إفتح حسابك مع شركة XM  برعاية عرب اف اكس
إفتح حسابك مع تيكيمل

اتهام أبو بكر الرازى بالإلحاد وهم أم حقيقة؟

رضا البطاوى

عضو فعال
المشاركات
2,704
الإقامة
مصر

xm    xm

 

 

أبو بكر الرازى :
الرازى الطبيب أو الرازى الفيلسوف أو غير ذلك إحدى الشخصيات المتهمة بالإلحاد وكابن المقفع لا يوجد فى كتبه شىء يعتبر دليلا على المتهم به من إنكار النبوات والموجود فقط هو ما ينسبه الخصوم له من مقولات فالكتب التى يتهم بها لا وجود لها لها فهى مفقودة والشذرات الموجودة منها هى مذكورة فى كتب الخصوم
وأما الموجود من كتبه فالفقرات العديدة منها تثبت أن الرجل لم يقل بإنكار النبوة ولا بما يسمى القدماء الخمسة
فى مسألة إنكاره النبوات:
نجد الرجل يعترف بوجود الأنبياء (ص) ولكنه يخالف مذاهب القوم فيما يسمى بعصمة الأنبياء(ص)فهو يجيز ارتكابهم الذنوب وهى الزلات والهفوات مع توبتهم منها فيقول:
"وقد بقى علينا من حجاج القوم شىء لم نقل فيه قولا وهو احتجاجهم لتحسين العشق بالأنبياء وما بلوا له منه فنقول إنه ليس من أحد يستجيز أن يعد العشق منقبة من مناقب الأنبياء ولا فضيلة من فضائلهم ولا أنه شىء آثروه واستحسنوه بل إنما يعد هفوة وزلة من هفواتهم وزلاتهم وإذا كان ذلك كذلك فليس لتحسينه وتزيينه ومدحه وترويجه بهم وجه بتة لأنه إنما ينبغى لنا أن نحث أنفسنا ونبعثها من أفعال الرجال الفاضلين على ما رضوه لأنفسهم واستحسنوه لها وأحبوا أن يقتدى بهم فيه لا على هفواتهم وزلاتهم وما تابوا منه وندموا عليه وودوا أن لا يكون ذلك جرى عليهم وكان منهم "الطب الروحانى للرازى ص45
ومذهبه فى ذلك هو ما ورد فى المصحف كما فى قوله تعالى :
""إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"
والرجل فى نهاية كتابه السيرة الفلسفية صلى على المصطفين من عباد الله وهم الأنبياء(ص) فقال:
"فهذا ما أردنا أن نودع فى هذه المقالة ولواهب العقل الحمد بلا نهاية كما هو أهله ومستحقه وصلى الله على المصطفين من عباده والخيرات من إمائه "السيرة الفلسفيةص111
والمنكر للنبوة بالقطع لا يصلى على الأنبياء(ص) لأنه لا يعترف بهم
ونجد الرجل يتكلم عن الإلهام وهو الوحى الإلهى مسميا إياه القوة الإلهية الذى يسدد الرؤساء العادلين الذين يتصفون بالصدق ورهافة الإحساس وهو يقصد بهم الأنبياء(ص) فيقول:
"ومن أمارات ذلك أيضا فضل صدق ودقة حس النفس والادكار والتخمين على ما كان من قبل فإن ذلك يدل على أنه مسدد موفق بقوة إلهية تجرى به على أن يكون فاضلا ورئيسا سائسا لشدة حاجة الرئيس والسائس إلى فضل وعلم واستغناء المسوسين عن مثل ذلك لانتساب أمرهم إلى السائس واكتفاءهم بسياسته "ص137 مقالة من أمارات الإقبال والدولة
ويكرر الرجل فكرة أن الأنبياء(ص) أى قادة أى ساسة الناس العادلين مؤهلين لتلك العملية بتيقنهم من نصر الله لهم من خلال أخبار الوحى وهى القوة الإلهية فيقول :
