رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب البلاء في حسن المؤمن
المؤلف علي بن صالح العايد والكتاب يدور حول ابتلاء المسلم وقد استهل الكتاب بالحديث عن الابتلاء بالضرر وهو الشر فقال :
" الحمد لله القائل: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} والصلاة والسلام على رسول الله الذي ابتلي بأنواع من البلاء فصبر وشكر، وعلى آله وصحابته المبتلين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
* فلا يخفي على أحد أن الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأن كل مؤمن ومؤمنة عرضة لكثير منها؛ فمرة يبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تقلب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلله أكبر من صوابه، ولاسيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفجاءتها، عياذا بالله."
وقطعا هذا الكلام يغفل النصف الأخر من البلاء وهو الابتلاء بالخير وهو النعم كما قال تعالى:
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وبين سبب ـأليف الكالب وهو الرسالة وهو تسلية أهل البلاء الشرى فقال "ومن هنا كانت كتابة هذه الرسالة لتسلية كل مصاب مهما بلغ مصابه، أبين له من خلالها بعض حكم البلاء العظيمة التي ربما غفل عنها بعض الناس - هداهم الله - ونسوا أو تناسوا أن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا، وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء - سواء كان فقدانا للمال أو الصحة أو الأحبة - من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه امتحان وابتلاء"
وكما سبق القول هو تناسى الجانب الأخر من البلاء وهو الابتلاء وهو الخير ومن ثم فالكتاب يبحث فى مسألة الضررفيقول:
"أولا: امتحان وابتلاء:
* نعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة - نمتحن فيها كل يوم - تدعى الحياة، فكل ما فيها امتحان وابتلاء؛ المال فيها امتحان، والزوجة والأولاد امتحان، والغنى والفقر امتحان، والصحة والمرض امتحان، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله، قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} وقال جل ذكره: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}
* فأنت أيها المعافى ممتحن، ولكن ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى ابتليت، وأنت أيها المريض ممتحن، ولكن ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى شفيت"
ونلاحظ التركيو على جانب المصائب وهو امتحان كما أن جانب النعم هو امتحان والغرض هو أن ينظر أينا أحسن عملا فالمطلوب فى جانب الضرر هو طاعة الله بالصبر والمطلوب فى جانب الخير هو طاعة الله باستخدام النعم فيما قال الله
وحدثنا عن كون ألنبياء هم أكبر الممتحنين بالشر فقال :
" وليس فينا من هو أكبر من أن يمتحن، وكيف لا؟! وفي الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... » [رواه البخاري]، كما أنه ليس فينا من يملك رفض هذا الامتحان، ولكن فينا من يمتحن بالبلاء فينجح بالصبر والإيمان والاحتساب، وفينا من يمتحن بالبلاء فيرسب بالجزع والاعتراض على الله، عياذا بالله.
* ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه."
وقطعا الله لا يبتلى الناس سواء بالخير أو بالشر إلا عن طريق عدله الذى لا يظهر لنا فكم الضرر ومراتع وكم الخير ومراته لا أحد يعدها أو يحصيها ولكنه سبحانه عدل ومن ثم يجب أن نوقن أن كم الضرر والنفع وعدد مراتهم معمول فيه بالعدل الإلهى فهو يعطى الكل نفس الفرص
وحدثنا عن كون ابلاء بالضرر قسمة وقدر فقال :
"ثانيا: قسمة وقدر:
* إن الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم، فارض بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيمرض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء
{ألا له الخلق والأمر} بلى سبحانه وتعالى.
* وما دام الأمر كذلك، فسلم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه، وهيهات هيهات.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج ... أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة ... لا تجزعن فإن القاسم الله
إذا بليت فثق بالله وارض به ... إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله ما لك غير الله من أحد ... فحسبك الله في كل لك الله"
وأما كون الابتلاء قدر فلا شك فيها ,أما قسمة الرزق فيجب أن نفرق بين القسمة الإلهية الواردة فى نصوص الوحى والتى تعدل بين الكل وبين قسمة البشر خاصة الحكام الذين لا يعملون بحكم الله قيوزعون على هواهم قلة وكثرة وعلماء السلطان هم من يقولون أن تقسيم البشر للرزق هو تقسيم الله ولكنه ليس كذلك لأن النصوص فى الوحى تدل على غير ذلك فالمال مطلوب أن يوزع على الكل بالعدل حتى لا يكون دولة بين الأغنياء فقط مع حرمان الباقى كما قال تعالى" كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
وبين الرجل أن الابتلاء بالضرر خير وهو قطعا ليس خيرا لأن الله سماه شرا ولكن الخير هو فى صبر المسلم عن طريق طاعته لأحكام الله وقت الضرر كما قال تعالى :
" والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس" وقد قال العايد:
"ثالثا: خير ونعمة بشرط:
* وأيا كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن، وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء، وفي الحديث الصحيح: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم].
* وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
* وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} وقوله: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
* لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك، وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب، والله يعلم وأنت لا تعلم
لئن كان بعض الصبر مرا مذاقه
فقد يجتنى من بعده الثمر الحلو
* يقول بعض السلف: إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة، وإن نزلت بك ولم تصبر، فقد أصبت بمصيبتين؛ فقدان المحبوب، وفقدان الثواب ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
كن في أمورك معرضا ... وكل الأمور إلى القضا
وأبشر بخير عاجل ... تنسى به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط ... لك في عواقبه الرضا"
والعايد هنا لا يفرق بين الكراهية للشىء الذى ينتج منه خير وبين الضرر فالمكروه كالزوجة ليست ضررا تاما وإنما فيها خير وشر وكذلك القتال ففيه خير وشر أيضا فخيره امتناع الكفار عن الاعتداء على المسلمين والاستيلاء على الغنائم وضرر استشهاد المجاهدين وجرحهم ودمار البيوت وغيرها
وتحدث عن كون البلاء تمحيص وتكفير فقال :
"رابعا: محطة تمحيص وتكفير:
* نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن، فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحات منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النصب والوصب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها، وفي الحديث: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب - وهما المرض والتعب - ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» [متفق عليه].
* فالأجر ثابت يا عبد الله على كل ألم نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب، فقد جاء في كتب السنة أن النبي (ص) دخل على أم السائب - رضي الله عنها - فقال لها: «ما لك تزفزفين؟» قالت: الحمى، لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» [رواه مسلم]، وفي الحديث عن النبي (ص) أنه قال: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» [متفق عليه]، فهنيئا للصابرين المحتسبين."
والحديث لا يصح هنا فسب المريض للمرض ليس ذنبا فقد وصفه أيوب (ص) بالنصب والعذاب كما أن المريض لا يعاقب على هذا السب والتوجع كما قال تعالى "
" ولا على المريض حرج"
فقد رفع الحرج وهو العقاب أو الذنب على المريض إذا ارتكبه لأنه فى حالة غير صحية ومن ثم أعطاه الله حقوقا فى تلك الحالة
وحدثنا عن ىثواب الابتلاء بكونه زيادة الدرجات فى الجنات فقال :
خامسا: رفعة للدرجات وتبوؤ لمنازل الجنات:
* إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه - بإذن الله - أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنبا مخطئا، وكل ابن آدم خطاء كما مر معك، وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوؤه أعلى المنازل في الجنة، وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: «قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع،فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد» [رواه أحمد وحسنه الألباني]، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» [رواه البخاري].
* بل ترفع درجات المؤمن حينما يبتلى بما هو أقل من ذلك، ففي الحديث أن النبي (ص) قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» [رواه مسلم].
* إذا هي درجة تلو درجة ليبلغه الله منزلته في الجنة، والتي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء، والله عز وجل يقول: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
عطيته إذا أعطى سرور ... وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا ... وأحمد في عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا ... أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى وإن نزلت بكره ... أحق بشكر من صبر احتسابا"
والحديث ألأول لا يصح فالمسلم لا يبنى له بيت يسمى بيت الحمد فى الجنة لأن الله يعطى كل مسلم قصور أى غرف على الأعمال كلها وليس على الحمد وحده كما قال تعالى:
" وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
والحديث الثالث عن إعطاء درجةفى الجنة بكل شوكة أو وجع لا يصح والخطأ هو أن يقرر وجود درجات كثيرة فى الجنة بينما هما درجتين كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وقال :
" ومن دونهما جنتان"
وحدثنا عن كون البلاء علامة حب ورأفة فقال :
"سادسا: علامة حب ورأفة:
* إن المصائب والبلاء امتحان للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنه وإن كان مرا إلا أنك تقدمه على مرارته لمن تحب، ولله المثل الأعلى، ففي الحديث الصحيح: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
* يقول ابن القيم: إن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة ... إلى آخر ما قال.
* ولا شك - أخي الحبيب - أن نزول البلاء خير للمؤمن من أن يدخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا، وفيه ترفع درجاته وتكفر سيئاته!
يقول المصطفى (ص): «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وبين أهل العلم أن الذي يمسك عنه هو المنافق، فإن الله يمسك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة، عياذا بالله."
