donya
مشرف سابق
- المشاركات
- 521
- الإقامة
- الاسكندريه
المتعاملون بأسواق المال ونظرية القطيع
هُناك مقولة شهيرة لـ Warren Buffett خبير أسواق المال العالمي
“عندما تبني جسرًا مخصصًا لعبور حمولة إجمالية بمقدار 10 أطنان فمن الأفضل لك بناءه ليتحمل ما مقداره 30 طن،) وهذا الأمر يسري على الاستثمار في الاسواق المالية عموما
وذلك كدلالة على أهمية الاحتياط، وتوقع ما هو سيّئ دائمًا عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في أسواق المال . فكلما تعاملت مع السوق أكثر، كلما زادت قناعتك بالحقيقة التي تقول أنّ الأسعار تتحدد بالتغيرات النفسية للمتعاملين في السوق ما بين الخوف والأمل.
فالثور هو رمز للسوق القوى ، فيها المتعاملين متفائلين وعلى ثقة من اتجاه الاقتصاد، وينعكس ذلك على أداء السوق الذي يتجه أعلى في المقام الأول، حيث أنّ نفسية المستثمرين البهيجة، تؤدي التعاملين لشراء أكثر وأكثر، وقيادة السوق إلى أعلى.
من أين جاء هذا التشبيه؟
في البداية دعنا نشير إلى أنّ سلوك القطيع Crowd Behavior هو استراتيجية طورتها الحيوانات كأحد استراتيجيات التعامل مع المخاطر المحيطة بها، فنجد إنّ الأسماك دائمًا ما تسير في كتلة واحدة، وتتجه في اتجاه واحد بمجرد الشعور بالخطر، بهذا الشكل تقلل الأسماك من عدد من يتعرض منها للفقدان في أوقات الخطر، كما نجد أنّ قطيع البقر ينطلق في اتجاه واحد عند مجرد صدور إشارة تحذير بحدوث أي خطر من قبل أحد أفراد القطيع.
هذا ويطلق على المتعاملين في أسواق المال، لفظ القطيع؛ لأنّ سلوك المتعاملون في البورصة يكون أشبه بسلوك القطيع، فنجدهم يندفعون باتجاه الشراء أو البيع تبعًا لتوقعاتهم النفسية، التي تقوم على الفزع من الخسارة أو النزوع للربح، ومن ثم نجد أنّ الربح هو من يستغل اندفاع القطيع لصالحه، ولا ينساق في نفس الاتجاه. وهذا ينطبق على مستثمري الاسواق المالية عموما
فالأسواق المالية هي عبارة عن تجمع لمجموعة من البشر، يتصرفون وفق ما تملي عليهم مشاعرهم في وقت ما أو لحظة بعينها، إمّا بالبيع أو بالشراء، ودائمًا ما تكون هذه القرارات إمّا بدافع مشاعر الخوف أو الطمع، ولذلك فإنّ صعود السوق أو نزوله هو عبارة عن تعبير عن مشاعر العامة، أو سلوك القطيع كما يسمى في لغة الاقتصاد.
فكما أشرنا القطيع Crowd هو أحد المصطلحات واسعة الاستخدام في عالم أسواق المال عمومًا، في إشارة إلى أنّ الحيوانات التي ترمز في لغة البورصة إلى القوى التي تدفع الأسواق الى الهبوط، وتلك التي تدفعه الى الارتفاع.
فسلوك القطيع هُنا يُمثل الميل إلى اتباع الحشد يمكن أن يؤدي بأعداد هائلة من المستثمرين إلى المشاركة في الاعتقاد نفسه عن الأصول المالية، سواء كانت أسهم/ عقارات/ عملات/ معادن/ نفط، وغيرها، وهذا يدفع الأسعار للتحرك صعودًا أو هبوطًا.
