{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)}
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي الواحد الوتر، الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك. واصل أَحَدٌ: وحد، قلبت الواو همزة. ومنه قول النابغة:
بذي الجليل على مستأنس وحد ***
وقد تقدم في سورة البقرة الفرق بين واحد واحد، وفي كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى أيضا مستوفى. والحمد لله. وأَحَدٌ مرفوع، على معنى: هو أحد.
وقيل: المعنى: قل: الامر والشأن: الله أحد.
وقيل: أَحَدٌ بدل من قوله: اللَّهُ. وقرأ جماعة {أحد الله} بلا تنوين، طلبا للخفة، وفرارا من التقاء الساكنين، ومنه قول الشاعر:
ولا ذاكر الله إلا قليلا ***
{اللَّهُ الصَّمَدُ} أي الذي يصمد إليه في الحاجات. كذا روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الذي يصمد إليه في الحاجات، كما قال عز وجل: {ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} [النحل: 53]. قال أهل اللغة: الصمد: السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج. قال:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد *** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال قوم: الصمد: الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال.
وقيل: تفسيره ما بعده لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. قال أبي بن كعب: الصمد: الذي لا يلد ولا يولد، لأنه ليس شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا يورث.
وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان: الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سودده في أنواع الشرف والسودد، ومنه قول الشاعر:
علوته بحسام ثم قلت له *** خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السدي: إنه: المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
وقال الحسين بن الفضل: إنه: الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل: إنه: الكامل الذي لا عيب فيه، ومنه قول الزبرقان:
سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا *** ولا رهينة إلا سيد صمد
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير: الصمد: المصمت الذي لا جوف له، قال الشاعر:
شهاب حروب لا تزال جياده *** عوابس يعلكن الشكيم المصمدا
قلت: قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصمد، في كتاب الأسنى وأن الصحيح منها. ما شهد له الاشتقاق، وهو القول الأول، ذكره الخطابي. وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ الله الواحد الصمد في الصلاة، والناس يستمعون، فأسقط: قُلْ هُوَ، وزعم أنه ليس من القرآن. وغير لفظ أَحَدٌ، وأدعى أن هذا هو الصواب، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال، فأبطل معنى الآية، لان أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صف لنا ربك، أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر؟ فقال الله عز وجل ردا عليهم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. ففي هُوَ دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى الترمذي عن أبي بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انسب لنا ربك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ والصمد الذي لم يلد ولم يولد} لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ: قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شي. وروي عن أبي العالية: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر آلهتهم فقالوا: انسب لنا ربك. قال: فأتاه جبريل بهذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح، قاله الترمذي. قلت: ففي هذا الحديث إثبات لفظ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وتفسير الصمد، وقد تقدم. وعن عكرمة نحوه.
وقال ابن عباس: لَمْ يَلِدْ كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيس وعزير. وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} أي لم يكن له مثلا أحد. وفية تقدم وتأخير، تقديره: ولم يكن له كفوا أحد، فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحد. وقرئ: {كفوا} بضم الفاء وسكونها. وقد تقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاث أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان، إلا قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} [الزخرف: 15] لعلة تقدمت. وقرأ حفص {كفوا} مضموم الفاء غير مهموز. وكلها لغات فصيحة.
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة، وفية ثلاث مسائل:
الأولى: ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن». وعنه قال قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن» خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه. وخرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن»، فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ {قل هو الله أحد} ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج فقال: «إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن» قال بعض العلماء: إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم، الذي هو الصَّمَدُ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور. وكذلك واحِدٍ.
وقيل: إن القرآن أنزل أثلاثا، ثلثا منه أحكام، وثلثا منه وعد ووعيد، وثلثا منه أسماء وصفات، وقد جمعت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أحد الا ثلاث، وهو الأسماء والصفات. ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم، من حديث أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جزءا من أجزاء القرآن». وهذا نص، وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص، والله أعلم.
الثانية: روى مسلم عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب {قل هو الله أحد}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لاي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبروه أن الله عز وجل يحبه».
وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما أفتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها، أفتتح ب {قل هو الله أحد}، حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعوا وتقرأ بسورة أخرى؟ قال: ما أنا بتاركها وإن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول الله، إني أحبها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن حبها أدخلك الجنة». قال: حديث حسن غريب صحيح. قال ابن العربي: فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة. وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالاتراك، فيقرأ في كل ركعة {الحمد لله} و{قل هو الله أحد} حتى يتم التراويح، تخفيفا عليه، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان. قلت: هذا نص قول مالك، قال مالك: وليس ختم القرآن في المساجد بسنة.