"ومن أمارات ذلك أيضا ميل النفس إلى العدل وكراهيتها الجور وإن كان له عاجل ناجز لأن ذلك يدل على أن نفسه موقنة بالتمكن من الملك ودوامه وليست مختطفة مغتمة وليس ذلك إلا بحمل قوة إلهية لها على ذلك ولن يقع هذا الحمل منها لها على هذا المعنى إلا وقد أهلها لدوامه وبقائه وأكسبه ذلك ميل الرعايا المملوكين والمسوسين إليه وفى ذلك توطيد ملكه وإرساء قواعده والبعد من الوهن والتضعضع وانعزال المناوئين والمضادين وإجلالهم إياه وشوقهم إلى مثل حاله إن ساسه فهذا أمارات الإقبال الأشرف الأعظم والتى يرجع إليها ويدخل فى جملتها سائر المارات الصغيرة الجزئية ص138 مقالة من آمارات الإقبال والدولة
ويكرر فكرة وجود ناقلين للعلم عن طريق القوة الإلهية فيقول :
" فنقول وبالله التوفيق إن من أمارات الإقبال التنقل والعلم الذى يقع للمرء ضربة واحدة ورفعه إلى حال جليلة بالإضافة إلى ما كان عليها وذلك أن حدوث مثل هذه الحال يدل على تيقظ السعادة له كائنا ما كان عن أى سبب كان إلهى كان أو طبيعى بقوة قوية لا تكاد تقصر وتنى وتخمد سريعا لفرط قوتها وغزارة مادتها والدليل على ذلك اضطلاعها بنقل المنقول هذا النقل الغريب البديع الذى لا يمكن أن يحدث من قوة مهينة ولا نزرة مادة فوقوع النقلة من حاله إلى ما هو أجل منها كثيرا جدا من أمارات وفور قوة الناقلين وغزارتها ومن أجل ذلك هو أحب الأسباب الدالة على الإقبال ص136 مقالة من أمارات الإقبال والدولة
ما سبق يدلنا على أن الرجل مؤمن بالأنبياء(ص) ولكنه يستعمل ألفاظا مغايرة لما تعارف عليه المسلمون والغريب أن النص الذى يتهمه بإنكار النبوات وهو :
"فقال من أين أوجبتم أن الله اختص قوما بالنبوة دون قوم وفضلهم على الناس وجعلهم أدلة لهم وأحوج الناس إليهم ومن أين أجزتم فى حكمة الحكيم أن يختار لهم ذلك ويشلى بعضهم على بعض ويؤكد بينهم العداوات ويكثر المحاربات ويهلك بذلك الناس
قلت فكيف يجوز عندك فى حكمته أن يفعل ؟
قال الأولى بحكمة الحكيم ورحمة الرحيم أن يلهم عباده أجمعين معرفة منافعهم ومضارهم فى عاجلهم وآجلهم ولا يفضل بعضهم على بعض وذلك أحوط لهم من أن يجعل بعضهم أئمة لبعض فتصدق كل فرقة إمامها وتكذب غيره ويضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف ويعم البلاء ويهلكوا بالتعادى والمجاذبات وقد هلك بذلك كثير من الناس كما ترى ص295 المناظرات بين الرازيين
ليس موجودا فى كتبه المعروفة بين أيدى الناس وحتى أبو حاتم الرازى فى كتابه لا يسميه باسمه أبو بكر محمد بن زكريا الرازى وإنما سماه أحد الملحدين
والنص يتعارض مع النصوص السابقة فالملحد المذكور يفترض استواء العقل فى الناس جميعا وهو ما يتعارض مع مقولة الرئيس أى السائس والمسوسين مثل:
"وأكسبه ذلك ميل الرعايا المملوكين والمسوسين ص138 مقالة من آمارات الإقبال والدولة
