رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
قراءة فى الرسالة البحرانية معنى الفناء بالله
الرسالة من تأليف أحمد بن زين الدين الأحسائي وسبب تأليفها هو الرد على سؤال شخص يسمى البحرانى طلب تفسير معنى افناء فى الله والبقاء بالله وفى هذا قال الإحسائى:
" قد أرسل إلي بعض السادة الصالحين الطالبين للحق والدين وهو السيد السند السيد حسين بن السيد عبدالقاهر بن السيد حسين البحراني في تبيين كلام الملا الكاشاني في معنى الفناء بالله والبقاء بالله وما يسنح لذلك من المعاني فكتب لي بلغة الله على الأماني عبادة الملا فجعلتها كالمتن المحلى وجعلت تلك الكلمات كالشرح لها بل أجلى."
استهل الإحسائى الكتاب بذكر كلام البحرانى وعلق قائلا أن معنى الفناء بالله ليس المعنى الذى قصدته الصوفية وهو الاتحاد مع الله فقال:
"قال أطال الله في الخيرات بقائه وأسعده بحسن لقائه ورضاه، قال رحمه الله قال أهل المعرفة المراد بفناء العبد ليس بفناء ذاته.
أقول : إنما قالوا ليس فناء ذاته يعني في الله لأن ذلك يستلزم الاتحاد والاتحاد يستلزم سادات المتحدين أو مجانستها ولا يكون ذلك لامتناع ذلك عليه سبحانه ولقدسه عن امكان المساواة والمجانسة والمتصوفة قالوا بذلك المعنى يتوالونه فخروا من السماء فخطفتهم الطير وهوت بهم الريح في مكان سحيق وإن كان يومهم على بعض من ادعى العرفان بأنه حق وذلك لعدم تحقق عرفانه ومن أشعارهم فيما تأولوه قول شاعرهم:
جعلت نفسك في نفسي
كما جعل الخمر في الماء الزلال
فإذا سرك شيء سرني
فإذا أنت أنا في كل حالي
ولا فائدة في الكلام معهم ولسنا بصدد كلامهم، وبالجملة فليس المراد بفناء العبد في الله فناء ذاته في الله لما قلنا."
ثم حدثنا عن معنى الفناء كلاما هو الأخر يشبه كلام الصوقية فبعد أن أخرج نفسه من الاتحاد قال بوجود جهة إلهية فى الإنسان فقال:
"قال : رحمه الله بل المراد فناء الجهة البشرية التي في جهة ربوبية الحق فإن كل عبد له جهة من الحضرة الإلهية ولكل جهة هو مولييها.
أقول : إن مرادهم بفناء العبد في الله فناء جهة البشرية التي هي وجوده من الله سبحانه في ربوبية الحق سبحانه بأن لا يكون له اعتبار من نفسه وليس له التفات إلى حال من أحواله بل كلها مستغرقة في الاقبال على الله والإلتفات إلى جنابه في حركات العبد وسكناته وجميع شئونه كما قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت"
قطعا البشر بشر لا يوجد فيهم جزء من غيرهم حيث قال تعالى على لسان نبيه(ص):
" قل إنما أنا بشر مثلكم"
فلو كان فيهم شىء من نوع أخر أو فيهم جهة من الله ما كانوا بشرا ولا يمكن وجود جهة إلهية لأن الله تعالى عن مماثلة خلقه فى وجود الجهات فقال :
" ليس كمثله شىء"
ثم ضرب الإحسائى مثال ليبين كلامه :
