رضا البطاوى
عضو فعال
- المشاركات
- 2,704
- الإقامة
- مصر
حكم حوادث السيارات
استهل الباحث البحث بضمان الضرر فى الشرع فقال :
"1- الضرر وضمانه في الشريعة الإسلامية:
مما يدل على سعي الشريعة لإزالة الضرر وتضمين المضر ما يلي:
1- ما حكاه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قصة داود وسليمان (ص)مع صاحب الغنم الذي أفسدت غنمه الكرم فقد اجتمع رأيهما (ص)على تضمين الذي أضر بالكرم وإن اختلفا في طريقة التضمين.
2- حديث عبادة بن الصامت عن رسول الله (ص)أنه قال: لا ضرر ولا ضرار.
3- حديث حرام بن سعد بن محيصّة أن ناقةً للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله (ص)أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها.
4- ومما يدل على وجوب التعويض أحكام الديات المبسوطة في الكتاب والسنة."
والخطأ فى الفقرة هو تعارض رقم 1 مع رقم 3 فقصة الحرث والغنم حدثت نهارا ومع هذا تم إلزام اصحاب الغنم بإصلاح التلف ومن ثم لا فارق بين حدوث التلف ليلا او نهارا وهو ما يعارض رواية الناقة المفرقة بين الليل والنهار
وأما ما قيل عن أحكام الديات فهو خطأ أخر فالدية حكم واجب ولكن ما فى الروايات عنها متناقض وكثير منها مخالف لكتاب الله كما فى وجود دية للمسلم ودية للمعاهد ليسا واحدة
كما ان تقدير الديات بالإبل مخالف لكون المعاملات تتم فى كتاب الله بالدينار والدرهم
وحتى مفهوم الدية فى القرآن مخالف لكل ما جاء فى الروايات فالدية ليس لها قدر محدد فى القرآن فهى تأتى نكرة فهى حسب ما يقدر الجانى على دفعه وهى على الجانى وخده وليس على ما يسمونه العاقلة لمخالفتها لقوله تعالى :
" ألا تزر وزارة وزر أخرى " وقوله :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
والغريب أنه ذكر هذا المبدأ كقاعدة فقهية فى رقم 4 فى الفقرة الثانية من البحث فقال:
"3- كل جانٍ جنايته عليه"
فالمسئولية هى على الفاعل وحده دون غيره وفى حالة عدم وجود مال للدية لدى الجانى فالعقاب يتحول إلى صوم شهرين كما قال تعالى :
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
وسماها الله شىء نكرة فقال :
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
ثم ذكر الكاتب ما سماه قواعد الضرر والضمان فقال:
"2- قواعد فقهية تتعلق بالضرر والضمان:
1- الأصل أن المشي في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة فيما يمكن التحرز منه.
2- لا ضرر ولا ضرار - الضرر يزال - لا يزال الضرر بالضرر.
3- كل جانٍ جنايته عليه إلا ما قام الدليل على خلافه.
4- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
5- الاضطرار لا يبطل حق الغير"
والمأخوذ على الكلام هو :
عدم إزالة الضرر بالضرر وهو مبدأ يخالف قوله تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص"
فالقصاص يزيل الضرر بالضرر
وفى الفقرة الثالثة تحدث عن ضمان المباشر والمتسبب فقال:
"3- ضمان المباشر والمتسبب.
1- المباشر ضامن وإن لم يكن متعدياً كالنائم إذا انقلب على آخر فقتله فمع أن نومه ليس محظوراً لكن لأنه باشر القتل فيضمن دية المقتول، فمن أحدث ضرراً في نفس معصومٍ أو بدنه أو ماله فهو ضامن ولو لم يكن متعدياً.
والمباشر هو: من يحصل التلف بفعله من غير أن يتخلل بين فعله والتلف فعل مختار."
الخبل فى الفقرة هو اعتبار النائم جانيا أى قاتلا إذا انقلب على حى فمات بسبب الحركة فى النوم وهو كلام يناقض أن النائم لا يتحرك وإنما يحركه الله كما قال تعالى فى أهل الكهف :
"ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال"
وكما ورد القول المأثور " ليس فى النوم تفريط إنما التفريط فى اليقظة "فالعقوبة تستلزم فعلا فعله الجانى بإرادته وهنا الفعل ليس فعل النائم على عكس الأفعال الخاطئة التى يفعلها الإنسان وهو يريد به عمل مفيد كما فى الصائد الذى يطلق النار على طريدة فيقتل إنسان ظهر فى مدى التصويب فجأة
ثم قال :
2- المتسبب ضامن إن كان متعدياً:
والمتسبب: هو من يصدر عنه من الأفعال ما كان طريقاً لتلف مالٍ أو نفس أو عضو وليست علةً للتلف والمراد بالتعدي الفعل المحظور ومثاله من حفر بئراً فسقط فيها رجل فالحافر متسبب لسقوطه فيضمن إن كان متعدياً في الحفر وإن لم يكن متعدياً فلا ضمان عليه.
3- إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر:
قال ابن نجيم: فلا ضمان على حافر البئر تعدياً بما أتلف بإلقاء غيره أي: أن الضامن هو الملقي لأنه المباشر للقتل ولا ضمان على حافر البئر إلا إذا كان المسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍ ومن أمثلة ذلك ما ذكره الفقهاء من أن مَن نخس دابةً فقتلت رجلاً فإن الضمان على الناخس دون الراكب إلا إن كانت المباشرة هي السبب الوحيد في التلف وأحياناً يكون الضمان على كليهما كالممسك مع القاتل"
ثم قال :
"فتحصل لنا مما سبق ما يلي:
1- إذا اجتمع المباشر والمسبب، وليس أحدٌ منهما متعدياً (بالوصف المذكور) فالضمان على المباشر.
2- إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمباشر متعد والمسبب غير متعدٍ، فالضمان على المباشر
3- إذا اجتمع المباشر والمسبب، وكل واحدٍ منهما متعد فالضمان على المباشر أيضاً.
4- إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمسبب متعدٍ، والمباشر غير متعدٍ، فالضمان على المسبب"
هنا سبب الضمان هو التعدى ومع هذا فالجنون هو أن يكون الضمان على المباشر وحده مع انه هو والمتسبب متعديان فى رقم2
والخطأ هو كون سبب الضمان التعدى فجرائم الخطأ ليس فيها تعدى أى تعمد ارتكاب جريمة وإنما خطأ غير مقصود ومن ثم سبب الضمان هو :
حدوث الضرر
ثم تحدث الكاتب عن مسئولية السائق فقال:
"3- مسئولية السائق:
1- الأصل أن سائق السيارة مسئول عن كل ما يحدث بسيارته خلال تسييره إياها فإذا كان السائق متعدياً في سيره بزيادة سرعة أو مخالفةٍ لقواعد المرور فيكون ضامناً لأن الضرر نشأ بتعديه وذلك لأن السيارة آلة في يده وهو يقدر على ضبطها، قياساً على الدابة التي ذكر الفقهاء أن راكبها يضمن، لكن هناك فرقاً بين الدابة والسيارة من حيث أن الدابة متحركة بنفسها فلا يتأتى هنا ما ذكره الفقهاء من فعل الدابة.
2- أما إذا لم يكن متعدياً فهل يضمن؟ خلاف والراجح أنه يضمن الضرر الذي باشره ولا يشترط لتضمينه أن يكون متعدياً ولكن لا بد من التأكد من أنه مباشر بدون مزاحم على وجه معقول، وبناءً على ذلك فلا يضمن في الصور التالية:
أ- إذا دفع شخصٌ آخر أمام سيارة السائق فجأةً فدهسته السيارة فالضمان على الدافع فقد ذكر الفقهاء أن من نخس دابةً فقتلت رجلاً فالضمان على الناخس دون الراكب لأن تأثير الدافع ههنا أقوى، ولأن الدافع متعدٍ والسائق غير متعدٍ وإذا قفز شخصٌ أمام السيارة فقيل: الضمان على السائق، وقيل: عليهما، وقيل: هدر.
ب- إذا صُدم من الخلف فصَدم سيارةً أمامه فالضامن هو من صدمه لما سبق، قال ابن قدامة: فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر، فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف وذكر في السفينة نحوه وقال أيضاً: وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفاً فعلى السائر قيمة دابة الواقف نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما، وإن كان الواقف متعدياً بوقوفه مثل أن يقف في طريقٍ ضيق فالضمان عليه دون السائر لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجراً في الطريق أو جلس في طريقٍ ضيقٍ به إنسان.
وقال البغدادي في مجمع الضمانات: فإن عثر بما أحدثه في الطريق رجلٌ فوقع على آخر فمات كان الضمان على الذي أحدثه في الطريق، وصار كأنه دفع الذي عثر به لأنه مدفوعٌ في هذه الحالة والمدفوع كالآلة أهـ.
فمن صدم سيارة من الخلف فهو ضامنٌ للنفوس والمال إلا إذا حصل من المصدوم فعلٌ كان سبباً في الحادث كأن يوقفها بشكلٍ مفاجيء أو يرجع للخلف.
3- إذا انحرفت الواقفة فالضمان عليهما قياساً على ما ذكره ابن قدامة في الدابة.
4- إذا كانت سيارته واقفةً في طريقٍ ضيقٍ غير مملوك لصاحبها فالضمان على صاحب الواقفة لتعديه، ويحتمل أن يكون الضمان عليهما- إذا سقط شخصٌ أو متاعٌ بسبب إيقاف السيارة بقوة فيضمن السائق، واحتمل ألا يضمن فيما لو كان الإيقاف لسببٍ قاهر.
6- إذا مر إنسانٌ أمام سيارته فاستعمل السائق المنبه فسقط أمام سيارته فوطئته سيارته ضمن، وإن سقط تحت سيارةٍ أخرى ضمنه سائقها لأنه مباشر، ويحتمل أن يكون بينهما لاشتراكهما كالممسك مع القاتل.
7- إذا كانت السيارة سليمةً قبل السير بها وكان السائق يتعهدها ثم طرأ عليها خللٌ مفاجيء حتى خرجت من قدرته فصدمت إنساناً فلا يضمن.
ويمكن تخريجها على القاعدة الثانية من نص الفقهاء على أن الدابة إذا جمحت وخرجت من قدرة الراكب فلا ضمان عليه لأن السائق ليس مباشراً للإتلاف ولا ينسب إليه وغاية ما يقال فيه أنه سبب وقد ذكر الكاساني أنه إن كان لابساً سيفاً ونحوه مما يلبس عادةً فسقط على غيره فقتله فلا ضمان عليه، لأن اللبس ضرورة والتحرز من السقوط ليس في الوسع، وكما لو سقطت الدابة ميتةً فتلف بسقوطها شيء لم يضمنه الراكب.
