- المشاركات
- 7,533
- الإقامة
- عرب فوركس
إذا كان الاميركيون بصدد «حرب تجارية» مع الصين، حريّ بهم أن يفوز وا بها.
ولكن مع الأسف، فرص الفوز في الحرب هذه ضئيلة لا بل معدومة. فخطة الرئيس للهجوم توحي بأن الخسارة – لهم ولنا- واقعة لا محالة. ولكنّ ثمة إجماعاً على بعض أهداف حربنا هذه. فالاقتصادي بيتر نافارو، مدير مجلس التجارة في البيت الأبيض، كتب في «وول ستريت جورنل»، أن خطط الحكومة الصينية طموحة وترمي الى الهيمنة على الصناعات التكنولوجية النامية. و»شطر كبير من هذه القطاعات، مثل الذكاء الصناعي والروبوت، وثيق الصلة بشؤون الدفاع. وتسعى الصين الى بلوغ هدفها، الهيـــــمنة الاقتصادية والعسكرية إلى حد ما من طريق حيازة أفضــــل التكنولوجيا الأميركية والملكية الفكرية». ولا يشك أحــــد في غايات رحلة الصيد الصينية لحيازة التكنولوجيا المتقدمة.
ويقول نافارو في مقاله إن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب أخيراً هي «درع حيوي في وجه هذا العدوان».
ولكن نافارو غير مصيب في ما يقوله. فتقليص العجز التجاري الأميركي الشامل- أكثر من 500 بليون دولار في 2017- يفاقم عسر الحؤول دون حيازة الصين التكنولوجيا المتقدمة. ولاحظ الخبير الاقتصادي ديفيد دولار من معهد بروكينغز أن أميركا في منأى من الحلفاء لا يسعها الحؤول أحادياً دون حيازة الصين مثل هذه التكنولوجيا. فإذا شعرت بكين بالإحباط من القيود التكنولوجية الأميركية، وسعها التوجه الى دول متقدمة أخرى- اليابان، ألمانيا، كندا، جنوب كوريا، فرنسا- للحصول على تكنولوجيات مماثلة. فأميركا لا تحتكر التكنولوجيا المتقدمة. ونجاعة مساعي تقييد الصين في هذا المجال تقتضي ائتلاف تعاون دولي. والحق يقال هجمات ترامب الرنانة على الحلفاء التقليديين والحلفاء العسكريين تجعل التعاون الحيوي هذا عسيراً، لا بل متعذراً. ويرى ديريك سيسورز من معهد «أميركان انتربرايز» أن انشغال ترامب بالعجز التجاري يقوض أمن أميركا القومي، ويقوض تحالفاتها الأجنبية ودالتها على الصين.
واقترح ترامب فرض 25 في المئة من الرسوم على السيارات المستوردة، والشاحنات، والمركبات الرياضية وأجزائها. وهذه الرسوم قد تقلص العجز التجاري. ففي 2017، بلغ استيراد هذه السيارات 324 بليون دولار من الدول كلها. ولكن تقليص العجز التجاري يعود إلى تقلص طلب المستهلكين على المركبات المرتفعة الثمن وتقلص حركة إنتاج هذه السيارات. وبعض الدول قد ترد على هذه الرسوم بفرض رسوم على السلع الأميركية. وإذا سارت الأمور في هذا المنحى، بلغت الخسارة في الوظائف الأميركية 624 ألف وظيفة في السنوات الثلاث الأول على فرض الرسوم. ويُتوقع تعاظم الشقاق والنفور بين الحلفاء – وهذا ما كان بائناً إزاء خطوات ترامب الأولى لتقليص العجز التجاري. فالدول صاحبة التكنولوجيات المتقدمة التي تقدم تعدادها هي كذلك مصدرة للسيارات. ويطوي الرئيس الأميركي سياسة تجارية التزمتها بلاده منذ الحرب العالمية الثانية- وكانت أكثر السياسات نجاحاً في التاريخ. وجلي أن هوس ترامب بالعجز التجاري في غير محله. فمنذ 1976، سجلت أميركا عجزاً تجارياً في قطاعي السلع والخدمات. ولو كانت أميركا بلداً عادياً والدولار عملة سائرة مثل غيرها من العملات، لقومت الخلل في الميزان التجاري منذ وقت طويل. ولكان سعر الدولار هبط في سوق العملات الأجنبية، وصارت صادرات أميركا أبخس ثمناً والسلع المستوردة إليها باهظة أكثر.
ولكن الولايات المتحدة ليست بلداً قديماً فحسب، والدولار ليس عملة قديمة فحسب. فهو أكثر العملات الدولية أهمية، ويُستخدم في المعاملات التجارية والاستثمارات العابرة للحدود. والطلب على الدولار يساهم في رفع سعر صرفه. فيرتفع سعر الصادرات الأميركية ويتدنى سعر السلع المستوردة. ويترتب على ما تقدم عجز تجاري. ومهما أقدم عليه الرئيس الأميركي والكونغرس لن تنعقد ثماره ما لم يُقدم على نظيره شركاء تجاريون بارزون. ولكن يبدو أن دونالد ترامب لا يدرك الأمر أم أنه لا يبالي بمترتباته. فهو يغضب الدول التي تمس حاجته إليها ولا غنى عن تعاونها. وسياساته ليست في غير محلها فحسب، بل هي رجعية ومتخلفة.