الذي نقصده هو الرد والإبطال وإنما الفحص والاختبار.
وبناء عليه يكون المراد بالعقلية الناقدة هي العقلية التي لديها القدرة على فحص المقالات وفحص المواقف حتى نتأكد من صحتها ومن خطئها.
ويقصد بها أيضا بتعبير آخر، أن العقلية الناقدة هي: إدراك كيفية بناء الأفكار بطريقة صحيحة، وإدراك أيضا طريقة فحص الأفكار المخالفة لفكرتي ولموقفي بطريقة صحيحة، هذا هو المراد بالعقلية النقدية من طريق آخر."
الرجل هنا ابتعد بنا عن المعنى المعروف للنقد وهو بيان المحاسن ودحض المساوىء وقد قصرنا معه على معنى البناء الفكرى فقال :
"إذا، محاضرتنا والتي هي "تكوين العقلية الناقدة" تجيب على سؤال هو: كيف أتعامل مع الأفكار بشكل صحيح؟ كيف أستطيع أن أكون رؤية أو منطومة أستطيع أن أنزلها على الأفكار التي أعيشها من حولي وفي حياتي؟ وأيضا سؤال آخر ملح: كيف أبني موقفا مقنعا للآخرين، يؤسس القناعة عند الآخرين؟
لأن في كثير من المواقف يرد الحق لا لأن الراد لا يريد الحق وإنما لأن صاحب الحق ما استطاع أن يبنيه بصورة صحيحة تؤسس القناعة عند المستمع أو عند القارئ."
وبالقطع هذا الكلام هو خروج عن المعنى الحقيقى للنقد إلى معنى أخر ليس للمسلم أن يفكر فيه لأنه يضع نفسه مكان الشارع وهو الله فالبانى الفكرى الوحيد هو الله
فمن يحاول إيجاد ما يسمى بالبناء الفكرى أو المنظومة الفكرية أو غير هذا يتعدى حدوده لأنه لا يعلم بالخلق ولذا كان البانى الوحيد هو الله لعلمه بما خلق كما قال :
" ألا يعلم من خلق"
وأخبرنا العميرى أن الناقد يحتاج لبناء فكرة مقنع مكون من مجالين :
"إذا صاحب الحق يحتاج إلى تكوين العقلية الناقدة في مجالين:
المجال الأول: هو أن يبني أفكاره بصورة مقنعة للآخرين بحيث يقتنع الناس بالحق.
المجال الثاني: أن يبني مواقفه - النقدية - من الآخرين أيضا يبنيها بصورة تحدث القناعة عند المشاهدين والمستمعين ونحو ذلك."
وهذا الكلام لا يسمى بناء فكريا ولا منظومة فكرية وإنما يسمى ترتيب الكلام على خطوات للاقناع
وحدثنا عن فوائد العقلية الناقدة فقال :
"أهمية العقلية الناقدة:
هل نحن في حاجة إلى العقلية الناقدة والبحث حولها والتدارس حولها أم لا؟
في تصوري أن هناك عدة معطيات تبين لنا أننا فعلا في حاجة ملحة وماسة لتكوين هذه العقلية حتى نتجاوز الكثير من الإشكاليات الموجودة.
المعطى الأول: حتمية المخالفة.
لا يمكن للناس أن يتفقوا على قول واحد، وبناء عليه: المقتضى الضروري لهذه المعلومة هو أن الخلاف موجود بالضرورة بين الناس، فإذا كان الخلاف موجود بالضرورة بين الناس هذا يقتضي بالضرورة أن الإنسان سيتخذ مواقف من الآخرين المخالفين له، فإذا كانت هذه الضرورات كلها المتراكمة والمترابطة موجودة إذا هذا يستوجب على الإنسان أن يكون عنده وعي بالطريقة التي يبني بها المواقف الناضجة والصحيحة.
إذا العقلية الناقدة بناء على حتمية المخالف: تؤسس عندنا أو تساعدنا على الوفاء بالواجبات المعرفية، لأن تأسيس الموقف الرشيد من المخالف لك - بحيث يكون موقف ناضج ومعتدل وصحيح ومقنع - واجب شرعا وواجب معرفيا، يعني هو واجب من حيث الشريعة يعني لكي لا تنتقص الآخرين وواجب أيضا معرفيا لأن الآخرين حين تنقضهم لا يمكن أن يقبلوا قولك إلا إذا كان قولا أو موقفا أو نقدا مقنعا، إذا العقلية النقدية تؤسس عند الإنسان مهارة للوفاء بالواجبات المعرفية التي تتطلبها ضرورة وجود الخلاف."
كلام العميرى هنا مبنى على فهم خاطىء لأن الناس ينقسمون حسب الوحى إلى نوعين :
الأول المتفق المتحد وهو من على دينك ولذا قال تعالى :
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
ولذا لا يوجد خلاف أو نزاع بين المسلمين في الأحكام لقوله تعالى :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
فالله حكمه هو الذى يوجد المسلمين ومن ثم لا يوجد خلاف بينهم كما هو معروف في المذاهب
الثانى المخالف له وهو من على دين أخر والأمر كما قال العميرى حتمية وجوده بناء على قوله تعالى :
"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"
وتحدث عن اختلافات المعارف والمواقف فقال :
"المعطى الثاني: أن الواقع يتمتع بتنوعات هائلة من المعارف وباختلافات واسعة من المواقف.
هذه التنوعات وهذه الاختلافات توجب على الإنسان أن يحرص على تكوين العقلية الناقدة عنده، لماذا؟ حتى يخرج من التفكير الإسفنجي.
التفكير الاسفنجي: هو التفكير الذي لا يستطيع أن يميز الإنسان فيه بين الأفكار الصحيحة والباطلة، هو مثل الاسفنجة يتقبل أي فكرة، هذا التفكير خطير جدا في حالة التنوع المعرفي الموجود، كيف يستطيع الإنسان أن يخرج بموقف رشيد من حالة التنوع الموجود؟ لا يستطيع، وأحد الأسباب التي تأسس له الخروج بموقف ناضج هو أن يكون العقلية الناقدة."
في الإسلام لا يوجد تفكير ناقد وتفكير اسفنجى او تفكير سطحى فكل هذا التعبيرات خارج نطاق الإسلام وهو نتاج تصديق العلوم الغربية فما دام الفكر هو المطلوب كما قال تعالى :
"أفلا تتفكرون"
فهذا معناه أنه لا يوجد سوى الفكر بمعنى الحق أى الصحيح فلا يوجد فكر خاطىء وفى مقابله يوجد هوى النفس أو الجهل
وما سماه اسفنجيا هنا هو جهل لأن صاحبه جمع من هناك وهناك ولم يفكر
وحدثنا عن المناعة الفكرية فقال :
"المعطى الثالث: الحاجة إلى المناعة الفكرية.
نحن في حاجة تكوين العقلية الناقدة لأنه في زمن الهزيمة النفسية وهيمنة الحضارة الغربية نحتاج إلى تعزيز العقليات التي تحدث عندها ما يسمى بالمناعة الفكرية والمناعة الفكرية أحد أقوى طرق تأسيسها هو: أن تكون عند الإنسان عقلية ناقدة يستطيع أن يؤسس بها المناعة بحيث يميز بين الأفكار الصحيحة والباطلة، وبالمناسبة تأسيس المناعة العقلية هو في الحقيقة نوع من التجديد الذي جاء ممدوحا في الشريعة، الشريعة حين مدحت التجديد، الأمة تحتاج إلى تجديد في الدين، ومن طرق التجديد في الدين أن يجدد الإنسان الوعي العقلي عند المسلمين وعند متطلبي المعرفة والعلم، ومن صور تجديد الوعى المعرفي هو أن يثير المضامين التي تأسس العقلية الناضجة."
وكلام العميرى يحتوى على خطأين:
الأول وجود تجديبد في الدين وهو ما يخالف أن الدين فيه حكم كل شىء كما قال تعالى :
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
فكيف تكون الشريعة كاملة وتحتاج لتجديد؟
التجديد المزعوم هو إضافة وهو اتهام صريح لله أن كاذب في قوله " اليوم أكملت لكم دينكم" واتهام صريح للنبى(ص) بأنه لم يبلغ الرسالة كاملة مع أن الله يقول " ما فرطنا في الكتاب من شىء"
الثانى بناء العقلية الناقدة على المناعة الفكرية وكلمة المناعة نفسها تعنى وجود حماية تامة للمسلم ومن ثم فلا تحتاج المناعة لبناء ولا لتجديد لأنها موجودة من خلال الدين نفسه فالمناعة هى أحكام الدين كلها فهى البناء الفكرى للمسلم والذى ينقد على أساسه أى شىء يحدث له أو معه او حوله
وحدثنا عما سماه الانفتاح والايجابية فقال :
"المعطى الرابع: هدف الإيجابية المعرفية.
تكوين العقلية الناقدة له دور كبير في تحقيق الايجابية المعرفية، إذا وجد التنوع ووجدت الانهزامية المعرفية في هذه الحالة يتحتم علينا أن نلتفت بشكل كبير إلى هدف الإيجابية المعرفية، ولا يمكن أن تكون عندنا إيجابية معرفية، ولا أقصد بها أن يكون موقفنا من الآخرين هو: أن نأخذ أو لا نأخذ، هذه ليست إيجابية معرفية، ما يسمى عندنا بالانفتاح وضوابط الانفتاح.
دخولك إلى الآخرين يمكن أن يكون من عدة نوافذ:
النافذة الأولى: نافذة الانفتاح وعدم الانفتاح.
النافذة الثانية: هي نافذة الايجابية المعرفية التي تقتضى التأثير وعدم التأثر.
يجب أن يكون من همومنا نحن في هذا العصر ليس فقط: هل نفتح على الآخرين، أم لا؟ وإنما كيف نؤثر في الآخرين وكيف لا نتأثر بهم، هذا هو البحث أو الانطلاق من نافذة التأثير، والتأثر هو ما أقصده بالايجابية المعرفية.