قال ابن مفلح: إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن وذكره المرداوي في الإنصاف وقال مثله الكاساني واستدل بحديث: العجماء جبار، أي: هدر متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة ولأنه لا صنع له في نفارها وانفلاتها ولا يمكنه الاحتراز عن فعلها فالمتولد منه لا يكون مضموناً وكالهلاك بآفةٍ سماوية وفي مذهب الشافعية قولان.
8- إذا ساق مع التزامه بقواعد المرور فقفز رجلٌ أمامه فجأةً فإن كان الذي قفز بالقرب منها بحيث لا يمكن السائق إيقاف السيارة فلا ضمان عليه لأنه كالمكره فهو وإن كان مباشراً إلا أنه ملجئاً فتأثير المسبب ههنا أقوى ولأن القافز متعدياً والمباشر غير متعدٍ ولأنه لا يجب الضمان بالشك وأما تضمين راكب الدابة ما وطئته خلال سيرها فلم يذكر الفقهاء التضمين فيه، ثم إن هناك فرقاً بين الدابة والسيارة لأن الدابة متحركة بنفسها يمكنها التنحي في سيرها وأيضاً فالطريق في ذلك الزمن موضوع للمشاة بخلاف الطرق المعبدة الآن، وأما القياس على النائم فهذا إنما يصح فيما إذا كان المباشر هو السبب الوحيد للهلاك.
9- يضمن العمد إذا مات شخصٌ بالصدمة إما الدية أو نصفها على الخلاف بين الفقهاء، وكذا ما أتلف من السيارة ومتاعها أو نصفه، وفي الخطأ الدية أو نصفها على العاقلة.
10- إذا اشتركا في التسبب فعلى كل واحدٍ منهما بحسب ضرره وإن استويا أو جهلت النسبة فعلى السواء.
فقد قال الحنفية والحنابلة: المتصادمان على دابتين على كل واحدٍ منهما ضمان ما تلف من الآخروقال المالكية والشافعية: على كل واحدٍ منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسماً عليهما كما لو جرح إنسانٌ نفسه وجرحه غيره فمات منهما وأما السفينة فاتفقوا على أنه لا ضمان إذا لم يقصرّا.
11- إن اصطدمت سيارتان إحداهما نازلة والأخرى صاعدة فالضمان على صاحب المنحدرة إلا أن يكون مغلوباً على أمره، أو انحرف الصاعد لمسار النازل.
12- إذا اشتركا في صدمةٍ لشخصٍ فمات فيطبق عليهما أحكام الاشتراك في القتل، فإذا كانت إحداهما تقتل لو انفردت وجب على صاحبها الضمان وعلى الآخر التعزيز، وإلا فعليهما."
إلى هنا انتهى الباحث من تعدد حالات تسبب السائق فى الحوادث ونسى أهم شىء وهو :
الجريمة المتعمدة التى يقصد السائق منها قتل من يصدمه سيان أن يكون هو الذى يريد قتله أو تم استئجاره من قبل أخر للقتل
ما تناوله الرجل هو حوادث الخطأ ولكى نكون ملمين بالموضوع لا فائدة من تعديد الصور لأنه قد يحدث غيرها ومن ثم فكل حادثة القاضى يحكم فيها بناء على ما يقصه الشهود أو سجلته المصورات ويمكن إجمال الحوادث فى التالى :
-حوادث تسبب فيها السائق بمخالفاته أو بغفلته
- حوادث تسبب فيها المجنى عليه
- حوادث تسبب فيها طرف ثالث موجود فى مكان الحادث
- حوادث تسبب فيها طرف ثالث غير موجود فى مكان الحادث
-حوادث بلا سبب بشرى مثل المطر الذى يتسبب فى عدم تحكم السائق بالسيارة ومثل الريح العاصفة
وفى كل نوع يحكم القاضى على المتسبب عدا الحالة الأخيرة بالدية
ثم ذكر الباحث صورا ذكرها القدماء فقال :
"وإليك بعض ما قال الفقهاء القدامى: فقد ذكر السرخسي في المبسوط أنه لو وطئت الدابة إنساناً فقتلته فديته على عاقلة الراكب والكفارة عليه، وأما لو ضربت إنساناً أو نفحته برجلها فمات فلا تلزمه الكفارة لأنه لم يباشر القتل وإنما تسبب فيه ولأنه لا يمكن التحرز منه وإذا اصطدم الفارسان فوقعا جميعاً فماتا فعلى عاقلة كل واحدٍ منهما دية صاحبه عندنا استحساناً، وفي القياس على عاقلة كل واحدٍ منهما نصف دية صاحبه وهو قول زفر والشافعي، وجه القياس أن كل واحدٍ منهما إنما مات بفعله وفعل صاحبه لأن الاصطدام فعل منهما جميعاً…ولكنا استحسنا لما روي عن علي أنه جعل دية كل واحدٍ من المصطدمين على عاقلة صاحبه."
نفس الخطأ الذى نبهنا عليه فيما سبق وهو عقاب العاقلة على جريمة لم ترتكبها وهى مخالفة لقوله تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" فالعقاب على المتسبب وحده فإن مات فالدية فى ماله كدين فإن لم يوجد مال فلا دية
ثم ذكر الرجل صورة أخرى فقال :
"وفي مسألة اصطدام السفينتين ذكر الفقهاء أن على كل واحدٍ منهما ضمان الآخر، لكن قال الشربيني الخطيب : (محل هذا التفصيل إذا كان الاصطدام بفعلهما، أو لم يكن قصّرا في الضبط أو سيّرا في رحٍ شديدة، فإن حصل الاصطدام لغلبة الريح فلا ضمان على الأظهر، بخلاف غلبة الدابة (أي على أحد قولي الشافعية) فإن الضبط ثمّ ممكن باللجام ونحوه…وإن تعمد أحدهما أو فرط دون الآخر، فلكلٍ حكمه)
وقال الحطاب في مواهب الجليل: قال أبو الحسن: مسألة السفينة والفرس على ثلاثة أوجه: إن علم أن ذلك من الريح في السفينة، وفي الفرس من غير راكبه فهذا لا ضمان عليهم، أو يعلم أن ذلك من سبب النواتية في السفينة، ومن سبب الراكب في الفرس فلا إشكال أنهم ضامنون، وإن أشكل الأمر حمل في السفينة على أن ذلك من الريح، وفي الفرس أنه من سبب راكبه."