والكلام السابق الخطأ الأساسى فيه هو أن البلاء حب فلو كان الأمر كذلك فإن الله يحب كل الناس كفارا ومسلمين لأنه يبتلى الكل كما قال:
"ونبلوكم بالشر والخبير فتنة"
ولو كان الجزاء على قدر البلاء الضار فمعنى هذا أن الكفار سيكونون فى الجنة لأن هلاكهم بأنواع العذاب المختلفة هو أعظم ضررا يمكن أن يبتلى به إنسان ومن ثم يكونون فى الجنة ومن ثم لا تصح الرواية التى استشهد بها العايد لأن المحبوب والمكروه مبتلى كما قال تعالى :
" لنبلوهم أيهم أحسن عملا"
وحدثنا عن اتخاذ الدروس والعبر من البلاء فقال:
"سابعا: دروس وذكرى:
* في البلاء دروس لا يمكن أن نأخذها من غيره أبدا، وهي من حكم البلاء، ومن أهمها ما يلي:
* الدرس الأول: أن البلاء - أخي المسلم - درس من دروس التوحيد والإيمان والتوكل، يطلعك عمليا على حقيقة نفسك؛ لتعلم أنك عبد ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
* الدرس الثاني: أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب، {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} أما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد، {لقد خلقنا الإنسان في كبد *} فهذا شان الدنيا، فبينما هي مقبلة إذا بها مدبرة، وبينما هي ضاحكة إذا بها عابسة، فما أسرع العبوس من ابتسامتها، وما أسرع القطع من وصلها، وما أسرع البلاء من نعمائها.
* فهذه طبيعتها، ولكنك تنسى - أخي الحبيب - فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها؛ لتستعد للآخرة، ويقول لك:
فاعمل لدار غدا رضوان خازنها
الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك تربتها
والزعفران حشيش نابت فيها
* الدرس الثالث: أن البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية، فإن هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تتمتع بها سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدرها حق قدرها، وصدق من قال: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. ومن غير المبتلى يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى إلا العافية؟
* الدرس الرابع: أن البلاء يذكرنا، فلا نفرح فرحا يطغينا، ولا نأسى أسى يفنينا، فإن الله عز وجل يقول: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}
* الدرس الخامس: أن البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها، والله عز وجل يقول: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا}
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر، فإن الله تعالى يقول: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها.
* الدرس السادس: أن البلاء درس تربوي عملي يربينا على الصبر، وما أحوجنا إلى الصبر في كل شيء، فلن نستطيع الثبات على الحق إلا بالصبر على طاعة الله، ولن نستطيع البعد عن الباطل إلا بالصبر عن معصية الله، ولن نستطيع السير في مناحي الحياة إلا بالصبر على أقدار الله المؤلمة، وما أجمل الصبر في ذلك كله، فهو زادنا إلى جنة الخلد والرضوان، قال سبحانه وتعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
* وختاما لهذه الدروس: أظنك - أخي الحبيب - توافقني الرأي بأن هذه الدروس الستة لا يمكن أن نأخذها من غير بلاء؛ إذ هي من قبل أن نصاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، أو كلاما نظريا يطير به الهوى، فإذا نزل بنا البلاء واجتزناه بنجاح صارت واقعا عمليا نعيشه، وهذا من حكم البلاء."
وما قاله العايد ليس فيه أى دروس فالبلاء بالضرر أوله وأخره للمسلم هو أن يتحمل الضرر مطيعا أحكام الله فى وقت الضرر وإنما العبر تتخذ من الغير وما حدث له وأما النفس فلا عبرة منها
وحكى العايد حكايات عن الصبر على البلاء بالضرر فقال:
قصص وعبر:
"* لما فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين الحكمة الشرعية للبلاء، كانوا أفضل منا حالا معه، وضربوا لنا أروع المثل في الصبر والعزاء والاحتساب، وإليك أمثلة على ذلك:
1 - يروى عن عمر الفاروق - رضي الله عنه - أنه كان يكثر من حمد الله على البلاء، فلما سئل عن ذلك قال: ما أصبت ببلاء إلا كان لله علي فيه أربع نعم: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبر منه، وأني لم أحرم الرضا والصبر، وأني أرجو ثواب الله تعالى عليه.
2 - أصيب عروة بن الزبير في قدمه، فقرر الأطباء قطعها، فقطعت، فما زاد على أن قال: اللهم لك الحمد، فإن أخذت فقد أبقيت، وإن ابتليت فقد عافيت. فلما كان من الغد ركلت بغلة ابنه محمدا - وهو أحب أبنائه إليه، وكان شابا يافعا - فمات من حينه، فجاءه الخبر بموته، فما زاد على أن قال مثل ما قال في الأولى، فلما سئل عن ذلك قال: كان لي أربعة أطراف فأخذ الله مني طرفا وأبقى لي ثلاثة، وكان لي سبعة من الولد فأخذ الله واحدا وأبقى لي ستة، وعافاني فيما مضى من حياتي ثم ابتلاني اليوم بما ترون؛ أفلا أحمده على ذلك؟!هكذا كانوا رضي الله عنهم أجمعين، وألحقنا بهم في فسيح جناته، فهلا تشبهنا بهم؟!
