رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى كتاب أهمية أسلوب المدح في الدعوة إلى الله وضوابطه
المؤلف حمود بن جابر بن مبارك الحارثي وموضوع البحث هو استعمال أسلوب المدح فى الدعوة إلى الله وقد تحدث عن استخدام الناس للمدح وافراطهم فيه فى حياتهم فقال فى مقدمته:
" و بعد:
إن مما هو مشهور و معروف بين الناس التمادح الذي يتبادله الناس فيما بينهم سواء كان شعرا أو نثرا، و خاصة ما يمدح به أهل المكانة و الوجاهة من عبارات و ألفاظ تتجاوز حد الوسطية إلى الغلو، حتى أصبحت بعض ألفاظ المدح يمجها عامة الناس فضلا عن طلاب العلم و العلماء ومثقفي الناس. إن هذه الظاهرة أحدثت عندي تساؤلات منها ما حكم هذه الظاهرة، و ما ضوابطها، و هل يمكن أن يكون المدح من أساليب الدعوة، و ما مدى إمكانية الإفادة منه في الدعوة إلى الله تعالى، و غير ذلك من التساؤلات. ... وشعورا بالواجب الذي أوجبه الله على الباحثين وطلاب العلم من نشر العلم الصحيح بين الأمة، و إثراء المكتبة العلمية الدعوية بما هو نافع و مفيد من المؤلفات و البحوث التأصيلية عقدت العزم على بحث هذه الظاهرة من منظور شرعي دعوي، من خلال دراسة سنة النبي (ص)وسيرته واستنباط المنهج النبوي في مدح النبي (ص)لأصحابه و للمدعوين بوجه عام، ومدح الصحابة والناس عامة للرسول (ص)لعلني أفيد منه الدعاة إلى الله بعلم مؤصل من الكتاب و السنة، فرأيت أن يكون بعنوان (أهمية أسلوب المدح في الدعوة إلى الله وضوابطه"
وقد استهل البحث بتعريف الكلمات الرئيسية الواردة فى العنوان وهى الأسلوب والمدح والدعوة فقال:
المبحث الأول: تعريفات عنوان البحث
أولا: تعريف الأسلوب
ـ الأسلوب في اللغة:
الأسلوب: الطريق، وعنق الأسد، والشموخ في الأنف .
الأسلوب: كل طريق ممتد فهو أسلوب.
الأسلوب: الطريق، الوجه، المذهب. والجمع أساليب .
الأسلوب: الفن. يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي في أفانين منه.
وقد سلك أسلوبه: طريقته. وكلامه على أساليب حسنة .
وبعد هذه اللمحة اللغوية السريعة نجد أن من معاني الأسلوب اللغوية: ـ
الطريق، والطريقة، الوجه، المذهب، الفن.
ـ الأسلوب في الاصطلاح:
عرف بعدة تعريفات: ـ
1 ـ الأسلوب: هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه، واختيار مفرداته .
2 ـ الأسلوب: هو طريقة الإنشاء، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها، للتعبير بها عن المعاني، قصد الإيضاح والتأثير .
3 ـ أسلوب الدعوة: هو طريقة الداعي في دعوته، أو كيفية تطبيق مناهج الدعوة .
4 ـ أسلوب الدعوة: هو فن الدعوة. وأساليب الدعوة: فنونها، وهي: الحكمة، الموعظة، القوة ... الخ .
5 ـ أسلوب الدعوة: هو الطريقة أو المذهب الذي يلجأ إليه الداعي إلى الله، ليحقق بذلك أهداف الدعوة .
6 ـ أساليب الدعوة: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه
تعريف أسلوب الدعوة: من مجموع التعاريف اللغوية والاصطلاحية السابقة يمكننا القول بأن أسلوب الدعوة: هو الطريقة المقنعة المؤثرة في المدعو بما يتناسب مع حاله.
وقلت: بما يتناسب مع حاله؛ لأن طبائع الناس ومنازلهم مختلفة. فمنهم من يدعى باللين، ومنهم من يدعى بالموعظة، ومنهم من يدعى بالقوة، ومنهم من يدعى بالهدية والتأليف ... الخ.
ـ الفرق بين الوسيلة الدعوية والأسلوب الدعوي: وحتى نفرق بين الوسيلة و الأسلوب فلا بد أن نعرف الوسيلة، فنقول:
الوسيلة: هي الأداة الموصلة إلى غاية.
والوسيلة الدعوية: هي الأداة المنضبطة شرعا، الموصلة إلى غاية منضبطة.
وهي التي تستخدم لنقل الأفكار من الداعي إلى المدعو.
أما أسلوب الدعوة: فهو الطريقة المقنعة المؤثرة في المدعو بما يتناسب مع حاله.
وبذلك تعتبر الوسيلة أداة ناقلة للأسلوب من خلالها .
ثانيا: تعريف المدح
معنى المدح في اللغة:
المدح: نقيض الهجاء، وهو: حسن الثناء.
وقيل: الوصف الجميل. وعد المآثر .
وقيل: هو وصف المحاسن بكلام جميل
والمداحون: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه
المدح في الاصطلاح: الثناء باللسان على الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية
ثالثا: تعريف الضابط
الضابط لغة: لزوم الشيء وعدم مفارقته، وفيه معنى الحبس، كما يطلق أيضا على القوة والشدة، فيقال: رجل ضابط، أي: قوي شديد حازم .
الضابط اصطلاحا: أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه .
وهذا التعريف للضابط لا يختص بعلم معين بل هو عام في كل علم يمكن أن تصاغ فيه ضوابط، ويتبين هذا بمقارنته بالتعريف الفقهي للضابط. كما أن من العلماء من يجعل الضابط مرادفا للقاعدة. "
وكان على الباحث الاقتصار على معنى الكلمة التعريفى أو المصطلحى فقط دون اللجوء لما فى اللغة من معانى لأنها لا لزوم لها لأنها لا تقدم ولا تؤخر فى الموضوع طالما ارتبطت باحكام الله فهى التى تحدد معنى الشىء
وتحدث عن وجود نوعين من المدح المحمود والمذموم فقال :
"المبحث الثاني: أنواع المدح وضوابطه
أولا: أنواع المدح:
النوع الأول: المدح المباح: وهو ما توفرت فيه ضوابط المدح، فقد ثبت في السنة أن النبي (ص)مدح في الشعر والخطابة والمخاطبة ولم يمنع المادح، كمدح عبد الله بن ... رواحة له قائلا:
إني تفرست فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أن ما خانني البصر
أنت النبي ومن يحرم ... شفاعته ... يوم الحساب فقد أزرى القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فقال له النبي (ص)وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة .
ومدحه كعب بن زهير في قصيدته المشهورة عندما جاء تائبا مسلما:
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا "
الروايات فى معظمها كاذبة خالصة مع معارضتها لكتاب الله فقد حرم الله المدح حتى لو كان حقيقة لفرد بعينه فقال :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وتحدث عن نتيجة المدح المباح فقال:
"نتيجة المدح المباح:
إذا تحققت ضوابط المدح، فإن الممدوح لا يزداد بها إلا كمالا، إما بالنشاط في فعل الخير والازدياد منه، أو بالدوام عليه. خاصة إذا كان المادح من ذوي المكانة والحكمة الذين يقدرون الأمور بقدرها ويحرصون على درء المفاسد وجلب المصالح.
روى الإمام البخاري بسنده عن سالم عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد الرسول (ص)فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها على رسول الله (ص)فقال: نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل. فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا " "
الحديث الذى اعتمد عليه الحارثى هنا باطل فلا يوجد أحد رأى الملائكة من المسلمين أو حتى الكفار فى عهد النبى (ص) لأن الملائكة لا ترى إلا يوم القيامة كما قال تعالى :
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين"
كما أن الله لم يعط خاتم النبيين(ص) آية تأويل الأحاديث وهى الأحلام كما أعطاها ليوسف(ص) ولا نص يثبت أنه أعطاها إياه
ونتيجة المدح غالبا هى نتيجة سيئة للممدوح وحتى للمادح لأن العلم بحقيقة الفرد لا يعلمها إلا الله وقد خدع النبى(ص) نفسه والمؤمنون فى أناس ادهوا الإسلام وكانوا كفرة مجرمين حيث ارتكبوا جريمة ونسبوها لكافر برىء من ارتكابها فنزل الوحى مبرئا له وناهيا للمسلمين عن الجدال عن المجرمين فقال :
" ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة"
وتحدث عن دعاء يقوله الممدوح حتى لا يغتر فقال:
"دعاء الممدوح:
حتى يأمن الممدوح من مداخل الشيطان والفتنة والرياء فإنه يدعو بهذا الدعاء " اللهم اغفر لي ما لا يعلمون. ولا تؤاخذني بما يقولون. واجعلني خيرا مما يظنون " .
وعليه أن يتحرز من آفة العجب أو الفتور، ويظهر كراهة المدح ويراقب نفسه."
بالقطع الدعاء لا يمنع شىء لأن المانع من الاغترار هو إرادة الممدوح نفسه
ومن ثم لا نجد مدح مباح لفرد باسمه وإنما المدح هو لمن فعل كذا أو قال كذا فهو مدح عام كما فى قوله تعالى :
" فأولئك هم المؤمنون حقا"
وتحدث عن النوع الثانى الذى ظنه وهو المدح المذموم فقال :
"النوع الثاني: المدح المذموم:
وهو ما انعدمت فيه ضوابط المدح المباح فانعدم فيه الصدق، أو صاحبه النفاق، أو اتخذ مهنة للتكسب، وزاد الممدوح بطرا وتكبرا وظلما ورئاء.
وهذا النوع هو الذي عناه الرسول (ص)فيما رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ بسنده عن أبي معمر قال: " قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي عليه التراب وقال: أمرنا رسول الله (ص)أن نحثي في وجوه المداحين التراب " .
قال النووي: (حمل المقداد هذا الحديث على ظاهره ووافقه طائفة وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم ـ كأنهم من الذين يتكسبون به ـ وقال آخرون: قولوا له بفيك التراب) .
وقال الطيبي: (يحتمل أن يراد به دفعه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من تراب الدنيا استهانة به) ."
وقد انتهى الباحث إلى أن الفقهاء علموا التناقض بين أحاديث المدح وأحاديث النهى عنه فحاولوا الجمع بينها كما قال :
"وقال العلماء في الجمع بين أحاديث الإباحة والنهي: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك فليس بحرام وإن خيف عليه شيء من
هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة هذا في حق الممدوح
أما المادح فيتحمل وزر قوله إن كان كاذبا، أو متكسبا ويؤجر إن كان من أهل الحكمة والعلم وإرادة الخير بالناس."