فالخبراء يرون أنّ هناك نوعين من القطعان هما:
قطيع الثيران المتفائل
الثور Bull باعتباره حيوان جريء وحاسم وعدواني، يعبر عن قوى الطلب، قوى الشراء التي تدفع الأسعار للارتفاع، فعندما يكون الطلب على سلعة ما كبيرًا، ويكون الكثير راغبين في شراء هذه السلعة، سيرتفع سعر هذه السلعة بسرعة، ويقال أنّ السوق يتحكم به الثيران Bulls المشترين الذين يدفعون الأسعار للارتفاع.
وعليه فإن قطيع الثيران المتفائل هم مجموعة كبيرة من المستثمرين المتفائلين الذين يعتقدون بأنّ أسعار معينة في سبيلها للارتفاع، فيقبلون على شرائها، بدافع الطمع وتوقعًا للكسب القريب، ويستطيع المخضرمون في هذه الحالة تحقيق الربح بانتهاز الرغبة الجامحة لأفراد هذه المجموعة للشراء
قطيع الدببة المتشائم
أمّا الدب Bear باعتباره أكثر حذرًا، بطيء الحركة وغير نشط يعبر عن قوى العرض، قوى البيع التي تدفع الأسعار للانخفاض، فعندما يكون العرض على سلعة ما كبيرًا، ويكون الكثير راغبين في بيع هذه السلعة، سينخفض سعرها بسرعة، ويقال أنّ السوق يتحكم به الدببة Bears البائعين الذين يدفعون الأسعار للانخفاض.
ومن ثم فإنّ قطيع الدببة المتشائم هم مجموعة كبيرة من المستثمرين الذين يعتقدون بأنّ أسعار معينة في سبيلها للانخفاض، فيعرضونها للبيع، بدافع الخوف من الخسارة، وهنا أيضًا يستطيع المخضرمون من المتعاملين في الاسواق المالية التربح من انسياق هذه المجموعة للبيع
النفسية العامة للمتعاملين و اتجاهات السوق/ السعر
تميل السيكولوجية البشرية إلى عدم التغير، وبالتالي يمكن تتبع النفسية العامة التي تسيطر على المتعاملين في الاسواق المالية ، والتي تعد من أهم الأسباب في تحرك الأسعار صعودًا وهبوطًا، فلو أنّ النفسية العامة تتسم بالتفاؤل سوف يتم ترجمة ذلك في صورة الأقبال على الشراء، بما يؤدي إلى صعود الأسعار، والعكس صحيح.
فهناك صراعات وحروب دائمة ويومية في أسواق المال العالمية بين فئتي البائعين والمشترين – الثيران والدببة – فى هذا العالم، واللذان لا يكفان أبدًا عن التناطح لفرض إرادتيهما على السوق، وتحديد اتجاه الأسواق/ الأسعار.
فالثور يسعى دومًا للإطاحة بالدب عبر استخدام قرونه للنطح من أسفل الى أعلى، أي رفع الأسعار من خلال الشراء، والدب يحاول القضاء على خصمه بالانقضاض عليه من أعلى الى أسفل، أي خفض الأسعار من خلال البيع، وغالبًا ما تكون الغلبة في الأجل الطويل لذوي القلوب الجريئة، منتهزي الفرص من الثيران.
إنّ السوق هو الحلبة الجديدة التي يتصارع فيها الدببة والثيران، وما الثيران إلاّ المشترين المتفائلين، أي الفريق الذي يتوقع ويأمل ويعمل على ارتفاع الأسعار فينتهز الفرص، أمّا الدببة فهم البائعين المتشائمين، أي الفريق الذي يتوقع ويأمل ويعمل على انخفاضها، والفريقان لا يكفان عن بذل الجهد، فريق الثور الصعوديين يريد رفع الأسعار فهذه هي خطته لتحقيق الربح، وفريق الدب النزوليين لا يدخر حيلة لكي تنخفض تلك الأسعار، فمكسبه يتحقق عن طريق طرح خصمه أرضًا.
ونستطيع أن نقول أنّ اتجاه السوق/ السعر ما هو إلاّ الحالة النفسية العامة المسيطرة على المتعاملين في وقت ما بالنسبة للأسعار، كما أن سير حركة السوق/ السعر في أي مدى زمني ما هو إلاّ علاقة الطلب بالعرض، أي البائعين بالمشترين.
