د.مهند جاسم
عضو جديد
- المشاركات
- 20
- الإقامة
- العراق
تقاربٌ روسي تركي .. بينَ الواقعِ وتراكمِ الإحتمالِ :
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
هنالكَ طريقتَانِ للوصولِ الى الحقيقةِ والواقعِ, إمَا الطريقُ المباشرُ المتعارفُ عليهِ كالإطلاعِ الشخصي, أو تلكَ غيرُ المباشرةِ كالسماعِ والشهادةِ والتناقلِ ...
وهنالكَ فرقٌ جوهريٌ بينَ الطريقتينِ, فالأولُ مبني على القطعِ واليقينِ أعني المشاهدةَ, والأخرى مبني على تراكمِ وتجمعِ الإحتمالاتِ, ولا يُستعملُ مسلكُ تراكُمِ الإحتمالاتِ إلا بعدَ تعذرِ الثاني, واليأسِ مِن الوصولِ الى اليقينِ بطريقتهِ ...
وهذا المسلكُ هو الطريقُ المتبعُ في كلِّ المراكزِ البحثيةِ والدراساتِ السياسيةِ, حيثُ تُحاطُ أغلبيةُ القضايا السياسيةِ بالكثيرِ مِن خطوطِ السريةِ, حيثُ يصلُ بعضُهَا الى مرحلةِ أن تُجعلَ مِن أسرارِ الأمنِ القومي للدولةِ, ولا ترفعُ عنهَا السريةُ أبداً, إلا بعدَ أن تخرجَ مِن عهدةِ الأمنِ القومي الى خانةِ الأسرارِ التي يُكشفُ عنهَا أو عن بعضِهَا النقابُ بمجردِ تعارضِهَا مع حريةِ الإعلامِ أو حقِ الشعبِ في المعرفةِ, فبرفعِ دعوى قضائيةٍ مروراً بجلسةٍ أو جلستينِ, سيُحكمُ لصالحِ أحقيةِ الإطلاعِ والنشرِ, كمَا حصلَ في قضيةِ مقتلِ إبنِ لادنٍ, وغزوِ العراقِ في عامِ 2003 ...
ولذا لا يبقى أمامَ هذهِ المراكزِ إلا إختيارَ طريقَ تراكمِ الإحتمالاتِ, ليتوصلوا مِن خلالِهِ مَا يُمكن أن تُرتَبَ عليهِ الآثارُ السياسيةِ والعسكريةِ والدبلماسيةِ وغيرهَا ...
ولكن لا يَتمُ جمعُ المُحتملاتِ والقرائنِ بطريقةِ القراءةِ والإطلاعِ السطحي, أو بطريقةِ أن يخلُ الإنسانُ بنفسهِ بينَ جُدُرٍ وفي ظلامٍ دامسٍ, لا بل في الغالبِ تَكونُ نفسَ تلكَ المحتملاتِ مُستقاةٍ بطرقٍ إستخباريةٍ متعارفٍ عليهَا, وبعدَ أن تصلَ هذهِ المُعطياتُ الى هذهِ المراكزِ, يبدأ المخضرِمونَ بتحليلِ تلكَ البياناتِ ودراسَتِهَا وإرجاعِ بعضِهَا الى بعضٍ ونسبةِ أحداثِهَا الى أخرياتِ, حتى يَصِلوا الى قناعةٍ تامةٍ بالنتيجةِ التي توصلوا لهَا حتى مرحلةِ الإيمانِ والإعتقادِ ...
وطبعاً أنَّ هذهِ المؤيداتِ والإحتمالاتِ تكونُ كافيةً في إعتبارِهَا دليلاً ومُستمسكاً على الآخرِ الى حدِ الإدانةِ, وعدمُ إنتظارِ المقابلِ ليبررْ تلكَ المُحتملاتِ, وعلى ذلكَ تُقامُ المحاكمُ والأحكامُ والسياساتُ الدوليةُ ...
وطبعاً .. إنَّ مَن يقومونَ بهذهِ الأعمالِ, مِن تجميعِ قطعِ الحجيةِ كاملةً في الغالبِ يكونونَ مِن رجالِ الأمنِ السابقينَ, ومِن السياسيينَ المطلعينَ والمهتمينَ بالشأنِ الداخلي لذلكَ البلدِ أو لتلكَ المنطقةِ, كأن يكونَ سفيراً سابقاً أو خبيراً أمنياً أو جاسوساً أو عميلاً, المهمُ أنهُ على إطلاعٍ ودرايةٍ بكلِّ تفاصيلِ الجانبِ الآخرِ !!!
#ومن_هنَا ...
نرى الكثيرَ مِن البلدانِ مَا أن تسمعَ بأي طريقةٍ حتى لو كانتْ إعلاميةً أنَّ البلادَ المقابلةَ قد أدانَتهَا أو إتهمتْهَا, عندَهَا تكونُ ملزمةً بالدفاعِ عن نفسِهَا, لعلمِهَا أن تلكَ الإتهاماتِ لَم تُقَدَمْ جزافاً, بل قامتْ بطريقةِ تراكمِ الإحتمالاتِ وعلى أيدي خبراءٍ ومحللينَ, ويُمكن أن يُرتَبَ عليهَا الأثرُ الخارجي, ونظيرُ ذلكَ ردُ الرئيسِ فلادمير بوتن على إتهاماتِ الرئيسِ أوباما بشأنِ التلاعبِ بنتائجِ الإنتخاباتِ الأخيرةِ, والوقوفِ وراءِ خسارةِ المحتملةِ لرئاسةِ أميركا هيلاري كلونتون !!!
#والآن ...
هل يُمكن أن تمتلكَ البلدانِ الناميةِ أو تلكَ التي تُعرفُ بالعالمِ الثاني, هذهِ القدراتِ والخباراتِ المُتراكمةِ عبرَ الأجيالِ, بحيثُ تتمكنُ مِن إنشاءِ هكذا مراكزاً للبحثِ والتنقيبِ والدراسةِ والمتابعةِ, بالتأكيدِ سيكونُ الجوابُ كلا وألفُ كلا !!!