"والمثل في ذلك ولله المثل الأعلى مثل عبد عرف مالكه بحيث كانت جهة عبوديته ورقيته فانية في جهة مالكه مولاه بمعنى أنه في جميع أحواله ليس له اعتبار من نفسه لا يفعل إلا ما أمره سيده ولا يتحرك ولا يسكن إلا بما يأمره مولاه فهو مراقب في كل أحواله لخدمة مولاه، ففي الحقيقة هذا العبد عرف مولاه حق معرفته بحيث فنيت جهة عبوديته ورقيته في مالكية مولاه ولو أنه فعل شيئا بغير أمر مولاه لكان حينئذ مستقلا في ذلك الفعل متعينا في نفسه بحيث يقال أن فعله هذا الشيء ليس فعلا لمولاه لأنه ليس بأمره ولا يكون في هذه الحال فانيا بعبوديته وجهة رقيته في مالكية مولاه بل خالف مقتضى ذلك، وفي الحال الأول في الحقيقة فعله هو فعل مولاه ولا يلام على شي قط بخلاف الحال الثاني فإنه ملوم لاستقلاله بفعله فلا يكون في فعله فانيا في مالكية المولى قال الله تعالى تحقيقا كما في الحال الأول (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) فجعل سبحانه فعل نبيه صلى الله عليه وآله مستهلكا في فعله سبحانه لأنه فني فيه بهذا المعنى وقوله فإن كل عبد له جهة من الحضرة الإلهية يعني به أن العبد في كل أحواله وشئونه ليس له من نفسه ولا من أحد من الخلق حول ولا قوة لأن الممكن أبدا مفتقر إلى الغير في تحقيق شيئيته وهو في كل أحواله متوجه بوجه استعداده لقبول ذلك المدد الذي به قوامه من ذلك الغير إلى جهة خاصة به من حضرة المفيض"
بين الرجل هنا أن الفناء يعنى أن كل ما يقوم به المرء هو طاعة لله واستدل بأن رمى النبى(ص) هو رمى الله وهو استدلال ناقص لأن كل شىء خير أو شر هو فعل الله ولذلك قال تعالى :
"وما تشاءون إلا ان يشاء الله"
وهو ما فسره يقوله:
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وطبقا لكلام الإحسائى فمعنى هذا أن الكافر كالمسلم كلاهما فان فى الله لأن المشيئتان تحدثان معا فى وقت واحد
ومن ثم لا يوجد فناء بالمعنى الذى قصده لأن تطابق المشيئتين يعنى أن الله خلق العبد وعمله كما قال " والله خلقكم وما تعملون"
ومن ثم سقط كلام الإحسائى والذى قال ضاربا مثالا أخر :
"ومثاله الصورة في المرآة ليس لها قوام بنفسها ولا تحقق وإنما تقومت بالمدد التي تستمده من المقابل وذلك المدد هو حقيقتها من الجهة الخاصة بها من المقابل، فإذا قابلت المرآة الوجه من الشخص مثلا انطبعت فيها صورة الوجه وتلك الصورة المنطبعة لا حقيقة لها إلا صورة الوجه وبها قيوميته المنطبعة وهي محتاجة إلى دوام الاستمداد وإلى جهة الوجه تولت المنطبعة وإلا لم تكن شيئا وتلك الجهة هي باب الوجه يعني ظاهر الصورة وهي جنابه أيضا فالوجه ممد المنطبعة من هذا الباب والمنطبعة راقصة على هذا الباب بسؤال استعدادها وقابليتها لائذة بإمكانها وفقرها لذلك الجناب وإليه الإشارة لقول سيد العابدين (إلهي وقف السائلون بباك ولاذ الفقراء بجنابك) ولهذا استدل مأولا بقوله تعالى (ولكل وجهة هو مولييها) ولكن هنا سر انطوى عن أكثر العارفين وستر عن أكبر الواصلين وهو قوله تعالى (مولييها) لأنه ولاها، تولت بتوليته وهو سر خفي من أسرار القدر مقنع بسر مقنع بسر لا يفتح إلا بمقلاد من مقاليد اللاهوت، وبالجملة فجهة المنطبعة يعني أنيتها وشيئيتها في جهة صورة الوجه كما مر."