الثالثة: روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: أقبلت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد}، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وجبت. قلت: وما وجبت؟ قال: الجنة». قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الترمذي:
حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد، محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين». وبهذا الاسناد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ {قل هو الله أحد} مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب: يا عبدي، ادخل على يمينك الجنة». قال: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس.
وفي مسند أبي محمد الدارمي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} خمسين مرة، غفرت له ذنوب خمسين سنة» قال: وحدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو عقيل: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ {قل هو الله أحد} عشرة مرات بني له قصر في الجنة. ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة. ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة». فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الله أوسع من ذلك» قال أبو محمد: أبو عقيل زهرة بن معبد، وزعموا أنه كان من الابدال.
وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه، لم يفتن في قبره. وأمن من ضغطة القبر. وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة». قال: هذا حديث غريب من حديث يزيد، تفرد به نصر بن حماد البجلي.
وذكر أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن، فتنزل الملائكة، فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرءون {قل هو الله أحد} حتى يسكن غضبه عز وجل. وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من دخل يوم الجمعة المسجد، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و{قل هو الله أحد} خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له».
وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي، عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران». وعن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصرا في الجنة، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له». وعن سهل بن سعد الساعدي قال: شكا رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفقر وضيق المعيشة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلم علي، واقرأ {قل هو الله أحد} مرة واحدة ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه».
وقال أنس: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك، فأتى جبريل، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا جبريل، مالي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط؟ فقال: ذلك لان معاوية بن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه، قال: ومم ذلك؟ قال: كان يكثر قراءة {قل هو الله أحد} آناء الليل وآناء النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: نعم، فصلى عليه ثم رجع». ذكره الثعلبي، والله أعلم.
قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أي الواحد الوتر، الذي لا شبيه له، ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك. واصل أَحَدٌ: وحد، قلبت الواو همزة. ومنه قول النابغة:
بذي الجليل على مستأنس وحد ***
وقد تقدم في سورة البقرة الفرق بين واحد واحد، وفي كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى أيضا مستوفى. والحمد لله. وأَحَدٌ مرفوع، على معنى: هو أحد.
وقيل: المعنى: قل: الامر والشأن: الله أحد.
وقيل: أَحَدٌ بدل من قوله: اللَّهُ. وقرأ جماعة {أحد الله} بلا تنوين، طلبا للخفة، وفرارا من التقاء الساكنين، ومنه قول الشاعر:
ولا ذاكر الله إلا قليلا ***
{اللَّهُ الصَّمَدُ} أي الذي يصمد إليه في الحاجات. كذا روى الضحاك عن ابن عباس، قال: الذي يصمد إليه في الحاجات، كما قال عز وجل: {ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} [النحل: 53]. قال أهل اللغة: الصمد: السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج. قال:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد *** بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وقال قوم: الصمد: الدائم الباقي، الذي لم يزل ولا يزال.
وقيل: تفسيره ما بعده لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. قال أبي بن كعب: الصمد: الذي لا يلد ولا يولد، لأنه ليس شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا يورث.
وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان: الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سودده في أنواع الشرف والسودد، ومنه قول الشاعر:
علوته بحسام ثم قلت له *** خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السدي: إنه: المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
وقال الحسين بن الفضل: إنه: الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل: إنه: الكامل الذي لا عيب فيه، ومنه قول الزبرقان:
سيروا جميعا بنصف الليل واعتمدوا *** ولا رهينة إلا سيد صمد
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير: الصمد: المصمت الذي لا جوف له، قال الشاعر:
شهاب حروب لا تزال جياده *** عوابس يعلكن الشكيم المصمدا
قلت: قد أتينا على هذه الأقوال مبينة في الصمد، في كتاب الأسنى وأن الصحيح منها. ما شهد له الاشتقاق، وهو القول الأول، ذكره الخطابي. وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ الله الواحد الصمد في الصلاة، والناس يستمعون، فأسقط: قُلْ هُوَ، وزعم أنه ليس من القرآن. وغير لفظ أَحَدٌ، وأدعى أن هذا هو الصواب، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال، فأبطل معنى الآية، لان أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صف لنا ربك، أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر؟ فقال الله عز وجل ردا عليهم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. ففي هُوَ دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى الترمذي عن أبي بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انسب لنا ربك، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ والصمد الذي لم يلد ولم يولد} لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ: قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شي. وروي عن أبي العالية: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكر آلهتهم فقالوا: انسب لنا ربك. قال: فأتاه جبريل بهذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب، وهذا أصح، قاله الترمذي. قلت: ففي هذا الحديث إثبات لفظ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وتفسير الصمد، وقد تقدم. وعن عكرمة نحوه.