وتحرى الأمر فى حال تصادم السفن من قبل القاضى يعتبر شبه مستحيل خاصة إذا غرقت السفينتين والأمر فى تلك الحال يعود لخبراء الملاحة الذى يحكم القاضى بناء على أقوالهم فإن اختلفت أقوال الخبراء انهى القضية بلا حكم على طرف من الأطراف المتصادمة وإن اتحدت حكم لمن حكم على من كان المتسبب
ثم ذكر صورة الفارسين المتصادمين فقال :
"وفي بداية المجتهد: اختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة: على كل منهما دية الآخر، وذلك على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه وفي الشرح الكبير للدردير:وأما المتصادمان ففي العمد القود كما قال وفي الخطأ الضمان ولو سفينتين فيهما ولا شيء في العجز بل هدر ولو غير سفينتين كما أشار له بقوله (إلا العجز الحقيقي) أي: إلا أن يكون تصادمهما لعجزٍ حقيقي لا يستطيع كل منهما أن يصرف نفسه أو دابته عن الآخر فلا ضمان بل هدر ولا يحملان عند الجهل بل على العمد كما تقدم لكن الراجح أن العجز الحقيقي في المتصادمين كالخطأ فيه ضمان الدية في النفس والقيم في الأموال بخلاف السفينتين فهدر وحملا عند الجهل عليه لأن جريهما بالريح.
وقال المرداوي: إن اصطدمت سفينتان فغرقتا، ضمن كل واحدٍ منهما سفينة الآخر وما فيها هكذا أطلق كثيرٌ من الأصحاب قال المصنف وغيره: محله إذا فرط قال الحارثي: إن فرط ضمن كل واحدٍ سفينة الآخر وما فيها، وإن لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما…وإن كانت إحداهما منحدرةً فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها …وقال في المغني: إن فرط المصعد فإن أمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادرٍ ولا مفرط فالضمان على المصعد لأنه المفرط.
قال الخرقي: وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر.
وقال ابن قدامة: ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمداً أو خطاً، لأن الصدمة لا تقتل غالباً، فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ، وكذلك الحكم في اصطدام السفينتين، وكذلك بالنسبة لاصطدام الفارسين"
والمسائل السابقة من حيث التصادم لا عقاب فيهما على أحد ومن ثم لا دية ولا ضمان ولا تعويض لأن الاثنين اصطدما ونتج عن ذلك موتهما أو غرقهما فى نفس الوقت تقريبا لكونهما فاعلين للاصطدام زد على هذا أن دية كل فارس واحدة فيكون دفعهما كعدم دفعهما فالذى سيدفعه سيسترده وكذلك الأمر فى السفينتين
ثم تحدث الرجل عن نتيجة ما سبق الحديث عنه فقال :
"فمما سبق يتضح اتفاق الفقهاء على أن ملاح السفينة لا يضمن ما تلف بسفينته إذا لم يفرط في ضبطها، واختلفوا في الدابة لأنه يمكن ضبطها وبناءً عليه فنقول: إنه يلزم كلاً من السائقين ضمان ما أتلفه إلا إن كان الحادث حصل بأمرٍ خارجٍ عن إرادتهما ولم يقصرا، وفي حالة وجود المباشر والمتسبب فإن المباشر هو الضامن إلا إذا كان فعل المتسبب أقوى كما لو رمى بنفسه أمام السيارة بالقرب منها وبشكلٍ مفاجيء وقد أصدر المجمع الفقهي قراراً جاء فيه:
بالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة، قرر ما يلي:
1- أ- إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجبٌ شرعاً، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.
ب- مما تقتضيه المصلحة أيضاً سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذاً بأحكام الحسبة المقررة.
2- الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسئول عما يحدثه بالغير من أضرار سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفى من هذه المسئولية إلا في الحالات الآتية:
أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمرٍ عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة.
ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسئولية.
3- ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء- إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحدٍ منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفسٍ أو مال.
5- أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرطاً.
ب- إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسئولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍ.
ج- إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحدٍ منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحدٍ من المتسببين المسئولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحدٍ منهما فالتبعة عليهما على السواء"
الفتوى عادت لتكرار نفس الأخطاء التى قالها الباحث
استهل الباحث البحث بضمان الضرر فى الشرع فقال :
"1- الضرر وضمانه في الشريعة الإسلامية:
مما يدل على سعي الشريعة لإزالة الضرر وتضمين المضر ما يلي:
1- ما حكاه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في قصة داود وسليمان (ص)مع صاحب الغنم الذي أفسدت غنمه الكرم فقد اجتمع رأيهما (ص)على تضمين الذي أضر بالكرم وإن اختلفا في طريقة التضمين.
2- حديث عبادة بن الصامت عن رسول الله (ص)أنه قال: لا ضرر ولا ضرار.