والكلام هو خبل فالموجود فى المرآة ليس حقيقة كالواقف أمامها وإنما هى صورة ليس فيها شىء من الفرد سوى نقل الصورة الجسدية فلا زيادة فى الأصل ولا أى شىء
ثم قال:
"قال رحمه الله وهذا الفناء لا يحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق حتى تغلب الجهة الحقية على الجهة الخلقية لأنك إذا نظرت إلى الصورة المنطبعة مع قطع النظر عن صورة الوجه تحقق لها ماهية في نفسها وشيئية قائمة بذاتها ولكنك جهلت الحقيقة ولم تعرف الأمر على ما هو عليه في نفس الأمر لأن حقيقتها ليس شيئا إلا بما ظهر فيها من صورة الوجه المقابل فإذا نظرت بهذا الاعتبار ومحوت موهومها صحى لك المعلوم عن تلك الحقيقة إنها هي صورة الوجه المقابل وهو معنى غلب الجهة الحقية على الجهة الخلقية فإذا عرفت ذلك وهو فناء جهة المنطبعة في جهة الوجه عرفت المنطبعة بالوجه لا العكس وعرفت الوجه بالوجه قال (يا من دل على ذاته بذاته) وقال (الله أجل من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به) وقال أمير المؤمنين (لو عرفت الله بمحمد (ص) ما عبدته) ثم إنه رحمه الله ضرب مثلا لهذا الفناء كما ضربوه فقال كقطعة الفحم المجاورة للنار فإنها بسبب المجاورة والاستعداد بقبول النارية تشتعل قليلا إلى أن تصير نارا فيحصل منها ما يحصل من النار من الاحراق والانضاج والإضاءة وغيرها، وقبل الاشتعال كانت باردة كدر وهذا المثال مثال الحال العارف الفاني ومآل أمره فإنه إذا قطع الاعتبارات حتى قطع الاعتبارات نفسها كما قال علي (كشف سبحات الجلال من غير اشارة) يعني أن الإشارة أيضا من سبحات الجلال فهي حجاب بل كشف حجاب، ولهذا روي عنهم ما معناه (أن المحبة حجاب بين المحب والمحبوب) فإذا كشف جميع الاعتبارات تحقق الفناء وحصل له حقيقة المثال يعني مثال الفحمة إذا اشتعلت بالنار أنها تكون بصفة النار وهو قول علي (وخلق الانسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها فإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد)
وإذا تحقق ذلك تحققت محبة الله له فيكون كما قال تعالى في الحديث القدسي (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها) الحديث ، وقوله تعالى أيضا (يا عبدي أنا أقول للشيء كن فيكون....الخ) وبهذا الكشف يظهر لك الحجة في قول الحجة (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك) ثم بين رحمه الله الطريق الموصل إلى ذلك فقال (وذلك التوجه لا يمكن إلا بالاجتناب عما يضادها ويناقضها وهو التقوى مما عداها، فالمحبة هي المركب والزاد هو التقوى يعني أن كل مسافر يريد قطع مسافة يحتاج إلى الزاد والراحلة لأنهما شرط الاستطاعة وهذا السفر قبل حصول الشروط وقبل قطع المسافة والبلوغ إلى الغاية بعد من كل سفر لأن السفر قد ذكره الله في قوله (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) وهذا لم تبلغوا إلا بكل الأنفس وإذا حصلت الشروط كان هذا السفر أقرب من كل سفر قال (أن الراحل إليك قريب المسافة) فأخبر بقرب المسافة للراحل إلا للمقيم فافهم، فالمطية هي المحبة يعني الصادقة وهي إيثار المحبوب على كل ما سواه والطريق الموصل والثمن المبلغ إلى تحصيل هذه الراحلة الطيبة هي القيام الآداب الشراعية والصبر على الأخلاق الروحانية قال تعالى (ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) الحديث."
