- المشاركات
- 19,998
- الإقامة
- تركيا
لا يزال قانون سحب الجنسية في البحرين، والذي يتيح نزع جنسية الأشخاص المتورطين في القيام بأعمال إرهابية، يثير جدلا في البلاد، وسط اتهامات بأنه يهدف لتقويض المعارضة.
كان قرار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تثبيت جنسية 551 مسجوناً صدرت بشأنهم أحكام بإسقاط الجنسية قد أعاد إلى الواجهة ذلك القانون المثير للجدل.
وتشدد المعارضة البحرينية، التي تتكون في غالبيتها العظمى من المسلمين الشيعة، على أن "قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية" يهدف في الأساس إلى "ردع المعارضة والاعتراض بمختلف السبل".
ويشكل المسلمون الشيعة غالبية السكان في مملكة البحرين التي تحكمها عائلة آل خليفة منذ عام 1765 ميلادية.
ولم يشمل قرار الملك عيسى بن سلمان آل خليفة، الذي صدر يوم 19 أبريل/نيسان، كافة الأشخاص المنزوعة جنسيتهم في البلاد وعددهم 990، وهو رقم كبير في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 660 ألف نسمة، بحسب أحدث الإحصاءات.
وجاء القرار بعد ثلاثة أيام من حكم المحكمة الجنائية العليا في المنامة بإسقاط جنسية 138 شخصاً بعد إدانتهم في قضايا متعلقة بالإرهاب، وهو القرار الذي قُوبل بكثير من الانتقادات والاستهجان من المنظمات الحقوقية.
وكانت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، قد أعربت عن قلقها البالغ حيال القرار، مضيفة أن "هناك مخاوف جديّة من أن إجراءات المحكمة فشلت في الالتزام بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة"، مع مزاعم بأن عددا كبيرا من المتهمين قد حوكم غيابيا".
مواجهة الإرهاب أم "ردع المعارضة"
لطالما أبدت المعارضة الشيعية في البحرين وغيرها من منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية اعتراضها على هذا القانون المثير للجدل.
وفي حوار مع بي بي سي، يقول أحد المعارضين، الذي رفض الكشف عن هويته، إن "غالبية المحكومين بقضايا الإرهاب ليسوا إرهابيين بل محتجون أو معارضون. ولا يقتصر القانون على الأعمال الإرهابية بل يُجّرم ما يندرج تحت حرية التعبير والنضال السلمي وهو مخالف للاتفاقيات والعهود الدولية المتعلقة بالموضوع".
ويضيف المعارض المقيم في البحرين أن "قانون إسقاط الجنسية غير مشروع ولا دستوري ولا قانوني"، مشدداً على أن "القانون المذكور وتعديلاته المتشددة والمتلاحقة تستهدف ردع المعارضة والاعتراض بمختلف السبل".
كما يؤكد عبدالله الشملاوي محامي جمعية الوفاق المنحلة، وهي أكبر كيان يمثل المعارضة الشيعية في المملكة، أنه بموجب هذا القانون، أسقطت المحاكم البحرينية جنسية 990 شخصاً غالبيتهم من المعارضة السلمية.
كما دعا الشملاوي على حسابه في موقع تويتر إلى إجراء "تعديل تشريعي عاجل يمنع إسقاط الجنسية الأصلية نهائيا".
كما شدد مركز البحرين لحقوق الإنسان على رفضه القاطع لهذا القانون، مؤكداً أنه "يمنح السلطات القدرة على الاستمرار في ملاحقة وقمع المعارضة السلمية".
وطبقا للإحصاءات المنشورة على موقع معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، فإن أعداد من سُحبت جنسيتهم في البلاد تبدو في زيادة مضطردة، إذ قامت المحاكم بسحب جنسية 31 شخصاً في عام 2012، و 21 آخرين في عام 2014، ثم ارتفع العدد بصورة كبيرة إلى 208 في عام 2015، ثم 90 شخصاً في 2016، ووصل الأمر إلى ذروته في 2018 بسحب جنسية 304 أشخاص. وفي العام الجاري، تم سحب جنسية 180 شخصاً حتى الآن.
"من حق الدولة أن تسحب الجنسية عن الموالين لإيران"
وفي المقابل، لطالما أكد المسؤولون في البحرين أن القانون يستهدف مواجهة الأشخاص الذين يقومون بأعمال إرهابية أو مَن يحرّضون عليها، رافضين تماماً ما يقال حول استخدام القانون ضد المعارضة السلمية.
يقول أنور عبد الرحمن، رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج البحرينية، في معرض رده على دعوات الاحتجاج ضد القانون: "الدولة صبرت على الإرهابيين والمعارضين صبر أيوب ومستقبل البلاد واقتصادها في خطر إذا لم تقم الدولة بالضرب بيد من حديد".