3- حديث حرام بن سعد بن محيصّة أن ناقةً للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله (ص)أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها.
4- ومما يدل على وجوب التعويض أحكام الديات المبسوطة في الكتاب والسنة."
والخطأ فى الفقرة هو تعارض رقم 1 مع رقم 3 فقصة الحرث والغنم حدثت نهارا ومع هذا تم إلزام اصحاب الغنم بإصلاح التلف ومن ثم لا فارق بين حدوث التلف ليلا او نهارا وهو ما يعارض رواية الناقة المفرقة بين الليل والنهار
وأما ما قيل عن أحكام الديات فهو خطأ أخر فالدية حكم واجب ولكن ما فى الروايات عنها متناقض وكثير منها مخالف لكتاب الله كما فى وجود دية للمسلم ودية للمعاهد ليسا واحدة
كما ان تقدير الديات بالإبل مخالف لكون المعاملات تتم فى كتاب الله بالدينار والدرهم
وحتى مفهوم الدية فى القرآن مخالف لكل ما جاء فى الروايات فالدية ليس لها قدر محدد فى القرآن فهى تأتى نكرة فهى حسب ما يقدر الجانى على دفعه وهى على الجانى وخده وليس على ما يسمونه العاقلة لمخالفتها لقوله تعالى :
" ألا تزر وزارة وزر أخرى " وقوله :
"كل نفس بما كسبت رهينة"
والغريب أنه ذكر هذا المبدأ كقاعدة فقهية فى رقم 4 فى الفقرة الثانية من البحث فقال:
"3- كل جانٍ جنايته عليه"
فالمسئولية هى على الفاعل وحده دون غيره وفى حالة عدم وجود مال للدية لدى الجانى فالعقاب يتحول إلى صوم شهرين كما قال تعالى :
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"
وسماها الله شىء نكرة فقال :
"يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفى له من أخيه شىء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"
ثم ذكر الكاتب ما سماه قواعد الضرر والضمان فقال:
"2- قواعد فقهية تتعلق بالضرر والضمان:
1- الأصل أن المشي في طريق المسلمين مباح بشرط السلامة فيما يمكن التحرز منه.
2- لا ضرر ولا ضرار - الضرر يزال - لا يزال الضرر بالضرر.
3- كل جانٍ جنايته عليه إلا ما قام الدليل على خلافه.
4- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.
5- الاضطرار لا يبطل حق الغير"
والمأخوذ على الكلام هو :
عدم إزالة الضرر بالضرر وهو مبدأ يخالف قوله تعالى "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص"
فالقصاص يزيل الضرر بالضرر
وفى الفقرة الثالثة تحدث عن ضمان المباشر والمتسبب فقال:
"3- ضمان المباشر والمتسبب.
1- المباشر ضامن وإن لم يكن متعدياً كالنائم إذا انقلب على آخر فقتله فمع أن نومه ليس محظوراً لكن لأنه باشر القتل فيضمن دية المقتول، فمن أحدث ضرراً في نفس معصومٍ أو بدنه أو ماله فهو ضامن ولو لم يكن متعدياً.
والمباشر هو: من يحصل التلف بفعله من غير أن يتخلل بين فعله والتلف فعل مختار."
الخبل فى الفقرة هو اعتبار النائم جانيا أى قاتلا إذا انقلب على حى فمات بسبب الحركة فى النوم وهو كلام يناقض أن النائم لا يتحرك وإنما يحركه الله كما قال تعالى فى أهل الكهف :
"ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال"
وكما ورد القول المأثور " ليس فى النوم تفريط إنما التفريط فى اليقظة "فالعقوبة تستلزم فعلا فعله الجانى بإرادته وهنا الفعل ليس فعل النائم على عكس الأفعال الخاطئة التى يفعلها الإنسان وهو يريد به عمل مفيد كما فى الصائد الذى يطلق النار على طريدة فيقتل إنسان ظهر فى مدى التصويب فجأة
ثم قال :
2- المتسبب ضامن إن كان متعدياً:
والمتسبب: هو من يصدر عنه من الأفعال ما كان طريقاً لتلف مالٍ أو نفس أو عضو وليست علةً للتلف والمراد بالتعدي الفعل المحظور ومثاله من حفر بئراً فسقط فيها رجل فالحافر متسبب لسقوطه فيضمن إن كان متعدياً في الحفر وإن لم يكن متعدياً فلا ضمان عليه.
3- إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر:
قال ابن نجيم: فلا ضمان على حافر البئر تعدياً بما أتلف بإلقاء غيره أي: أن الضامن هو الملقي لأنه المباشر للقتل ولا ضمان على حافر البئر إلا إذا كان المسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍ ومن أمثلة ذلك ما ذكره الفقهاء من أن مَن نخس دابةً فقتلت رجلاً فإن الضمان على الناخس دون الراكب إلا إن كانت المباشرة هي السبب الوحيد في التلف وأحياناً يكون الضمان على كليهما كالممسك مع القاتل"
ثم قال :
"فتحصل لنا مما سبق ما يلي:
1- إذا اجتمع المباشر والمسبب، وليس أحدٌ منهما متعدياً (بالوصف المذكور) فالضمان على المباشر.
2- إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمباشر متعد والمسبب غير متعدٍ، فالضمان على المباشر
3- إذا اجتمع المباشر والمسبب، وكل واحدٍ منهما متعد فالضمان على المباشر أيضاً.