ما قاله الرجل من خلال ذكر الروايات هو كلام تخبيط وهى روايات لا يمكن أن يقولها إمام عالم بالإسلام لأنها تدخلنا فى الكفر كعبارة "لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك" فالله غير خلقه تماما كما قال تعالى " ليس كمثله شىء" والفروق واضحة مثل النوم والسنة " لا تأخذه سنة ولا نوم" وهم ينامون ويصايون بالسنة وهم يموتون وهو لا يموت "وتوكا على الحلا الذى لا يمون"
ما عجز الإحسائى هو وهو عيره عن التعبير عنه هو أن الإنسان يصب إلى القرب الإلخى وهو رحمة الله بطاعته وبدلا من كل تلك ألقوال التى لا تفهم وتتناقض وتتضارب كان يجب استعمال كلام الله نفسه وليس كلام البشر العجزة والذين يريدون فقط كم كلامهم همل مكانة ومنزلة لهم بين البشر مع أن المنزلة واحدة
ثم قال :
"وأما الزاد فقد أمر الله بذلك العباد فقال تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وهي تقوى الله في سرك وتقوى نفسك في أحوالك وتقوى الناس في معاملاتهم وما يرتبط ويتعلق بهم وهو معنى قوله الاجتناب عما يضادها ويناقضها في هذه المراتب الثلاث والضمير في يضادها ويناقضها يعود على الجهة الحقية والمناقض لها الجهة الخلقية نفسها وجميع ما لها من أحكام الأمكان فمن ألقها بحذافيرها حييت بربها قال تعالى في حق موسى (وما تلك بيمينك) أي بوجودك (يا موسى) (قال هي عصاى أتوكأ عليها) يعني أتوكا عليها في تحقق الأنية (وأهش بها على غنمي) من دعاياه وأنعامه من جميع أمته (ولي فيها مآرب أخرى) ستدل بفقرها على غناك وبجهلها على علمك وبعجزها على قدرتك وبحدوثها على أزليتك وبعدم حصرها على سرمديتك وبعدم حلولها على تفردك وغناك وبعدم معرفتها على قدسك ومفارقتها على بينونتك عن خلقك بصفتك إلى غير ذلك (قال ألقها يا موسى) واستغني لي عما سواي ولا تعتمد على غيري ولا تلتفت إلى شي فأكلك إليه (فألقاها) بكل اعتبار (فإذا هي حية تسعى) وهي مثال للبقاء بالله قال خذها بعد ما حييت بالإلقاء سنعيدها في قوس أدبر فأدبر سيرتها الأولى فافهم فهمك الله
وإياك واسم العامرية إنني
أخاف عليها من فم المتكلم
ولقد لوحت لأهل الإشارة على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم قال الشاعر
أخاف عليك من غيري ومني
ومنك ومن مكانك والزمان
ولو أني جعلتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني"
نفس الكلام الغامض والتفسيرات البعيدة عن التفسير الصحيح وهو الذى غالبا المعنى المعروف لدى الناس
الرسالة من تأليف أحمد بن زين الدين الأحسائي وسبب تأليفها هو الرد على سؤال شخص يسمى البحرانى طلب تفسير معنى افناء فى الله والبقاء بالله وفى هذا قال الإحسائى:
" قد أرسل إلي بعض السادة الصالحين الطالبين للحق والدين وهو السيد السند السيد حسين بن السيد عبدالقاهر بن السيد حسين البحراني في تبيين كلام الملا الكاشاني في معنى الفناء بالله والبقاء بالله وما يسنح لذلك من المعاني فكتب لي بلغة الله على الأماني عبادة الملا فجعلتها كالمتن المحلى وجعلت تلك الكلمات كالشرح لها بل أجلى."
استهل الإحسائى الكتاب بذكر كلام البحرانى وعلق قائلا أن معنى الفناء بالله ليس المعنى الذى قصدته الصوفية وهو الاتحاد مع الله فقال:
"قال أطال الله في الخيرات بقائه وأسعده بحسن لقائه ورضاه، قال رحمه الله قال أهل المعرفة المراد بفناء العبد ليس بفناء ذاته.
أقول : إنما قالوا ليس فناء ذاته يعني في الله لأن ذلك يستلزم الاتحاد والاتحاد يستلزم سادات المتحدين أو مجانستها ولا يكون ذلك لامتناع ذلك عليه سبحانه ولقدسه عن امكان المساواة والمجانسة والمتصوفة قالوا بذلك المعنى يتوالونه فخروا من السماء فخطفتهم الطير وهوت بهم الريح في مكان سحيق وإن كان يومهم على بعض من ادعى العرفان بأنه حق وذلك لعدم تحقق عرفانه ومن أشعارهم فيما تأولوه قول شاعرهم:
جعلت نفسك في نفسي
كما جعل الخمر في الماء الزلال
فإذا سرك شيء سرني
فإذا أنت أنا في كل حالي
ولا فائدة في الكلام معهم ولسنا بصدد كلامهم، وبالجملة فليس المراد بفناء العبد في الله فناء ذاته في الله لما قلنا."