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح"
وفى النهاية نصح العايد كل مسلم فقال :
"وختاما أخي الحبيب: لا تنس:
* لا تنس أن تبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلا بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلا بعزيمة إيمانية وإرادة قوية.
* ولا تنس ذكر الله تعالى شكرا على العطاء، وصبرا على البلاء، وليكن ذلك إخلاصا وخفية بينك وبين ربك.
* ولا تنس أن الله تعالى يراك، ويعلم ما بك، وأنه أرحم بك من نفسك ومن الناس أجمعين، فلا تشكون إلا إليه، واعلم بأنك:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم"
هناك لبس فى حكاية الشكوى إلى الله فاشتكاء المرض مثلا للطبيب أو للغير مباح وهو من ضمن الشكوى إلى الله لأمر الله لنا بالتداوى وأن يواسى بعضنا بعضا فهو من ضمن قوله تعالى:
"وتعانوا على البر والتقوى" ثم قال:
" ولا تنس إذا أصبت بأمر عارض أن تحمد الله أنك لم تصب بعرض أشد منه، وأنه وإن ابتلاك فقد عافاك، وإن أخذ منك فقد أعطاك.
* ولا تنس أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن عظم الجزاء من عظم البلاء، وأن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب، ودع الجزع فإنه لن يفيدك شيئا، وإنما سيضاعف مصيبتك، ويفوت عليك الأجر، ويعرضك للإثم.
* ولا تنس أنه مهما بلغ مصابك فلن يبلغ مصاب الأمة جمعاء بفقد حبيبها (ص)، فتعز بذلك، فقد قال (ص): «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب» [رواه البيهقي وصححه الألباني].
* ولا تنس إذا أصابتك أي مصيبة أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. فإنك إن قلت ذلك أجارك الله في مصيبتك، وخلفها عليك بخير.
* ولا تنس أن لا تيأس من روح الله مهما بلغ بك البلاء، فإن الله سبحانه يقول: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا} ولن يغلب عسر يسرين كما قال عمر الفاروق ، ثم حذار أن تنسى فضل الله عليك إذا عادت إليك العافية، فتكون ممن قال الله عنه: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}
* ثم لا تنس أن البلاء يذكرك بساعة آتية لا مفر منها، وأجل قريب لا ريب فيه، وأن الحياة الدنيا ليست دار مقر، فاعمل لآخرتك؛ لتجد الحياة التي لا منغص لها.
وقبل الوداع أذكرك وأبشرك بما بدأت به، وهو قول الحق جل وعلا: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} "
المؤلف علي بن صالح العايد والكتاب يدور حول ابتلاء المسلم وقد استهل الكتاب بالحديث عن الابتلاء بالضرر وهو الشر فقال :
" الحمد لله القائل: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} والصلاة والسلام على رسول الله الذي ابتلي بأنواع من البلاء فصبر وشكر، وعلى آله وصحابته المبتلين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
* فلا يخفي على أحد أن الحياة الدنيا مليئة بالمصائب والبلاء، وأن كل مؤمن ومؤمنة عرضة لكثير منها؛ فمرة يبتلى بنفسه، ومرة يبتلى بماله، ومرة يبتلى بحبيبه، وهكذا تقلب عليه الأقدار من لدن حكيم عليم، وإذا لم يحمل المؤمن النظرة الصحيحة للبلاء فسوف يكون زلله أكبر من صوابه، ولاسيما أن بعض المصائب تطيش منها العقول لضخامتها وفجاءتها، عياذا بالله."
