خلال الفترة 2016 - 2017 شهدت تركيا بعض الاضطرابات الدستورية، عندما واجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محاولة إنقلاب فاشلة، وشكل سلطات سياسية جديدة، وألقى بالسجناء في المعتقلات، يتحدث الإصلاحيون الاقتصاديون الأتراك بحزن شديد عن عودة وشيكة إلى إعادة ضبط الاقتصاد، كما لو كان الاقتصاد هاتف ذكي سيتم إعادة تشغيله مرة اخرى بكل سهولة.
يعتقد الإصلاحيون الاقتصاديون الأتراك أن بلادهم لديها مجموعة افتراضية من السياسات الناجحة، والتي انحرفت مؤخرًا عن مسارها، ومن الممكن أن تعود إليها قريبًا، مع التغاضي عن أي نتائج سلبية لأخطاء حدثت بين الحالتين.
ولكن ما يحدث عكس ذلك تمامًا، فإن الاقتصاد التركي يعاني من أزمات اقتصادية حادة، حيث ساهم الاقتراض المفرط في ارتفاع التضخم وزيادة العجز في الحساب الجاري، ولم يعد البنك المركزي قادر على استعادة النظام بسبب عداء الرئيس التركي للسياسة النقدية التقليدية.
وعلى خلفية الأزمة السياسية التي حدثت بين أنقرة وواشنطن بسبب قضية القس الأمريكي، قلت ثقة المستثمرون الأجانب والكثير من المودعين الأتراك ثقتهم في الاقتصاد التركي، وتراجعت الليرة التركية بنسبة تزيد عن 30% مقابل الدولار، خلال الأشهر الثماني الأولى من العام الماضي.
وكان هذا التراجع الحاد أمر مأسوي بالنسبة للكثير من الشركات التي اقترضت باليورو أو الدولار، إذ وصلت ديون الشركات بالعملات الأجنبية إلى أكثر من 35% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2018، ومنذ هذا الوقت تقدمت مئات الشركات بطلب للحصول على اتفاق يضمن لها إعادة جدولة الديون التي أقرتها المحكمة.
وكشفت البيانات الرسمية بشأن الناتج المحلي الإجمالي انكماش الاقتصاد التركي بنسبة 3% خلال الربع الأخير من العام الماضي مقارنة بالربع المماثل من عام 2017، وهذا السقوط الحاد يفوق كل توقعات المحللين.
دفعت هذه الأزمة الحكومة التركية إلى إعادة ترتيب سياساتها الاقتصادية المتهورة، حيث إن تعيين "بيرات البيرق" صهر أردوغان وزيرًا للمالية في يوليو الماضي كان قرار غير صحيح، وقد حاولت الحكومة تعديل هذه القرارات، إذ تم السماح للبنك المركزي برفع أسعار الفائدة، وحددت بعض الأهداف المالية الطموحة التي تتطلب خفض المعاشات وتأجيل الاستثمار لتقليل عجز الموازنة.
هل ستنجح تركيا في تسييج أزماتها الإقتصادية وسط الحد من شراء العملات الأجنبية؟
في العام الماضي، ساهمت مشاكل تركيا الإقتصادية في خلق مناخ دولي محموم قوض ثقة المستثمرين تجاه الاستثمار في الأسواق الناشئة بشكل عام. وفي حين أن تركيا لا تزال تعاني من تدهور إقتصادي مع استمرار انهيار عملة الليرة، إلا أن هذه الأزمات أصبحت مسيجة وشأنا محليا خالصا في الوقت الحالي على الأقل، بفضل نقطتان في غاية الأهمية تمنع أزمة الليرة من أن تصبح معدية.
تتمثل هاتان النقطتان في كون معدل التضخم في تركيا الذي بلغ 25%، انخفض إلى ما دون 20%، واختفى العجز الهائل في الحساب الجاري. كما سارع البنك المركزي التركي إلى التحرك بعد عمليات البيع التي حدثت يوم الجمعة الماضية، وعلق المزادات اليومية لسعر إعادة الشراء القياسي والذي تم تحديده بنسبة 24%. وبدلا من ذلك اضطر المقرضين إلى الاقتراض من البنك بمعدل 25.5% في رسالة واضحة من البنك المركزي على استمرار التعليق في حالة عدم استرداد الليرة لتوازنها، ورفع سعر الفائدة لحماية العملة.
وفي الوقت نفسه، أوقف البنك المركزي مؤقتا مزادات مقايضة العملات الأجنبية اليومية، مما زاد من صعوبة بيع الليرة وشراء عملات أخرى. كما ساعد الموقف القوي الذي اتخذه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تعافي الليرة من هبوطها يوم الجمعة الماضية بنسبة 7%.
وفي حالة استمرار تعليق المزادات اليومية حتى عطلة الأسبوع المقبلة، فسيتعين على البنوك التجارية تحويل كل تمويلها قصير الأجل إلى سعر الإقراض المرتفع، في محاولة من البنك المركزي للضغط على بيع الليرة.
وشهدت الاحتياطات الرسمية انخفاض بشكل غير متوقع بمقدار 6.3 مليار دولار في أول أسبوعين من الشهر الجاري، في أكبر انخفاض لها منذ خمسة سنوات، مما أثار تكهنات بأن البنك المركزي كان يدعم الليرة ولكن البنك نفى هذ المزاعم وعزا الانخفاض إلى التراجع في خدمة الدين الخارجي والحاجة إلى توفير الدولار لقطاع الطاقة في الدولة.
وعلى الرغم من أن تركيا تمكنت من السيطرة على مشاكلها الخارجية، إلا أنها مشاكلها الداخلية لا زالت قائمة، إذ تتعرض البنوك لضغوط من السلطات للحفاظ على معدلات الإقراض للشركات بنسبة منخفضة حتى مع ارتفاع تكاليف التمويل، وعانى القطاع المصرفي بأكمله من تراجع حاد ومن ضمنه انخفاض أسهم بنك "t.a.s" بنسبة 12%.
هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز ) للمساعدة في تخصيص المحتوى وتخصيص تجربتك والحفاظ على تسجيل دخولك إذا قمت بالتسجيل.
من خلال الاستمرار في استخدام هذا الموقع، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.