كما أكد أن قانون سحب الجنسية "مجرد مزحة بالمقارنة مع ترهيب المواطنين وقتل الأبرياء من طرف بعض المعارضين الشيعة"، واصفاً جمعية الوفاق المعارضة التي تقود الاحتجاجات بأنها "مؤسسة مذهبية تابعة لولاية الفقيه".
وأكد النائب البرلماني السني السابق جاسم السعيدي أنه "من حق الدولة أن تسحب الجنسية عن الموالين لإيران، دستور الدولة ينص على ذلك".
قرار الملك مجرد "لعبة إعلامية"
وجّه العديد من المعارضين سهام نقدهم الحادة لقرار الملك الأخير، مؤكدين أن قائمة الأشخاص الذين رُدت إليهم جنسيتهم لا تشتمل أياً من المعارضين البارزين سواء مَن يقبعون خلف القضبان أو في الخارج.
يقول الناشط السياسي المقيم في لندن سعيد الشهابي، في حسابه على تويتر، إن قرار ملك البحرين "فُرض عليه من الخارج بعد أن ظهر قبح سياساته وتصرفاته وحقده وانتقامه"، مضيفاً أن "موقف المنظمات الدولية كاد يقلب الموازين خصوصا بعد سحب جنسية 138".
وقال المعارض البحريني الذي تحدث لبي بي سي، والذي رفض الإفصاح عن هويته، إن حكم المحكمة بنزع جنسية 138 شخصا "شكّل صدمة كبيرة داخل البحرين وخارجها"، مؤكداً أن قرار الملك جاء "لمعالجة ردود الفعل أو إدراكا لتعسُّف هذه الأحكام وكثرتها، لكني لا أتوقع أن تكون بداية مصالحة كما يأمل البعض".
وفي لقاء تليفزيوني مع قناة اللؤلؤة البحرينية المعارضة التي تبث من لندن، أكد المعارض إبراهيم سرحان أن قرار الملك "قد يكون بمثابة لعبة إعلامية ومن الممكن أن يُستخدم لأغراض سياسية"، مضيفاً "بشكل واضح هناك لعبة سياسية ما".
كما أكد الشملاوي أن القائمة لا تشمل أياً من رموز المعارضة أو الصحفيين سواء في الداخل أو الخارج، باستثناء الصحفي محمود الجزيري.
هل تواجه البحرين أزمة "بدون"
حتى بعد قرار الملك تثبيت جنسية 551 شخصا نُزعت جنسيتهم، يظل هناك 439 آخرين بدون جنسية يقبعون في السجون.
وفي ظل تأكيدات المحامي عبدالله الشملاوي أن "90 في المئة ممّن سُحبت جنسياتهم يعيشون داخل البلاد ولا يمتلكون جنسيات أخرى"، فمن غير المعروف كيف ستتعامل المملكة مع مئات من الأشخاص بدون جنسية عقب انتهاء فترة محكوميتهم، وبخاصة الذين يقضون أحكاما قصيرة تتراوح بين ثلاث إلى سبع سنوات.
فهل تواجه البحرين أزمة "بدون" على غرار جارتها الكويت التي يوجد بها عشرات الآلاف من الأشخاص الذين لا يحملون أية جنسية؟
أم يأتي الحل من الملك نفسه عبر إصدار قرارات أخرى بردّ جنسية باقي الأشخاص الذين سُحبت منهم جنسيتهم، أو حتى إلغاء أو تعديل هذا القانون المثير للجدل؟
ما هو قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية
أقرّ الملك حمد بن عيسى آل خليفة في يوليو/حزيران عام 2013 تعديلات على قوانين مكافحة الإرهاب تقضي بتغليظ عقوبة المدانين بارتكاب أعمال إرهابية في البلاد.
وتقضي التعديلات التشريعية بسحب الجنسية من الأشخاص المدانين بالتحريض على الإرهاب وتزيد عقوبة المتورطين في أعمال إرهابية إلى الإعدام أو السجن المؤبد "إذا نجم عن التفجير موت أو إصابة شخص".
و تتضمن التعديلات توقيع عقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات على "كل مَن أحدث أو شرع في إحداث تفجير أو حاول ذلك بقصد تنفيذ غرض إرهابي أياً كان نوع هذا التفجير أو شكله"، بحسب نص القانون.
كما يعاقب القانون بالسجن كل "مَن وضع أو حمل في الأماكن العامة أو الخاصة لذات القصد نماذج أو هياكل محاكية لأشكال المتفجرات أو المفرقعات أو تحمِل على الاعتقاد بأنها كذلك".