- المشاركات
- 7,533
- الإقامة
- عرب فوركس
الرومان هم أول من استخدم هذا المصطلح للمرة الأولى “Novus Ordo Seclorum”، والتي تعني النظام الجديد للعصر العلماني الجديد، أي بعبارة أخرى النظام العالمي الجديد. يستخدم مصطلح النظام العالمي الجديد ليعبّر عن حقبة جديدة في العلاقات الدولية لها سماتها وخصائصها المميزة، وللدلالة على التغيّرات الجذرية في موازين القوى الدولية وفي تأثيرات اللاعبين الدوليين على الأحدات والأوضاع العالمية، وفي ظهور منظمات دولية وفكر سياسي واقتصادي دولي جديد. وقد ظهر استخدام المصطلح لأول مرة أثناء حرب الخليج الثانية حين أعلن الرئيس جورج بوش الأب في 17 كانون الثاني 1991 بداية النظام العالمي الجديد (New World Order) . ويلاحظ استخدام كلمة Order ولم يستخدم كلمة System لما تحمل من دلالة على الفرض والقوة والأمر، وليس المبادئ والقيم والمشتركات التي تحكم علاقات الدول ببعضها البعض.
بداية نظام عالمي جديد
خلال زيارته القاعدة الأميركية في العراق في 27/12/2018، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قواعد نظام عالمي جديد بتحوّل الدور الأميركي من دور البلطجي إلى دور السمسار، حيث أعلن أن بلاده لن تكون “شرطي العالم”، أي أن أميركا لم تعد تريد ممارسة دور الشرطي دون مقابل مادي. وأكّد ترامب على ذلك خلال إعلانه عن الانسحاب الأميركي من سوريا بالقول “إنها رمال وموت(….) لا ثروات كبيرة”. ويؤكد على هذه التحولات الجذرية في النظام العالمي صعود قوى عظمى مؤثرة على مختلف العلاقات السياسية والاقتصادية العالمية. وفي كتابه الذي أصدره هنري كيسنجر في العام 2014 تحت عنوان ” The new world order”، يرى كيسنجر أن إقامة نظام عالمي جديد في طور التأسيس والبناء حالياً، وأنه لا بد من بناء نظام عالمي جديد لا يعتمد على قطب واحد. ومن هذا المنطلق يرى أن النظام العالمي الجديد سيكون بالمشاركة بين أميركا والصين، مخرجاً روسيا نهائياً من معادلة قيادة العالم. ويعتبر كيسنجر أن الآحادية القطبية من قبل الولايات المتحدة جعلت العالم غير مستقر. لهذا السبب يقول كيسنجر إنه لا بد من بناء نظام عالمي جديد لا يعتمد على قطب واحد بالمشاركة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.
مقدمات نشوء نظام عالمي جديد
إن مستقرئ التاريخ يجد أن الأزمات الاقتصادية العالمية أو الحروب، من أهم أسباب ومقدّمات نشوء نظام عالمي جديد. فالاقتصاديات الغربية ما زالت تعاني من تداعيات الأزمة المالية في العام 2008 والتي خسر الاقتصاد العالمي من جرّائها 45% من قيمته. تلتها أزمة الديون السيادية الأوروبية 2009 بعد مخاوف كبرى من قدرة دول أوروبية مثل اليونان وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا بشأن سداد ديونها، وهذه الديون الضخمة شكلت رعباً للبنوك ساهم بدوره في انهيار الاقتصاد الأوروبي. أزمة الديون السيادية تلك لم تؤثر على أوروبا فقط، بل امتدت إلى الولايات المتحدة. واجتاحت موجة هبوط حادة البورصات العالمية يوم 24 آب 2015، خسرت فيها الأسهم أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، بسبب انهيار سوق الأسهم الصينية ومؤشرات على تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. العديد من الدراسات تتوقع حدوث أزمة اقتصادية عالمية تؤدي إلى انهيارات في العديد من الدول. وهذا ما حذّر منه البنك الدولي من أن العالم ليس في انتظار عاصفة مالية فحسب، بل لا يبدو أنه يقف على استعداد لاستقبالها.