بل أنَّ كلَّ مَا تملكهُ قياداتُ هذهِ البلدانِ لا يتعدى أن يكونَ مُستقى مِن المصادرِ الإعلاميةِ والفضائياتِ, حيثُ أن أجهزةَ الإستخباراتِ لا يُوجدُ لهُ دورٌ على الإطلاقِ في تلكَ البلدانِ, وبغيابِ المصادرِ الإستخباريةِ فبالتأكيدِ سَتكونُ مراكزُ الدراساتِ المُنْشَاءةِ على أراضيِهَا, والتي أنفقتْ عليهَا ملايينَ الدولاراتِ, مراكزاً لجمعِ الموادِ الإعلاميةِ عبرَ الفضائياتِ ومِن أفواهِ المحللينَ, بل مِن أفواهِ المُحللينَ العربِ فقط !!!
وهذا ما يجعلُ تلكَ البلدانِ العربيةِ وتلكَ التي تنتمي الى العالمِ الثالثِ تولي إهتماماً خاصاً بالقنواتِ الفضائيةِ, ليسَ فقط لأنَّهَا الأساسُ المباشرُ في تغبيةِ الشعوبِ وتثقيفِهَا برؤى خاصةٍ, بل لأنَّهَا تُمثلُ أفضلَ الطرقِ المتاحةِ لإستقاءِ المعلوماتِ, والتي يعتقدُهَا هؤلاءِ الرؤساءِ والملوكِ إستخباريةً !!!
وهذا ما يجعلُ سياسيي وقياداتِ هذهِ البلدانِ يُلقونَ بالتهاماتِ جزافاً وفورَ وقوعِ الخطرِ, لأنَّ هؤلاءِ القادةَ والسادةَ والملوكَ والأمراءَ لا يملكونَ مراكزاً حقيقيةً لدراسةِ وتحليلِ وتحقيقِ المسائلِ الشائكةِ, حتى يأتي تصريحُهُم على أساسِ التحقيقِ فيهَا, بل يُطلقونَ بالإتهاماتِ وبدرجةِ القطعِ واليقينِ القانونيينِ مِن خلالِ وسائلِ الإعلامِ, ولا يُرادُ مِنهَا إلا تصفيةً لحساباتِ وخصومٍ آخرينَ مِن الذينَ لا يقدرونَ عليهِم إلا مِن خلالِ كيلِ الإتهاماتِ, متمنينَ تعاطفَ الآخرينَ مع تلكَ التصريحاتِ ...
وهذا ما نلاحظهُ جلياً وواضحاً وبيناً جداً في كلِّ حادثةِ إعتداءِ إرهابي أو إجرامي أو أمني تحصلُ في تركيا, حيثُ نرى الرئيسَ التركي أوردكانَ كيفَ ينسبُ تلكَ الإعتداءاتِ الى أشخاصٍ بعينِهِم أو جهاتٍ بعينِهَا, وكَأنمَا عَلَمَ بالمسؤولِ عن طريقِ السماءِ أو نزولِ الوحي, وهنَا سيعلمُ المقابلُ غيابَ دولةِ المؤسساتِ وسطحيةَ الرئيسِ وغباءَ المؤسساتِ وإستحمارَ الشعوبِ, فمَا كانَ حدثٌ أرهابيٌ فلا مسؤولَ بعينِ الرئيسِ التركي إلا الأحزابُ الكرديةُ, ومَا كانَ حدثاً سياسياً كبيراً كعمليةِ الإنقلابِ الفاشلةِ أو إغتيالِ الدبلماسي الروسي فلا تناسبُ إلا غريمهُ السياسي عبدَ اللهِ كولن !!!
#ومِن_هنَا ...
فإنَّ أغلبَ القراءاتِ السياسيةِ الشرقِ أوسطيةِ تكونُ على هذهِ الشاكلةِ, فالإتهامُ سيدُ الموقفِ, والتسابقُ الإعلامي خيرُ طريقةٍ في الإسخفافِ بالشعوبِ !!!
ولذا لا يُمكن لأي عاقلٍ أن يستقي معلوماتِهِ بهذهِ الطريقةِ وِمن هذهِ الوسائلِ, بل يحتاجُ الفردُ العادي الراغبُ بتحصيلِ المعلومةِ الى مقاطعةِ المعلوماتِ لمعرفةِ غثِهَا مِن سمينِهَا, ولا يُمكن أن تتحققُ هذهِ القدرةُ لجلِّ الشعوبِ لسببينِ رأيسيينِ :
الأولُ : التسطحُ الفكري الممارسُ عليهِ مِن قبلِ الحكوماتِ, بحيثُ خلقتْ مِن الأفرادِ أفراداً إتكاليينَ وغيرِ فاعلينَ حتى بالبحثِ عن الحقيقةِ, وصولاً بهِم الى مرحلةِ إستقاءِ المادةِ الإعلاميةِ مِن هذهِ الجهةِ أو تلكَ المؤسسةِ دونَ غيرِهَا !!!
الثاني : المرتكزاتُ القبليةُ, حيثُ أن نفسَ الفردِ يكونُ مستعداً لتقبلِ فكرةٍ دونَ سواهَا, بحيثُ أنهُ سوفَ يُصدقُ بالفكرةِ بمجردِ أن يُطرحَ ذكرُهَا في الإعلامِ, وستهرعُ نفسهُ الى تصديقِهَا, لا لشيءٍ سوى أنهُ يملكُ مِن الإستعدادِ مَا يجعلهُ يصدقُ بقبولِ الفكرةِ دونَ سواهَا, حتى لو أقيمَ على خلافِهَا ألفَ برهانٍ !!!
#فمثلاً :
يُطرحُ في الإعلامِ العربي والإقليمي قضيةَ التقاربِ الروسي التركي الإيراني, حتى صوروا أنَّ هذا التقاربَ سوفَ ينهي تواجدَ المنطقةِ وينهي وجودِهَا, ولكن هذا الرسمُ وهذا التلقينُ لا يتعدى أكثرَ مِن حدودِ هذا الإقليمِ, وهل لهذا التثقيفِ هدفٌ إذا كانَ على مستوى الشعوبِ العربيةِ والإقليميةِ, ولَيسَ لهُ قيمةٌ عندَ المقابلِ بنسبةٍ مائةٍ في المائةِ ؟!!
وسببُ إنعدامِ القيمةِ المعرفيةِ لهذهِ المرجعياتِ الإعلاميةِ عندَ الغربِ خصوصاً, نابعٌ مِن معرفَتِهِم المسبقةِ بأنَّ المسؤولينَ في بلدانِ العالمِ الثالثِ يلقونَ الكلامَ على عواهنهِ, دونَ التفكيرِ بالنتائجِ والعواقبِ عليهَا, وإنَّ كلَّ هذهِ التصريحاتِ لا تعدو سوى تراشقٌ إعلامي لغرضِ أهدافٍ حزبيةٍ شخصيةٍ فئويةِ, ولا ترقى الى مستوى السياسيةِ حتى !!!