ثم حدثنا عن معنى الفناء كلاما هو الأخر يشبه كلام الصوقية فبعد أن أخرج نفسه من الاتحاد قال بوجود جهة إلهية فى الإنسان فقال:
"قال : رحمه الله بل المراد فناء الجهة البشرية التي في جهة ربوبية الحق فإن كل عبد له جهة من الحضرة الإلهية ولكل جهة هو مولييها.
أقول : إن مرادهم بفناء العبد في الله فناء جهة البشرية التي هي وجوده من الله سبحانه في ربوبية الحق سبحانه بأن لا يكون له اعتبار من نفسه وليس له التفات إلى حال من أحواله بل كلها مستغرقة في الاقبال على الله والإلتفات إلى جنابه في حركات العبد وسكناته وجميع شئونه كما قال تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت"
قطعا البشر بشر لا يوجد فيهم جزء من غيرهم حيث قال تعالى على لسان نبيه(ص):
" قل إنما أنا بشر مثلكم"
فلو كان فيهم شىء من نوع أخر أو فيهم جهة من الله ما كانوا بشرا ولا يمكن وجود جهة إلهية لأن الله تعالى عن مماثلة خلقه فى وجود الجهات فقال :
" ليس كمثله شىء"
ثم ضرب الإحسائى مثال ليبين كلامه :
"والمثل في ذلك ولله المثل الأعلى مثل عبد عرف مالكه بحيث كانت جهة عبوديته ورقيته فانية في جهة مالكه مولاه بمعنى أنه في جميع أحواله ليس له اعتبار من نفسه لا يفعل إلا ما أمره سيده ولا يتحرك ولا يسكن إلا بما يأمره مولاه فهو مراقب في كل أحواله لخدمة مولاه، ففي الحقيقة هذا العبد عرف مولاه حق معرفته بحيث فنيت جهة عبوديته ورقيته في مالكية مولاه ولو أنه فعل شيئا بغير أمر مولاه لكان حينئذ مستقلا في ذلك الفعل متعينا في نفسه بحيث يقال أن فعله هذا الشيء ليس فعلا لمولاه لأنه ليس بأمره ولا يكون في هذه الحال فانيا بعبوديته وجهة رقيته في مالكية مولاه بل خالف مقتضى ذلك، وفي الحال الأول في الحقيقة فعله هو فعل مولاه ولا يلام على شي قط بخلاف الحال الثاني فإنه ملوم لاستقلاله بفعله فلا يكون في فعله فانيا في مالكية المولى قال الله تعالى تحقيقا كما في الحال الأول (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) فجعل سبحانه فعل نبيه صلى الله عليه وآله مستهلكا في فعله سبحانه لأنه فني فيه بهذا المعنى وقوله فإن كل عبد له جهة من الحضرة الإلهية يعني به أن العبد في كل أحواله وشئونه ليس له من نفسه ولا من أحد من الخلق حول ولا قوة لأن الممكن أبدا مفتقر إلى الغير في تحقيق شيئيته وهو في كل أحواله متوجه بوجه استعداده لقبول ذلك المدد الذي به قوامه من ذلك الغير إلى جهة خاصة به من حضرة المفيض"
بين الرجل هنا أن الفناء يعنى أن كل ما يقوم به المرء هو طاعة لله واستدل بأن رمى النبى(ص) هو رمى الله وهو استدلال ناقص لأن كل شىء خير أو شر هو فعل الله ولذلك قال تعالى :
"وما تشاءون إلا ان يشاء الله"
وهو ما فسره يقوله:
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
وطبقا لكلام الإحسائى فمعنى هذا أن الكافر كالمسلم كلاهما فان فى الله لأن المشيئتان تحدثان معا فى وقت واحد
ومن ثم لا يوجد فناء بالمعنى الذى قصده لأن تطابق المشيئتين يعنى أن الله خلق العبد وعمله كما قال " والله خلقكم وما تعملون"
ومن ثم سقط كلام الإحسائى والذى قال ضاربا مثالا أخر :
"ومثاله الصورة في المرآة ليس لها قوام بنفسها ولا تحقق وإنما تقومت بالمدد التي تستمده من المقابل وذلك المدد هو حقيقتها من الجهة الخاصة بها من المقابل، فإذا قابلت المرآة الوجه من الشخص مثلا انطبعت فيها صورة الوجه وتلك الصورة المنطبعة لا حقيقة لها إلا صورة الوجه وبها قيوميته المنطبعة وهي محتاجة إلى دوام الاستمداد وإلى جهة الوجه تولت المنطبعة وإلا لم تكن شيئا وتلك الجهة هي باب الوجه يعني ظاهر الصورة وهي جنابه أيضا فالوجه ممد المنطبعة من هذا الباب والمنطبعة راقصة على هذا الباب بسؤال استعدادها وقابليتها لائذة بإمكانها وفقرها لذلك الجناب وإليه الإشارة لقول سيد العابدين (إلهي وقف السائلون بباك ولاذ الفقراء بجنابك) ولهذا استدل مأولا بقوله تعالى (ولكل وجهة هو مولييها) ولكن هنا سر انطوى عن أكثر العارفين وستر عن أكبر الواصلين وهو قوله تعالى (مولييها) لأنه ولاها، تولت بتوليته وهو سر خفي من أسرار القدر مقنع بسر مقنع بسر لا يفتح إلا بمقلاد من مقاليد اللاهوت، وبالجملة فجهة المنطبعة يعني أنيتها وشيئيتها في جهة صورة الوجه كما مر."