كثيرا ما تحدثنا عن الانفتاح ولكن التركيز على الانفتاح ليس منهجيا بشكل كبير، وإنما الأفضل التركيز على الايجابية المعرفية التي تقتضى البحث في التأثر والتأثير، فإذا كانت هذه هي النافذة التي ننفذ بها إلى العالم من حولنا، هذا يتطلب علينا أن تكون عندنا مهارة التفكير الناقد، لانه لا يمكن أن تنجح في الإيجاببة المعرفية بحيث تؤثر في الاخرين وتحدث عندهم قناعة بمواقفك ويكون عندك أيضا ملكة في تمييز ما عندهم من حق وصواب، إلا إذا كانت عندك عقلية ناقدة."
وهذا كلام كما يقاتل إنشائى لا فائدة منه فالمسلم منفتح بالضرورة على كل المخالفين في كل أمر لأن الشريعة فيها حكم كل أمر ومن ثم فما يطلبه العميرى وهو اقناع الآخر بالمواقف من خلال تلك العقلية هو ضرب من الخبل
لو كان الأمر كما يزعم لأقنع النبى(ص) العالم كله ولكن الأمر ليس بالاقناع فكل الأنبياء(ص) كان كلامهم في الدعوة مقنع ومع هذا كانت أغلبية الناس كفرة بهم ولذا قال تعالى لخاتم النبيين(ص):
" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"
فمن يريد الاقتناع سيقتنع ومن لا يريد لن يقتنع كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
ولو نظر العميرى في قبة السماء لوجد الشمس تدور فوق الأرض ولكن معظم البشر يصدقون أن ألأرض هى من تدور حول ألأرض نتيجة النظرية التى درسوها في المدارس بدون تفكير إن الإنسان يكذب عينيه
هذا مثال على عملية الكفر والإيمان فالمقنع الأكبر هو النظر ومع هذا ألغت معظم البشرية عقولها فكذبت عيونها التى ترى الحقيقة ظاهرة
وتساءل العميرى عن مناهج صناعة العقلية الناقدة وأجاب فقال :
"مناهج صناعة العقلية الناقدة
ماهي المناهج المقترحة لصناعة العقلية الناقدة؟
طبعا هناك مناهج متعددة، نسمع كثيرا أن الذي يريد أن يكون عنده عقل ناقد وعقل مميز عليه أن يدرس الفلسفة أو يدرس المنطق، وطبعا، وهذا كثيرا ما يذكر هذين المنهجين، وهذا ليس دقيقا إنما هو انخداع بالاسماء،الفلسفة والمنطق هي في حاجة إلى عقلية ناقدة، هي في حاجة إلى تصحيح الاخطاء المعرفية والمنهجية الموجودة فيها، وليس صحيحا أن نبني عقلية ناقدة ناضجة بمنهجية ليست ناضجة بالنهاية فيها أخطاء منهجية كبيرة تنحرف بالذهن البشري إلى مناطق أخرى لا يمكن أن يتحقق من صدقها ومن خطئها سواء كانت الفلسفة اليونانية أو الفلسفة الغربية وكذلك المنطق الأرسطي أو المنطق الغربي = كل هذه المناهج التي أرادت صناعة العقل هي مناهج تحتاج إلى إعادة تكرير وإعادة صناعة لانها مليئة بالاخطاء، إذا كان الامر كذلك، فما هي المناهج التي تساعدنا على تكوين العقلية الناقدة؟
أنا حاولت انني أحصر بعض المناهج وبعض الطرق التي نستطيع أن نصنع بها العقلية النافدة، من أول المناهج:
الطريق الأول: تفعيل منهجية المحدثين في نقد الحديث.
منهجية المحدثين في نقد الحديث منهجية عقلانية وصارمة جدا، بل إن العيش مع هذه العقلية - عقلية المحدثين - يعطي الذهن ملكة في التمحيص الدقيق للمقالات، والبحث عن جميع المؤثرات حول المعلومة، طبعا المحدثين يبحثون حول النص أو ناقل النص نحن نريد أن ننقل هذه المنهجية التي طبقوها على تنوعات ظاهرة من الحديث: يعني أحاديث باطلة وأحاديث موضوعة ومئات الرجال، ومع هذا استطاعوا أن يميزوا بين الصحيح وبين الضعيف بكل جدارة، هذا يدل على أن العقلية أو المنهجية التي أتوا بها منهجية صلبة، منهجية ثرية، نحتاج أن نفعلها في تكوين العقلية الناقدة التي ندعوا إليها وسنبين معالمها."
منهجية أهل الحديث قائمة على ألغاء عقولهم في المتون فهم يركزون على شىء واحد هو الإسناد أى الرجال فإن كانوا عدولا عندهم فالحديث صحيح حتى ولو كان مكذبا للقرآن وللواقع ولو كان يضرب بعضه بعضا ومن ثم فمنهجهم فاشل تماما ولو طبقوه كما ينبغى ما خرجت رواية واحدة صحيحة لأنه لا يوجد رجل إلا وقد تكلم فيه بالذم القليل أو الكثير
ثم قال:
"الطريق الثاني: تفعيل المخزون الفلسفي في الشريعة.
في تراثنا الإسلامي والسلفي بالخصوص عدة مناجم؛ عندنا مناجم: مخزون سياسي، ومخزون فلسفي، ومخزون فقهي، - عندنا مخازين كبيرة، خزانات ضخمة - نحتاج أن نفعل هذه المناجم وننقب فيها ونستخرج المضامين الفلسفية في المجال الفلسفي، والمضامين السياسية في المجال السياسي، والمضامين المنطقية في المجال المنطقي، ونحو ذلك ...
وعندنا مخزون ضخم جدا موزع في التراث الإسلامي وفي النصوص الشرعية، لو فعلنا هذا الجانب سنمتلك مهارات كبيرة في تكوين العقلية الناقدة."
يذكرنى العميرى بحكايته عن المخزون بالأعمى الذى يقود أعمى فهم كثرة ومع هذا يسقطان في حفرة لعدم وجود رائد سليم النظر يقودهم لبر الأمان فكل هذا التراث يصح أن يقال عنه طريق للتكوين العقلة لو كان صحيحا ولكنه تراث معظمه مزيف ومخالف لٌسلام وهو هادم أكثر منه بانى
ثم قال :
الطريق الثالث: تفعيل دور الكتب المؤلفة في آداب البحث والمناظرة.
لدينا أيضا عدد كبير من الكتب المؤلفة في آداب البحث والمناظرة؛ سواء على جهة الاستقلال أو في أواخر كتب أصول الفقه، العلماء في هذا المبحث كان هدفهم أن يبينوا كيف يستطيع الإنسان أن يتناظر مع المخالف له، وكيف يستطيع أن يستعمل أساليب تحدث القناعة عند المستمع له.إذن هذه الكتب فيها قدر كبير من المضامين التي تؤسس عندنا العقلية الناقدة."
هذه الكتب مختلفة الأهداف والطرق ومن ثم فهى لا تؤدى لعقلية نقدية وغنما تؤدى لزيادة الاخلافات في الغالب
ثم قال :
الطريق الرابع: إقامة دراسات مكثفة عن الشخصيات التي تميزت وعرفت بالعقلية الناقدة.
طبعا الشخصيات ضخمة في التاريخ الإسلامي ولكن من أبرزها: ابن حزم، ابن تيمية، ابن القيم، والأئمة المتقدمين في الحديث خاصة، ومن المعاصرين: طه عبد الرحمن، المسيري عبد الوهاب، هؤلاء استعملوا في كتاباتهم عقلية ناقدة، فكون الإنسان يقرأ لهم فإن ذهنيته ستتبرمج تلقائيا بالعقلية الناقدة وسيكتسب مهارات عن طريق القرآءة تؤهله لأن يكون صاحب عقلية ناقدة."
الشخصيات لا يمكن أن تقدم عقلية نقدية فكلنا كبشر نخطىء ونصيب فمن ذكرهم الرجل وغيرهم وأنا مع الكل لديهم مخالفات في كتبهم للشرع ومن ثم لا يصلح البشر لت كوين عقل ناقد
ثم قال :
الطريق الخامس: العقلية الناقدة تحتاج إلى التطبيق العملي من تقديم بحوث ومخرجات ومنتجات فكرية تتصف بالعقلية الناقدة.
لأن الإنسان كونه يقرأ في هذه المخرجات الفكرية سيستفيد معلومات وسيستفيد امتلاك المهارات عن طريق قرآءة هذه الكتب، وأكثر ما يكتسبه الإنسان - خاصة في المهارات - كما سيأتي معنا ليس عن طريق معلومات وإنما هو عن طريق المزاولة، إما أن يزاول هو بنفسه، أو يعيش مع من يزاول هذه العملية كما سيأتي مع بعض الأمثلة.
هذه أهم الطرق التي تؤسس عند الإنسان العقلية الناقدة، وهذه الطرق التي ذكرتها تغنينا كثيرا عن الطرق الأخرى التي ذكرت في سواء المنطق أو الفلسفة أو العيش مع بعض المناهج الأخرى التي ليست هي منضبطة في نفسها.
يذكر ابن تيمية في الرد علي المنطقيين عبارة جميلة - ربما تنفعنا في بعض العلوم الآخرى أو كيف نستفيد من الفلسفة المنطق الرياضيات وغيره -، يقول: وكان كثير من أئمة السلف المتقدمين يدعون تلاميذهم إلى القراءة في العلوم الصعبة كالجبر والرياضيات والمواريث لا لشئ إلا لأن أذهانهم ستتعود على الغوص في المعاني الصعبة فتتفتق الأذهان وتكون عندهم ملكة في التعامل مع مثل هذه المسائل، وهذا ممكن أن ينفع معنا في قراءة العلوم المعقدة لتكوين العقلية الناقدة."