وبالمقابلِ أنَّ هذهِ الشعوبَ قد إعتادتْ مِن مسؤوليهَا -بالرغمِ مِن التقدمِ الإستخباري- على التأني بالخطابِ وإلقاءِ الإتهامِ, وأمَا مسألةِ التسابقِ على الظهورِ في الإعلامِ والتسابقِ فيهِ, فلا وجودَ لهُ أبداً عندَ كبارِ المسؤولينَ, وهذا مَا رأينَاهُ في الإعتداءاتِ الفرنسيةِ والألمانيةِ والبلجيكيةِ وحتى الأميركيةِ, فلا ظهورَ على الشاشةِ إلا بعدَ إكتمالِ التحقيقِ, لأنَّ إكتمالَ التحقيقِ سيجعلُ التصريحَ ذا تبعاتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ ...
#وهنَا ...
لابأسَ أن أشيرَ الى قضيةٍ مهمةٍ جداً, أن حكوماتِ العالمِ الثالثِ مطلقاً, لا تملكُ قواعدَ بيانيةٍ عن بعثاتِهَا الدبلماسيةِ في العالمِ, يُمكن الرجوعُ إليهَا لدراسةِ الجانبِ السياسي والنفسي للمقابلِ, وبالتالي تتعاملُ الحكوماتُ العربيةُ خصوصاً تعاملَ الحكوماتِ المُحدثةِ دوماً, لأنَّ الخزينةَ المعلوماتيةِ للحكوماتِ السابقةِ فارغةٍ مطلقاً ...
فمثلاً يُكونُ مِن اللازمِ على أشخاصِ السفراءِ العربِ مثلاً, ووزراءِ الخارجيةِ والدبلماسينَ عموماً, أن يُقدموا دراساتٍ مفصلةٍ طيلةَ فترةِ عملِهِم في خارجِ البلادِ, بالإضافةِ الى الأعمالِ الموكلةِ لهُم مِن قبلِ الحكوماتِ, لأنَّ هذهِ الدراساتِ وحتى على مستوى المذكراتِ ستكونَ في أغلبِ الأحيانِ المادةِ الأساسيةِ للعاملينَ بعدَ ذلكَ في نفسِ تلكَ البلدانِ, مضافةً الى ما سيقدمهُ الآخرونَ المتعاقبونَ على نفسِ المنصبِ والعملِ, ستتوفرُ للحكوماتِ المتعاقبةِ قواعدَ بيانيةً تكفي لدراسةِ الفكرِ لتلكَ البلادِ, وبغيابِ هذهِ المدوناتِ والدراساتِ ستبقى هذهِ البلدانِ في طورِ نشأتِهَا الأولى, ولا يُمكن أن تُعاملَ تعاملَ الحكوماتِ القديمةِ مِن ذواتِ الباعِ السياسي !!!
وعندَهَا يكونُ مِن الواجبِ على الباحثينَ في الشأنِ السياسي أن يرتقُ على الإعلامِ, ولا يَعتادوا أن يستمعوا لهُ كثيراً إلا بالمقدارِ الذي يحتاجونهُ لمقاطعةِ بعضِ المعلوماتِ, وأن يصبوا جلَّ أوقاتِهِم بالبحثِ والتنقيبِ عن طرقٍ أخرى في التحليلِ السياسي, كالمُعتمدِ على نظريةِ تراكمِ الإحتمالِ والإستقراءِ, وبهذهِ الطريقةِ سوفَ يتوصلونَ الى الكثيرِ مِن الأمورِ التي عتمَ عليهَا الإعلامُ أو التي لم يتطرقْ لهَا جهلاً ...
#ولأضربْ_مثالاً_على_ذلكَ :
فلنطرحْ القضيةَ التقاربِ الثلاثي الروسي التركي, وهل إنَّ هذا التقاربَ يُمكن أن يُكتبُ لهُ النجاحُ الى مرحلةِ يتوجبُ على القوى العالميةِ العظمى أن تتدخلَ بطرقٍ تقليديةٍ لفضِ هذا التقاربِ والحيلولةِ دونَ تحققهِ في الخارجِ ؟!!
وهنَا أقصدُ بالنجاحِ, هو النجاحُ الذي يحققُ فائدةً واقعيةً للجانبِ الروسي في المنطقةِ, بحيثُ يضمن التفوقَ الروسي في المنطقةِ على التواجدِ والتفوقِ الأميركي ...
أي في المقامِ طرحانِ أساسيانِ :
أولاً : يتوجبُ علينَا أن نُثبتَ أن هذا التقاربَ يُمكن أن يتحققَ على أرضِ الواقعِ ويُكتبُ لهُ النجاحَ .
ثانياً : يتوجبُ علينَا أن نثبتَ أن هذا التقاربَ يُشكلُ تهديداً أو إضعافاً للتواجدِ الأميركي في المنطقةِ, الى درجةِ يُحتمُ عليهَا التدخلَ بطريقةٍ مَا لفضِ هذا التقاربِ والإتفاقِ, حفاظاً على المصالحِ العليا لأميركا في المنطقةِ .
وولإجابةِ على إمكانيةِ تحققِ هذا التقاربِ بينَ الروسِ وأوسعِ حكومتينِ إقليميتينِ نفوذاً في المنطقةِ العربيةِ, يتوجبُ علينَا التفريقُ بينَ المصالحِ المتحققةِ في الأراضي السوريةِ بينَ هذهِ البلدانِ الثلاثةِ, فإذا كانتْ المصالحُ مشتركةٌ يُمكن أن يتحققَ التقاربُ الى أقصى درجةٍ مِن درجاتِ التقاربِ, بل يُمكن أن يصلَ الى درجةِ تشكيلِ التحالفِ الثلاثي في المنطقةِ أو رباعي مَا لو أضفنَا مصرَ أو خماسي أو سداسي أو أي رقمٍ مِن الأرقامِ ...