والكلام هو خبل فالموجود فى المرآة ليس حقيقة كالواقف أمامها وإنما هى صورة ليس فيها شىء من الفرد سوى نقل الصورة الجسدية فلا زيادة فى الأصل ولا أى شىء
ثم قال:
"قال رحمه الله وهذا الفناء لا يحصل إلا بالتوجه التام إلى جناب الحق المطلق حتى تغلب الجهة الحقية على الجهة الخلقية لأنك إذا نظرت إلى الصورة المنطبعة مع قطع النظر عن صورة الوجه تحقق لها ماهية في نفسها وشيئية قائمة بذاتها ولكنك جهلت الحقيقة ولم تعرف الأمر على ما هو عليه في نفس الأمر لأن حقيقتها ليس شيئا إلا بما ظهر فيها من صورة الوجه المقابل فإذا نظرت بهذا الاعتبار ومحوت موهومها صحى لك المعلوم عن تلك الحقيقة إنها هي صورة الوجه المقابل وهو معنى غلب الجهة الحقية على الجهة الخلقية فإذا عرفت ذلك وهو فناء جهة المنطبعة في جهة الوجه عرفت المنطبعة بالوجه لا العكس وعرفت الوجه بالوجه قال (يا من دل على ذاته بذاته) وقال (الله أجل من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون به) وقال أمير المؤمنين (لو عرفت الله بمحمد (ص) ما عبدته) ثم إنه رحمه الله ضرب مثلا لهذا الفناء كما ضربوه فقال كقطعة الفحم المجاورة للنار فإنها بسبب المجاورة والاستعداد بقبول النارية تشتعل قليلا إلى أن تصير نارا فيحصل منها ما يحصل من النار من الاحراق والانضاج والإضاءة وغيرها، وقبل الاشتعال كانت باردة كدر وهذا المثال مثال الحال العارف الفاني ومآل أمره فإنه إذا قطع الاعتبارات حتى قطع الاعتبارات نفسها كما قال علي (كشف سبحات الجلال من غير اشارة) يعني أن الإشارة أيضا من سبحات الجلال فهي حجاب بل كشف حجاب، ولهذا روي عنهم ما معناه (أن المحبة حجاب بين المحب والمحبوب) فإذا كشف جميع الاعتبارات تحقق الفناء وحصل له حقيقة المثال يعني مثال الفحمة إذا اشتعلت بالنار أنها تكون بصفة النار وهو قول علي (وخلق الانسان ذا نفس ناطقة إن زكاها بالعلم والعمل فقد شابهت جواهر أوائل عللها فإذا اعتدل مزاجها وفارقت الأضداد فقد شارك بها السبع الشداد)
وإذا تحقق ذلك تحققت محبة الله له فيكون كما قال تعالى في الحديث القدسي (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها) الحديث ، وقوله تعالى أيضا (يا عبدي أنا أقول للشيء كن فيكون....الخ) وبهذا الكشف يظهر لك الحجة في قول الحجة (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك) ثم بين رحمه الله الطريق الموصل إلى ذلك فقال (وذلك التوجه لا يمكن إلا بالاجتناب عما يضادها ويناقضها وهو التقوى مما عداها، فالمحبة هي المركب والزاد هو التقوى يعني أن كل مسافر يريد قطع مسافة يحتاج إلى الزاد والراحلة لأنهما شرط الاستطاعة وهذا السفر قبل حصول الشروط وقبل قطع المسافة والبلوغ إلى الغاية بعد من كل سفر لأن السفر قد ذكره الله في قوله (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) وهذا لم تبلغوا إلا بكل الأنفس وإذا حصلت الشروط كان هذا السفر أقرب من كل سفر قال (أن الراحل إليك قريب المسافة) فأخبر بقرب المسافة للراحل إلا للمقيم فافهم، فالمطية هي المحبة يعني الصادقة وهي إيثار المحبوب على كل ما سواه والطريق الموصل والثمن المبلغ إلى تحصيل هذه الراحلة الطيبة هي القيام الآداب الشراعية والصبر على الأخلاق الروحانية قال تعالى (ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) الحديث."