ولا يوجد أساسا أحاديث تبيح المدح لأنها معارضة بكلام الله فى القرآن ومن ثم فكلها باطلة
وأما حكاية قذف التراب فى وجوه المداحين فهى باطلة لأن المفروض هو عقاب المادح لمخالفته نهى الله عن المدح والعقوبات فى القرآن ليس بها قذف تراب وإنما عتق وإطعام مساكين وصوم أو جلد
ومن باب المدح تدخل احدى الشرارات الأولى لهدم دولة العدل من خلال ظن الممدوح أنه أحسن من باقى المسلمين ومن ثم كفره وتجبره عليهم
وتحدث عن نتائج المدح المذموم فقال :
"آفات المدح المذموم:
قال الغزالي: في المدح المذموم ست آفات ، أربع على المادح وهي:
1 ـ قد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كاذبا.
2 ـ وقد يظهر له من الحب ما لا يعتقده فيكون منافقا.
3 ـ وقد يقول له ما لا يتحققه ولا سبيل إلى الإطلاع عليه فيكون مجازفا.
4 ـ وقد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق فيكون مناصرا لظالم.
وآفتان على الممدوح: ـ
1 ـ قد يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان.
2 ـ قد يفرح فيفسد عمله، أو يفتر"
واضرار المدح يجمعها أن تكفر المادح والممدوح إن صدق المدح وظن أنه أفضل من غيره
وتحدث عما سماه ضوابط المدح فقال :
"ثانيا: ضوابط المدح:
بما أن الرسول (ص)أهل للمدح، وكل ممدوح من البشر سواه ناقص، إلا أننا نجده أرشد إلى ما يجوز من المدح، وسد وسائل الإطراء والغلو التي تؤدي إلى الشرك في مدحه أو مدح غيره، أو تؤدي إلى فتنة الممدوح.
ومن خلال استقراء بعض نصوص السنة في المدح نستنبط ضوابط المباح حتى يكون مباحا وهي: ـ
1 ـ موافقة القول للحقيقة:
وهو أن يكون الممدوح أهلا لما يقال فيه، ولا يتجاوز المادح الصفات الحقيقية الصادقة
في الممدوح. قال ابن حجر: (أما الثناء بما يعلم حقيقة فهو جائز ومستثنى من التمادح المكروه) .
2 ـ التوسط في المدح وعدم المبالغة ومجاوزة الحد.
فالرسول (ص)اصطفاه ربه بالرسالة، وهو أفضل خلقه، وكل مدح يقال فيه صدق ـ إذا لم يتجاوز التأدب مع الله ـ ومدح الرسول (ص)لا يتعدى كونه بشرا رسولا، تشرف بالعبودية لله وبلغ ما كلف به بلاغا كافيا. فمنع المبالغة في إطرائه ورفعه أعلى من بشريته.
روى الإمام البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " سمعت النبي (ص)يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله " .
وروى أبو داود ـ رحمه الله ـ بسنده عن مطرف قال: " قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله (ص)فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا ، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان " .
هؤلاء أعراب كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكره لهم المبالغة في مدحه، فقال لهم: تكلموا بما يحضركم من القول ولا تتكلفوه، فيستعملكم الشيطان فيما يريد من التعظيم للمخلوق بمقدار لا يجوز ."
الحديث الأول نهى تماما عن أى مدح والثانى والثانى ناقضه فأباح بعض المدح وهو تناقض لا يمكن أن يقول به الرسول(ص)
ومن ثم لا يوجد مدح مباح
وحدثنا عن الأمن من فتنة المدح فقال :
3" ـ الأمن من فتنة الممدوح.
وذلك أن المدح قد يحدث للممدوح فتنة فيقع في معصية كالكبر والاستعلاء والفتور عن العمل الصالح.
روى الإمام البخاري بسنده عن أبي بكرة " أن رجلا ذكر عند النبي (ص)فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي (ص)ويحك قطعت عنق صاحبك، يقوله مرارا، إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: احسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحدا " .
فالنهي في الحديث محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الوصف أو من يخاف عليه فتنة من إعجاب أو كبر. أما من لا يخاف عليه ذلك لكمال إيمانه وعقله فلا نهي في مدحه إذا لم يكن فيه مجازفة .
4 ـ تقييد المدح بقول: أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا.
تأدبا مع الله في رد علم السرائر إليه فهو أعلم بمن اتقى، والأحكام تجرى بالظاهر والله يتولى السرائر، فإن هذا اللفظ يعتبر مقيدا لما صدر من ألفاظ المدح بشرط أن تكون قد تحققت فيه الضوابط الثلاثة الأولى."
وهذا الكلام يتعارض مع وجوب قول العدل عندما يكون مطلوبا كما قال تعالى :
" وإذا قلتم فاعدلوا"
والشهادة المطلوبة تكون فى القضاء سواء كانت مدحا أو ذما كما قال تعالى :
" ولا تكتموا الشهادة"
وتحدث عن نماذج من المدح فقال :
"المبحث الثالث: نماذج من مدح النبي (ص)للمدعوين ونتيجته الدعوية:
إن المدح أسلوب من أساليب الدعوة المؤثرة. وهو أشد تأثيرا فيمن اشتهروا وعرفوا بحب الشهرة والمفاخرة وعد المآثر من أمثال ذوي المكانة و الوجاهة و الملأ من الناس.
ونجد في سيرة الرسول (ص)شواهد مدح لهم، إما لمسلم يحثه على فعل الخير والازدياد منه إذا أمنت فتنته، أو لكافر يتصف بصفة حميدة يرغبه في الإسلام. ومن أمثلة ذلك.