وهذا الكلام عن أن كثرة القراءة تؤدى لتكوين عقلية ناقدة ليس صحيحا فكثيرون يقرئون آلاف الكتب ومع هذا لا تجد أحدهم كتاب ألفه أو مقال قاله
وبالقطع العقلية الناقدة طريقة تكوينها عند المسلم هى :
أن تقول له حكم الله المطلوب منه وتعطيه البرهان وهو نص الوحى وتقول له أن من يخالف هو من يجب نقده
فالوحى وهو أحكام الله هو البناء الفكرى وعندما نعلم كل مسلم الحكم ونصه ستتكون لديه صفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فعندما يرى المنكر سيحاول تعديله حسب أوامر الله
ثم حدثنا عن مواقف من العقلية الناقدة ذاكرا أناس عملوا كنقاد ولكنهم غير مقنعين لأنهم لا يجيبون فقال:
"المواقف من العقلية الناقدة:
أقصد المواقف الموجودة في عصرنا، طبعا هناك موقف غال جدا في تكوين العقلية الناقدة يدعوا اليها بغلو حتي مثلا محمد أركون يقول: وظيفة المثقف أشكلت التراث، إثارة الأشكلة فقط، طيب، ثم ماذا؟! يعني يكون عنده أسئله أسئله فقط، ثم ماذا؟! هذا غلو في الدعوة إلي العقلية الناقدة.
ونسمع أن كثير من المثقفين حين يعرفون المثقف أو يذكرون أبرز خصائصه، يقول هو: المثقف هو الثائر هو المعترض على السمت الموجود: سواء السمت السياسي، أو الثقافي، أو المجتمعي، هذا التعريف غال في الدعوة الى العقلية الناقدة.
نسمع كثيرا الان في مواقع التواصل الاجتماعي: أنه يجب علينا أن نثور على الوصاية الفكرية، لا توجد وصاية ليس هناك أحد خاضع لأحد، كل هذه العبارات هي تمثلات لموقف الغلو في تكوين العقلية الناقدة.
هناك موقف آخر هو الموقف الجافي يدعو بلسان حاله أو بلسان مقاله - وهذا قليل - أنه يا جماعة خلونا على ما نحن عليه، نحن في خير، ونحن طريقتنا صحيحة، ونحو ذلك من الأساليب، وهذا أيضا موقف لا نحبذه وإنما لابد أن نفكر بتفكير جاد لنقد ذلك الموقف ولتجاوز هذا الموقف الذي يقول دعونا علي ما نحن عليه، ونقد وبيان ما فيه من خلل وأن هذا يدعو إلى رقود عقليتنا وأنها تصبح عقليات لا تستطيع ان تواكب مسيرة الافكار المتدفقة على واقعنا."
وتحدث عن ابعاد العقلية الناقدة فقال :
"أبعاد العقلية الناقدة
الإنسان لا يمكن أن يكون صاحب عقلية ناقدة بمجرد المعلومات، إذن العقلية الناقدة لها بعدين لا بد من توافرها سواء، إن لم تتوفر يكون عند الانسان خلل في عقليته الناقدة.
البعد الأول: البعد المعرفي.
ومعناه أن يكون عند الإنسان مضامين معرفية يستطيع أن يسير عليها عقله ومبادئه، ومبادئ يستطيع أن يسير عليه عقله حين يريد بناء فكرته أو نقد موقف المخالف له.
البعد الثاني: البعد النفسي.
وهناك أيضا البعد النفسي، أو البعد الذي يمثل المهارة؛ امتلاك مهارة لتصبح سجية عن الإنسان، وهذا البعد لايمكن أن يتحقق للإنسان بمجرد المعرفة، وإنما لابد من الممارسة"
وهذا ما سبق قوله أن المسلم يعرف أحكام الوحى ويطبقها فعندما يجد من لا يطبقها حتى ولو كان هو سيتنقد النقد البناء
وتحدث عن تكوين العقلية الناقدة فقال:
تكوين العقلية الناقدة
ماهي المرتكزات التي تقوم عليها العقلية الناقدة؟ وهذا أيضا جانب عملي مهم.
المرتكز الأول: تأسيس أصول البناء (ما صحت بدايته صحت نهايته).
هذه قاعدة لا بد أن تكون عندنا ظاهرة جدا، فمن المهم جدا أن تكون بناءآتنا الأولى مبنية على أساس صحيح؛ بحيث تكون مستوعبة وقواعد صلبة ومؤهلة للإنطلاق، ويقول بعض الحكماء: إذا أردت أن يكون قفزك قويا عليك أن ترجع قليلا إلى الوراء؛ ترجع قليلا إلى الوراء بحيث إذا قفزت تقفز بقفزة محكمة."
وهذه المقولة ليست سليمة دوما فكثير من الأنبياء كإبراهيم(ص) كانت بدايتهم خاطئة فقد تربى في بيت صانع أصنام على الكفر ومع هذا صحت نهايتهم لأنهم بنوا في منتصف العمر القاعدة الصحيحة
ثم قال :
"المرتكز الثانى: التوجه نحو الجذور.
هناك فرق بين التعامل مع الأفكار وبين التعامل مع النظريات، كثيرا ما نتعامل مع الأفكار وهذا أضر بنا كثيرا، إن أردنا ان نكون أصحاب عقلية ناقدة علينا أن نبتعد عن الأفكار - التي هي المخرجات - ونغوص حتى نستخرج النظريات.
طبعا نحن لنا نماذج وتجارب كثيرة فى النقد: سواء نقد علم الكلام، أو علم الحداثة، أو الاتجاه الحداثي، أو الإتجاه الليبرالي، أو غيره ( ... ) هذه التجارب النقدية فى كثير من صورها ومظاهرها لم تكن متقنة، لماذا؟
لأنها كانت تتعامل مع مقالات: ماذا يقول المعتزلة، ماذا يقول الأشاعرة، ماذا يقول، وماذا يقول ( ... )، لو تركنا ماذا يقولون وذهبنا إلى لماذا قالوا هذا القول - التى هى النظرية - سنكون حققنا بعض معالم أو بعض المرتكزات التي تقوم عليها العقلية الناقدة"
والتوجه نحو الجذور بتلك الطريقة لو عقله العميرى لعرف انه على باطل فالكثير من آيات القرآن هى ذكر لأقوال الكفار والرد عليها فالله لا يبحث عن لماذا التى يركز عليها العميرى
وحدثنا عن الانفتاح حول الأفكار فقال:
"المرتكز الثالث: فتح الأبواب والنوافذ حول الأفكار.
الفكر الإنساني غالبا فكر مركب، ليس فكرا مجردا، وخاصة أصحاب المناهج التي تريد أن تسير الحياة أعني المنهج الحداثي والمنهج الكلامي وغيره، هو ليس مجرد فكرة ظهرت هو عبارة عن منظومة متراكبة، إذن إن أردنا أن نتعامل مع هذه الجزئية الموجودة فى هذه المنظومة علينا أن يكون عندنا أدراك لهذه المنظومة كلها.
الذي يريد أن يتعامل مع الفكرة هو كالذي يريد ان يستأجر بيتا لا يكتفي بمجرد النظر من الخارج وينظر إلى الشبابيك وإلى الأبواب ويقول اكتفيت قيمت البيت! ولو فعل ذلك سيكون مذموما عند الناس، ولكن عليه أن يدخل البيت ويفتشه غرفة غرفة ويشوف جميع الجزئيات التي في البيت، إن فعل ذلك سيكون فعل الواجبات عليه في شراء البيت.
كذلك من أراد أن يتبنى فكرة أو أراد أن يرد على فكرة عليه أن يدخل في جميع فقرات هذه الفكرة
فتح الأبواب والنوافذ يمكن أن يحققه الإنسان بصياغة أخرى وهي ما أسميه هنا: تفعيل أسئلة الفحص.
عندنا أسئلة معرفية ضروري الإنسان يفعلها في حياته دائما تكون عنده في حياته، إذا مرت عليه فكرة تكون هذه الأسئلة حاضرة في ذهنه ويبدأ يثيرها عليه يطرحها على هذه الفكرة حتى يحاول أن يتأكد من جميع فقرات الفكرة، طبعا أنا طبقت أسئلة الفحص على النموذج الحداثي "الخطاب الحداثي" طبعا نشرته في مقال اسمه: إضاءات في طريق البناء الفكري المتوازن، في هذا المقال حاولت أن أثير أسئلة الفحص على الخطاب الحداثي، فهناك 13 سؤال إن أراد الإنسان أن يبني موقفا رشيدا حول الخطاب الحداثي عليه أن يبحث عن جواب عن هذه ال 13 سؤال في الخطاب الحداثي، طبعا لا أستطيع أن أذكر كل الأسئلة ولكن هناك أسئلة تتعلق بالمناهج التي أعتمدها الخطاب الحداثي، وهناك أسئلة تتعلق بالمواد التراثية التي قام الخطاب الحداثي بتحليلها، وهناك أسئلة تتعلق بالنتائج التي أستخرجها الخطاب الحداثي، مجموع هذه الأسئلة 13 سؤالا أزعم أن من أراد أن ينقد الخطاب الحداثي بناء على هذه الأسئلة الثلاثة عشر سيبني موقفا رشيدا عن الخطاب الحداثي وسيكون موقفه النقدي موقفا مقنعا للأخرين؛ لأنه استطاع أن يدخل إلى الخطاب الحداثي من جميع الأبواب والنوافذ.
ما هي الأسئلة التي أطرحها على المنطق حتى يكون موقفي رشيدا إن أتخذته؟
المجال الأول: هناك أسئلة تتعلق بطبيعة المنطق.
يعني من عدة جهات يمكن أن أطرح أسئلة: ما طبيعة الأسباب التي أوجبت حدوث المنطق؟ لماذا أتى أرسطو بهذا المنطق؟ ضروري أقدم أسئلة كثيرة تتعلق بهذا الجانب حتى يكون فحصي دقيق لهذه المنظومة التي قدمها أرسطو، وكذلك الطبيعة المعرفية التي كانت عند اليونان التي بناء عليها سار أرسطو في منطقه.
المجال الثاني: طبيعة الاصول الفلسفية التي كان أرسطو يراعيها في بناء نظرياته المنطقية.
هذه مجال مهم لابد ان نثير أسئلة كثيرة في هذا المجال حتى يكون موقفي موقفا رشيدا.
المجال الثالث: طبيعة النظريات الفلسفية التي قدمها أرسطو ومدى موافقتها لقطعيات الشريعة عندنا يعني أحاكم المنطق الأرسطي إلى قطعيات الشريعة عندنا، في بعض النماذج النقدية للمنهج الأرسطي لم تفعل كل هذه الجهات الثلاث، بعض النقاد كان يحاكم المنطق إلى لغته، وبعض النقاد كان يحاكم المنطق إلى القطعيات الشرعية عندنا فقط ولم يستوعبوا كل هذه الجهات، - وفي تصوري - أنه لم يوجد أحد في التاريخ استوعب هذه الجهات الثلاث إلا ابن تيمية، وطبعا أزعم أن هذا استقراء.