"لشدة حاجة الرئيس والسائس إلى فضل وعلم واستغناء المسوسين عن مثل ذلك لانتساب أمرهم إلى السائس واكتفاءهم بسياسته "ص137 مقالة من أمارات الإقبال والدولة
كما يتعارض مع وجود المناوئين والمضادين للعادلين فلو كان العقل واحدا ما اختلف الناس وما تضادوا كما فى قول الرجل:
"وفى ذلك توطيد ملكه وإرساء قواعده والبعد من الوهن والتضعضع وانعزال المناوئين والمضادين وإجلالهم إياه وشوقهم إلى مثل حاله إن ساسه فهذا أمارات الإقبال الأشرف الأعظم والتى يرجع إليها ويدخل فى جملتها سائر المارات الصغيرة الجزئية ص138 مقالة من آمارات الإقبال والدولة
ويتناقض كون العقل واحد فى الناس مع وجود رجال فاضلين يجب اقتداء الأخرين بهم فالاقتداء يعنى الحاجة للغير والعقل فى كل نفس واحد كما فى المقولة المزعومة ومن ثم فلا حاجة للفاضلين وهو ما نقضه بقوله:
"لأنه إنما ينبغى لنا أن نحث أنفسنا ونبعثها من أفعال الرجال الفاضلين على ما رضوه لأنفسهم واستحسنوه لها وأحبوا أن يقتدى بهم فيه لا على هفواتهم وزلاتهم وما تابوا منه وندموا عليه وودوا أن لا يكون ذلك جرى عليهم وكان منهم "الطب الروحانى للرازى ص45
والرجل معترف بوجود الدين بقوله:
"وبعد فما من رأى دنيائى قط إلا ويوجب شيئا من ذم الهوى والشهوات ولا يطلق إهمالها وإمراجها فزم الهوى وردعه واجب فى كل رأى وعند كل عاقل وفى كل دين الطب الروحانى للرازى ص31
والرازى يجعل الناس مختلفين بعضهم اقل من بعض فى العلم ومن ثم يحتاج الأقل للأكثر علما وهو ما بضاد فكرة تساوى عقول الناس وهو قوله:
"فينبغى أن يسند الرجل أمره فى هذا إلى رجل عاقل كثير اللزوم له والكون معه ويسأله ويضرع إليه ويؤكد عليه أن يخبره بكل ما يعرفه فيه من المعايب ويعلمه أن ذلك أحب الأشياء إليه وأوقعها عنده وأن المنة تعظم عليه منه تعظم فى ذلك والشكر يكثر ويسأله أن لا يستحييه فى ذلك ولا يجامله ويعلمه أنه متى تساهل وضجع فى شىء منه فقد أساء إليه واستوجب منه اللائمة عليه فإذا أخذ الرجل المشرف عليه يخبره ويعلمه ما فيه وما ظهر وبان له منه لم يظهر له اغتماما ولا استخزاء "الطب الروحانى للرازى ص34
والرجل يعترف بوجود اختلاف بين الناس فى العقول بدليل وجود من يسير سيرة عادلة ومن يسير سيرة رديئة بقوله:
"إن السيرة التى بها سار وعليها مضى الفلاسفة هى بالقول المجمل معاملة الناس بالعدل والأخذ عليهم من بعد ذلك بالفضل واستشعار العفة والرحمة والنصح للكل والاجتهاد فى نفع الكل إلا من بدأ منهم بالجور والظلم وسعى فى إفساد السياسة وأباح ما منعته وحظرته من الهرج والعيث والفساد ومن أجل أن كثيرا من الناس تحملهم الشرائع والنواميس الرديئة على السيرة الجائرة كالديصانية والمحمرة وغيرهم ممن يرى غش المخالفين لهم واغتيالهم والمنانية فى امتناعهم من سقى من لا يرى رأيهم وإطعامه ومعالجته ص91 السيرة الفلسفية