فالمصلحتانِ الإيرانيةِ الروسيةِ يُمكن وصفهُمَا بالمصلحتينِ المُشتركتينِ وهو بسطُ النفوذِ والسيطرةِ على مزيدٍ مِن الأراضي العربيةِ, بخلافِ المصلحةِ التركيا, فالتواجدُ التركي على الأراضي السوريةِ والبحثِ عن أي تقاربٍ يُتيحُ لهَا أن تتوغلَ أكثرَ في الأراضي السوريةِ, هو الحفاظُ على أراضِهَا مِن الجنوبِ, خوفاً مِن تشكلِ فصائلٍ مسلحةٍ مِن القواتِ byd الكرديةِ, وصولاً الى قيامِ ركنٍ مِن أركانِ الدولةِ وهو بسطُ الهيمنةِ والنفوذِ على شمالِ سوريا, وإنشاءِ منطقةٍ عازلةٍ كرديةٍ من خلالِ تشكلِ أشبهُ ما يكونُ بالجيشِ !!!
وأيُ بلدٍ مِن البلدانِ الغربيةِ والشرقيةِ العظمى يُمكن لهُ أن يُغازلَ الجانبَ التركي بإمتناعِ تشكيلِ مثلَ هذا القواتِ, وبمَا أن الجانبَ الأميركي تعاملَ مع هذهِ القواتِ حتى جعلَ مِنهَا قواتاً أرضيةً لهُ, وإستطاعتْ أميركا مِن تحريرِ مئاتِ الكيلومتراتِ في الجانبِ المتاخمِ للأراضي التركيةِ بواسطةِ القواتِ التركيةِ وصلاً الى الشمالِ الأقصى مِن الحسكةِ, هذا مَا جعلَ الحكومةَ التركيةَ تختلفُ مع الجانبِ الأميركي الى درجةِ فضلتْ أن ترمي بنفسِهَا بأحضانِ موسكو ...
وطبعاً أن هذا التقاربَ كلفَ تركيا الكثيرَ جداً, وأقلهُ خسارةُ هيبتِهَا الإقليميةِ مِن خلالِ جعلِ أراضِهَا مسرحاً للإنقلاباتِ والعملياتِ الإرهابيةِ والإغتيالاتِ السياسيةِ !!!
ولكلُّ باتَ يعلمُ ويتيقنُ أنَّ التدهورَ الأمني وعلى المستوى القومي في تركيا جاءَ تباعاً بعدَ التفكيرِ في هذا التقاربِ, فخلالِ بضعةِ أشهرٍ قليلةٍ حصلتْ أحداثٌ كافيةٌ كلُّ واحدةٍ مِنهَا منفردةً بإنهيارِ الحكومةِ التركيةِ وبشكلٍ نهائي !!!
إذن إنَّ هنالكَ تخوفٌ حقيقيٌ مِن قبلِ أميركا خصوصاً مِن هذا التقاربِ, وإلا مِن الصعبِ جداً أن نحتملَ كلَّ هذهِ الأحداثِ مصادفةً فورَ إعلانِ التركِ التقاربَ مع الجانبِ الروسي !!!
ومِن خلالِ هذا التخوفِ ونشرِ الفوضى الخلاقةِ أميركياً في تركيا, يحصلُ عندنَا الظنُ المثيرُ للإطمئنانِ أن هذا التقاربَ خطرٌ جداً على التواجدِ الأميركي في المنطقةِ خصوصاً, وعلى أمنِهَا وأمنِ الإتحادِ الأوربي عموماً, وهذا يكشفُ جلياً أن هذا التقاربَ يُمكن أن يُكتبُ لهُ النجاحُ مستقبلاً ...
#ولكن :
لا يُعقلُ أبداً أن يصلَ الحالُ بالأتراكِ الى أن يجعلوا مِن هذا التقاربِ مقدمةً الى عملِ الإتحادِ العسكري أو الأمني, لأنَّ هذا يعني أن تدخلَ تركيا في حلفينِ متناقضينِ, وأحدهُمَا تأسسَ قبالَ تأسسِ الآخرِ, فلا يُعقلُ أن تنتمي تركيا الى حلفِ الناتو وبنفسِ الوقتِ أن تُشكلَ تحالفاً مع وريثةِ الإتحادِ السوفيتي روسيا !!!
لذا يُمكن أن تبقَ تركيا على خياري القوتينِ معاً, بأن تبقَ مع حلفِ الناتو وفي نفسِ الوقتِ تتعاملُ مع الجانبِ الروسي في قضيةِ الشأنِ السوري لِمَا يُحققُ لهَا بعضَ المطالبِ التي يعجزُ الإتحادُ عن تحقيقِهَا, وهو إبعادُ شبحَ القواتِ الكرديةِ مِن الحدودِ الجنوبيةِ لتركيا ...
#ولكن :
على مستوى هذا التقاربِ التركي الروسي, مِن الصعبِ جداً إحتمالُ أن يكونَ خطراً على التواجدِ والأمنِ الأمريكيينِ, لأنَّ هذا التقاربَ سوفَ لا يصلُ الى مرحلةِ التحالفِ العسكري, بحيثُ تسمحُ تركيا الى إستغلالِ معابرِهَا وأجواءِهَا روسياً, وأمَا في حالِ لو إنقلبتْ الموازينِ بعدَ تسلمِ الرئيسِ الأميركي الجديدِ دونالد ترامب مهامهُ في العشرِ الأواخرِ مِن الشهرِ القادمِ, كأن يسحبَ الدعمَ الأميركي عن حلفِ الناتو مثلاً, أو يجعلَ مِن سوريا قضيتهُ الثانيةَ, أو ينشغلَ بالشأنِ الداخلي عن الخارجِ, أو يذهبُ الى بحثِ الفوضى في مناطقٍ أخرى مِن القارةِ الآسيويةِ, فبالتأكيدِ سيكونُ هذا التقاربُ مفتاحاً نحو التحالفِ العسكري أو الأمني, أو على الأقلِ ستسمحُ روسيا بعبورِ القواتِ البحريةِ مِن معابرِهَا دونَ قيدٍ أو شرطٍ, كعددِ القواتِ ونوعيةِ الحمولةِ أو مقدارِهَا !!!
فنحنُ الآنَ أمامَ فرضيتينِ أثنتينِ, يُمكن أن تتحققا تباعاً, وهمَا الإكتفاءُ بالتقاربِ و ردفُ التقاربِ بالتحالفِ, أو تتحققَ أحداهُمَا دونَ الثانيةِ, ولكن بكلتَا الحالتينِ فإنَّ مِن المؤسفِ أن نرَ دولةً أخرى قد إنزلقتْ حقاً في المُعتركِ العالمي وستكونُ قطباً مِن أقطابهِ, وهذا مَا يُذكرني حقاً بمَنْ أرادَ أن يحفظَ جزءهُ فباعَ كلهُ, هكذا هُم أغبياءُ مَن تصدى لرئاسةِ دولِ العالمِ الثالثِ !!!