وقطعا هذا الكلام يغفل النصف الأخر من البلاء وهو الابتلاء بالخير وهو النعم كما قال تعالى:
"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وبين سبب ـأليف الكالب وهو الرسالة وهو تسلية أهل البلاء الشرى فقال "ومن هنا كانت كتابة هذه الرسالة لتسلية كل مصاب مهما بلغ مصابه، أبين له من خلالها بعض حكم البلاء العظيمة التي ربما غفل عنها بعض الناس - هداهم الله - ونسوا أو تناسوا أن الله لا يبتلينا ليعذبنا، بل ليرحمنا، وأن على المؤمن أن ينظر إلى البلاء - سواء كان فقدانا للمال أو الصحة أو الأحبة - من خلال نصوص الكتاب والسنة على أنه امتحان وابتلاء"
وكما سبق القول هو تناسى الجانب الأخر من البلاء وهو الابتلاء وهو الخير ومن ثم فالكتاب يبحث فى مسألة الضررفيقول:
"أولا: امتحان وابتلاء:
* نعم امتحان وابتلاء، فنحن في قاعة امتحان كبيرة - نمتحن فيها كل يوم - تدعى الحياة، فكل ما فيها امتحان وابتلاء؛ المال فيها امتحان، والزوجة والأولاد امتحان، والغنى والفقر امتحان، والصحة والمرض امتحان، وكلنا ممتحن في كل ما نملك وفي كل ما يعترينا في هذه الحياة حتى نلقى الله، قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} وقال جل ذكره: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}
* فأنت أيها المعافى ممتحن، ولكن ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى ابتليت، وأنت أيها المريض ممتحن، ولكن ما أحسست أنك في قاعة امتحان حتى شفيت"
ونلاحظ التركيو على جانب المصائب وهو امتحان كما أن جانب النعم هو امتحان والغرض هو أن ينظر أينا أحسن عملا فالمطلوب فى جانب الضرر هو طاعة الله بالصبر والمطلوب فى جانب الخير هو طاعة الله باستخدام النعم فيما قال الله
وحدثنا عن كون ألنبياء هم أكبر الممتحنين بالشر فقال :
" وليس فينا من هو أكبر من أن يمتحن، وكيف لا؟! وفي الحديث الصحيح: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل ... » [رواه البخاري]، كما أنه ليس فينا من يملك رفض هذا الامتحان، ولكن فينا من يمتحن بالبلاء فينجح بالصبر والإيمان والاحتساب، وفينا من يمتحن بالبلاء فيرسب بالجزع والاعتراض على الله، عياذا بالله.
* ورحم الله الفضيل بن عياض حين قال: الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه."
وقطعا الله لا يبتلى الناس سواء بالخير أو بالشر إلا عن طريق عدله الذى لا يظهر لنا فكم الضرر ومراتع وكم الخير ومراته لا أحد يعدها أو يحصيها ولكنه سبحانه عدل ومن ثم يجب أن نوقن أن كم الضرر والنفع وعدد مراتهم معمول فيه بالعدل الإلهى فهو يعطى الكل نفس الفرص
وحدثنا عن كون ابلاء بالضرر قسمة وقدر فقال :
"ثانيا: قسمة وقدر:
* إن الله تعالى قسم بين الناس معايشهم وآجالهم، قال تعالى: {نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا} فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، وكل شيء في هذه الحياة مقسوم، فارض بما قسم الله لك يا عبد الله، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيمرض من يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء
{ألا له الخلق والأمر} بلى سبحانه وتعالى.
* وما دام الأمر كذلك، فسلم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه، وهيهات هيهات.
يا صاحب الهم إن الهم منفرج ... أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحيانا بصاحبه ... لا تيأسن فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة ... لا تجزعن فإن القاسم الله
إذا بليت فثق بالله وارض به ... إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله ما لك غير الله من أحد ... فحسبك الله في كل لك الله"
وأما كون الابتلاء قدر فلا شك فيها ,أما قسمة الرزق فيجب أن نفرق بين القسمة الإلهية الواردة فى نصوص الوحى والتى تعدل بين الكل وبين قسمة البشر خاصة الحكام الذين لا يعملون بحكم الله قيوزعون على هواهم قلة وكثرة وعلماء السلطان هم من يقولون أن تقسيم البشر للرزق هو تقسيم الله ولكنه ليس كذلك لأن النصوص فى الوحى تدل على غير ذلك فالمال مطلوب أن يوزع على الكل بالعدل حتى لا يكون دولة بين الأغنياء فقط مع حرمان الباقى كما قال تعالى" كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"
وبين الرجل أن الابتلاء بالضرر خير وهو قطعا ليس خيرا لأن الله سماه شرا ولكن الخير هو فى صبر المسلم عن طريق طاعته لأحكام الله وقت الضرر كما قال تعالى :
" والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس" وقد قال العايد:
"ثالثا: خير ونعمة بشرط:
* وأيا كانت هذه القسمة وهذا الامتحان فهو خير للمؤمن، وليس لأحد غيره، ولكن بشرط الشكر على النعماء، والصبر على البلاء، وفي الحديث الصحيح: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له» [رواه مسلم].