ففي أسواق المال يطلق تعبير سوق الثور Bullish للسوق الصاعد، ذو الاتجاه الصاعد Up Trend، والذي يتسم بوجود حالة عامة من التفاؤل، ورغبة فى الشراء، ومن ثم تكون قوى الطلب أكبر من قوى العرض، تترجم في صورة قمم وقيعان تصاعدية، حيث تكون الأسعار في الوقت الحالي أعلى من الوقت السابق، نتيجة لانتعاش اقتصادي، طفرة اقتصادية، أو الوضع النفسي للمستثمرين.
بينما يطلق تعبير سوق الدب Bearish للسوق الهابط، ذو الاتجاه الهابط Down Trend، والذي يتسم – على عكس سوق الثور – بوجود حالة عامة من التشاؤم، ورغبة في الخروج من السوق، ومن ثم تكون قوى العرض أكبر من قوى الطلب، تترجم في صورة قمم وقيعان تنازلية، حيث تكون الأسعار في الوقت الحالي أقل من الوقت السابق.
حتي لو كان اتجاه السوق صعودي/ هبوطي بطريقة واضحة، ستكون هناك تقلبات في الأسعار. وهكذا، فإنّ الاتجاه الصعودي/الهبوطي العام يتضمن أيضًا انخفاض/ زيادات مؤقت في الأسعار.
وهذا يعني أنّه عندما يتحرك السعر في اتجاه معين، فإنّه لا يتحرك في خط مستقيم. قد يكون هناك قمم وقيعان صغيرة، ارتفاعات وانخفاضات في هذا الاتجاه، وبالتالي يمكن تحديد الاتجاه الصعودي/ الهبوطي المستمر بمعرفة أعلى/ أدنى ارتفاعات للسعر و أعلى/ أدنى انخفاضات للسعر.
راقب القطيع ولا تتبع خطاه
وبشكل عام سوق الثور يبدأ عندما يصل مؤشر السوق إلى القاع، وسوق الدب يبدأ عندما يصل مؤشر السوق إلى القمة، فقد أثبتت التجارب ونتائج تحليل سلوك المستثمرين والمتعاملين في البورصة أنّ دائمًا ما يتتابع قطيع الدببة المتشائمة والثيران المتفائلة هبوطًا وصعودًا، كتتابع الليل والنهار، فبعد أن يصل قطيع الدببة المتشائمة إلى الذروة، يتحول إلى قطيع من الثيران المتفائلة.
هنا ينقلب الفزع إلى طمع، والطمع إلى فزع، بعد بلوغ الذروة، كما ينقلب اندفاع القطيع وراء الثراء بأسعار مرتفعة طمعًا في المكسب السريع إلى فزع من الخسارة، يدفعهم باتجاه بيع ما اشتروه سابقًا بأسعار أقل، وتلك هي اللحظات التي يتحينها سادة وخبراء التعامل في الاسواق المالية.
فمع انتعاش السوق، وشراء المستثمر لزوج ما بدافع التفاؤل، ومع تواصل ارتفاع الزوج، تزيد المشاعر الإيجابية لدى المستثمر، فيشعر بالسعادة ثم الانبهار ثم النشوة.
وحين يبلغ ارتفاع السعر مداه بالتشبع الشرائي يبدأ في الانحدار التدريجي، تتبدل مشاعرنا من النشوة إلى القلق، ثم الخوف ثم اليأس ثم الذعر، ثم الاستسلام للواقع ثم القنوط مع منتهى اليأس، وفي مرحلة القنوط، يكون قد بلغ هبوط السعر مداه بالتشبع البيعي فيعاود الارتفاع، لتتغير مشاعرنا مجددًا إلى الأمل ثم التفاؤل،
وهكذا نجد أنّ المتخصّصين في علم المال السلوكي “Behavioral Finance” ينظرون إلى ما يحصل في الأسواق المالية، من تقلبات وهزات مالية، كحالة كلاسيكية لنظرية عقلية القطيع “Herd Mentality”، وسيطرة الخوف والأمل على عقول المتداولين.