مرتكزاته السياسية وتوازن الرعب
يتجسد النظام العالمي الجديد كنظام متعدد الأقطاب مع دخول لاعبين جدد على الساحة الدولية على رأسهم روسيا والصين. وفي البداية قد نشهد الثنائية القطبية تتمثل بالولايات المتحدة كقطب محوري والدول التي تدور بفلكها مثل انكلترا وبعض الدول الأوروبية والخليجية والكيان الإسرائيلي من جهة، وروسيا كقطب مقابل يتمحور حولها دول البريكس وتركيا وإيران، وقد تنضم إليهم ألمانيا من جهة أخرى. وبالتالي سقوط نظرية الرئيس الأميركي الأسبق “باراك أوباما” عند مغادرة البيت الأبيض في عام 2017 “الأمر سيعود لنا” لكي تستمر القيادة الأميركية للعالم وذلك “من خلال الحفاظ على النظام الدولي الموجود منذ نهاية الحرب الباردة، الذي يعتمد عليه أمننا وسلامتنا”. وإن كان هذا لا يعني عدم حدوث تحالفات بين الأقطاب، لكنها ستكون تحالفات مؤقتة تقريباً. ولكن الأهم من ذلك أننا لن نعود إلى مرحلة الحرب الباردة بين القطبين وسباقات التسلح وحرب النجوم، وكذلك ليست مرحلة مواجهات عسكرية وإرسال الجيوش الأميركية إلى خارج الحدود، مع الإبقاء على القواعد العسكرية في مختلف المناطق والدول. فقد استطاعت روسيا العودة إلى المسرح الدولي من بابه العريض عبر بوابة الأزمة السورية حيث استطاعت عبر ترسانتها العسكرية وديبلوماسية رئيسها المحنك في قلب الطاولة على المخططات الأميركية ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة برمّتها. وقد تظهّرت القوة العسكرية الروسية بوضوح خلال الحرب السورية، والتي تضاهي بها القوة العسكرية الأميركية. وبحسب آخر تصنيف صادر عن موقع “غلوبال فاير باور”، وبينما لا يزال الجيش الأميركي في صدارة الجيوش الأقوى عالمياً، فإن البيانات تعكس أيضاً صعود أقطاب دوليين تعتبرهم واشنطن خصوماً لها. التصنيف المذكور يعتمد على نحو 50 عاملاً لقياس القدرة العسكرية لدى دول العالم، بدءاً من تنوع الأسلحة إلى توزع الأذرع وانتشار القواعد العسكرية، وكذلك عديد القوات وصولاً إلى القدرات اللوجيستية واقتصاد الدولة. وقد جاء ترتيب الدول الثلاث الأولى كما يلي: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والهند، تلي الهند الصين ثم فرنسا فبريطانيا. وقد وصفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية منظومة صواريخ “إس-400” الروسية بأنها أداة النظام العالمي الجديد. ورأت الصحيفة الفرنسية أن روسيا تسخّر ما تصنعه من منظومات صواريخ مضادة للأهداف الجوية بخاصة “إس-400” لدعم دبلوماسية رئيسها فلاديمير بوتين الهادفة إلى إنشاء النظام العالمي الجديد. إلى ذلك، أعلن رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي أن روسيا تمتلك، منظومات “إس-500″ و”إس-600″ و”إس-700” إلى جانب “إس-400”. وفي تقرير لوكالة “سبوتنيك” الروسية أن حجم الإنفاق العسكري لدول البريكس يشكل 10.8% من حجم الإنفاق العسكري العالمي. ثلاث دول من المجموعة وهي روسيا، الصين والهند تملك مجتمعةً حوالي 3060 رأساً نووياً (روسيا بحوالي 2800 رأس نووي) بنسبة تقارب 52% من الحجم العالمي.
مرتكزات النظام العالمي الاقتصادية
لن تبقى الولايات المتحدة هي القوى العظمى الاقتصادية العالمية المهيمنة عبر رأسماليتها وأدواتها الاستعمارية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بل نحن أمام تطورات اقتصادية تتمثل بما يأتي:
– صعود دول البريكس: تحتل اقتصاديات دول البريكس مراتب متقدمة على الصعيد الدولي على النحو الآتي: الصين الثانية عالمياً، الهند الرابعة عالمياً، روسيا السادسة عالمياً، البرازيل التاسعة عالمياً، جنوب إفريقيا الخامسة والعشرين عالمياً. ويبلغ حجم إنتاج الطاقة فيها 40.2% من الحجم العالمي. وتشير التوقعات أن الناتج المحلي لدول البريكس سيتجاوز مثيله في الولايات المتحدة في 2020، وبحلول عام 2027 تصبح البريكس بحجم مجموعة الدول السبع الكبرى G7. وستساهم البريكس بنسبة 50% في أسواق الأسهم المالية في 2050.