1 ـ مدح فرد من المسلمين: روى الإمام أحمد عن أنس " أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدي للنبي (ص)من البادية، فيجهزه رسول الله (ص)إذا أراد أن يخرج، فقال النبي (ص)إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضرته، وكان النبي (ص)يحبه، وكان دميما، فأتى النبي (ص)يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه لا يبصره. فقال: أرسلني من هذا؟ والتفت فعرف النبي (ص)فجعل يلصق ظهره بصدر النبي (ص)فجعل النبي (ص)يقول: من يشتري مني هذا العبد؟ فيقول هو: إذا تجدني كاسدا. فقال له النبي (ص)لكنك عند الله لست بكاسد " " .
2 ـ مدح القبائل من مسلمي الأعراب: روى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة " عن النبي (ص)قال: أسلم سالمها الله. وغفار غفر الله لها "
وروى أيضا عن أبي بكرة قال: " قال النبي (ص)أرأيتم إن كان جهينة ... ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم وبني أسد ومن بني عبدالله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة؟ فقال رجل: خابوا وخسروا. فقال: هم خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبدالله بن غطفان ومن بني عامر ابن صعصعة ". وفي رواية " والذي نفسي بيده إنهم لخير منهم " .
هذه القبائل الممدوحة من الأعراب الذين كانوا حول المدينة، وكانوا من أسبق القبائل للإسلام، فحصلوا على هذه المكانة والشرف بسبب ذلك . فمدحهم الرسول (ص)مدحا صادقا هم أهل له لأنهم من السباقين للإسلام.
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: " لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله (ص)سمعته يقول: هم أشد أمتي على الدجال. قال: وجاءت صدقاتهم فقال النبي (ص)هذه صدقات قومنا قال: وكانت سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله (ص)أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل " .
مدح أسلم وغفار ومزينة وجهينة لأسبقيتها للإسلام، بل صرح بأفضليتهم على تميم وهوازن وغطفان.
ثم مدح تميما بالخلال التي يتصفون بها في ذلك الوقت. أو بالمواقف التي ستحصل منهم في المستقبل، والنسب الذي ينتسبون إليه.
وعندما يصدر هذا المدح الصادق من قائد الأمة فإنه مما يزيدهم ثباتا على الإسلام وحبا لرسوله (ص)وانضواء تحت لوائه، و قد تحقق ذلك."
والنبى(ص) لم يمدح كل تلك الأقوام ولا قال فيهم تلك الأقوال لأنه لا يوجد قوم يسلمون بكاملهم وإنما كان منهم كفار حاربوا الله ورسوله (ص) وحديث كحديث الدجال المزعوم كذب محص لأن النبى(ص) لا يعلم الغيب كما قال تعالى على لسان نبيه(ص) الأخير:
" ولا أعلم الغيب"
وأما حديث أسلم سالمها الله فلم يكن مدحا فى الكثير من الروايات وإنما كان دعاء والدعاء ليس مدح وإنما طلب
ومن ثم لا مجال للمدح
"وتحدث عن مدح الكفار فقال :
3 ـ مدح من يستحق المدح من الكفار:
إن مما نزل على الرسول (ص)قول الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} .
وهو أول من يتمثل القرآن، وكان خلقه (ص)القرآن، وإذا لم يكن العدل عند النبي (ص)من البشر فعند من يكون؟!
وهذا العدل الذي تميز به (ص)يعد أسلوبا مؤثرا من أساليب الدعوة. فعندما يذكر المرء أو القوم بصفاتهم الحسنة وخلالهم الجميلة، حتى وإن كانوا كفارا. فإنه مما يدعوهم لحب المادح وقبول المبادئ التي يدعو إليها.
وأقل ما في الأمر يلزمون الحياد ويمتنعون من الإيذاء.
وهذا مثال عدل في مدح قبيلة من الأعراب وهي على الكفر قبل الإسلام. قبيلة شيبان بن ثعلبة. التقى بهم الرسول (ص)وهو يعرض نفسه على القبائل، وكانت من أحسن القبائل ردا على الرسول (ص)بل عرضت عليه المنعة مما يلي أرض العرب. ورأى فيهم حسن الرأي والوفاء بعهدهم مع الفرس. فقال لهم (ص)" ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وأخذ منهم وعدا ليسلموا إن أظهر الله دين الإسلام. ثم قال (ص)يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها، بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم " . و كان من نتائج ذلك أنهم وفوا بوعدهم و دخلوا في الإسلام بعد ظهوره و لم يتأذى المسلمون منهم بأي أذى، بل كان منهم قادة و مشاهير شاركوا في الفتوحات الإسلامية."