وقال ابن عباس: لَمْ يَلِدْ كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيس وعزير. وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} أي لم يكن له مثلا أحد. وفية تقدم وتأخير، تقديره: ولم يكن له كفوا أحد، فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحد. وقرئ: {كفوا} بضم الفاء وسكونها. وقد تقدم في البقرة أن كل اسم على ثلاث أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان، إلا قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً} [الزخرف: 15] لعلة تقدمت. وقرأ حفص {كفوا} مضموم الفاء غير مهموز. وكلها لغات فصيحة.
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة، وفية ثلاث مسائل:
الأولى: ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقالها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن». وعنه قال قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن» خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه. وخرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن»، فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ {قل هو الله أحد} ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج فقال: «إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن» قال بعض العلماء: إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم، الذي هو الصَّمَدُ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور. وكذلك واحِدٍ.
وقيل: إن القرآن أنزل أثلاثا، ثلثا منه أحكام، وثلثا منه وعد ووعيد، وثلثا منه أسماء وصفات، وقد جمعت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أحد الا ثلاث، وهو الأسماء والصفات. ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم، من حديث أبي الدرداء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاثة أجزاء، فجعل قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جزءا من أجزاء القرآن». وهذا نص، وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص، والله أعلم.
الثانية: روى مسلم عن عائشة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب {قل هو الله أحد}، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «سلوه لاي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبروه أن الله عز وجل يحبه».
وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما أفتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها، أفتتح ب {قل هو الله أحد}، حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعوا وتقرأ بسورة أخرى؟ قال: ما أنا بتاركها وإن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبروه الخبر، فقال: «يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: يا رسول الله، إني أحبها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن حبها أدخلك الجنة». قال: حديث حسن غريب صحيح. قال ابن العربي: فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة. وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالاتراك، فيقرأ في كل ركعة {الحمد لله} و{قل هو الله أحد} حتى يتم التراويح، تخفيفا عليه، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان. قلت: هذا نص قول مالك، قال مالك: وليس ختم القرآن في المساجد بسنة.
الثالثة: روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: أقبلت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمع رجلا يقرأ {قل هو الله أحد}، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وجبت. قلت: وما وجبت؟ قال: الجنة». قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الترمذي:
حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد، محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين». وبهذا الاسناد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ {قل هو الله أحد} مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب: يا عبدي، ادخل على يمينك الجنة». قال: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس.
وفي مسند أبي محمد الدارمي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} خمسين مرة، غفرت له ذنوب خمسين سنة» قال: وحدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو عقيل: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من قرأ {قل هو الله أحد} عشرة مرات بني له قصر في الجنة. ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة. ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة». فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الله أوسع من ذلك» قال أبو محمد: أبو عقيل زهرة بن معبد، وزعموا أنه كان من الابدال.
وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال: رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه، لم يفتن في قبره. وأمن من ضغطة القبر. وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة». قال: هذا حديث غريب من حديث يزيد، تفرد به نصر بن حماد البجلي.
وذكر أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن، فتنزل الملائكة، فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرءون {قل هو الله أحد} حتى يسكن غضبه عز وجل. وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من دخل يوم الجمعة المسجد، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و{قل هو الله أحد} خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له».
وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي، عن جرير قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران». وعن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من قرأ {قل هو الله أحد} مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصرا في الجنة، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له». وعن سهل بن سعد الساعدي قال: شكا رجل إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفقر وضيق المعيشة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه أحد فسلم علي، واقرأ {قل هو الله أحد} مرة واحدة ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق، حتى أفاض على جيرانه».
وقال أنس: كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك، فأتى جبريل، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا جبريل، مالي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط؟ فقال: ذلك لان معاوية بن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه، قال: ومم ذلك؟ قال: كان يكثر قراءة {قل هو الله أحد} آناء الليل وآناء النهار، وفي ممشاه وقيامه وقعوده، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال: نعم، فصلى عليه ثم رجع». ذكره الثعلبي، والله أعلم.