– التبدّل في الأحجام الاقتصادية: ذكرت شبكة فوكس نيوز الإخبارية الأميركية، نقلاً عن تقارير صندوق النقد الدولي، أنه للمرة الأولى منذ عقود، تفقد الولايات المتحدة الأميركية وضعها باعتبارها أكبر اقتصاد في العالم، وقالت الشبكة إنه في تشرين الأول عام 2014، تجاوزت الصين الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي في الدولار من حيث القدرة الشرائية؛ فقد زادت حصة الصين من الناتج العالمي إلى 16.48 بالمئة مقابل 16.28 بالمئة للاقتصاد الأميركي، إذ بلغ حجم الناتج الاقتصادي الوطني للصين 17.6 تريليون دولار، مقابل 17.4 تريليون للولايات المتحدة. وذكر تقرير الصندوق أنه قبل 14 عاماً كانت أميركا تنتج أكثر من الصين بثلاث مرات. وقد خفّض صندوق النقد الدولي توقّعاته للنمو الأميركي لعام 2019 من 2,9 إلى 2,5 بالمئة. وتوقّع كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي موريس أوبستفلد أن التباطؤ سيكون أكبر في 2020 مقارنة مع 2019. وتوقع البنك الدولى انخفاض النمو للولايات المتحدة إلى 1.9% فى 2019. من جهة أخرى من المتوقع أن يصل حجم الناتج المحلى الإجمالي للاقتصاد الصينى إلى 17.7 تريليون دولار فى عام 2022. ويقدّر احتياطى النقد الأجنبى فى الصين بحوالي 3.092 تريليونات دولار. وبحسب تقرير شركة (PwC) الاقتصادي الذي نشرت مضمونه جريدة “اندبندنت” البريطانية من المتوقع أن تتقدم الصين والهند على الولايات المتحدة في العام 2050، حيث سيبلغ الاقتصاد الصيني 58.499 تريليون دولار تليها الهند بـ44.128 تريليون دولار، وتأتي الولايات المتحدة ثالثاً بـ34.102 تريليون دولار.
– تراجع تأثير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي: في تموز 2014 وخلال قمة بريكس تم الاتفاق على انشاء بنك التنمية الجديد بقيمة 50 مليار دولار وصندوق احتياط نقدي جديد بقيمة 100 مليار دولار. وفي عام 2015 تم افتتاح بنك التنمية الجديد الذي افتتحته مجموعة بريكس في مدينة شنغهاى في الصين. تمتلك كل من دول البريكس حصصاً متساوية. وقد ساهم كل منها بمبلغ 10 مليارات دولار في رأس المال المشترك الأولي. والهدف من هذا البنك هو إنشاء منظمة دولية شبيهة بالبنك الدولي قادرة على تمويل المشاريع التنموية في البلاد النامية. ومن المتوقع أن يلعب هذا البنك دوراً مهماً منافساً للبنك الدولي، وأن تلجأ إليه الدول النامية هرباً من شروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المجحفة وسياسات التثبت والتكييف الهيكلي والتي أثبتت فشلها وأضرت وأفقرت العديد من الدول.
– بناء نظام مدفوعات متحرر من سطوة الدولار: تسعى دول البريكس، وعلى رأسها روسيا والصين حالياً، إلى الانتقال الهادئ لنظام نقدي دولي يعتمد على سلة عملات، ومحاولة فك ارتباط معاملاتها الدولية وتقييم مدفوعاتها على أساس الدولار. فقد قامت الصين روسيا والهند، إلى تقليص احتياطياتها من الدولار بشكل تدريجي وسري لصالح الذهب واليورو وعملاتها المحلية. وقد اتفق كل من البنك المركزي الروسي وبنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، على إنشاء نظام تسوية فوري بين اليوان والروبل. وأطلقت الصين بورصة لعقود النفط الآجلة مقومة بعملتها “اليوان” في آذار العام الماضي. وقررت روسيا والهند استخدام عملاتها الوطنية في الصفقات العسكرية المبرمة بين البلدين. كل هذا يأتي من ضمن خطة طويلة الأجل للحدّ من هيمنة الدولار وتأثيره على اقتصاديات هذه الدول.
أشار الكاتب الأميركي روبرت سامويلسون في (الواشنطن بوست) بتاريخ 1/1/2017 في مقال تحت عنوان:” The new world order” إلى “أن فكرة وجود قوة عظمى وحيدة باقية لم تبدُ حقيقية تماماً أيضاً”، واعتبر “كل من الصين وروسيا قوى كبرى بنفس الأهمية”، وأنه لم يعد بمقدور” الولايات المتحدة الحصول على كل شيء تريده عن طريق إرسال القوات إلى المناطق الساخنة”.