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,(الدكتور مهند جاسم الحسيني)
هنالكَ طريقتَانِ للوصولِ الى الحقيقةِ والواقعِ, إمَا الطريقُ المباشرُ المتعارفُ عليهِ كالإطلاعِ الشخصي, أو تلكَ غيرُ المباشرةِ كالسماعِ والشهادةِ والتناقلِ ...
وهنالكَ فرقٌ جوهريٌ بينَ الطريقتينِ, فالأولُ مبني على القطعِ واليقينِ أعني المشاهدةَ, والأخرى مبني على تراكمِ وتجمعِ الإحتمالاتِ, ولا يُستعملُ مسلكُ تراكُمِ الإحتمالاتِ إلا بعدَ تعذرِ الثاني, واليأسِ مِن الوصولِ الى اليقينِ بطريقتهِ ...
وهذا المسلكُ هو الطريقُ المتبعُ في كلِّ المراكزِ البحثيةِ والدراساتِ السياسيةِ, حيثُ تُحاطُ أغلبيةُ القضايا السياسيةِ بالكثيرِ مِن خطوطِ السريةِ, حيثُ يصلُ بعضُهَا الى مرحلةِ أن تُجعلَ مِن أسرارِ الأمنِ القومي للدولةِ, ولا ترفعُ عنهَا السريةُ أبداً, إلا بعدَ أن تخرجَ مِن عهدةِ الأمنِ القومي الى خانةِ الأسرارِ التي يُكشفُ عنهَا أو عن بعضِهَا النقابُ بمجردِ تعارضِهَا مع حريةِ الإعلامِ أو حقِ الشعبِ في المعرفةِ, فبرفعِ دعوى قضائيةٍ مروراً بجلسةٍ أو جلستينِ, سيُحكمُ لصالحِ أحقيةِ الإطلاعِ والنشرِ, كمَا حصلَ في قضيةِ مقتلِ إبنِ لادنٍ, وغزوِ العراقِ في عامِ 2003 ...
ولذا لا يبقى أمامَ هذهِ المراكزِ إلا إختيارَ طريقَ تراكمِ الإحتمالاتِ, ليتوصلوا مِن خلالِهِ مَا يُمكن أن تُرتَبَ عليهِ الآثارُ السياسيةِ والعسكريةِ والدبلماسيةِ وغيرهَا ...
ولكن لا يَتمُ جمعُ المُحتملاتِ والقرائنِ بطريقةِ القراءةِ والإطلاعِ السطحي, أو بطريقةِ أن يخلُ الإنسانُ بنفسهِ بينَ جُدُرٍ وفي ظلامٍ دامسٍ, لا بل في الغالبِ تَكونُ نفسَ تلكَ المحتملاتِ مُستقاةٍ بطرقٍ إستخباريةٍ متعارفٍ عليهَا, وبعدَ أن تصلَ هذهِ المُعطياتُ الى هذهِ المراكزِ, يبدأ المخضرِمونَ بتحليلِ تلكَ البياناتِ ودراسَتِهَا وإرجاعِ بعضِهَا الى بعضٍ ونسبةِ أحداثِهَا الى أخرياتِ, حتى يَصِلوا الى قناعةٍ تامةٍ بالنتيجةِ التي توصلوا لهَا حتى مرحلةِ الإيمانِ والإعتقادِ ...
وطبعاً أنَّ هذهِ المؤيداتِ والإحتمالاتِ تكونُ كافيةً في إعتبارِهَا دليلاً ومُستمسكاً على الآخرِ الى حدِ الإدانةِ, وعدمُ إنتظارِ المقابلِ ليبررْ تلكَ المُحتملاتِ, وعلى ذلكَ تُقامُ المحاكمُ والأحكامُ والسياساتُ الدوليةُ ...
وطبعاً .. إنَّ مَن يقومونَ بهذهِ الأعمالِ, مِن تجميعِ قطعِ الحجيةِ كاملةً في الغالبِ يكونونَ مِن رجالِ الأمنِ السابقينَ, ومِن السياسيينَ المطلعينَ والمهتمينَ بالشأنِ الداخلي لذلكَ البلدِ أو لتلكَ المنطقةِ, كأن يكونَ سفيراً سابقاً أو خبيراً أمنياً أو جاسوساً أو عميلاً, المهمُ أنهُ على إطلاعٍ ودرايةٍ بكلِّ تفاصيلِ الجانبِ الآخرِ !!!
#ومن_هنَا ...
نرى الكثيرَ مِن البلدانِ مَا أن تسمعَ بأي طريقةٍ حتى لو كانتْ إعلاميةً أنَّ البلادَ المقابلةَ قد أدانَتهَا أو إتهمتْهَا, عندَهَا تكونُ ملزمةً بالدفاعِ عن نفسِهَا, لعلمِهَا أن تلكَ الإتهاماتِ لَم تُقَدَمْ جزافاً, بل قامتْ بطريقةِ تراكمِ الإحتمالاتِ وعلى أيدي خبراءٍ ومحللينَ, ويُمكن أن يُرتَبَ عليهَا الأثرُ الخارجي, ونظيرُ ذلكَ ردُ الرئيسِ فلادمير بوتن على إتهاماتِ الرئيسِ أوباما بشأنِ التلاعبِ بنتائجِ الإنتخاباتِ الأخيرةِ, والوقوفِ وراءِ خسارةِ المحتملةِ لرئاسةِ أميركا هيلاري كلونتون !!!
#والآن ...
هل يُمكن أن تمتلكَ البلدانِ الناميةِ أو تلكَ التي تُعرفُ بالعالمِ الثاني, هذهِ القدراتِ والخباراتِ المُتراكمةِ عبرَ الأجيالِ, بحيثُ تتمكنُ مِن إنشاءِ هكذا مراكزاً للبحثِ والتنقيبِ والدراسةِ والمتابعةِ, بالتأكيدِ سيكونُ الجوابُ كلا وألفُ كلا !!!
بل أنَّ كلَّ مَا تملكهُ قياداتُ هذهِ البلدانِ لا يتعدى أن يكونَ مُستقى مِن المصادرِ الإعلاميةِ والفضائياتِ, حيثُ أن أجهزةَ الإستخباراتِ لا يُوجدُ لهُ دورٌ على الإطلاقِ في تلكَ البلدانِ, وبغيابِ المصادرِ الإستخباريةِ فبالتأكيدِ سَتكونُ مراكزُ الدراساتِ المُنْشَاءةِ على أراضيِهَا, والتي أنفقتْ عليهَا ملايينَ الدولاراتِ, مراكزاً لجمعِ الموادِ الإعلاميةِ عبرَ الفضائياتِ ومِن أفواهِ المحللينَ, بل مِن أفواهِ المُحللينَ العربِ فقط !!!