4- إذا اجتمع المباشر والمسبب، والمسبب متعدٍ، والمباشر غير متعدٍ، فالضمان على المسبب"
هنا سبب الضمان هو التعدى ومع هذا فالجنون هو أن يكون الضمان على المباشر وحده مع انه هو والمتسبب متعديان فى رقم2
والخطأ هو كون سبب الضمان التعدى فجرائم الخطأ ليس فيها تعدى أى تعمد ارتكاب جريمة وإنما خطأ غير مقصود ومن ثم سبب الضمان هو :
حدوث الضرر
ثم تحدث الكاتب عن مسئولية السائق فقال:
"3- مسئولية السائق:
1- الأصل أن سائق السيارة مسئول عن كل ما يحدث بسيارته خلال تسييره إياها فإذا كان السائق متعدياً في سيره بزيادة سرعة أو مخالفةٍ لقواعد المرور فيكون ضامناً لأن الضرر نشأ بتعديه وذلك لأن السيارة آلة في يده وهو يقدر على ضبطها، قياساً على الدابة التي ذكر الفقهاء أن راكبها يضمن، لكن هناك فرقاً بين الدابة والسيارة من حيث أن الدابة متحركة بنفسها فلا يتأتى هنا ما ذكره الفقهاء من فعل الدابة.
2- أما إذا لم يكن متعدياً فهل يضمن؟ خلاف والراجح أنه يضمن الضرر الذي باشره ولا يشترط لتضمينه أن يكون متعدياً ولكن لا بد من التأكد من أنه مباشر بدون مزاحم على وجه معقول، وبناءً على ذلك فلا يضمن في الصور التالية:
أ- إذا دفع شخصٌ آخر أمام سيارة السائق فجأةً فدهسته السيارة فالضمان على الدافع فقد ذكر الفقهاء أن من نخس دابةً فقتلت رجلاً فالضمان على الناخس دون الراكب لأن تأثير الدافع ههنا أقوى، ولأن الدافع متعدٍ والسائق غير متعدٍ وإذا قفز شخصٌ أمام السيارة فقيل: الضمان على السائق، وقيل: عليهما، وقيل: هدر.
ب- إذا صُدم من الخلف فصَدم سيارةً أمامه فالضامن هو من صدمه لما سبق، قال ابن قدامة: فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر، فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف وذكر في السفينة نحوه وقال أيضاً: وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفاً فعلى السائر قيمة دابة الواقف نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما، وإن كان الواقف متعدياً بوقوفه مثل أن يقف في طريقٍ ضيق فالضمان عليه دون السائر لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجراً في الطريق أو جلس في طريقٍ ضيقٍ به إنسان.
وقال البغدادي في مجمع الضمانات: فإن عثر بما أحدثه في الطريق رجلٌ فوقع على آخر فمات كان الضمان على الذي أحدثه في الطريق، وصار كأنه دفع الذي عثر به لأنه مدفوعٌ في هذه الحالة والمدفوع كالآلة أهـ.
فمن صدم سيارة من الخلف فهو ضامنٌ للنفوس والمال إلا إذا حصل من المصدوم فعلٌ كان سبباً في الحادث كأن يوقفها بشكلٍ مفاجيء أو يرجع للخلف.
3- إذا انحرفت الواقفة فالضمان عليهما قياساً على ما ذكره ابن قدامة في الدابة.
4- إذا كانت سيارته واقفةً في طريقٍ ضيقٍ غير مملوك لصاحبها فالضمان على صاحب الواقفة لتعديه، ويحتمل أن يكون الضمان عليهما- إذا سقط شخصٌ أو متاعٌ بسبب إيقاف السيارة بقوة فيضمن السائق، واحتمل ألا يضمن فيما لو كان الإيقاف لسببٍ قاهر.
6- إذا مر إنسانٌ أمام سيارته فاستعمل السائق المنبه فسقط أمام سيارته فوطئته سيارته ضمن، وإن سقط تحت سيارةٍ أخرى ضمنه سائقها لأنه مباشر، ويحتمل أن يكون بينهما لاشتراكهما كالممسك مع القاتل.
7- إذا كانت السيارة سليمةً قبل السير بها وكان السائق يتعهدها ثم طرأ عليها خللٌ مفاجيء حتى خرجت من قدرته فصدمت إنساناً فلا يضمن.
ويمكن تخريجها على القاعدة الثانية من نص الفقهاء على أن الدابة إذا جمحت وخرجت من قدرة الراكب فلا ضمان عليه لأن السائق ليس مباشراً للإتلاف ولا ينسب إليه وغاية ما يقال فيه أنه سبب وقد ذكر الكاساني أنه إن كان لابساً سيفاً ونحوه مما يلبس عادةً فسقط على غيره فقتله فلا ضمان عليه، لأن اللبس ضرورة والتحرز من السقوط ليس في الوسع، وكما لو سقطت الدابة ميتةً فتلف بسقوطها شيء لم يضمنه الراكب.
قال ابن مفلح: إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن وذكره المرداوي في الإنصاف وقال مثله الكاساني واستدل بحديث: العجماء جبار، أي: هدر متفقٌ عليه من حديث أبي هريرة ولأنه لا صنع له في نفارها وانفلاتها ولا يمكنه الاحتراز عن فعلها فالمتولد منه لا يكون مضموناً وكالهلاك بآفةٍ سماوية وفي مذهب الشافعية قولان.