وما ذكره الرجل من الأحاديث ليس مدحا وإنما شهادة حق فى القوم إن كان قد حدث الكلام بالفعل وشهادة الحث مطلوبة من المسلم ذما أو مدحا بمعنى اثبات التهمة أو نفى التهمة
المؤلف حمود بن جابر بن مبارك الحارثي وموضوع البحث هو استعمال أسلوب المدح فى الدعوة إلى الله وقد تحدث عن استخدام الناس للمدح وافراطهم فيه فى حياتهم فقال فى مقدمته:
" و بعد:
إن مما هو مشهور و معروف بين الناس التمادح الذي يتبادله الناس فيما بينهم سواء كان شعرا أو نثرا، و خاصة ما يمدح به أهل المكانة و الوجاهة من عبارات و ألفاظ تتجاوز حد الوسطية إلى الغلو، حتى أصبحت بعض ألفاظ المدح يمجها عامة الناس فضلا عن طلاب العلم و العلماء ومثقفي الناس. إن هذه الظاهرة أحدثت عندي تساؤلات منها ما حكم هذه الظاهرة، و ما ضوابطها، و هل يمكن أن يكون المدح من أساليب الدعوة، و ما مدى إمكانية الإفادة منه في الدعوة إلى الله تعالى، و غير ذلك من التساؤلات. ... وشعورا بالواجب الذي أوجبه الله على الباحثين وطلاب العلم من نشر العلم الصحيح بين الأمة، و إثراء المكتبة العلمية الدعوية بما هو نافع و مفيد من المؤلفات و البحوث التأصيلية عقدت العزم على بحث هذه الظاهرة من منظور شرعي دعوي، من خلال دراسة سنة النبي (ص)وسيرته واستنباط المنهج النبوي في مدح النبي (ص)لأصحابه و للمدعوين بوجه عام، ومدح الصحابة والناس عامة للرسول (ص)لعلني أفيد منه الدعاة إلى الله بعلم مؤصل من الكتاب و السنة، فرأيت أن يكون بعنوان (أهمية أسلوب المدح في الدعوة إلى الله وضوابطه"
وقد استهل البحث بتعريف الكلمات الرئيسية الواردة فى العنوان وهى الأسلوب والمدح والدعوة فقال:
المبحث الأول: تعريفات عنوان البحث
أولا: تعريف الأسلوب
ـ الأسلوب في اللغة:
الأسلوب: الطريق، وعنق الأسد، والشموخ في الأنف .
الأسلوب: كل طريق ممتد فهو أسلوب.
الأسلوب: الطريق، الوجه، المذهب. والجمع أساليب .
الأسلوب: الفن. يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي في أفانين منه.
وقد سلك أسلوبه: طريقته. وكلامه على أساليب حسنة .
وبعد هذه اللمحة اللغوية السريعة نجد أن من معاني الأسلوب اللغوية: ـ
الطريق، والطريقة، الوجه، المذهب، الفن.
ـ الأسلوب في الاصطلاح:
عرف بعدة تعريفات: ـ
1 ـ الأسلوب: هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه، واختيار مفرداته .
2 ـ الأسلوب: هو طريقة الإنشاء، أو طريقة اختيار الألفاظ وتأليفها، للتعبير بها عن المعاني، قصد الإيضاح والتأثير .
3 ـ أسلوب الدعوة: هو طريقة الداعي في دعوته، أو كيفية تطبيق مناهج الدعوة .
4 ـ أسلوب الدعوة: هو فن الدعوة. وأساليب الدعوة: فنونها، وهي: الحكمة، الموعظة، القوة ... الخ .
5 ـ أسلوب الدعوة: هو الطريقة أو المذهب الذي يلجأ إليه الداعي إلى الله، ليحقق بذلك أهداف الدعوة .
6 ـ أساليب الدعوة: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه
تعريف أسلوب الدعوة: من مجموع التعاريف اللغوية والاصطلاحية السابقة يمكننا القول بأن أسلوب الدعوة: هو الطريقة المقنعة المؤثرة في المدعو بما يتناسب مع حاله.
وقلت: بما يتناسب مع حاله؛ لأن طبائع الناس ومنازلهم مختلفة. فمنهم من يدعى باللين، ومنهم من يدعى بالموعظة، ومنهم من يدعى بالقوة، ومنهم من يدعى بالهدية والتأليف ... الخ.
ـ الفرق بين الوسيلة الدعوية والأسلوب الدعوي: وحتى نفرق بين الوسيلة و الأسلوب فلا بد أن نعرف الوسيلة، فنقول:
الوسيلة: هي الأداة الموصلة إلى غاية.
والوسيلة الدعوية: هي الأداة المنضبطة شرعا، الموصلة إلى غاية منضبطة.
وهي التي تستخدم لنقل الأفكار من الداعي إلى المدعو.
أما أسلوب الدعوة: فهو الطريقة المقنعة المؤثرة في المدعو بما يتناسب مع حاله.
وبذلك تعتبر الوسيلة أداة ناقلة للأسلوب من خلالها .
ثانيا: تعريف المدح
معنى المدح في اللغة:
المدح: نقيض الهجاء، وهو: حسن الثناء.
وقيل: الوصف الجميل. وعد المآثر .
وقيل: هو وصف المحاسن بكلام جميل
والمداحون: هم الذين اتخذوا مدح الناس عادة وجعلوه بضاعة يستأكلون به الممدوح ويفتنونه
المدح في الاصطلاح: الثناء باللسان على الصفات الجميلة خلقية كانت أو اختيارية
ثالثا: تعريف الضابط
الضابط لغة: لزوم الشيء وعدم مفارقته، وفيه معنى الحبس، كما يطلق أيضا على القوة والشدة، فيقال: رجل ضابط، أي: قوي شديد حازم .
الضابط اصطلاحا: أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه .
وهذا التعريف للضابط لا يختص بعلم معين بل هو عام في كل علم يمكن أن تصاغ فيه ضوابط، ويتبين هذا بمقارنته بالتعريف الفقهي للضابط. كما أن من العلماء من يجعل الضابط مرادفا للقاعدة. "
وكان على الباحث الاقتصار على معنى الكلمة التعريفى أو المصطلحى فقط دون اللجوء لما فى اللغة من معانى لأنها لا لزوم لها لأنها لا تقدم ولا تؤخر فى الموضوع طالما ارتبطت باحكام الله فهى التى تحدد معنى الشىء
وتحدث عن وجود نوعين من المدح المحمود والمذموم فقال :
"المبحث الثاني: أنواع المدح وضوابطه
أولا: أنواع المدح:
النوع الأول: المدح المباح: وهو ما توفرت فيه ضوابط المدح، فقد ثبت في السنة أن النبي (ص)مدح في الشعر والخطابة والمخاطبة ولم يمنع المادح، كمدح عبد الله بن ... رواحة له قائلا:
إني تفرست فيك الخير أعرفه ... والله يعلم أن ما خانني البصر
أنت النبي ومن يحرم ... شفاعته ... يوم الحساب فقد أزرى القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
فقال له النبي (ص)وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة .
ومدحه كعب بن زهير في قصيدته المشهورة عندما جاء تائبا مسلما:
إن الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول
في فتية من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زولوا "
الروايات فى معظمها كاذبة خالصة مع معارضتها لكتاب الله فقد حرم الله المدح حتى لو كان حقيقة لفرد بعينه فقال :
" فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
وتحدث عن نتيجة المدح المباح فقال:
"نتيجة المدح المباح:
إذا تحققت ضوابط المدح، فإن الممدوح لا يزداد بها إلا كمالا، إما بالنشاط في فعل الخير والازدياد منه، أو بالدوام عليه. خاصة إذا كان المادح من ذوي المكانة والحكمة الذين يقدرون الأمور بقدرها ويحرصون على درء المفاسد وجلب المصالح.
روى الإمام البخاري بسنده عن سالم عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: " كنت غلاما شابا، وكنت أنام في المسجد على عهد الرسول (ص)فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال: فلقينا ملك آخر فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة فقصتها على رسول الله (ص)فقال: نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل. فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلا " "
الحديث الذى اعتمد عليه الحارثى هنا باطل فلا يوجد أحد رأى الملائكة من المسلمين أو حتى الكفار فى عهد النبى (ص) لأن الملائكة لا ترى إلا يوم القيامة كما قال تعالى :
"يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين"
كما أن الله لم يعط خاتم النبيين(ص) آية تأويل الأحاديث وهى الأحلام كما أعطاها ليوسف(ص) ولا نص يثبت أنه أعطاها إياه
ونتيجة المدح غالبا هى نتيجة سيئة للممدوح وحتى للمادح لأن العلم بحقيقة الفرد لا يعلمها إلا الله وقد خدع النبى(ص) نفسه والمؤمنون فى أناس ادهوا الإسلام وكانوا كفرة مجرمين حيث ارتكبوا جريمة ونسبوها لكافر برىء من ارتكابها فنزل الوحى مبرئا له وناهيا للمسلمين عن الجدال عن المجرمين فقال :
" ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة"
وتحدث عن دعاء يقوله الممدوح حتى لا يغتر فقال:
"دعاء الممدوح:
حتى يأمن الممدوح من مداخل الشيطان والفتنة والرياء فإنه يدعو بهذا الدعاء " اللهم اغفر لي ما لا يعلمون. ولا تؤاخذني بما يقولون. واجعلني خيرا مما يظنون " .
وعليه أن يتحرز من آفة العجب أو الفتور، ويظهر كراهة المدح ويراقب نفسه."
بالقطع الدعاء لا يمنع شىء لأن المانع من الاغترار هو إرادة الممدوح نفسه
ومن ثم لا نجد مدح مباح لفرد باسمه وإنما المدح هو لمن فعل كذا أو قال كذا فهو مدح عام كما فى قوله تعالى :
" فأولئك هم المؤمنون حقا"
وتحدث عن النوع الثانى الذى ظنه وهو المدح المذموم فقال :
"النوع الثاني: المدح المذموم:
وهو ما انعدمت فيه ضوابط المدح المباح فانعدم فيه الصدق، أو صاحبه النفاق، أو اتخذ مهنة للتكسب، وزاد الممدوح بطرا وتكبرا وظلما ورئاء.
وهذا النوع هو الذي عناه الرسول (ص)فيما رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ بسنده عن أبي معمر قال: " قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد يحثي عليه التراب وقال: أمرنا رسول الله (ص)أن نحثي في وجوه المداحين التراب " .
قال النووي: (حمل المقداد هذا الحديث على ظاهره ووافقه طائفة وقال آخرون: معناه خيبوهم فلا تعطوهم شيئا لمدحهم ـ كأنهم من الذين يتكسبون به ـ وقال آخرون: قولوا له بفيك التراب) .
وقال الطيبي: (يحتمل أن يراد به دفعه وقطع لسانه عن عرضه بما يرضيه من تراب الدنيا استهانة به) ."
وقد انتهى الباحث إلى أن الفقهاء علموا التناقض بين أحاديث المدح وأحاديث النهى عنه فحاولوا الجمع بينها كما قال :
"وقال العلماء في الجمع بين أحاديث الإباحة والنهي: إن كان الممدوح عنده كمال إيمان ويقين، ومعرفة تامة بحيث لا يفتتن ولا يغتر بذلك فليس بحرام وإن خيف عليه شيء من
هذه الأمور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة هذا في حق الممدوح
أما المادح فيتحمل وزر قوله إن كان كاذبا، أو متكسبا ويؤجر إن كان من أهل الحكمة والعلم وإرادة الخير بالناس."