ابن تيمية حين انتقد المنطق لم يكن نقده من نافذه واحدة وإنما فتح جميع النوافذ والأبواب حول المنطق فاكتشف أن المنطق من الجهة الأولى فيه إشكاليات كثيرة ومن الجهة الثانية فيه أخطاء منهجية ضخمة ومن جهة قطعيات الشريعة إكتشف أن فيه أشياء أخرى تحتاج إلى نقد وتفعيل"
مما لاشك فيه وجوب استيعاب الناقد لما ينقده تماما وكانه واحد من اصحابه حتى يقدر على بيان تناقضاته أو أخطائه أو تعارضاته مع نصوص الوحى
وتحدث عما سماه تحقيق التوازن في المستندات فقال :
"المرتكز الرابع: تحقيق التوازن في المستندات.
إن أراد الإنسان أن يبني فكرة ما: عليه أن يراعي المستندات التي تقوم عليها هذه الفكرة، ثم يحاول أن يفعل جميع هذه المستندات التي تؤثر في الفكرة سواء كانت بنائية أو نقدية.
الإشكال عندنا أحيانا: أن تكون بعض الافكار لها مستند شرعي ومستند عقلي، فيأتي البعض فيبني الفكرة صحيحة ولكنه حين يبين مستندات لا
يذكر إلا مستندا واحدا: المستند الشرعي مثلا، ولا يفعل المستند العقلي - وفي تصوري - أن هذا خلل في بنية الافكار وهو يضر بالعقلية الناقدة، العقلية الناقدة تراعي جميع المستندات وتحدد طبيعة كل مستند وتأثيره في الفكرة، وهو أيضا ما تميز به التفكير التيمي، التفكير التيمي حين أراد أن يبني مواقفه البنائية أو النقدية من الآخرين: فعل جميع المستندات التي تؤثر في الأفكار، فتجد عنده المستند العقلي، والمستند الشرعي طبعا، والمستند التاريخي، والمستند التجريبي، والمستند النفسي كما فعله في نقد المنطق وبناء نظرياته المنطقية، كل هذه المستندات فعلها ابن تيمية في بناء أفكاره ومواقفه، فكانت أفكاره ومواقفه فعلا تتصف بالنضج والإتقان."
وبالقطع العميرى عند اختياره لمنهج ابن تيمية النقدى جعله منهجا صحيحا والحقيقة أنه مثل أى بشر له ما له وعليه ما عليه فالرجل في بعض كتبه يخالف الشرع خلافا ظاهرا
وتحدث عما سماه الحفاظ على المسافات الفاصلة فقال :
"المرتكز الخامس: الحفاظ على المسافات الفاصلة.
كل إنسان بينه وبين الآخرين مسافات، وهي المسافات التي تحقق الاختلاف بينه وبين الآخرين - وهذا جانب نفسي مهم جدا -، إن لم يستطع الإنسان أن يحافظ على هذه المسافات سيحدث عنده اختلال في عقليته...
إن لم يحافظ على هذه المسافة ستقع عقليته في خلل ولن يكون صاحب عقلية ناقدة، وبناء عليه:
- قد لا يرى بعض أخطائه.
- قد لا يرضى بنقده.
- قد يكون مجرد مكرر لآراء مواقف من اقترب منه.
بعض الأشخاص لم يستطع أن يحافظ على العقلية الناقدة ولكن في الجهة الأخرى، أخذ يبتعد كثيرا، فإذا قرأ لفلان يغضب منه فيبتعد ولا يحافظ على المسافة التي يجب أن تكون بينه وبين هذا الشخص، فيتخذ مواقف معادية، أو أحكام قاسية لا تتناسب مع هذا الرجل الذي يريد أن يتخذ منه موقف، والسبب أنه لم يستطع أن يحافظ على المسافات الفاصلة.
يقرأ مثلا لمفكرين أو لمخالفين له في العقائد أو في الفقه أو في غيره، فلا يستطيع أن يضبط نفسه ولا يستطيع أن يحافظ على المسافة المهمة، فيتخذ موقفا بعيدا يترتب عليه إجراءات مخالفة للعقلية الناقدة."
وكلام الرجل هنا يسمونه انتقاد النص دون الحديث عن مؤلفه وهو كلام مناقض لموافقته لمنهج أهل الحديث فهم ينتقدون الرجال ولا ينتقدون النص
وتحدث عن البرهان فقال :
"المرتكز السادس: الإعتماد على الأوصاف المؤثرة (تفعيل البرهان).
بعض الأشخاص أحيانا لا يحافظ على هذه الأوصاف المؤثرة، فتارة يحاكم الفكرة إلى جنسيتها، يقول: ماذا نريد من المنطق؟ لأنه يوناني! لاحظ، حاكم المنظومة إلى الجنسية التي جاءت منها، وكذلك ربما يحاكم بعض الأفكار القادمة إلينا من الغرب، ربما تكون خاطئة ولكن مستنده في تخطئتها لم يكن البرهان وإنما وصف الآخر غير مؤثر، وهذه الأوصاف التي هي: الجنسية، وموطن العيش، وموطن النماء، هذه ليست أوصافا يمكن أن يعتمد عليها في تصحيح الأفكار أو تخطيئها، وإنما غاية ما يمكن أن تصل إليه مؤشرات فقط مؤشرات تثير الأسئلة، أما أنها تصبح دليلا لإثبات صحة فكرة، أو لإثبات بطلانها، هذا منافي للعقلية الناقدة.
وكذلك إذا نمت فكرة في الجو الإسلامي هذا لا يدل على صحتها، إنما هي مؤشر على أن الفكرة قد لا تكون خاطئة يعني مخالفة للأصول الكبرى لأنها نمت في جو إسلامي، والذي أقصده أنه ضروري أن نتخلى عن الأوصاف غير المؤثرة في بناء المواقف من الآخرين وحتى بناء مواقفنا.
أضرب مثالا في وقاعنا أنه كثيرا ما نسمع أن هذا صحفي، لماذا يخوض في هذه القضية؟
كلمة صحفي ليس وصفا مؤثرا يعني ممكن يكون صحفي ولكنه اهتم بهذه المسألة وبحث فيها مثلا عشر سنين أو أقل أو أكثر فيكون متخصص، فإثارة هذا الوصف الذي كثيرا ما نسمعه هذا منافي للعقلية الناقدة، العقلية الناقدة لا تعطي هذا الوصف قدرا أكثر مما يستحق، هو مؤشر ولكنه ليس دليلا كافيا في نباء المواقف من هذا الشخص صاحب الفكرة التي يريد أن أتخذ منها موقفا رشيدا."
والرجل هنا ينبهنا إلى أن البرهان يجب أن يكون متعلقا بالنص المنقود وليس بجنسية أو دولة المؤلف أو لونه أو غير هذا
وتحدث عن حكاية المصادر الموثوقة فقال :
"المرتكز السابع: البحث عن المصادر الموثوقة في بناء الأفكار وفي محاكمة الأفكار المنقودة.
من المهم جدا إن أردت أن أبني تصوراتي البنائية أو أبني مواقف نقدية من الآخرين، علي أن أحرص على المادة التي أقوم بتحليلها لأستخرج هذه الفكرة، التي هي البحث عن المصادر الموثوقة طبعا، وهذا الخلل أكثر ما يوجد عند الخطاب الحداثي، إن أردنا أن نحاكم الخطاب الحداثي لهذا المرتكز فقط، نكتشف أن الخطاب الحداثي فاقد للعقلية الناقدة، مع أنه يتغنى بها كثيرا! لأنه حين يريد أن يبني أفكاره ومواقفه لا يحرص على المصادر الموثوقة وإنما يعتمد على مصادر غير موثوقة في نقل المعلومات التي يعتمدها، والغريب أن بعضهم يقول هذا الكتاب أنا متشكك في صحة نسبته ثم يبني عليه فصول متتالية، كما فعل الجابري مع كتاب "الإمام والسياسة" المنسوب إلى ابن قتيبة، هو صرح بنفسه أن هذا الكتاب هو يشك بنسبته إلى ابن قتيبة، ولكنه في كتابه "نقد العقل السياسي" بنى عليه فصول كاملة، والكتاب فعلا فيه إشكاليات تاريخية ضخمة يكاد الإنسان يجزم معها بأن هذا الكتاب ليس لابن قتيبة، لكن يأتي ويبنى عليها كتاب كامل يوصف بأنه نقد للعقل العربي!."
وهذا الكلام هو في نقد نوع معين من المؤلفات وحكاية المصادر الموثوقة هو نوع من الترف فالنقد يوجه للنص وليس لصاحبه كما قال في مرتكز سابق فالنقد نقد نصوص أى أقوال
واخر ما حدثنا عنه صرامة تطبيق المبادىء فقال :
"المرتكز الثامن والأخير: الصرامة في الأخذ بالمباديء.
ضروري للإنسان إذا أراد أن يكون صاحب عقلية ناقدة لا تتأثر بالواقع وتنتج مواقف رشيدة وناضجة، عليه أن يكون عنده صرامة في الأخذ بالمباديء التي يؤمن بها، وبالمرتكزات التي يبني عليها أفكاره"
ومما لاشك فيه ان هذا البحث النقد الموجه له هو جعله النقد عمل بشرى فهو لم يستدل بآية واحدة أو يبنى على الشرع شيئا
المحاضر سلطان العميري وكعادة المحدثين حتى فيما يختص بأحكام الدين نجدهم يستعيرون التسميات والعناوين من كتب وأبحاث الغرب فتسمية العقلية الناقدة تسمية غريبة علينا سماها القرآن الكريم :
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وجعلها صفة لكل المسلمين
وأمر الله أن تتواجد طائفة تختص بها في المجتمع والمراد مجموعة من الأفراد في كل بلدة وظيفتها في الأماكن العامة الدعوة إلى الخير وهو الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفى هذا قال تعالى :
"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"
وحدثنا العميرى عن تعريف النقد فقال :
"مفهوم العقلية الناقدة
تعلمون أن النقد في اللغة هو معنى واسع يشمل: الفحص والاختبار، في معاجم العربية يقولون: نقد فلان الدراهم يعني فحصها واختبرها حتى يميز صحيحها من رديئها، وهذا يعني أن النقد في اللغة ليس هو الرد وليس هو الإبطال، وإنما هو معنى واسع يشمل تحليلا، الشيء المنقود تحليله وفحصه وإثارة الأسئلة حوله حتى يستطيع الإنسان أن يميز الصحيح من الخاطئ والنفيس من الرديئ ونحو ذلك.