ويقر الرازى بوجود الشريعة المحقة وهى المنزلة من الله أى الإسلام أى العدل والشريعة ليست إلا الوحى المنزل على الرسل(ص) فيقول:
"وأقول إنه يجب أيضا فى الرأى الآخر وهو الرأى الذى يجعل لمن مات حالة وعاقبة يصير إليها بعد الموت أن لا يخاف من الموت الإنسان الخير الفاضل المكمل أداء ص95 ما فرضت الشريعة المحقة لأنها قد وعدته الفوز والراحة والوصول على النعيم الدائم فإن شك شاك فى هذه الشريعة ولم يعرفها ولم يتيقن صحتها فليس له إلا البحث والنظر جهد طاقته فإن أفرغ وسعه وجهد غير مقصر ولا وان فإنه لا يكاد يعدم الصواب فإن عدمه ولا يكاد يكون ذلك فالله تعالى أولى بالصفح عنه والغفران له إذ كان غير مطالب بما ليس فى الوسع بل تكليفه وتحميله عز وجل لعباده دون ذلك كثيرا ص96 السيرة الفلسفية
وبين الرازى وجود حكم العقل وحكم العدل ولو كان واحدا ما ذكرهما الواحد بعد الآخر وقد بين أن أهل الأديان بخالفون الحكم حكم العقل والعدل وعندما ذكر المسلمين لم يقل أنهم كلهم كباقى أهل الأديان وإنما قال بعض منهم فقال فى الفقرة التالية:
"ولما كان ليس للإنسان فى حكم العقل والعدل أن يؤلم غيره تبع ذلك أنه ليس له أن يؤلم نفسه أيضا وصار تحت هذه الجملة أيضا أمور كثيرة يدفعها حكم العقل نحو ما يعمله الهند من التقرب إلى الله بإحراق أجسادها وطرحها على الحدائد المشحوذة ونحو المنانية وجبها أنفسها إذا نازعتها إلى الجماع وإضنائها بالجوع والعطش وتوسيخها باجتناب الماء واستعمال البول مكانه ومما يدخل فى هذا الباب وإن كان دونه كثيرا ما يستعمله النصارى ص105 من الترهب والتخلى فى الصوامع وكثير من المسلمين من لزوم المساجد وترك المكاسب والاقتصار على يسير الطعام وبشعه ومؤذى اللباس وخشنه وقد كان سقراط يسير مثل هذه السيرة من أول عمره غير أنه تركها فى آخر عمره على ما ذكرنا قبل وفى هذا الباب بين الناس تباين كثير جدا غير متطرق به السيرة الفلسفية ص106

والرجل يقول باختلاف علم الناس وعدلهم ويأتى بمقولة خاطئة وهى ان مراد الفلاسفة التشبه بالله تعالى وهو مقولة ليست من الإسلام كما قال تعالى "ليس كمثله شىء" وهى قوله:
"وجملة أقول إنه لما كان البارىء عز وجل هو العالم الذى لا يجهل والعادل الذى لا يجوز وكان العلم والعدل والرحمة بإطلاق وكان لنا بارئا ومالكا وكنا له عبيدا مملوكين وكان أحب العبيد إلى مواليهم آخذهم بسيرهم وأجراهم على سنتهم كان أقرب عبيد الله عز وجل إليه أعلمهم وأعدلهم وأرحمهم وأرأفهم وكل هذا الكلام مراد قول الفلاسفة جميعا إن الفلسفة هى التشبه بالله عز وجل بقدر ما فى طاقة الإنسان وهذه جملة السيرة الفلسفية ص108
وبالطبع هناك الكثير مما لا يمكن للإنسان أن يشبه فيه الله مثل لا زوجة ولا ولد ولا صاحب ولا شريك ولا طعام ولا شراب ولا نوم ولا تعب ولا خوف ............