ما قاله الرجل من خلال ذكر الروايات هو كلام تخبيط وهى روايات لا يمكن أن يقولها إمام عالم بالإسلام لأنها تدخلنا فى الكفر كعبارة "لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك" فالله غير خلقه تماما كما قال تعالى " ليس كمثله شىء" والفروق واضحة مثل النوم والسنة " لا تأخذه سنة ولا نوم" وهم ينامون ويصايون بالسنة وهم يموتون وهو لا يموت "وتوكا على الحلا الذى لا يمون"
ما عجز الإحسائى هو وهو عيره عن التعبير عنه هو أن الإنسان يصب إلى القرب الإلخى وهو رحمة الله بطاعته وبدلا من كل تلك ألقوال التى لا تفهم وتتناقض وتتضارب كان يجب استعمال كلام الله نفسه وليس كلام البشر العجزة والذين يريدون فقط كم كلامهم همل مكانة ومنزلة لهم بين البشر مع أن المنزلة واحدة
ثم قال :
"وأما الزاد فقد أمر الله بذلك العباد فقال تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) وهي تقوى الله في سرك وتقوى نفسك في أحوالك وتقوى الناس في معاملاتهم وما يرتبط ويتعلق بهم وهو معنى قوله الاجتناب عما يضادها ويناقضها في هذه المراتب الثلاث والضمير في يضادها ويناقضها يعود على الجهة الحقية والمناقض لها الجهة الخلقية نفسها وجميع ما لها من أحكام الأمكان فمن ألقها بحذافيرها حييت بربها قال تعالى في حق موسى (وما تلك بيمينك) أي بوجودك (يا موسى) (قال هي عصاى أتوكأ عليها) يعني أتوكا عليها في تحقق الأنية (وأهش بها على غنمي) من دعاياه وأنعامه من جميع أمته (ولي فيها مآرب أخرى) ستدل بفقرها على غناك وبجهلها على علمك وبعجزها على قدرتك وبحدوثها على أزليتك وبعدم حصرها على سرمديتك وبعدم حلولها على تفردك وغناك وبعدم معرفتها على قدسك ومفارقتها على بينونتك عن خلقك بصفتك إلى غير ذلك (قال ألقها يا موسى) واستغني لي عما سواي ولا تعتمد على غيري ولا تلتفت إلى شي فأكلك إليه (فألقاها) بكل اعتبار (فإذا هي حية تسعى) وهي مثال للبقاء بالله قال خذها بعد ما حييت بالإلقاء سنعيدها في قوس أدبر فأدبر سيرتها الأولى فافهم فهمك الله
وإياك واسم العامرية إنني
أخاف عليها من فم المتكلم
ولقد لوحت لأهل الإشارة على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم قال الشاعر
أخاف عليك من غيري ومني
ومنك ومن مكانك والزمان
ولو أني جعلتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني"
نفس الكلام الغامض والتفسيرات البعيدة عن التفسير الصحيح وهو الذى غالبا المعنى المعروف لدى الناس