إذا هذا هو معنى النقد الذي نقصده، ليس النقد الذي نقصده هو الرد والإبطال وإنما الفحص والاختبار.
وبناء عليه يكون المراد بالعقلية الناقدة هي العقلية التي لديها القدرة على فحص المقالات وفحص المواقف حتى نتأكد من صحتها ومن خطئها.
ويقصد بها أيضا بتعبير آخر، أن العقلية الناقدة هي: إدراك كيفية بناء الأفكار بطريقة صحيحة، وإدراك أيضا طريقة فحص الأفكار المخالفة لفكرتي ولموقفي بطريقة صحيحة، هذا هو المراد بالعقلية النقدية من طريق آخر."
الرجل هنا ابتعد بنا عن المعنى المعروف للنقد وهو بيان المحاسن ودحض المساوىء وقد قصرنا معه على معنى البناء الفكرى فقال :
"إذا، محاضرتنا والتي هي "تكوين العقلية الناقدة" تجيب على سؤال هو: كيف أتعامل مع الأفكار بشكل صحيح؟ كيف أستطيع أن أكون رؤية أو منطومة أستطيع أن أنزلها على الأفكار التي أعيشها من حولي وفي حياتي؟ وأيضا سؤال آخر ملح: كيف أبني موقفا مقنعا للآخرين، يؤسس القناعة عند الآخرين؟
لأن في كثير من المواقف يرد الحق لا لأن الراد لا يريد الحق وإنما لأن صاحب الحق ما استطاع أن يبنيه بصورة صحيحة تؤسس القناعة عند المستمع أو عند القارئ."
وبالقطع هذا الكلام هو خروج عن المعنى الحقيقى للنقد إلى معنى أخر ليس للمسلم أن يفكر فيه لأنه يضع نفسه مكان الشارع وهو الله فالبانى الفكرى الوحيد هو الله
فمن يحاول إيجاد ما يسمى بالبناء الفكرى أو المنظومة الفكرية أو غير هذا يتعدى حدوده لأنه لا يعلم بالخلق ولذا كان البانى الوحيد هو الله لعلمه بما خلق كما قال :
" ألا يعلم من خلق"
وأخبرنا العميرى أن الناقد يحتاج لبناء فكرة مقنع مكون من مجالين :
"إذا صاحب الحق يحتاج إلى تكوين العقلية الناقدة في مجالين:
المجال الأول: هو أن يبني أفكاره بصورة مقنعة للآخرين بحيث يقتنع الناس بالحق.
المجال الثاني: أن يبني مواقفه - النقدية - من الآخرين أيضا يبنيها بصورة تحدث القناعة عند المشاهدين والمستمعين ونحو ذلك."
وهذا الكلام لا يسمى بناء فكريا ولا منظومة فكرية وإنما يسمى ترتيب الكلام على خطوات للاقناع
وحدثنا عن فوائد العقلية الناقدة فقال :
"أهمية العقلية الناقدة:
هل نحن في حاجة إلى العقلية الناقدة والبحث حولها والتدارس حولها أم لا؟
في تصوري أن هناك عدة معطيات تبين لنا أننا فعلا في حاجة ملحة وماسة لتكوين هذه العقلية حتى نتجاوز الكثير من الإشكاليات الموجودة.
المعطى الأول: حتمية المخالفة.
لا يمكن للناس أن يتفقوا على قول واحد، وبناء عليه: المقتضى الضروري لهذه المعلومة هو أن الخلاف موجود بالضرورة بين الناس، فإذا كان الخلاف موجود بالضرورة بين الناس هذا يقتضي بالضرورة أن الإنسان سيتخذ مواقف من الآخرين المخالفين له، فإذا كانت هذه الضرورات كلها المتراكمة والمترابطة موجودة إذا هذا يستوجب على الإنسان أن يكون عنده وعي بالطريقة التي يبني بها المواقف الناضجة والصحيحة.
إذا العقلية الناقدة بناء على حتمية المخالف: تؤسس عندنا أو تساعدنا على الوفاء بالواجبات المعرفية، لأن تأسيس الموقف الرشيد من المخالف لك - بحيث يكون موقف ناضج ومعتدل وصحيح ومقنع - واجب شرعا وواجب معرفيا، يعني هو واجب من حيث الشريعة يعني لكي لا تنتقص الآخرين وواجب أيضا معرفيا لأن الآخرين حين تنقضهم لا يمكن أن يقبلوا قولك إلا إذا كان قولا أو موقفا أو نقدا مقنعا، إذا العقلية النقدية تؤسس عند الإنسان مهارة للوفاء بالواجبات المعرفية التي تتطلبها ضرورة وجود الخلاف."
كلام العميرى هنا مبنى على فهم خاطىء لأن الناس ينقسمون حسب الوحى إلى نوعين :
الأول المتفق المتحد وهو من على دينك ولذا قال تعالى :
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
ولذا لا يوجد خلاف أو نزاع بين المسلمين في الأحكام لقوله تعالى :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
فالله حكمه هو الذى يوجد المسلمين ومن ثم لا يوجد خلاف بينهم كما هو معروف في المذاهب
الثانى المخالف له وهو من على دين أخر والأمر كما قال العميرى حتمية وجوده بناء على قوله تعالى :
"ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم"
وتحدث عن اختلافات المعارف والمواقف فقال :
"المعطى الثاني: أن الواقع يتمتع بتنوعات هائلة من المعارف وباختلافات واسعة من المواقف.
هذه التنوعات وهذه الاختلافات توجب على الإنسان أن يحرص على تكوين العقلية الناقدة عنده، لماذا؟ حتى يخرج من التفكير الإسفنجي.
التفكير الاسفنجي: هو التفكير الذي لا يستطيع أن يميز الإنسان فيه بين الأفكار الصحيحة والباطلة، هو مثل الاسفنجة يتقبل أي فكرة، هذا التفكير خطير جدا في حالة التنوع المعرفي الموجود، كيف يستطيع الإنسان أن يخرج بموقف رشيد من حالة التنوع الموجود؟ لا يستطيع، وأحد الأسباب التي تأسس له الخروج بموقف ناضج هو أن يكون العقلية الناقدة."
في الإسلام لا يوجد تفكير ناقد وتفكير اسفنجى او تفكير سطحى فكل هذا التعبيرات خارج نطاق الإسلام وهو نتاج تصديق العلوم الغربية فما دام الفكر هو المطلوب كما قال تعالى :
"أفلا تتفكرون"
فهذا معناه أنه لا يوجد سوى الفكر بمعنى الحق أى الصحيح فلا يوجد فكر خاطىء وفى مقابله يوجد هوى النفس أو الجهل
وما سماه اسفنجيا هنا هو جهل لأن صاحبه جمع من هناك وهناك ولم يفكر
وحدثنا عن المناعة الفكرية فقال :
"المعطى الثالث: الحاجة إلى المناعة الفكرية.
نحن في حاجة تكوين العقلية الناقدة لأنه في زمن الهزيمة النفسية وهيمنة الحضارة الغربية نحتاج إلى تعزيز العقليات التي تحدث عندها ما يسمى بالمناعة الفكرية والمناعة الفكرية أحد أقوى طرق تأسيسها هو: أن تكون عند الإنسان عقلية ناقدة يستطيع أن يؤسس بها المناعة بحيث يميز بين الأفكار الصحيحة والباطلة، وبالمناسبة تأسيس المناعة العقلية هو في الحقيقة نوع من التجديد الذي جاء ممدوحا في الشريعة، الشريعة حين مدحت التجديد، الأمة تحتاج إلى تجديد في الدين، ومن طرق التجديد في الدين أن يجدد الإنسان الوعي العقلي عند المسلمين وعند متطلبي المعرفة والعلم، ومن صور تجديد الوعى المعرفي هو أن يثير المضامين التي تأسس العقلية الناضجة."
وكلام العميرى يحتوى على خطأين:
الأول وجود تجديبد في الدين وهو ما يخالف أن الدين فيه حكم كل شىء كما قال تعالى :
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء"
فكيف تكون الشريعة كاملة وتحتاج لتجديد؟
التجديد المزعوم هو إضافة وهو اتهام صريح لله أن كاذب في قوله " اليوم أكملت لكم دينكم" واتهام صريح للنبى(ص) بأنه لم يبلغ الرسالة كاملة مع أن الله يقول " ما فرطنا في الكتاب من شىء"
الثانى بناء العقلية الناقدة على المناعة الفكرية وكلمة المناعة نفسها تعنى وجود حماية تامة للمسلم ومن ثم فلا تحتاج المناعة لبناء ولا لتجديد لأنها موجودة من خلال الدين نفسه فالمناعة هى أحكام الدين كلها فهى البناء الفكرى للمسلم والذى ينقد على أساسه أى شىء يحدث له أو معه او حوله
وحدثنا عما سماه الانفتاح والايجابية فقال :
"المعطى الرابع: هدف الإيجابية المعرفية.
تكوين العقلية الناقدة له دور كبير في تحقيق الايجابية المعرفية، إذا وجد التنوع ووجدت الانهزامية المعرفية في هذه الحالة يتحتم علينا أن نلتفت بشكل كبير إلى هدف الإيجابية المعرفية، ولا يمكن أن تكون عندنا إيجابية معرفية، ولا أقصد بها أن يكون موقفنا من الآخرين هو: أن نأخذ أو لا نأخذ، هذه ليست إيجابية معرفية، ما يسمى عندنا بالانفتاح وضوابط الانفتاح.
دخولك إلى الآخرين يمكن أن يكون من عدة نوافذ:
النافذة الأولى: نافذة الانفتاح وعدم الانفتاح.