وهذا ما يجعلُ تلكَ البلدانِ العربيةِ وتلكَ التي تنتمي الى العالمِ الثالثِ تولي إهتماماً خاصاً بالقنواتِ الفضائيةِ, ليسَ فقط لأنَّهَا الأساسُ المباشرُ في تغبيةِ الشعوبِ وتثقيفِهَا برؤى خاصةٍ, بل لأنَّهَا تُمثلُ أفضلَ الطرقِ المتاحةِ لإستقاءِ المعلوماتِ, والتي يعتقدُهَا هؤلاءِ الرؤساءِ والملوكِ إستخباريةً !!!
وهذا ما يجعلُ سياسيي وقياداتِ هذهِ البلدانِ يُلقونَ بالتهاماتِ جزافاً وفورَ وقوعِ الخطرِ, لأنَّ هؤلاءِ القادةَ والسادةَ والملوكَ والأمراءَ لا يملكونَ مراكزاً حقيقيةً لدراسةِ وتحليلِ وتحقيقِ المسائلِ الشائكةِ, حتى يأتي تصريحُهُم على أساسِ التحقيقِ فيهَا, بل يُطلقونَ بالإتهاماتِ وبدرجةِ القطعِ واليقينِ القانونيينِ مِن خلالِ وسائلِ الإعلامِ, ولا يُرادُ مِنهَا إلا تصفيةً لحساباتِ وخصومٍ آخرينَ مِن الذينَ لا يقدرونَ عليهِم إلا مِن خلالِ كيلِ الإتهاماتِ, متمنينَ تعاطفَ الآخرينَ مع تلكَ التصريحاتِ ...
وهذا ما نلاحظهُ جلياً وواضحاً وبيناً جداً في كلِّ حادثةِ إعتداءِ إرهابي أو إجرامي أو أمني تحصلُ في تركيا, حيثُ نرى الرئيسَ التركي أوردكانَ كيفَ ينسبُ تلكَ الإعتداءاتِ الى أشخاصٍ بعينِهِم أو جهاتٍ بعينِهَا, وكَأنمَا عَلَمَ بالمسؤولِ عن طريقِ السماءِ أو نزولِ الوحي, وهنَا سيعلمُ المقابلُ غيابَ دولةِ المؤسساتِ وسطحيةَ الرئيسِ وغباءَ المؤسساتِ وإستحمارَ الشعوبِ, فمَا كانَ حدثٌ أرهابيٌ فلا مسؤولَ بعينِ الرئيسِ التركي إلا الأحزابُ الكرديةُ, ومَا كانَ حدثاً سياسياً كبيراً كعمليةِ الإنقلابِ الفاشلةِ أو إغتيالِ الدبلماسي الروسي فلا تناسبُ إلا غريمهُ السياسي عبدَ اللهِ كولن !!!
#ومِن_هنَا ...
فإنَّ أغلبَ القراءاتِ السياسيةِ الشرقِ أوسطيةِ تكونُ على هذهِ الشاكلةِ, فالإتهامُ سيدُ الموقفِ, والتسابقُ الإعلامي خيرُ طريقةٍ في الإسخفافِ بالشعوبِ !!!
ولذا لا يُمكن لأي عاقلٍ أن يستقي معلوماتِهِ بهذهِ الطريقةِ وِمن هذهِ الوسائلِ, بل يحتاجُ الفردُ العادي الراغبُ بتحصيلِ المعلومةِ الى مقاطعةِ المعلوماتِ لمعرفةِ غثِهَا مِن سمينِهَا, ولا يُمكن أن تتحققُ هذهِ القدرةُ لجلِّ الشعوبِ لسببينِ رأيسيينِ :
الأولُ : التسطحُ الفكري الممارسُ عليهِ مِن قبلِ الحكوماتِ, بحيثُ خلقتْ مِن الأفرادِ أفراداً إتكاليينَ وغيرِ فاعلينَ حتى بالبحثِ عن الحقيقةِ, وصولاً بهِم الى مرحلةِ إستقاءِ المادةِ الإعلاميةِ مِن هذهِ الجهةِ أو تلكَ المؤسسةِ دونَ غيرِهَا !!!
الثاني : المرتكزاتُ القبليةُ, حيثُ أن نفسَ الفردِ يكونُ مستعداً لتقبلِ فكرةٍ دونَ سواهَا, بحيثُ أنهُ سوفَ يُصدقُ بالفكرةِ بمجردِ أن يُطرحَ ذكرُهَا في الإعلامِ, وستهرعُ نفسهُ الى تصديقِهَا, لا لشيءٍ سوى أنهُ يملكُ مِن الإستعدادِ مَا يجعلهُ يصدقُ بقبولِ الفكرةِ دونَ سواهَا, حتى لو أقيمَ على خلافِهَا ألفَ برهانٍ !!!
#فمثلاً :
يُطرحُ في الإعلامِ العربي والإقليمي قضيةَ التقاربِ الروسي التركي الإيراني, حتى صوروا أنَّ هذا التقاربَ سوفَ ينهي تواجدَ المنطقةِ وينهي وجودِهَا, ولكن هذا الرسمُ وهذا التلقينُ لا يتعدى أكثرَ مِن حدودِ هذا الإقليمِ, وهل لهذا التثقيفِ هدفٌ إذا كانَ على مستوى الشعوبِ العربيةِ والإقليميةِ, ولَيسَ لهُ قيمةٌ عندَ المقابلِ بنسبةٍ مائةٍ في المائةِ ؟!!
وسببُ إنعدامِ القيمةِ المعرفيةِ لهذهِ المرجعياتِ الإعلاميةِ عندَ الغربِ خصوصاً, نابعٌ مِن معرفَتِهِم المسبقةِ بأنَّ المسؤولينَ في بلدانِ العالمِ الثالثِ يلقونَ الكلامَ على عواهنهِ, دونَ التفكيرِ بالنتائجِ والعواقبِ عليهَا, وإنَّ كلَّ هذهِ التصريحاتِ لا تعدو سوى تراشقٌ إعلامي لغرضِ أهدافٍ حزبيةٍ شخصيةٍ فئويةِ, ولا ترقى الى مستوى السياسيةِ حتى !!!