ومن هذا يتبين أن المقولة الأشهر فى اتهام أبو بكر الرازى ليس عليها دليل من كتبه وإنما هى مقولة أطلقها خصومه عليه للنيل منه كما فى الكتب المعروفة وإن كان عندى الفكرة التالية وهى :
أن لجان الكفر التى هدمت دولة الإسلام الأخيرة هى من اخترعت تلك الكتب وتلك الشخصيات كى تجعلنا فى حيرة من أمرنا
والرجل يبين لنا أن العقل هو أهم نعم الله علينا فيقول :
"أقول إن البارىء عز اسمه إنما أعطانا العقل وحبانا به لننال به من المنافع العاجلة والآجلة غاية ما فى جوهر مثلنا نيله وبلوغه وإنه أعظم نعم الله "الطب الروحانى للرازى ص17
ويكرر الرجل فكرته فيقول:
"إضاءته وبلغ بنا نهاية قصد بلوغنا وكنا سعداء بما وهب الله لنا منه ومن علينا به "الطب الروحانى للرازى ص19
وبين الرجل أن سبب دخول التقصير فى الدين هو السير فى طريق الشهوات المحرم فيقول :
"فإن المدمنبن لغشيان النساء وشرب الخمور والسماع على أنها من أقوى الشهوات وأوكدها غرزا فى الطباع لا يلتذونها التذاذ غير المدمنين لها لأنها تصير عندهم بمنزلة حالة كل ذى حالة عنده أعنى المألوفة المعتادة ولا يتهيأ لهم الإقلاع عنها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة الشىء الاضطرارى فى العيش لا بمنزلة ما هو فضل وتترف يدخل عليهم من أجلها التقصير فى دينهم ودنياهم حتى يضطروا إلى استعمال الحيل واكتساب الأموال بالتغرير بالنفس وطرحها فى المهالك فإذا هم قد شقوا من حيث قدروا السعادة واهتموا من حيث قدروا الفرح وألموا من حيث قدروا اللذة ....وهذا المقدار من قمع الشهوات مقنع الطب الروحانى للرازى ص23
كما بين أن الفلاسفة يذمون الهوى هوى النفس للشهوات فقال:
"وهذه العصابة من المتفلسفة تترقى من ذم الهوى ومخالفته بل من إهانته الطب الروحانى للرازى ص26
ووضح الرازى أن النظافة والطهارة تطلب للدين ومنه الصلاة فقال:
"أقول إن النظافة والطهارة إنما ينبغى أن تعتبر بالحواس لا بالقياس ويجرى الأمر فيهما بحسب ما يبلغ الإحساس لا بحسب ما يبلغه الوهم فما فات الحواس أن تدرك منه نجاسة سميناه طاهرا وما فاتها ان تدرك منه قذرا سميناه نظيفا ومن أجل هذين ونريدهما أعنى الطهارة والنظافة إما للدين وإما للتقذر وليس يضرنا ولا فى واحد من هذين المعنيين ما فات الحواس قلة من الشىء النجس والشىء القذر وذلك أن الدين قد اطلق الصلاة فى الثوب الواحد الذى قد ماسته أرجل الذبان الواقع على الدم والعذرة والتطهر بالماء الجارى ولو علمنا أنه مما يبال فيه وبالراكد فى البركة العظيمة ولو علمنا أن فيع قطرة من دم أو خمر وليس يضرنا ذلك فى التقذر وذلك ان ما فات حواسنا لم نشعر به وما لم نشعر به لم تخش أنفسنا منه وما لم تخش أنفسنا منه فليس لتقذرنا منه معنى البتى فليس يضرنا إذا الشىء النجس والقذر إذا كان مستغرقا فائتا لقلته ولا ينبغى أن نفكر فيه ولا يخطر وجوده لنا على بال وإن نحن ذهبنا نطلب الطهارة والنظافة على التحقيق والتدقيق وجهلناه وهميا لا حسيا لم نجد سبيلا أبدا إلى شىء طاهر ولا شىء نظيف على هذا الحكم وذلك ان الأمواه التى نستعملها ليس بمأمون عليها ص79 تقدير الناس لها أو وقوع جيف السباع والهوام