النافذة الثانية: هي نافذة الايجابية المعرفية التي تقتضى التأثير وعدم التأثر.
يجب أن يكون من همومنا نحن في هذا العصر ليس فقط: هل نفتح على الآخرين، أم لا؟ وإنما كيف نؤثر في الآخرين وكيف لا نتأثر بهم، هذا هو البحث أو الانطلاق من نافذة التأثير، والتأثر هو ما أقصده بالايجابية المعرفية.
كثيرا ما تحدثنا عن الانفتاح ولكن التركيز على الانفتاح ليس منهجيا بشكل كبير، وإنما الأفضل التركيز على الايجابية المعرفية التي تقتضى البحث في التأثر والتأثير، فإذا كانت هذه هي النافذة التي ننفذ بها إلى العالم من حولنا، هذا يتطلب علينا أن تكون عندنا مهارة التفكير الناقد، لانه لا يمكن أن تنجح في الإيجاببة المعرفية بحيث تؤثر في الاخرين وتحدث عندهم قناعة بمواقفك ويكون عندك أيضا ملكة في تمييز ما عندهم من حق وصواب، إلا إذا كانت عندك عقلية ناقدة."
وهذا كلام كما يقاتل إنشائى لا فائدة منه فالمسلم منفتح بالضرورة على كل المخالفين في كل أمر لأن الشريعة فيها حكم كل أمر ومن ثم فما يطلبه العميرى وهو اقناع الآخر بالمواقف من خلال تلك العقلية هو ضرب من الخبل
لو كان الأمر كما يزعم لأقنع النبى(ص) العالم كله ولكن الأمر ليس بالاقناع فكل الأنبياء(ص) كان كلامهم في الدعوة مقنع ومع هذا كانت أغلبية الناس كفرة بهم ولذا قال تعالى لخاتم النبيين(ص):
" وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"
فمن يريد الاقتناع سيقتنع ومن لا يريد لن يقتنع كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
ولو نظر العميرى في قبة السماء لوجد الشمس تدور فوق الأرض ولكن معظم البشر يصدقون أن ألأرض هى من تدور حول ألأرض نتيجة النظرية التى درسوها في المدارس بدون تفكير إن الإنسان يكذب عينيه
هذا مثال على عملية الكفر والإيمان فالمقنع الأكبر هو النظر ومع هذا ألغت معظم البشرية عقولها فكذبت عيونها التى ترى الحقيقة ظاهرة
وتساءل العميرى عن مناهج صناعة العقلية الناقدة وأجاب فقال :
"مناهج صناعة العقلية الناقدة
ماهي المناهج المقترحة لصناعة العقلية الناقدة؟
طبعا هناك مناهج متعددة، نسمع كثيرا أن الذي يريد أن يكون عنده عقل ناقد وعقل مميز عليه أن يدرس الفلسفة أو يدرس المنطق، وطبعا، وهذا كثيرا ما يذكر هذين المنهجين، وهذا ليس دقيقا إنما هو انخداع بالاسماء،الفلسفة والمنطق هي في حاجة إلى عقلية ناقدة، هي في حاجة إلى تصحيح الاخطاء المعرفية والمنهجية الموجودة فيها، وليس صحيحا أن نبني عقلية ناقدة ناضجة بمنهجية ليست ناضجة بالنهاية فيها أخطاء منهجية كبيرة تنحرف بالذهن البشري إلى مناطق أخرى لا يمكن أن يتحقق من صدقها ومن خطئها سواء كانت الفلسفة اليونانية أو الفلسفة الغربية وكذلك المنطق الأرسطي أو المنطق الغربي = كل هذه المناهج التي أرادت صناعة العقل هي مناهج تحتاج إلى إعادة تكرير وإعادة صناعة لانها مليئة بالاخطاء، إذا كان الامر كذلك، فما هي المناهج التي تساعدنا على تكوين العقلية الناقدة؟
أنا حاولت انني أحصر بعض المناهج وبعض الطرق التي نستطيع أن نصنع بها العقلية النافدة، من أول المناهج:
الطريق الأول: تفعيل منهجية المحدثين في نقد الحديث.
منهجية المحدثين في نقد الحديث منهجية عقلانية وصارمة جدا، بل إن العيش مع هذه العقلية - عقلية المحدثين - يعطي الذهن ملكة في التمحيص الدقيق للمقالات، والبحث عن جميع المؤثرات حول المعلومة، طبعا المحدثين يبحثون حول النص أو ناقل النص نحن نريد أن ننقل هذه المنهجية التي طبقوها على تنوعات ظاهرة من الحديث: يعني أحاديث باطلة وأحاديث موضوعة ومئات الرجال، ومع هذا استطاعوا أن يميزوا بين الصحيح وبين الضعيف بكل جدارة، هذا يدل على أن العقلية أو المنهجية التي أتوا بها منهجية صلبة، منهجية ثرية، نحتاج أن نفعلها في تكوين العقلية الناقدة التي ندعوا إليها وسنبين معالمها."
منهجية أهل الحديث قائمة على ألغاء عقولهم في المتون فهم يركزون على شىء واحد هو الإسناد أى الرجال فإن كانوا عدولا عندهم فالحديث صحيح حتى ولو كان مكذبا للقرآن وللواقع ولو كان يضرب بعضه بعضا ومن ثم فمنهجهم فاشل تماما ولو طبقوه كما ينبغى ما خرجت رواية واحدة صحيحة لأنه لا يوجد رجل إلا وقد تكلم فيه بالذم القليل أو الكثير
ثم قال:
"الطريق الثاني: تفعيل المخزون الفلسفي في الشريعة.
في تراثنا الإسلامي والسلفي بالخصوص عدة مناجم؛ عندنا مناجم: مخزون سياسي، ومخزون فلسفي، ومخزون فقهي، - عندنا مخازين كبيرة، خزانات ضخمة - نحتاج أن نفعل هذه المناجم وننقب فيها ونستخرج المضامين الفلسفية في المجال الفلسفي، والمضامين السياسية في المجال السياسي، والمضامين المنطقية في المجال المنطقي، ونحو ذلك ...
وعندنا مخزون ضخم جدا موزع في التراث الإسلامي وفي النصوص الشرعية، لو فعلنا هذا الجانب سنمتلك مهارات كبيرة في تكوين العقلية الناقدة."
يذكرنى العميرى بحكايته عن المخزون بالأعمى الذى يقود أعمى فهم كثرة ومع هذا يسقطان في حفرة لعدم وجود رائد سليم النظر يقودهم لبر الأمان فكل هذا التراث يصح أن يقال عنه طريق للتكوين العقلة لو كان صحيحا ولكنه تراث معظمه مزيف ومخالف لٌسلام وهو هادم أكثر منه بانى
ثم قال :
الطريق الثالث: تفعيل دور الكتب المؤلفة في آداب البحث والمناظرة.
لدينا أيضا عدد كبير من الكتب المؤلفة في آداب البحث والمناظرة؛ سواء على جهة الاستقلال أو في أواخر كتب أصول الفقه، العلماء في هذا المبحث كان هدفهم أن يبينوا كيف يستطيع الإنسان أن يتناظر مع المخالف له، وكيف يستطيع أن يستعمل أساليب تحدث القناعة عند المستمع له.إذن هذه الكتب فيها قدر كبير من المضامين التي تؤسس عندنا العقلية الناقدة."
هذه الكتب مختلفة الأهداف والطرق ومن ثم فهى لا تؤدى لعقلية نقدية وغنما تؤدى لزيادة الاخلافات في الغالب
ثم قال :
الطريق الرابع: إقامة دراسات مكثفة عن الشخصيات التي تميزت وعرفت بالعقلية الناقدة.
طبعا الشخصيات ضخمة في التاريخ الإسلامي ولكن من أبرزها: ابن حزم، ابن تيمية، ابن القيم، والأئمة المتقدمين في الحديث خاصة، ومن المعاصرين: طه عبد الرحمن، المسيري عبد الوهاب، هؤلاء استعملوا في كتاباتهم عقلية ناقدة، فكون الإنسان يقرأ لهم فإن ذهنيته ستتبرمج تلقائيا بالعقلية الناقدة وسيكتسب مهارات عن طريق القرآءة تؤهله لأن يكون صاحب عقلية ناقدة."
الشخصيات لا يمكن أن تقدم عقلية نقدية فكلنا كبشر نخطىء ونصيب فمن ذكرهم الرجل وغيرهم وأنا مع الكل لديهم مخالفات في كتبهم للشرع ومن ثم لا يصلح البشر لت كوين عقل ناقد
ثم قال :
الطريق الخامس: العقلية الناقدة تحتاج إلى التطبيق العملي من تقديم بحوث ومخرجات ومنتجات فكرية تتصف بالعقلية الناقدة.
لأن الإنسان كونه يقرأ في هذه المخرجات الفكرية سيستفيد معلومات وسيستفيد امتلاك المهارات عن طريق قرآءة هذه الكتب، وأكثر ما يكتسبه الإنسان - خاصة في المهارات - كما سيأتي معنا ليس عن طريق معلومات وإنما هو عن طريق المزاولة، إما أن يزاول هو بنفسه، أو يعيش مع من يزاول هذه العملية كما سيأتي مع بعض الأمثلة.
هذه أهم الطرق التي تؤسس عند الإنسان العقلية الناقدة، وهذه الطرق التي ذكرتها تغنينا كثيرا عن الطرق الأخرى التي ذكرت في سواء المنطق أو الفلسفة أو العيش مع بعض المناهج الأخرى التي ليست هي منضبطة في نفسها.
يذكر ابن تيمية في الرد علي المنطقيين عبارة جميلة - ربما تنفعنا في بعض العلوم الآخرى أو كيف نستفيد من الفلسفة المنطق الرياضيات وغيره -، يقول: وكان كثير من أئمة السلف المتقدمين يدعون تلاميذهم إلى القراءة في العلوم الصعبة كالجبر والرياضيات والمواريث لا لشئ إلا لأن أذهانهم ستتعود على الغوص في المعاني الصعبة فتتفتق الأذهان وتكون عندهم ملكة في التعامل مع مثل هذه المسائل، وهذا ممكن أن ينفع معنا في قراءة العلوم المعقدة لتكوين العقلية الناقدة."