* وما أصدق الشاعر إذ يقول:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
* وأجمل من ذلك قول الحق سبحانه وتعالى: {فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا} وقوله: {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}
* لذا فاعلم يا عبد الله أنه إنما ابتلاك الذي أنعم عليك، وأخذ منك الذي أغدق عليك، وليس كل ما تكرهه نفسك فهو مكروه على الحقيقة، ولا كل ما تهواه نفسك فهو نافع محبوب، والله يعلم وأنت لا تعلم
لئن كان بعض الصبر مرا مذاقه
فقد يجتنى من بعده الثمر الحلو
* يقول بعض السلف: إذا نزلت بك مصيبة فصبرت، كانت مصيبتك واحدة، وإن نزلت بك ولم تصبر، فقد أصبت بمصيبتين؛ فقدان المحبوب، وفقدان الثواب ومصداق ذلك من كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}
كن في أمورك معرضا ... وكل الأمور إلى القضا
وأبشر بخير عاجل ... تنسى به ما قد مضى
فلرب أمر مسخط ... لك في عواقبه الرضا"
والعايد هنا لا يفرق بين الكراهية للشىء الذى ينتج منه خير وبين الضرر فالمكروه كالزوجة ليست ضررا تاما وإنما فيها خير وشر وكذلك القتال ففيه خير وشر أيضا فخيره امتناع الكفار عن الاعتداء على المسلمين والاستيلاء على الغنائم وضرر استشهاد المجاهدين وجرحهم ودمار البيوت وغيرها
وتحدث عن كون البلاء تمحيص وتكفير فقال :
"رابعا: محطة تمحيص وتكفير:
* نعم، الابتلاء محطة نتوقف فيها برهة من الزمن، فإذا بأدران الذنوب والمعاصي تتحات منا كما يتحات ورق الشجر؛ إذ المؤمن يثاب على كل ضربة عرق، وصداع رأس، ووجع ضرس، وعلى الهم والغم والأذى، وعلى النصب والوصب يصيبه، بل وحتى الشوكة يشاكها، وفي الحديث: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب - وهما المرض والتعب - ولا هم ولا حزن، ولا غم ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» [متفق عليه].
* فالأجر ثابت يا عبد الله على كل ألم نفسي أو حسي يشعر به المؤمن إذا صبر واحتسب، فقد جاء في كتب السنة أن النبي (ص) دخل على أم السائب - رضي الله عنها - فقال لها: «ما لك تزفزفين؟» قالت: الحمى، لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد» [رواه مسلم]، وفي الحديث عن النبي (ص) أنه قال: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله تعالى به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها» [متفق عليه]، فهنيئا للصابرين المحتسبين."
والحديث لا يصح هنا فسب المريض للمرض ليس ذنبا فقد وصفه أيوب (ص) بالنصب والعذاب كما أن المريض لا يعاقب على هذا السب والتوجع كما قال تعالى "
" ولا على المريض حرج"
فقد رفع الحرج وهو العقاب أو الذنب على المريض إذا ارتكبه لأنه فى حالة غير صحية ومن ثم أعطاه الله حقوقا فى تلك الحالة
وحدثنا عن ىثواب الابتلاء بكونه زيادة الدرجات فى الجنات فقال :
خامسا: رفعة للدرجات وتبوؤ لمنازل الجنات:
* إن البلاء يعتري المسلم فيمحو منه - بإذن الله - أدران الذنوب والمعاصي إن كان مذنبا مخطئا، وكل ابن آدم خطاء كما مر معك، وإن لم يكن كذلك فإن البلاء يرفع درجاته ويبوؤه أعلى المنازل في الجنة، وقد جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول لملائكته إذا قبضوا روح ولد عبده: «قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع،فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد» [رواه أحمد وحسنه الألباني]، ويقول سبحانه في الحديث القدسي: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» [رواه البخاري].
* بل ترفع درجات المؤمن حينما يبتلى بما هو أقل من ذلك، ففي الحديث أن النبي (ص) قال: «ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة» [رواه مسلم].
* إذا هي درجة تلو درجة ليبلغه الله منزلته في الجنة، والتي يكون تبليغه إياها بفضل الله، ثم بفضل صبره على البلاء، والله عز وجل يقول: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}
عطيته إذا أعطى سرور ... وإن أخذ الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعم فضلا ... وأحمد في عواقبها إيابا
أنعمته التي أهدت سرورا ... أم الأخرى التي أهدت ثوابا
بل الأخرى وإن نزلت بكره ... أحق بشكر من صبر احتسابا"
والحديث ألأول لا يصح فالمسلم لا يبنى له بيت يسمى بيت الحمد فى الجنة لأن الله يعطى كل مسلم قصور أى غرف على الأعمال كلها وليس على الحمد وحده كما قال تعالى:
" وتلك الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون"
والحديث الثالث عن إعطاء درجةفى الجنة بكل شوكة أو وجع لا يصح والخطأ هو أن يقرر وجود درجات كثيرة فى الجنة بينما هما درجتين كما قال تعالى :
" فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة"
وقال :
" ومن دونهما جنتان"
وحدثنا عن كون البلاء علامة حب ورأفة فقال :
"سادسا: علامة حب ورأفة:
* إن المصائب والبلاء امتحان للعبد، وهي علامة حب من الله له؛ إذ هي كالدواء، فإنه وإن كان مرا إلا أنك تقدمه على مرارته لمن تحب، ولله المثل الأعلى، ففي الحديث الصحيح: «إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي وصححه الألباني].