8- إذا ساق مع التزامه بقواعد المرور فقفز رجلٌ أمامه فجأةً فإن كان الذي قفز بالقرب منها بحيث لا يمكن السائق إيقاف السيارة فلا ضمان عليه لأنه كالمكره فهو وإن كان مباشراً إلا أنه ملجئاً فتأثير المسبب ههنا أقوى ولأن القافز متعدياً والمباشر غير متعدٍ ولأنه لا يجب الضمان بالشك وأما تضمين راكب الدابة ما وطئته خلال سيرها فلم يذكر الفقهاء التضمين فيه، ثم إن هناك فرقاً بين الدابة والسيارة لأن الدابة متحركة بنفسها يمكنها التنحي في سيرها وأيضاً فالطريق في ذلك الزمن موضوع للمشاة بخلاف الطرق المعبدة الآن، وأما القياس على النائم فهذا إنما يصح فيما إذا كان المباشر هو السبب الوحيد للهلاك.
9- يضمن العمد إذا مات شخصٌ بالصدمة إما الدية أو نصفها على الخلاف بين الفقهاء، وكذا ما أتلف من السيارة ومتاعها أو نصفه، وفي الخطأ الدية أو نصفها على العاقلة.
10- إذا اشتركا في التسبب فعلى كل واحدٍ منهما بحسب ضرره وإن استويا أو جهلت النسبة فعلى السواء.
فقد قال الحنفية والحنابلة: المتصادمان على دابتين على كل واحدٍ منهما ضمان ما تلف من الآخروقال المالكية والشافعية: على كل واحدٍ منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسماً عليهما كما لو جرح إنسانٌ نفسه وجرحه غيره فمات منهما وأما السفينة فاتفقوا على أنه لا ضمان إذا لم يقصرّا.
11- إن اصطدمت سيارتان إحداهما نازلة والأخرى صاعدة فالضمان على صاحب المنحدرة إلا أن يكون مغلوباً على أمره، أو انحرف الصاعد لمسار النازل.
12- إذا اشتركا في صدمةٍ لشخصٍ فمات فيطبق عليهما أحكام الاشتراك في القتل، فإذا كانت إحداهما تقتل لو انفردت وجب على صاحبها الضمان وعلى الآخر التعزيز، وإلا فعليهما."
إلى هنا انتهى الباحث من تعدد حالات تسبب السائق فى الحوادث ونسى أهم شىء وهو :
الجريمة المتعمدة التى يقصد السائق منها قتل من يصدمه سيان أن يكون هو الذى يريد قتله أو تم استئجاره من قبل أخر للقتل
ما تناوله الرجل هو حوادث الخطأ ولكى نكون ملمين بالموضوع لا فائدة من تعديد الصور لأنه قد يحدث غيرها ومن ثم فكل حادثة القاضى يحكم فيها بناء على ما يقصه الشهود أو سجلته المصورات ويمكن إجمال الحوادث فى التالى :
-حوادث تسبب فيها السائق بمخالفاته أو بغفلته
- حوادث تسبب فيها المجنى عليه
- حوادث تسبب فيها طرف ثالث موجود فى مكان الحادث
- حوادث تسبب فيها طرف ثالث غير موجود فى مكان الحادث
-حوادث بلا سبب بشرى مثل المطر الذى يتسبب فى عدم تحكم السائق بالسيارة ومثل الريح العاصفة
وفى كل نوع يحكم القاضى على المتسبب عدا الحالة الأخيرة بالدية
ثم ذكر الباحث صورا ذكرها القدماء فقال :
"وإليك بعض ما قال الفقهاء القدامى: فقد ذكر السرخسي في المبسوط أنه لو وطئت الدابة إنساناً فقتلته فديته على عاقلة الراكب والكفارة عليه، وأما لو ضربت إنساناً أو نفحته برجلها فمات فلا تلزمه الكفارة لأنه لم يباشر القتل وإنما تسبب فيه ولأنه لا يمكن التحرز منه وإذا اصطدم الفارسان فوقعا جميعاً فماتا فعلى عاقلة كل واحدٍ منهما دية صاحبه عندنا استحساناً، وفي القياس على عاقلة كل واحدٍ منهما نصف دية صاحبه وهو قول زفر والشافعي، وجه القياس أن كل واحدٍ منهما إنما مات بفعله وفعل صاحبه لأن الاصطدام فعل منهما جميعاً…ولكنا استحسنا لما روي عن علي أنه جعل دية كل واحدٍ من المصطدمين على عاقلة صاحبه."
نفس الخطأ الذى نبهنا عليه فيما سبق وهو عقاب العاقلة على جريمة لم ترتكبها وهى مخالفة لقوله تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" فالعقاب على المتسبب وحده فإن مات فالدية فى ماله كدين فإن لم يوجد مال فلا دية
ثم ذكر الرجل صورة أخرى فقال :
"وفي مسألة اصطدام السفينتين ذكر الفقهاء أن على كل واحدٍ منهما ضمان الآخر، لكن قال الشربيني الخطيب : (محل هذا التفصيل إذا كان الاصطدام بفعلهما، أو لم يكن قصّرا في الضبط أو سيّرا في رحٍ شديدة، فإن حصل الاصطدام لغلبة الريح فلا ضمان على الأظهر، بخلاف غلبة الدابة (أي على أحد قولي الشافعية) فإن الضبط ثمّ ممكن باللجام ونحوه…وإن تعمد أحدهما أو فرط دون الآخر، فلكلٍ حكمه)
وقال الحطاب في مواهب الجليل: قال أبو الحسن: مسألة السفينة والفرس على ثلاثة أوجه: إن علم أن ذلك من الريح في السفينة، وفي الفرس من غير راكبه فهذا لا ضمان عليهم، أو يعلم أن ذلك من سبب النواتية في السفينة، ومن سبب الراكب في الفرس فلا إشكال أنهم ضامنون، وإن أشكل الأمر حمل في السفينة على أن ذلك من الريح، وفي الفرس أنه من سبب راكبه."