وهذا الكلام عن أن كثرة القراءة تؤدى لتكوين عقلية ناقدة ليس صحيحا فكثيرون يقرئون آلاف الكتب ومع هذا لا تجد أحدهم كتاب ألفه أو مقال قاله
وبالقطع العقلية الناقدة طريقة تكوينها عند المسلم هى :
أن تقول له حكم الله المطلوب منه وتعطيه البرهان وهو نص الوحى وتقول له أن من يخالف هو من يجب نقده
فالوحى وهو أحكام الله هو البناء الفكرى وعندما نعلم كل مسلم الحكم ونصه ستتكون لديه صفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فعندما يرى المنكر سيحاول تعديله حسب أوامر الله
ثم حدثنا عن مواقف من العقلية الناقدة ذاكرا أناس عملوا كنقاد ولكنهم غير مقنعين لأنهم لا يجيبون فقال:
"المواقف من العقلية الناقدة:
أقصد المواقف الموجودة في عصرنا، طبعا هناك موقف غال جدا في تكوين العقلية الناقدة يدعوا اليها بغلو حتي مثلا محمد أركون يقول: وظيفة المثقف أشكلت التراث، إثارة الأشكلة فقط، طيب، ثم ماذا؟! يعني يكون عنده أسئله أسئله فقط، ثم ماذا؟! هذا غلو في الدعوة إلي العقلية الناقدة.
ونسمع أن كثير من المثقفين حين يعرفون المثقف أو يذكرون أبرز خصائصه، يقول هو: المثقف هو الثائر هو المعترض على السمت الموجود: سواء السمت السياسي، أو الثقافي، أو المجتمعي، هذا التعريف غال في الدعوة الى العقلية الناقدة.
نسمع كثيرا الان في مواقع التواصل الاجتماعي: أنه يجب علينا أن نثور على الوصاية الفكرية، لا توجد وصاية ليس هناك أحد خاضع لأحد، كل هذه العبارات هي تمثلات لموقف الغلو في تكوين العقلية الناقدة.
هناك موقف آخر هو الموقف الجافي يدعو بلسان حاله أو بلسان مقاله - وهذا قليل - أنه يا جماعة خلونا على ما نحن عليه، نحن في خير، ونحن طريقتنا صحيحة، ونحو ذلك من الأساليب، وهذا أيضا موقف لا نحبذه وإنما لابد أن نفكر بتفكير جاد لنقد ذلك الموقف ولتجاوز هذا الموقف الذي يقول دعونا علي ما نحن عليه، ونقد وبيان ما فيه من خلل وأن هذا يدعو إلى رقود عقليتنا وأنها تصبح عقليات لا تستطيع ان تواكب مسيرة الافكار المتدفقة على واقعنا."
وتحدث عن ابعاد العقلية الناقدة فقال :
"أبعاد العقلية الناقدة
الإنسان لا يمكن أن يكون صاحب عقلية ناقدة بمجرد المعلومات، إذن العقلية الناقدة لها بعدين لا بد من توافرها سواء، إن لم تتوفر يكون عند الانسان خلل في عقليته الناقدة.
البعد الأول: البعد المعرفي.
ومعناه أن يكون عند الإنسان مضامين معرفية يستطيع أن يسير عليها عقله ومبادئه، ومبادئ يستطيع أن يسير عليه عقله حين يريد بناء فكرته أو نقد موقف المخالف له.
البعد الثاني: البعد النفسي.
وهناك أيضا البعد النفسي، أو البعد الذي يمثل المهارة؛ امتلاك مهارة لتصبح سجية عن الإنسان، وهذا البعد لايمكن أن يتحقق للإنسان بمجرد المعرفة، وإنما لابد من الممارسة"
وهذا ما سبق قوله أن المسلم يعرف أحكام الوحى ويطبقها فعندما يجد من لا يطبقها حتى ولو كان هو سيتنقد النقد البناء
وتحدث عن تكوين العقلية الناقدة فقال:
تكوين العقلية الناقدة
ماهي المرتكزات التي تقوم عليها العقلية الناقدة؟ وهذا أيضا جانب عملي مهم.
المرتكز الأول: تأسيس أصول البناء (ما صحت بدايته صحت نهايته).
هذه قاعدة لا بد أن تكون عندنا ظاهرة جدا، فمن المهم جدا أن تكون بناءآتنا الأولى مبنية على أساس صحيح؛ بحيث تكون مستوعبة وقواعد صلبة ومؤهلة للإنطلاق، ويقول بعض الحكماء: إذا أردت أن يكون قفزك قويا عليك أن ترجع قليلا إلى الوراء؛ ترجع قليلا إلى الوراء بحيث إذا قفزت تقفز بقفزة محكمة."
وهذه المقولة ليست سليمة دوما فكثير من الأنبياء كإبراهيم(ص) كانت بدايتهم خاطئة فقد تربى في بيت صانع أصنام على الكفر ومع هذا صحت نهايتهم لأنهم بنوا في منتصف العمر القاعدة الصحيحة
ثم قال :
"المرتكز الثانى: التوجه نحو الجذور.
هناك فرق بين التعامل مع الأفكار وبين التعامل مع النظريات، كثيرا ما نتعامل مع الأفكار وهذا أضر بنا كثيرا، إن أردنا ان نكون أصحاب عقلية ناقدة علينا أن نبتعد عن الأفكار - التي هي المخرجات - ونغوص حتى نستخرج النظريات.
طبعا نحن لنا نماذج وتجارب كثيرة فى النقد: سواء نقد علم الكلام، أو علم الحداثة، أو الاتجاه الحداثي، أو الإتجاه الليبرالي، أو غيره ( ... ) هذه التجارب النقدية فى كثير من صورها ومظاهرها لم تكن متقنة، لماذا؟
لأنها كانت تتعامل مع مقالات: ماذا يقول المعتزلة، ماذا يقول الأشاعرة، ماذا يقول، وماذا يقول ( ... )، لو تركنا ماذا يقولون وذهبنا إلى لماذا قالوا هذا القول - التى هى النظرية - سنكون حققنا بعض معالم أو بعض المرتكزات التي تقوم عليها العقلية الناقدة"
والتوجه نحو الجذور بتلك الطريقة لو عقله العميرى لعرف انه على باطل فالكثير من آيات القرآن هى ذكر لأقوال الكفار والرد عليها فالله لا يبحث عن لماذا التى يركز عليها العميرى
وحدثنا عن الانفتاح حول الأفكار فقال:
"المرتكز الثالث: فتح الأبواب والنوافذ حول الأفكار.
الفكر الإنساني غالبا فكر مركب، ليس فكرا مجردا، وخاصة أصحاب المناهج التي تريد أن تسير الحياة أعني المنهج الحداثي والمنهج الكلامي وغيره، هو ليس مجرد فكرة ظهرت هو عبارة عن منظومة متراكبة، إذن إن أردنا أن نتعامل مع هذه الجزئية الموجودة فى هذه المنظومة علينا أن يكون عندنا أدراك لهذه المنظومة كلها.
الذي يريد أن يتعامل مع الفكرة هو كالذي يريد ان يستأجر بيتا لا يكتفي بمجرد النظر من الخارج وينظر إلى الشبابيك وإلى الأبواب ويقول اكتفيت قيمت البيت! ولو فعل ذلك سيكون مذموما عند الناس، ولكن عليه أن يدخل البيت ويفتشه غرفة غرفة ويشوف جميع الجزئيات التي في البيت، إن فعل ذلك سيكون فعل الواجبات عليه في شراء البيت.
كذلك من أراد أن يتبنى فكرة أو أراد أن يرد على فكرة عليه أن يدخل في جميع فقرات هذه الفكرة
فتح الأبواب والنوافذ يمكن أن يحققه الإنسان بصياغة أخرى وهي ما أسميه هنا: تفعيل أسئلة الفحص.
عندنا أسئلة معرفية ضروري الإنسان يفعلها في حياته دائما تكون عنده في حياته، إذا مرت عليه فكرة تكون هذه الأسئلة حاضرة في ذهنه ويبدأ يثيرها عليه يطرحها على هذه الفكرة حتى يحاول أن يتأكد من جميع فقرات الفكرة، طبعا أنا طبقت أسئلة الفحص على النموذج الحداثي "الخطاب الحداثي" طبعا نشرته في مقال اسمه: إضاءات في طريق البناء الفكري المتوازن، في هذا المقال حاولت أن أثير أسئلة الفحص على الخطاب الحداثي، فهناك 13 سؤال إن أراد الإنسان أن يبني موقفا رشيدا حول الخطاب الحداثي عليه أن يبحث عن جواب عن هذه ال 13 سؤال في الخطاب الحداثي، طبعا لا أستطيع أن أذكر كل الأسئلة ولكن هناك أسئلة تتعلق بالمناهج التي أعتمدها الخطاب الحداثي، وهناك أسئلة تتعلق بالمواد التراثية التي قام الخطاب الحداثي بتحليلها، وهناك أسئلة تتعلق بالنتائج التي أستخرجها الخطاب الحداثي، مجموع هذه الأسئلة 13 سؤالا أزعم أن من أراد أن ينقد الخطاب الحداثي بناء على هذه الأسئلة الثلاثة عشر سيبني موقفا رشيدا عن الخطاب الحداثي وسيكون موقفه النقدي موقفا مقنعا للأخرين؛ لأنه استطاع أن يدخل إلى الخطاب الحداثي من جميع الأبواب والنوافذ.
ما هي الأسئلة التي أطرحها على المنطق حتى يكون موقفي رشيدا إن أتخذته؟
المجال الأول: هناك أسئلة تتعلق بطبيعة المنطق.
يعني من عدة جهات يمكن أن أطرح أسئلة: ما طبيعة الأسباب التي أوجبت حدوث المنطق؟ لماذا أتى أرسطو بهذا المنطق؟ ضروري أقدم أسئلة كثيرة تتعلق بهذا الجانب حتى يكون فحصي دقيق لهذه المنظومة التي قدمها أرسطو، وكذلك الطبيعة المعرفية التي كانت عند اليونان التي بناء عليها سار أرسطو في منطقه.
المجال الثاني: طبيعة الاصول الفلسفية التي كان أرسطو يراعيها في بناء نظرياته المنطقية.