وبالمقابلِ أنَّ هذهِ الشعوبَ قد إعتادتْ مِن مسؤوليهَا -بالرغمِ مِن التقدمِ الإستخباري- على التأني بالخطابِ وإلقاءِ الإتهامِ, وأمَا مسألةِ التسابقِ على الظهورِ في الإعلامِ والتسابقِ فيهِ, فلا وجودَ لهُ أبداً عندَ كبارِ المسؤولينَ, وهذا مَا رأينَاهُ في الإعتداءاتِ الفرنسيةِ والألمانيةِ والبلجيكيةِ وحتى الأميركيةِ, فلا ظهورَ على الشاشةِ إلا بعدَ إكتمالِ التحقيقِ, لأنَّ إكتمالَ التحقيقِ سيجعلُ التصريحَ ذا تبعاتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ ...
#وهنَا ...
لابأسَ أن أشيرَ الى قضيةٍ مهمةٍ جداً, أن حكوماتِ العالمِ الثالثِ مطلقاً, لا تملكُ قواعدَ بيانيةٍ عن بعثاتِهَا الدبلماسيةِ في العالمِ, يُمكن الرجوعُ إليهَا لدراسةِ الجانبِ السياسي والنفسي للمقابلِ, وبالتالي تتعاملُ الحكوماتُ العربيةُ خصوصاً تعاملَ الحكوماتِ المُحدثةِ دوماً, لأنَّ الخزينةَ المعلوماتيةِ للحكوماتِ السابقةِ فارغةٍ مطلقاً ...
فمثلاً يُكونُ مِن اللازمِ على أشخاصِ السفراءِ العربِ مثلاً, ووزراءِ الخارجيةِ والدبلماسينَ عموماً, أن يُقدموا دراساتٍ مفصلةٍ طيلةَ فترةِ عملِهِم في خارجِ البلادِ, بالإضافةِ الى الأعمالِ الموكلةِ لهُم مِن قبلِ الحكوماتِ, لأنَّ هذهِ الدراساتِ وحتى على مستوى المذكراتِ ستكونَ في أغلبِ الأحيانِ المادةِ الأساسيةِ للعاملينَ بعدَ ذلكَ في نفسِ تلكَ البلدانِ, مضافةً الى ما سيقدمهُ الآخرونَ المتعاقبونَ على نفسِ المنصبِ والعملِ, ستتوفرُ للحكوماتِ المتعاقبةِ قواعدَ بيانيةً تكفي لدراسةِ الفكرِ لتلكَ البلادِ, وبغيابِ هذهِ المدوناتِ والدراساتِ ستبقى هذهِ البلدانِ في طورِ نشأتِهَا الأولى, ولا يُمكن أن تُعاملَ تعاملَ الحكوماتِ القديمةِ مِن ذواتِ الباعِ السياسي !!!
وعندَهَا يكونُ مِن الواجبِ على الباحثينَ في الشأنِ السياسي أن يرتقُ على الإعلامِ, ولا يَعتادوا أن يستمعوا لهُ كثيراً إلا بالمقدارِ الذي يحتاجونهُ لمقاطعةِ بعضِ المعلوماتِ, وأن يصبوا جلَّ أوقاتِهِم بالبحثِ والتنقيبِ عن طرقٍ أخرى في التحليلِ السياسي, كالمُعتمدِ على نظريةِ تراكمِ الإحتمالِ والإستقراءِ, وبهذهِ الطريقةِ سوفَ يتوصلونَ الى الكثيرِ مِن الأمورِ التي عتمَ عليهَا الإعلامُ أو التي لم يتطرقْ لهَا جهلاً ...
#ولأضربْ_مثالاً_على_ذلكَ :
فلنطرحْ القضيةَ التقاربِ الثلاثي الروسي التركي, وهل إنَّ هذا التقاربَ يُمكن أن يُكتبُ لهُ النجاحُ الى مرحلةِ يتوجبُ على القوى العالميةِ العظمى أن تتدخلَ بطرقٍ تقليديةٍ لفضِ هذا التقاربِ والحيلولةِ دونَ تحققهِ في الخارجِ ؟!!
وهنَا أقصدُ بالنجاحِ, هو النجاحُ الذي يحققُ فائدةً واقعيةً للجانبِ الروسي في المنطقةِ, بحيثُ يضمن التفوقَ الروسي في المنطقةِ على التواجدِ والتفوقِ الأميركي ...
أي في المقامِ طرحانِ أساسيانِ :
أولاً : يتوجبُ علينَا أن نُثبتَ أن هذا التقاربَ يُمكن أن يتحققَ على أرضِ الواقعِ ويُكتبُ لهُ النجاحَ .
ثانياً : يتوجبُ علينَا أن نثبتَ أن هذا التقاربَ يُشكلُ تهديداً أو إضعافاً للتواجدِ الأميركي في المنطقةِ, الى درجةِ يُحتمُ عليهَا التدخلَ بطريقةٍ مَا لفضِ هذا التقاربِ والإتفاقِ, حفاظاً على المصالحِ العليا لأميركا في المنطقةِ .
وولإجابةِ على إمكانيةِ تحققِ هذا التقاربِ بينَ الروسِ وأوسعِ حكومتينِ إقليميتينِ نفوذاً في المنطقةِ العربيةِ, يتوجبُ علينَا التفريقُ بينَ المصالحِ المتحققةِ في الأراضي السوريةِ بينَ هذهِ البلدانِ الثلاثةِ, فإذا كانتْ المصالحُ مشتركةٌ يُمكن أن يتحققَ التقاربُ الى أقصى درجةٍ مِن درجاتِ التقاربِ, بل يُمكن أن يصلَ الى درجةِ تشكيلِ التحالفِ الثلاثي في المنطقةِ أو رباعي مَا لو أضفنَا مصرَ أو خماسي أو سداسي أو أي رقمٍ مِن الأرقامِ ...
فالمصلحتانِ الإيرانيةِ الروسيةِ يُمكن وصفهُمَا بالمصلحتينِ المُشتركتينِ وهو بسطُ النفوذِ والسيطرةِ على مزيدٍ مِن الأراضي العربيةِ, بخلافِ المصلحةِ التركيا, فالتواجدُ التركي على الأراضي السوريةِ والبحثِ عن أي تقاربٍ يُتيحُ لهَا أن تتوغلَ أكثرَ في الأراضي السوريةِ, هو الحفاظُ على أراضِهَا مِن الجنوبِ, خوفاً مِن تشكلِ فصائلٍ مسلحةٍ مِن القواتِ byd الكرديةِ, وصولاً الى قيامِ ركنٍ مِن أركانِ الدولةِ وهو بسطُ الهيمنةِ والنفوذِ على شمالِ سوريا, وإنشاءِ منطقةٍ عازلةٍ كرديةٍ من خلالِ تشكلِ أشبهُ ما يكونُ بالجيشِ !!!