* يقول ابن القيم: إن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه لأهلكته أو نقصت ثوابه وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به إلى تمام الأجر وعلو المنزلة ... إلى آخر ما قال.
* ولا شك - أخي الحبيب - أن نزول البلاء خير للمؤمن من أن يدخر له العقاب في الآخرة، وكيف لا، وفيه ترفع درجاته وتكفر سيئاته!
يقول المصطفى (ص): «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافيه به يوم القيامة» [رواه الترمذي وصححه الألباني]، وبين أهل العلم أن الذي يمسك عنه هو المنافق، فإن الله يمسك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة، عياذا بالله."
والكلام السابق الخطأ الأساسى فيه هو أن البلاء حب فلو كان الأمر كذلك فإن الله يحب كل الناس كفارا ومسلمين لأنه يبتلى الكل كما قال:
"ونبلوكم بالشر والخبير فتنة"
ولو كان الجزاء على قدر البلاء الضار فمعنى هذا أن الكفار سيكونون فى الجنة لأن هلاكهم بأنواع العذاب المختلفة هو أعظم ضررا يمكن أن يبتلى به إنسان ومن ثم يكونون فى الجنة ومن ثم لا تصح الرواية التى استشهد بها العايد لأن المحبوب والمكروه مبتلى كما قال تعالى :
" لنبلوهم أيهم أحسن عملا"
وحدثنا عن اتخاذ الدروس والعبر من البلاء فقال:
"سابعا: دروس وذكرى:
* في البلاء دروس لا يمكن أن نأخذها من غيره أبدا، وهي من حكم البلاء، ومن أهمها ما يلي:
* الدرس الأول: أن البلاء - أخي المسلم - درس من دروس التوحيد والإيمان والتوكل، يطلعك عمليا على حقيقة نفسك؛ لتعلم أنك عبد ضعيف لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.
* الدرس الثاني: أن البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور، وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب، {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون} أما هذه الدنيا فنكد وجهد وكبد، {لقد خلقنا الإنسان في كبد *} فهذا شان الدنيا، فبينما هي مقبلة إذا بها مدبرة، وبينما هي ضاحكة إذا بها عابسة، فما أسرع العبوس من ابتسامتها، وما أسرع القطع من وصلها، وما أسرع البلاء من نعمائها.
* فهذه طبيعتها، ولكنك تنسى - أخي الحبيب - فيأتي البلاء فيذكرك بحقيقتها؛ لتستعد للآخرة، ويقول لك:
فاعمل لدار غدا رضوان خازنها
الجار أحمد والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك تربتها
والزعفران حشيش نابت فيها
* الدرس الثالث: أن البلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالعافية، فإن هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية التي كنت تتمتع بها سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتها ولم تقدرها حق قدرها، وصدق من قال: الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. ومن غير المبتلى يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى إلا العافية؟
* الدرس الرابع: أن البلاء يذكرنا، فلا نفرح فرحا يطغينا، ولا نأسى أسى يفنينا، فإن الله عز وجل يقول: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}
* الدرس الخامس: أن البلاء يذكرك بعيوب نفسك لتتوب منها، والله عز وجل يقول: {ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا}
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر، فإن الله تعالى يقول: {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها.
* الدرس السادس: أن البلاء درس تربوي عملي يربينا على الصبر، وما أحوجنا إلى الصبر في كل شيء، فلن نستطيع الثبات على الحق إلا بالصبر على طاعة الله، ولن نستطيع البعد عن الباطل إلا بالصبر عن معصية الله، ولن نستطيع السير في مناحي الحياة إلا بالصبر على أقدار الله المؤلمة، وما أجمل الصبر في ذلك كله، فهو زادنا إلى جنة الخلد والرضوان، قال سبحانه وتعالى: {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}
* وختاما لهذه الدروس: أظنك - أخي الحبيب - توافقني الرأي بأن هذه الدروس الستة لا يمكن أن نأخذها من غير بلاء؛ إذ هي من قبل أن نصاب بالبلاء لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، أو كلاما نظريا يطير به الهوى، فإذا نزل بنا البلاء واجتزناه بنجاح صارت واقعا عمليا نعيشه، وهذا من حكم البلاء."