هذه مجال مهم لابد ان نثير أسئلة كثيرة في هذا المجال حتى يكون موقفي موقفا رشيدا.
المجال الثالث: طبيعة النظريات الفلسفية التي قدمها أرسطو ومدى موافقتها لقطعيات الشريعة عندنا يعني أحاكم المنطق الأرسطي إلى قطعيات الشريعة عندنا، في بعض النماذج النقدية للمنهج الأرسطي لم تفعل كل هذه الجهات الثلاث، بعض النقاد كان يحاكم المنطق إلى لغته، وبعض النقاد كان يحاكم المنطق إلى القطعيات الشرعية عندنا فقط ولم يستوعبوا كل هذه الجهات، - وفي تصوري - أنه لم يوجد أحد في التاريخ استوعب هذه الجهات الثلاث إلا ابن تيمية، وطبعا أزعم أن هذا استقراء.
ابن تيمية حين انتقد المنطق لم يكن نقده من نافذه واحدة وإنما فتح جميع النوافذ والأبواب حول المنطق فاكتشف أن المنطق من الجهة الأولى فيه إشكاليات كثيرة ومن الجهة الثانية فيه أخطاء منهجية ضخمة ومن جهة قطعيات الشريعة إكتشف أن فيه أشياء أخرى تحتاج إلى نقد وتفعيل"
مما لاشك فيه وجوب استيعاب الناقد لما ينقده تماما وكانه واحد من اصحابه حتى يقدر على بيان تناقضاته أو أخطائه أو تعارضاته مع نصوص الوحى
وتحدث عما سماه تحقيق التوازن في المستندات فقال :
"المرتكز الرابع: تحقيق التوازن في المستندات.
إن أراد الإنسان أن يبني فكرة ما: عليه أن يراعي المستندات التي تقوم عليها هذه الفكرة، ثم يحاول أن يفعل جميع هذه المستندات التي تؤثر في الفكرة سواء كانت بنائية أو نقدية.
الإشكال عندنا أحيانا: أن تكون بعض الافكار لها مستند شرعي ومستند عقلي، فيأتي البعض فيبني الفكرة صحيحة ولكنه حين يبين مستندات لا
يذكر إلا مستندا واحدا: المستند الشرعي مثلا، ولا يفعل المستند العقلي - وفي تصوري - أن هذا خلل في بنية الافكار وهو يضر بالعقلية الناقدة، العقلية الناقدة تراعي جميع المستندات وتحدد طبيعة كل مستند وتأثيره في الفكرة، وهو أيضا ما تميز به التفكير التيمي، التفكير التيمي حين أراد أن يبني مواقفه البنائية أو النقدية من الآخرين: فعل جميع المستندات التي تؤثر في الأفكار، فتجد عنده المستند العقلي، والمستند الشرعي طبعا، والمستند التاريخي، والمستند التجريبي، والمستند النفسي كما فعله في نقد المنطق وبناء نظرياته المنطقية، كل هذه المستندات فعلها ابن تيمية في بناء أفكاره ومواقفه، فكانت أفكاره ومواقفه فعلا تتصف بالنضج والإتقان."
وبالقطع العميرى عند اختياره لمنهج ابن تيمية النقدى جعله منهجا صحيحا والحقيقة أنه مثل أى بشر له ما له وعليه ما عليه فالرجل في بعض كتبه يخالف الشرع خلافا ظاهرا
وتحدث عما سماه الحفاظ على المسافات الفاصلة فقال :
"المرتكز الخامس: الحفاظ على المسافات الفاصلة.
كل إنسان بينه وبين الآخرين مسافات، وهي المسافات التي تحقق الاختلاف بينه وبين الآخرين - وهذا جانب نفسي مهم جدا -، إن لم يستطع الإنسان أن يحافظ على هذه المسافات سيحدث عنده اختلال في عقليته...
إن لم يحافظ على هذه المسافة ستقع عقليته في خلل ولن يكون صاحب عقلية ناقدة، وبناء عليه:
- قد لا يرى بعض أخطائه.
- قد لا يرضى بنقده.
- قد يكون مجرد مكرر لآراء مواقف من اقترب منه.
بعض الأشخاص لم يستطع أن يحافظ على العقلية الناقدة ولكن في الجهة الأخرى، أخذ يبتعد كثيرا، فإذا قرأ لفلان يغضب منه فيبتعد ولا يحافظ على المسافة التي يجب أن تكون بينه وبين هذا الشخص، فيتخذ مواقف معادية، أو أحكام قاسية لا تتناسب مع هذا الرجل الذي يريد أن يتخذ منه موقف، والسبب أنه لم يستطع أن يحافظ على المسافات الفاصلة.
يقرأ مثلا لمفكرين أو لمخالفين له في العقائد أو في الفقه أو في غيره، فلا يستطيع أن يضبط نفسه ولا يستطيع أن يحافظ على المسافة المهمة، فيتخذ موقفا بعيدا يترتب عليه إجراءات مخالفة للعقلية الناقدة."
وكلام الرجل هنا يسمونه انتقاد النص دون الحديث عن مؤلفه وهو كلام مناقض لموافقته لمنهج أهل الحديث فهم ينتقدون الرجال ولا ينتقدون النص
وتحدث عن البرهان فقال :
"المرتكز السادس: الإعتماد على الأوصاف المؤثرة (تفعيل البرهان).
بعض الأشخاص أحيانا لا يحافظ على هذه الأوصاف المؤثرة، فتارة يحاكم الفكرة إلى جنسيتها، يقول: ماذا نريد من المنطق؟ لأنه يوناني! لاحظ، حاكم المنظومة إلى الجنسية التي جاءت منها، وكذلك ربما يحاكم بعض الأفكار القادمة إلينا من الغرب، ربما تكون خاطئة ولكن مستنده في تخطئتها لم يكن البرهان وإنما وصف الآخر غير مؤثر، وهذه الأوصاف التي هي: الجنسية، وموطن العيش، وموطن النماء، هذه ليست أوصافا يمكن أن يعتمد عليها في تصحيح الأفكار أو تخطيئها، وإنما غاية ما يمكن أن تصل إليه مؤشرات فقط مؤشرات تثير الأسئلة، أما أنها تصبح دليلا لإثبات صحة فكرة، أو لإثبات بطلانها، هذا منافي للعقلية الناقدة.
وكذلك إذا نمت فكرة في الجو الإسلامي هذا لا يدل على صحتها، إنما هي مؤشر على أن الفكرة قد لا تكون خاطئة يعني مخالفة للأصول الكبرى لأنها نمت في جو إسلامي، والذي أقصده أنه ضروري أن نتخلى عن الأوصاف غير المؤثرة في بناء المواقف من الآخرين وحتى بناء مواقفنا.
أضرب مثالا في وقاعنا أنه كثيرا ما نسمع أن هذا صحفي، لماذا يخوض في هذه القضية؟
كلمة صحفي ليس وصفا مؤثرا يعني ممكن يكون صحفي ولكنه اهتم بهذه المسألة وبحث فيها مثلا عشر سنين أو أقل أو أكثر فيكون متخصص، فإثارة هذا الوصف الذي كثيرا ما نسمعه هذا منافي للعقلية الناقدة، العقلية الناقدة لا تعطي هذا الوصف قدرا أكثر مما يستحق، هو مؤشر ولكنه ليس دليلا كافيا في نباء المواقف من هذا الشخص صاحب الفكرة التي يريد أن أتخذ منها موقفا رشيدا."
والرجل هنا ينبهنا إلى أن البرهان يجب أن يكون متعلقا بالنص المنقود وليس بجنسية أو دولة المؤلف أو لونه أو غير هذا
وتحدث عن حكاية المصادر الموثوقة فقال :
"المرتكز السابع: البحث عن المصادر الموثوقة في بناء الأفكار وفي محاكمة الأفكار المنقودة.
من المهم جدا إن أردت أن أبني تصوراتي البنائية أو أبني مواقف نقدية من الآخرين، علي أن أحرص على المادة التي أقوم بتحليلها لأستخرج هذه الفكرة، التي هي البحث عن المصادر الموثوقة طبعا، وهذا الخلل أكثر ما يوجد عند الخطاب الحداثي، إن أردنا أن نحاكم الخطاب الحداثي لهذا المرتكز فقط، نكتشف أن الخطاب الحداثي فاقد للعقلية الناقدة، مع أنه يتغنى بها كثيرا! لأنه حين يريد أن يبني أفكاره ومواقفه لا يحرص على المصادر الموثوقة وإنما يعتمد على مصادر غير موثوقة في نقل المعلومات التي يعتمدها، والغريب أن بعضهم يقول هذا الكتاب أنا متشكك في صحة نسبته ثم يبني عليه فصول متتالية، كما فعل الجابري مع كتاب "الإمام والسياسة" المنسوب إلى ابن قتيبة، هو صرح بنفسه أن هذا الكتاب هو يشك بنسبته إلى ابن قتيبة، ولكنه في كتابه "نقد العقل السياسي" بنى عليه فصول كاملة، والكتاب فعلا فيه إشكاليات تاريخية ضخمة يكاد الإنسان يجزم معها بأن هذا الكتاب ليس لابن قتيبة، لكن يأتي ويبنى عليها كتاب كامل يوصف بأنه نقد للعقل العربي!."
وهذا الكلام هو في نقد نوع معين من المؤلفات وحكاية المصادر الموثوقة هو نوع من الترف فالنقد يوجه للنص وليس لصاحبه كما قال في مرتكز سابق فالنقد نقد نصوص أى أقوال
واخر ما حدثنا عنه صرامة تطبيق المبادىء فقال :
"المرتكز الثامن والأخير: الصرامة في الأخذ بالمباديء.
ضروري للإنسان إذا أراد أن يكون صاحب عقلية ناقدة لا تتأثر بالواقع وتنتج مواقف رشيدة وناضجة، عليه أن يكون عنده صرامة في الأخذ بالمباديء التي يؤمن بها، وبالمرتكزات التي يبني عليها أفكاره"
ومما لاشك فيه ان هذا البحث النقد الموجه له هو جعله النقد عمل بشرى فهو لم يستدل بآية واحدة أو يبنى على الشرع شيئا