ولا يوجد أساسا أحاديث تبيح المدح لأنها معارضة بكلام الله فى القرآن ومن ثم فكلها باطلة
وأما حكاية قذف التراب فى وجوه المداحين فهى باطلة لأن المفروض هو عقاب المادح لمخالفته نهى الله عن المدح والعقوبات فى القرآن ليس بها قذف تراب وإنما عتق وإطعام مساكين وصوم أو جلد
ومن باب المدح تدخل احدى الشرارات الأولى لهدم دولة العدل من خلال ظن الممدوح أنه أحسن من باقى المسلمين ومن ثم كفره وتجبره عليهم
وتحدث عن نتائج المدح المذموم فقال :
"آفات المدح المذموم:
قال الغزالي: في المدح المذموم ست آفات ، أربع على المادح وهي:
1 ـ قد يفرط فيه فيذكره بما ليس فيه فيكون كاذبا.
2 ـ وقد يظهر له من الحب ما لا يعتقده فيكون منافقا.
3 ـ وقد يقول له ما لا يتحققه ولا سبيل إلى الإطلاع عليه فيكون مجازفا.
4 ـ وقد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق فيكون مناصرا لظالم.
وآفتان على الممدوح: ـ
1 ـ قد يحدث فيه كبرا وإعجابا وهما مهلكان.
2 ـ قد يفرح فيفسد عمله، أو يفتر"
واضرار المدح يجمعها أن تكفر المادح والممدوح إن صدق المدح وظن أنه أفضل من غيره
وتحدث عما سماه ضوابط المدح فقال :
"ثانيا: ضوابط المدح:
بما أن الرسول (ص)أهل للمدح، وكل ممدوح من البشر سواه ناقص، إلا أننا نجده أرشد إلى ما يجوز من المدح، وسد وسائل الإطراء والغلو التي تؤدي إلى الشرك في مدحه أو مدح غيره، أو تؤدي إلى فتنة الممدوح.
ومن خلال استقراء بعض نصوص السنة في المدح نستنبط ضوابط المباح حتى يكون مباحا وهي: ـ
1 ـ موافقة القول للحقيقة:
وهو أن يكون الممدوح أهلا لما يقال فيه، ولا يتجاوز المادح الصفات الحقيقية الصادقة
في الممدوح. قال ابن حجر: (أما الثناء بما يعلم حقيقة فهو جائز ومستثنى من التمادح المكروه) .
2 ـ التوسط في المدح وعدم المبالغة ومجاوزة الحد.
فالرسول (ص)اصطفاه ربه بالرسالة، وهو أفضل خلقه، وكل مدح يقال فيه صدق ـ إذا لم يتجاوز التأدب مع الله ـ ومدح الرسول (ص)لا يتعدى كونه بشرا رسولا، تشرف بالعبودية لله وبلغ ما كلف به بلاغا كافيا. فمنع المبالغة في إطرائه ورفعه أعلى من بشريته.
روى الإمام البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب قال: " سمعت النبي (ص)يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله " .
وروى أبو داود ـ رحمه الله ـ بسنده عن مطرف قال: " قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله (ص)فقلنا: أنت سيدنا، فقال: السيد الله تبارك وتعالى. قلنا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا ، فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان " .
هؤلاء أعراب كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكره لهم المبالغة في مدحه، فقال لهم: تكلموا بما يحضركم من القول ولا تتكلفوه، فيستعملكم الشيطان فيما يريد من التعظيم للمخلوق بمقدار لا يجوز ."
الحديث الأول نهى تماما عن أى مدح والثانى والثانى ناقضه فأباح بعض المدح وهو تناقض لا يمكن أن يقول به الرسول(ص)
ومن ثم لا يوجد مدح مباح
وحدثنا عن الأمن من فتنة المدح فقال :
3" ـ الأمن من فتنة الممدوح.
وذلك أن المدح قد يحدث للممدوح فتنة فيقع في معصية كالكبر والاستعلاء والفتور عن العمل الصالح.
روى الإمام البخاري بسنده عن أبي بكرة " أن رجلا ذكر عند النبي (ص)فأثنى عليه رجل خيرا، فقال النبي (ص)ويحك قطعت عنق صاحبك، يقوله مرارا، إن كان أحدكم مادحا لا محالة فليقل: احسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك وحسيبه الله ولا يزكي على الله أحدا " .
فالنهي في الحديث محمول على المجازفة في المدح والزيادة في الوصف أو من يخاف عليه فتنة من إعجاب أو كبر. أما من لا يخاف عليه ذلك لكمال إيمانه وعقله فلا نهي في مدحه إذا لم يكن فيه مجازفة .
4 ـ تقييد المدح بقول: أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا.
تأدبا مع الله في رد علم السرائر إليه فهو أعلم بمن اتقى، والأحكام تجرى بالظاهر والله يتولى السرائر، فإن هذا اللفظ يعتبر مقيدا لما صدر من ألفاظ المدح بشرط أن تكون قد تحققت فيه الضوابط الثلاثة الأولى."
وهذا الكلام يتعارض مع وجوب قول العدل عندما يكون مطلوبا كما قال تعالى :
" وإذا قلتم فاعدلوا"
والشهادة المطلوبة تكون فى القضاء سواء كانت مدحا أو ذما كما قال تعالى :
" ولا تكتموا الشهادة"
وتحدث عن نماذج من المدح فقال :
"المبحث الثالث: نماذج من مدح النبي (ص)للمدعوين ونتيجته الدعوية:
إن المدح أسلوب من أساليب الدعوة المؤثرة. وهو أشد تأثيرا فيمن اشتهروا وعرفوا بحب الشهرة والمفاخرة وعد المآثر من أمثال ذوي المكانة و الوجاهة و الملأ من الناس.