وما قاله العايد ليس فيه أى دروس فالبلاء بالضرر أوله وأخره للمسلم هو أن يتحمل الضرر مطيعا أحكام الله فى وقت الضرر وإنما العبر تتخذ من الغير وما حدث له وأما النفس فلا عبرة منها
وحكى العايد حكايات عن الصبر على البلاء بالضرر فقال:
قصص وعبر:
"* لما فهم السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين الحكمة الشرعية للبلاء، كانوا أفضل منا حالا معه، وضربوا لنا أروع المثل في الصبر والعزاء والاحتساب، وإليك أمثلة على ذلك:
1 - يروى عن عمر الفاروق - رضي الله عنه - أنه كان يكثر من حمد الله على البلاء، فلما سئل عن ذلك قال: ما أصبت ببلاء إلا كان لله علي فيه أربع نعم: أنه لم يكن في ديني، وأنه لم يكن أكبر منه، وأني لم أحرم الرضا والصبر، وأني أرجو ثواب الله تعالى عليه.
2 - أصيب عروة بن الزبير في قدمه، فقرر الأطباء قطعها، فقطعت، فما زاد على أن قال: اللهم لك الحمد، فإن أخذت فقد أبقيت، وإن ابتليت فقد عافيت. فلما كان من الغد ركلت بغلة ابنه محمدا - وهو أحب أبنائه إليه، وكان شابا يافعا - فمات من حينه، فجاءه الخبر بموته، فما زاد على أن قال مثل ما قال في الأولى، فلما سئل عن ذلك قال: كان لي أربعة أطراف فأخذ الله مني طرفا وأبقى لي ثلاثة، وكان لي سبعة من الولد فأخذ الله واحدا وأبقى لي ستة، وعافاني فيما مضى من حياتي ثم ابتلاني اليوم بما ترون؛ أفلا أحمده على ذلك؟!هكذا كانوا رضي الله عنهم أجمعين، وألحقنا بهم في فسيح جناته، فهلا تشبهنا بهم؟!
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح"
وفى النهاية نصح العايد كل مسلم فقال :
"وختاما أخي الحبيب: لا تنس:
* لا تنس أن تبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلا بالصبر، ولا سبيل إلى الصبر إلا بعزيمة إيمانية وإرادة قوية.
* ولا تنس ذكر الله تعالى شكرا على العطاء، وصبرا على البلاء، وليكن ذلك إخلاصا وخفية بينك وبين ربك.
* ولا تنس أن الله تعالى يراك، ويعلم ما بك، وأنه أرحم بك من نفسك ومن الناس أجمعين، فلا تشكون إلا إليه، واعلم بأنك:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم"
هناك لبس فى حكاية الشكوى إلى الله فاشتكاء المرض مثلا للطبيب أو للغير مباح وهو من ضمن الشكوى إلى الله لأمر الله لنا بالتداوى وأن يواسى بعضنا بعضا فهو من ضمن قوله تعالى:
"وتعانوا على البر والتقوى" ثم قال:
" ولا تنس إذا أصبت بأمر عارض أن تحمد الله أنك لم تصب بعرض أشد منه، وأنه وإن ابتلاك فقد عافاك، وإن أخذ منك فقد أعطاك.
* ولا تنس أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن عظم الجزاء من عظم البلاء، وأن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبر واحتسب، ودع الجزع فإنه لن يفيدك شيئا، وإنما سيضاعف مصيبتك، ويفوت عليك الأجر، ويعرضك للإثم.
* ولا تنس أنه مهما بلغ مصابك فلن يبلغ مصاب الأمة جمعاء بفقد حبيبها (ص)، فتعز بذلك، فقد قال (ص): «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي، فإنها من أعظم المصائب» [رواه البيهقي وصححه الألباني].
* ولا تنس إذا أصابتك أي مصيبة أن تقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها. فإنك إن قلت ذلك أجارك الله في مصيبتك، وخلفها عليك بخير.
* ولا تنس أن لا تيأس من روح الله مهما بلغ بك البلاء، فإن الله سبحانه يقول: {فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا} ولن يغلب عسر يسرين كما قال عمر الفاروق ، ثم حذار أن تنسى فضل الله عليك إذا عادت إليك العافية، فتكون ممن قال الله عنه: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}
* ثم لا تنس أن البلاء يذكرك بساعة آتية لا مفر منها، وأجل قريب لا ريب فيه، وأن الحياة الدنيا ليست دار مقر، فاعمل لآخرتك؛ لتجد الحياة التي لا منغص لها.
وقبل الوداع أذكرك وأبشرك بما بدأت به، وهو قول الحق جل وعلا: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} "