والوحش وسائر الحيوان وأزبالها وأذراقها فإن نحن استكثرنا من إفاضته وصبه علينا لم نأمن أن يكون الجزء الأخير هو الأقذر والأنجس ولذلك ما وضع الله على العباد التطهر على هذا السبيل إذ كان ذلك مما ليس فى وسعهم وقدرتهم وهذا مما يبغض على المتقذر بالوهم عيشه إذ كان لا يصيب شيئا يغتذى به وينقلب إليه يأمن أن يكون فيه قذر مستغرق وإن كانت هذه الأمور كما وصفنا لم يبق لصاحب المذهب شىء يحتج به ص80 السيرة الفلسفية
فى الفقرة الطويلة السابقة يستخدم الرازى منهجا مخالفا لمنهج الفقهاء وغيرهم فى فهم بعض أمور الدين فهو لا يستخدم القياس كما حال الفقهاء وإنما يعتمد على الحواس فى تقرير الحكم ومن خلال الفقرة السابقة يقول لنا أن الإنسان يتعب نفسه إذا بحث عن النظافة أو الطهارة الكاملة فالله يطلب منه فيها ما تقدر حواسه على رؤيته من النجاسات أو القاذورات وأما ما لا تراه أو تحسه كما فى النجاسات التى تحملها أرجل الذباب وتقف على ملابس الإنسان أو جلده فهو ليس مسئول عنها عند الله
وبين الرجل أن الإنسان عليه اتباع العدل فى سيرته مع الناس فيقول:
ولم يمكن نزع هذه السيرة الرديئة عن هؤلاء وأشباههم إلا من وجوه الكلام فى الآراء والمذاهب وكان الكلام فى ذلك مما يجاوز مقدار هذا الكتاب ومغزاه لم يبق لنا من الكلام فى هذا الباب إلا التذكير بالسيرة التى إذا سار بها الإنسان سلم من الناس وأعطى منهم المحبة فنقول إن الإنسان إذا لزم العدل والعفة وأقل من مماحكة الناس ومجاذبتهم سلم منهم على المكر الأكثر وإذا ضم على ذلك الإفضال عليهم والنصح والرحمة لهم أوتى منهم المحبة وهاتان الخلتان هما ثمرتا السيرة الفاضلة فى غرضنا من هذا الكتاب ص92 السيرة الفلسفية
والرازى مؤمن بالبعث بعد الموت وأن مطيع الله مثاب وعاصيه معاقب بحسب قوله:
"فإنه لا غنى عنه فى استتمام غرض هذه المقالة والأصول التى نبنى عليها فروع السيرة الفلسفية ونأخذها ههنا ونقتضبها اقتضابا وهى أن لنا حالة بعد الموت حميدة أو ذميمة بحسب سيرتنا كانت مدة كون أنفسنا مع أجسادنا وأن الأمر الأفضل الذى له خلقنا وإليه أجرى بنا ليس هى إصابة اللذات الجسدية بل اقتناء العلم واستعمال العدل اللذين بهما يكون خلاصنا عن عالمنا هذا إلى العالم الذى لا موت فيه ولا ألم وأن الطبيعة والهوى يدعواننا إلى إيثار اللذة الحاضرة وأما العقل فكثيرا ما يدعونا إلى ترك اللذات الحاضرة لأمور يؤثرها عليها وأن المالك لنا الذى منه نرجو الثواب ونخاف العقاب ناظر لنا رحيم بنا لا يريد إيلامنا ويكره لنا الجور والجهل ويحب منه العلم والعدل السيرة الفلسفية ص101
وبين الرجل أن الله عادل فما يقع لنا من ألم إنما هو بعدل الله حسب ما قدره فيقول:
"فنقول إنه لما كان الأصل الذى وضعناه من أن ربنا ومالكنا مشفق علينا ناظر لنا رحيم بنا تبع ذلك أيضا أنه يكره أن يقع بنا ألم وأن جميع ما يقع بنا منه مما ليس من اكتسابنا واختياراتنا بل مما فى الطبيعة فلأمر ضرورى لم يكن بد من وقوعه ووجب من ذلك أنه لا ينبغى أن نؤلم محسا بتة من غير استحقاق منه لذلك الإيلام أو لغير صرفنا عنه بذلك الألم ما هو أشد منه السيرة الفلسفية ص 103تم
 
عودة
أعلى