وتحرى الأمر فى حال تصادم السفن من قبل القاضى يعتبر شبه مستحيل خاصة إذا غرقت السفينتين والأمر فى تلك الحال يعود لخبراء الملاحة الذى يحكم القاضى بناء على أقوالهم فإن اختلفت أقوال الخبراء انهى القضية بلا حكم على طرف من الأطراف المتصادمة وإن اتحدت حكم لمن حكم على من كان المتسبب
ثم ذكر صورة الفارسين المتصادمين فقال :
"وفي بداية المجتهد: اختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما فقال مالك وأبو حنيفة وجماعة: على كل منهما دية الآخر، وذلك على العاقلة وقال الشافعي وعثمان البتي: على كل واحد منهما نصف دية صاحبه لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه وفي الشرح الكبير للدردير:وأما المتصادمان ففي العمد القود كما قال وفي الخطأ الضمان ولو سفينتين فيهما ولا شيء في العجز بل هدر ولو غير سفينتين كما أشار له بقوله (إلا العجز الحقيقي) أي: إلا أن يكون تصادمهما لعجزٍ حقيقي لا يستطيع كل منهما أن يصرف نفسه أو دابته عن الآخر فلا ضمان بل هدر ولا يحملان عند الجهل بل على العمد كما تقدم لكن الراجح أن العجز الحقيقي في المتصادمين كالخطأ فيه ضمان الدية في النفس والقيم في الأموال بخلاف السفينتين فهدر وحملا عند الجهل عليه لأن جريهما بالريح.
وقال المرداوي: إن اصطدمت سفينتان فغرقتا، ضمن كل واحدٍ منهما سفينة الآخر وما فيها هكذا أطلق كثيرٌ من الأصحاب قال المصنف وغيره: محله إذا فرط قال الحارثي: إن فرط ضمن كل واحدٍ سفينة الآخر وما فيها، وإن لم يفرط فلا ضمان على واحد منهما…وإن كانت إحداهما منحدرةً فعلى صاحبها ضمان المصعدة إلا أن يكون غلبه ريح فلم يقدر على ضبطها …وقال في المغني: إن فرط المصعد فإن أمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادرٍ ولا مفرط فالضمان على المصعد لأنه المفرط.
قال الخرقي: وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر.
وقال ابن قدامة: ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمداً أو خطاً، لأن الصدمة لا تقتل غالباً، فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ، وكذلك الحكم في اصطدام السفينتين، وكذلك بالنسبة لاصطدام الفارسين"
والمسائل السابقة من حيث التصادم لا عقاب فيهما على أحد ومن ثم لا دية ولا ضمان ولا تعويض لأن الاثنين اصطدما ونتج عن ذلك موتهما أو غرقهما فى نفس الوقت تقريبا لكونهما فاعلين للاصطدام زد على هذا أن دية كل فارس واحدة فيكون دفعهما كعدم دفعهما فالذى سيدفعه سيسترده وكذلك الأمر فى السفينتين
ثم تحدث الرجل عن نتيجة ما سبق الحديث عنه فقال :
"فمما سبق يتضح اتفاق الفقهاء على أن ملاح السفينة لا يضمن ما تلف بسفينته إذا لم يفرط في ضبطها، واختلفوا في الدابة لأنه يمكن ضبطها وبناءً عليه فنقول: إنه يلزم كلاً من السائقين ضمان ما أتلفه إلا إن كان الحادث حصل بأمرٍ خارجٍ عن إرادتهما ولم يقصرا، وفي حالة وجود المباشر والمتسبب فإن المباشر هو الضامن إلا إذا كان فعل المتسبب أقوى كما لو رمى بنفسه أمام السيارة بالقرب منها وبشكلٍ مفاجيء وقد أصدر المجمع الفقهي قراراً جاء فيه:
بالنظر إلى تفاقم حوادث السير وزيادة أخطارها على أرواح الناس وممتلكاتهم واقتضاء المصلحة سن الأنظمة المتعلقة بترخيص المركبات بما يحقق شروط الأمن كسلامة الأجهزة وقواعد نقل الملكية ورخص القيادة والاحتياط الكافي بمنح رخص القيادة بالشروط الخاصة بالنسبة للسن والقدرة والرؤية والدراية بقواعد المرور والتقيد بها وتحديد السرعة المعقولة والحمولة، قرر ما يلي:
1- أ- إن الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية واجبٌ شرعاً، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناءً على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل تلك الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال.
ب- مما تقتضيه المصلحة أيضاً سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى أخذاً بأحكام الحسبة المقررة.
2- الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية وإن كانت في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسئول عما يحدثه بالغير من أضرار سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفى من هذه المسئولية إلا في الحالات الآتية:
أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمرٍ عارض خارج عن تدخل الإنسان.
ب- إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة.
ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسئولية.
3- ما تسببه البهائم من حوادث السير في الطرقات يضمن أربابها الأضرار التي تنجم عن فعلها إن كانوا مقصرين في ضبطها، والفصل في ذلك إلى القضاء- إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحدٍ منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفسٍ أو مال.
5- أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرطاً.
ب- إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسئولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍ.
ج- إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحدٍ منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحدٍ من المتسببين المسئولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحدٍ منهما فالتبعة عليهما على السواء"
الفتوى عادت لتكرار نفس الأخطاء التى قالها الباحث