وأيُ بلدٍ مِن البلدانِ الغربيةِ والشرقيةِ العظمى يُمكن لهُ أن يُغازلَ الجانبَ التركي بإمتناعِ تشكيلِ مثلَ هذا القواتِ, وبمَا أن الجانبَ الأميركي تعاملَ مع هذهِ القواتِ حتى جعلَ مِنهَا قواتاً أرضيةً لهُ, وإستطاعتْ أميركا مِن تحريرِ مئاتِ الكيلومتراتِ في الجانبِ المتاخمِ للأراضي التركيةِ بواسطةِ القواتِ التركيةِ وصلاً الى الشمالِ الأقصى مِن الحسكةِ, هذا مَا جعلَ الحكومةَ التركيةَ تختلفُ مع الجانبِ الأميركي الى درجةِ فضلتْ أن ترمي بنفسِهَا بأحضانِ موسكو ...
وطبعاً أن هذا التقاربَ كلفَ تركيا الكثيرَ جداً, وأقلهُ خسارةُ هيبتِهَا الإقليميةِ مِن خلالِ جعلِ أراضِهَا مسرحاً للإنقلاباتِ والعملياتِ الإرهابيةِ والإغتيالاتِ السياسيةِ !!!
ولكلُّ باتَ يعلمُ ويتيقنُ أنَّ التدهورَ الأمني وعلى المستوى القومي في تركيا جاءَ تباعاً بعدَ التفكيرِ في هذا التقاربِ, فخلالِ بضعةِ أشهرٍ قليلةٍ حصلتْ أحداثٌ كافيةٌ كلُّ واحدةٍ مِنهَا منفردةً بإنهيارِ الحكومةِ التركيةِ وبشكلٍ نهائي !!!
إذن إنَّ هنالكَ تخوفٌ حقيقيٌ مِن قبلِ أميركا خصوصاً مِن هذا التقاربِ, وإلا مِن الصعبِ جداً أن نحتملَ كلَّ هذهِ الأحداثِ مصادفةً فورَ إعلانِ التركِ التقاربَ مع الجانبِ الروسي !!!
ومِن خلالِ هذا التخوفِ ونشرِ الفوضى الخلاقةِ أميركياً في تركيا, يحصلُ عندنَا الظنُ المثيرُ للإطمئنانِ أن هذا التقاربَ خطرٌ جداً على التواجدِ الأميركي في المنطقةِ خصوصاً, وعلى أمنِهَا وأمنِ الإتحادِ الأوربي عموماً, وهذا يكشفُ جلياً أن هذا التقاربَ يُمكن أن يُكتبُ لهُ النجاحُ مستقبلاً ...
#ولكن :
لا يُعقلُ أبداً أن يصلَ الحالُ بالأتراكِ الى أن يجعلوا مِن هذا التقاربِ مقدمةً الى عملِ الإتحادِ العسكري أو الأمني, لأنَّ هذا يعني أن تدخلَ تركيا في حلفينِ متناقضينِ, وأحدهُمَا تأسسَ قبالَ تأسسِ الآخرِ, فلا يُعقلُ أن تنتمي تركيا الى حلفِ الناتو وبنفسِ الوقتِ أن تُشكلَ تحالفاً مع وريثةِ الإتحادِ السوفيتي روسيا !!!
لذا يُمكن أن تبقَ تركيا على خياري القوتينِ معاً, بأن تبقَ مع حلفِ الناتو وفي نفسِ الوقتِ تتعاملُ مع الجانبِ الروسي في قضيةِ الشأنِ السوري لِمَا يُحققُ لهَا بعضَ المطالبِ التي يعجزُ الإتحادُ عن تحقيقِهَا, وهو إبعادُ شبحَ القواتِ الكرديةِ مِن الحدودِ الجنوبيةِ لتركيا ...
#ولكن :
على مستوى هذا التقاربِ التركي الروسي, مِن الصعبِ جداً إحتمالُ أن يكونَ خطراً على التواجدِ والأمنِ الأمريكيينِ, لأنَّ هذا التقاربَ سوفَ لا يصلُ الى مرحلةِ التحالفِ العسكري, بحيثُ تسمحُ تركيا الى إستغلالِ معابرِهَا وأجواءِهَا روسياً, وأمَا في حالِ لو إنقلبتْ الموازينِ بعدَ تسلمِ الرئيسِ الأميركي الجديدِ دونالد ترامب مهامهُ في العشرِ الأواخرِ مِن الشهرِ القادمِ, كأن يسحبَ الدعمَ الأميركي عن حلفِ الناتو مثلاً, أو يجعلَ مِن سوريا قضيتهُ الثانيةَ, أو ينشغلَ بالشأنِ الداخلي عن الخارجِ, أو يذهبُ الى بحثِ الفوضى في مناطقٍ أخرى مِن القارةِ الآسيويةِ, فبالتأكيدِ سيكونُ هذا التقاربُ مفتاحاً نحو التحالفِ العسكري أو الأمني, أو على الأقلِ ستسمحُ روسيا بعبورِ القواتِ البحريةِ مِن معابرِهَا دونَ قيدٍ أو شرطٍ, كعددِ القواتِ ونوعيةِ الحمولةِ أو مقدارِهَا !!!
فنحنُ الآنَ أمامَ فرضيتينِ أثنتينِ, يُمكن أن تتحققا تباعاً, وهمَا الإكتفاءُ بالتقاربِ و ردفُ التقاربِ بالتحالفِ, أو تتحققَ أحداهُمَا دونَ الثانيةِ, ولكن بكلتَا الحالتينِ فإنَّ مِن المؤسفِ أن نرَ دولةً أخرى قد إنزلقتْ حقاً في المُعتركِ العالمي وستكونُ قطباً مِن أقطابهِ, وهذا مَا يُذكرني حقاً بمَنْ أرادَ أن يحفظَ جزءهُ فباعَ كلهُ, هكذا هُم أغبياءُ مَن تصدى لرئاسةِ دولِ العالمِ الثالثِ !!!