ونجد في سيرة الرسول (ص)شواهد مدح لهم، إما لمسلم يحثه على فعل الخير والازدياد منه إذا أمنت فتنته، أو لكافر يتصف بصفة حميدة يرغبه في الإسلام. ومن أمثلة ذلك.
1 ـ مدح فرد من المسلمين: روى الإمام أحمد عن أنس " أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدي للنبي (ص)من البادية، فيجهزه رسول الله (ص)إذا أراد أن يخرج، فقال النبي (ص)إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضرته، وكان النبي (ص)يحبه، وكان دميما، فأتى النبي (ص)يوما وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه لا يبصره. فقال: أرسلني من هذا؟ والتفت فعرف النبي (ص)فجعل يلصق ظهره بصدر النبي (ص)فجعل النبي (ص)يقول: من يشتري مني هذا العبد؟ فيقول هو: إذا تجدني كاسدا. فقال له النبي (ص)لكنك عند الله لست بكاسد " " .
2 ـ مدح القبائل من مسلمي الأعراب: روى الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة " عن النبي (ص)قال: أسلم سالمها الله. وغفار غفر الله لها "
وروى أيضا عن أبي بكرة قال: " قال النبي (ص)أرأيتم إن كان جهينة ... ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم وبني أسد ومن بني عبدالله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة؟ فقال رجل: خابوا وخسروا. فقال: هم خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبدالله بن غطفان ومن بني عامر ابن صعصعة ". وفي رواية " والذي نفسي بيده إنهم لخير منهم " .
هذه القبائل الممدوحة من الأعراب الذين كانوا حول المدينة، وكانوا من أسبق القبائل للإسلام، فحصلوا على هذه المكانة والشرف بسبب ذلك . فمدحهم الرسول (ص)مدحا صادقا هم أهل له لأنهم من السباقين للإسلام.
وروى مسلم بسنده عن أبي هريرة قال: " لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهن من رسول الله (ص)سمعته يقول: هم أشد أمتي على الدجال. قال: وجاءت صدقاتهم فقال النبي (ص)هذه صدقات قومنا قال: وكانت سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله (ص)أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل " .
مدح أسلم وغفار ومزينة وجهينة لأسبقيتها للإسلام، بل صرح بأفضليتهم على تميم وهوازن وغطفان.
ثم مدح تميما بالخلال التي يتصفون بها في ذلك الوقت. أو بالمواقف التي ستحصل منهم في المستقبل، والنسب الذي ينتسبون إليه.
وعندما يصدر هذا المدح الصادق من قائد الأمة فإنه مما يزيدهم ثباتا على الإسلام وحبا لرسوله (ص)وانضواء تحت لوائه، و قد تحقق ذلك."
والنبى(ص) لم يمدح كل تلك الأقوام ولا قال فيهم تلك الأقوال لأنه لا يوجد قوم يسلمون بكاملهم وإنما كان منهم كفار حاربوا الله ورسوله (ص) وحديث كحديث الدجال المزعوم كذب محص لأن النبى(ص) لا يعلم الغيب كما قال تعالى على لسان نبيه(ص) الأخير:
" ولا أعلم الغيب"
وأما حديث أسلم سالمها الله فلم يكن مدحا فى الكثير من الروايات وإنما كان دعاء والدعاء ليس مدح وإنما طلب
ومن ثم لا مجال للمدح
"وتحدث عن مدح الكفار فقال :
3 ـ مدح من يستحق المدح من الكفار:
إن مما نزل على الرسول (ص)قول الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون} .
وهو أول من يتمثل القرآن، وكان خلقه (ص)القرآن، وإذا لم يكن العدل عند النبي (ص)من البشر فعند من يكون؟!
وهذا العدل الذي تميز به (ص)يعد أسلوبا مؤثرا من أساليب الدعوة. فعندما يذكر المرء أو القوم بصفاتهم الحسنة وخلالهم الجميلة، حتى وإن كانوا كفارا. فإنه مما يدعوهم لحب المادح وقبول المبادئ التي يدعو إليها.
وأقل ما في الأمر يلزمون الحياد ويمتنعون من الإيذاء.
وهذا مثال عدل في مدح قبيلة من الأعراب وهي على الكفر قبل الإسلام. قبيلة شيبان بن ثعلبة. التقى بهم الرسول (ص)وهو يعرض نفسه على القبائل، وكانت من أحسن القبائل ردا على الرسول (ص)بل عرضت عليه المنعة مما يلي أرض العرب. ورأى فيهم حسن الرأي والوفاء بعهدهم مع الفرس. فقال لهم (ص)" ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وأخذ منهم وعدا ليسلموا إن أظهر الله دين الإسلام. ثم قال (ص)يا أبا بكر أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها، بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض وبها يتحاجزون فيما بينهم " . و كان من نتائج ذلك أنهم وفوا بوعدهم و دخلوا في الإسلام بعد ظهوره و لم يتأذى المسلمون منهم بأي أذى، بل كان منهم قادة و مشاهير شاركوا في الفتوحات الإسلامية."
وما ذكره الرجل من الأحاديث ليس مدحا وإنما شهادة حق فى القوم إن كان قد حدث الكلام بالفعل وشهادة الحث مطلوبة من المسلم ذما أو مدحا بمعنى اثبات التهمة أو نفى التهمة